الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبين أن شرط الهدي أن يكون على صفة بلوغ الكعبة، فلا يصح أن تغير هذه الصفة، وكان الذبح من النّبي صلى الله عليه وسلم في طرف الحرم من جهة الحديبية. والظاهر الرأي الأول لأن منع العدو أو المرض لا يتحدد بمكان معين، ويحول بين المحرم وبين تقدمه أو تجاوزه المكان الممنوع، فكيف يتصور وصوله إلى الحرم، وهو ممنوع منه؟! قال الله تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح 25/ 48] قيل: محبوسا إذا كان محصرا ممنوعا من الوصول إلى البيت العتيق.
وهل لذبح الهدي وقت معين؟ لا خلاف في أن هدي العمرة غير مؤقت بزمان مخصوص، بل له أن يذبح متى شاء، ويحل من إحرامه. وأما هدي الإحصار في الحج: فيذبح عند الجمهور متى شاء ويحل، لأن قوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} عام في كل الأوقات متى حصل الإحصار، ولأن حكم الإحصار بالعمرة لا توقيت فيه، فلا يفرق بين دم إحصار الحج ودم إحصار العمرة، ولأن تأخير الذبح حتى يجيء يوم النحر فيه ضرر واضح.
وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد: لا يذبح الهدي قبل يوم النحر.
وهل على المحصر حلق؟ قال أبو حنيفة ومحمد: ليس على المحصر تقصير ولا حلاق. وقال الجمهور: يحلق المحصر أو يقصر، لأن ذلك قادر عليه، ولقوله تعالى:{وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة 196/ 2] ولا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه، لأن سنة الذبح الحلاق، وللآية المذكورة:{وَلا تَحْلِقُوا.} .
5 - جزاء الحلق وقتل الهوام:
إذا خالف المحرم شروط الإحرام، فحلق رأسه أو قصر بسبب المرض، أو الأذى في رأسه من قمل أو جرح أو صداع وغيره، أو قلم ثلاثة أظافر، أو قبّل زوجته مثلا، أو تطيب أو ادّهن في جسمه مثلا، فعليه فدية مخير فيها بين صيام ثلاثة أيام أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين، أو
نسك
(1)
وهو ذبح شاة، والتخيير بين هذه الخصال مستفاد من (أو) التي تقتضي التخيير. وتجب الفدية المذكورة عند مالك وأبي حنيفة، سواء فعل المخالفة عامدا أو ناسيا، ولا تجب عند الشافعي وأحمد إن خالف ناسيا.
وتقدير الطعام: إما بستة صيعان لكل مسكين صاع
(2)
، كما في رواية، وإما بثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، في رواية أخرى، فجمع الجمهور بينهما، بحمل رواية الستة الآصع على التمر، والثلاثة الآصع على طعام القمح، لأنه المعهود في سائر الصدقات. ودليل التقدير: ما
أخرجه البخاري من حديث كعب بن عجرة، قال:«وقف عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ورأسي يتهافت قملا، فقال: يؤذيك هوامّك؟ قلت: نعم، قال: فاحلق رأسك» قال:
فنزلت هذه الآية، وذكرها، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: «صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق
(3)
بين ستة، أو انسك بما تيسر». قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن:
لا يجزي أن يغدّي المساكين ويعشّيهم في كفارة الأذى حتى يعطي كل مسكين مدّين بمد النّبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو يوسف: يجزيه أن يغديهم ويعشيهم.
وأما موضع الفدية: فقال الحنفية: ما كان من دم فبمكة، وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء. وقال مالك: يفعل ذلك أين شاء، والذبح هنا نسك وليس بهدي، والنسك يكون حيث شاء، والهدي لا يكون إلا بمكة. وقال الشافعي: الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة، والصوم حيث شاء، لأن الصيام لا منفعة فيه لأهل الحرم. وقال أحمد: فدية الحلق في الموضع الذي حلق فيه،
(1)
النسك: جمع نسيكة، وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى، ويجمع أيضا على نسائك، والنسك: العبادة في الأصل.
(2)
الصاع البغدادي: (2751 غم)
(3)
الفرق: مكيال ستة عشر رطلا أي بغداديا، والرطل البغدادي (408 غم) والرطل المصري (450 غم)