الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على ما يأتي:
1 -
وجوب المحافظة على الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها، لفضلهن، وتخصيص الفضلى منهن بزيادة محافظة، أي الزائدة الفضل
(1)
، تشريفا لها، كما قال الله تعالى:{مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ، فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} [البقرة 98/ 2] وقال: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب 7/ 33] وقال: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ} [الرحمن 68/ 55].
2 -
لا تسقط الصلاة بحال، ولا يجوز تركها لأي عذر، ولو في حال اللقاء مع العدو، أو في وسط المعارك الحربية، أو في شدة المرض، إذ شرع الإسلام أداءها بكيفية تتناسب مع كل الأحوال، ففي أثناء الخوف تؤدى إما حال الركوب أو حال المشي، أو حال الوقوف إيماء على أي وضع كان. وفي حالة المرض تصلى قياما أو قعودا أو اضطجاعا، أو على جنب، أو بالإشارة إلى الأركان بجفن العين، أو بإجراء الأركان على القلب، كما أبان الشافعية والمالكية وغيرهم،
قال النّبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين-فيما رواه الجماعة-: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .
وسبب عدم سقوطها في كل حال: أنها تذكر بسلطان الله على كل شيء، وبأنه وحده الغاية والهدف، وإليه المرجع والمآل، فإن الأعمال الظاهرة تساعد القلب على استحضار الذات الإلهية، والإقبال على الله في كل شيء صعب أو
(1)
قال صاحب تفسير المنار (347/ 2): إن المراد بالصلاة: الفعل، وبالوسطى: الفضلى، أي حافظوا على أفضل أنواع الصلاة: وهي الصلاة التي يحضر فيها القلب، وتتوجه بها النفس إلى الله تعالى، ويخشع لذكره وتدبر كلامه، لا صلاة المرائين ولا الغافلين.
سهل، وفي حال الصحة أو حال المرض، وفي حال الأمن أو الخوف، فسبحانه وتعالى هو المهيمن على كل شيء، وهو صاحب الجلال والعظمة، وهو وحده الفعال لما يريد، وهو الذي ينجز مطلب عبده إذا أخلص الدعاء له، وكل ذلك أمر مجرب يحتاج إلى الإيمان الصحيح، والعمل الصالح، وصدق الطلب.
3 -
دل قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} على أن الوتر ليس بواجب، لأن المسلمين اتفقوا على أعداد الصلوات المفروضات أنها تنقص عن سبعة وتزيد عن ثلاثة، وليس بين الثلاثة والسبعة فرد إلا الخمسة، والأزواج لا وسط لها فثبت أنها خمسة،
وفي حديث الإسراء: «هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي» .
4 -
إذا كان المراد من قوله تعالى: {قانِتِينَ} ساكتين وأن القنوت هنا:
السكوت كما صحح القرطبي، كانت الآية آمرة بالسكوت في الصلاة، ناهية عن الكلام فيها. قال ابن عبد البر: أجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة، إذا كان المصلي يعلم أنه في صلاة، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته: أنه يفسد الصلاة، إلا ما روي عن الأوزاعي أنه قال:«من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام، لم تفسد صلاته بذلك» وهو قول ضعيف في النظر، لقول الله عز وجل:{وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ} .
وقال مالك: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في شأنها وإصلاحها، فلو صلّى الإمام ركعتين، وسلّم ساهيا، فسبّحوا للتنبيه، فلم يفقه، فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلاة: إنك لم تتمّ، فأتم صلاتك.
فالتفت إلى القوم، فقال: أحقّ ما يقول هذا؟ فقالوا: نعم، صحت صلاة الجميع. ودليله قصة ذي اليدين: وهي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلّم من ركعتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال: كلّ ذلك لم
يكن، فقال: بعض ذلك قد كان، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: أصحيح ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم
(1)
.
وأما إذا تكلم عابثا فتبطل صلاته.
ووافق الشافعية والحنابلة مالكا في أن الصلاة لا تبطل بكلام لمصلحتها إن صدر ذلك سهوا، فمن تكلم بعد أن سلّم قبل إتمام صلاته سهوا بكلام يسير عرفا لمصلحة الصلاة، بأنه سبق لسانه إليه أو نسي الصلاة، لا تبطل صلاته عملا بقصة ذي اليدين، وأضاف الشافعية القول بأن الصلاة لا تبطل بكلام من جهل تحريم الكلام في الصلاة إن قرب عهده بالإسلام.
وذهب الحنفية: إلى أن الصلاة تفسد بالكلام عمدا أو سهوا، أو جاهلا، أو مخطئا، أو مكرها، على المختار، بالنطق بحرفين أو بحرف مفهم مثل:«ع» و «ق» ، لتحريم الكلام في الصلاة،
ولقول النّبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»
(2)
. وقالوا: إن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم
(3)
.
5 -
ذكر أبو بكر الأنباري أن القيام أحد أقسام القنوت، وأجمعت الأمة على أن القيام في صلاة الفرض واجب على كل صحيح قادر عليه، منفردا كان أو إماما.
وقال النّبي صلى الله عليه وسلم-فيما أخرجه الأئمة-: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما، فصلوا قياما» وهو بيان لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ} .
(1)
أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود عن معاوية بن الحكم السّلمي.
(3)
قال ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله أحدث من أمره ألا تكلّموا في الصلاة» وقال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت:«وقوموا لله قانتين» .
وأجاز جمهور العلماء للمأموم الصحيح أن يصلي قائما خلف إمام مريض لا يستطيع القيام، لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته، تأسّيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ صلّى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا، وأبو بكر إلى جنبه قائما، يصلي بصلاته، والناس قيام خلفه.
والمشهور عن مالك: أنه لا يؤمّ القيّام أحد جالسا، فإن أمّهم قاعدا بطلت صلاته وصلاتهم،
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمّنّ أحد بعدي قاعدا» .
6 -
دلت آية {فَإِنْ خِفْتُمْ} على جواز الصلاة حالة القتال، أو الخوف الطارئة أحيانا، رجالا (مشاة) على الأقدام، وركبانا على الخيل والإبل ونحوها، إيماء وإشارة بالرأس حيثما توجه، ولا تبطل بالقتال، ويسقط استقبال القبلة. وهو مذهب الجمهور (مالك والشافعي وأحمد)، بدليل ظاهر الآية، ويؤيده ما
روي في الصحيح عن ابن عمر في حال الخوف: «فإن كان خوف أكثر من ذلك، صلوا قياما وركبانا، مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها» .
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الصلاة تبطل بالقتال. لكن ظاهر الآية حجة عليه، وحديث ابن عمر يرد عليه.
واختلف العلماء في تحديد صفة الخوف الذي تجوز فيه الصلاة رجالا وركبانا: فقال الشافعي: هو إطلال العدو عليهم، فيتراءون معا، والمسلمون في غير حصن، حتى ينالهم السلاح من الرمي أو أكثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب، أو يأتي من يصدق خبره، فيخبر بأن العدو قريب منهم ويصف مسيرهم، جادّين فيه، فإن لم يكن واحد من هذين المعنيين، فلا يجوز له أن يصلي صلاة الخوف.
فإن صلوا بالخبر صلاة الخوف، ثم ذهب العدو، لم يعيدوا، وقال أبو حنيفة: يعيدون.
أما صلاة الخوف مع الإمام وقسمة الناس قسمين فليس حكمها في هذه الآية، وإنما في سورة النساء.
ولا نقصان في عدد الركعات في الخوف عن صلاة المسافر عند مالك والشافعي وجماهير العلماء.
وتشريع صلاة الخوف دليل على أن الصلاة لا تسقط بحال ولا بعذر، فإذا لم تسقط الصلاة بالخوف، فأحرى ألا تسقط بغيره من مرض أو نحوه، والله سبحانه وتعالى أمر بالمحافظة على الصلوات في كلّ حال من صحة أو مرض، وحضر أو سفر، وقدرة أو عجز، وخوف أو أمن، لا تسقط عن المكلّف بحال، ولا يتطرّق إلى فرضيتها اختلال.
والمقصود من هذا أن تفعل الصلاة كيفما أمكن، ولا تسقط بحال حتى لو لم يتّفق فعلها إلا بالإشارة بالعين، لزم فعلها.
وبهذا تميزت الصلاة عن سائر العبادات، كلّها تسقط بالأعذار، ويترخّص فيها بالرّخص.
قال ابن العربي: ولذلك قال علماؤنا-وهي مسألة عظمي-إن تارك الصلاة يقتل، لأنها أشبهت الإيمان الذي لا يسقط بحال، وقالوا فيها: إحدى دعائم الإسلام، لا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال، فيقتل تاركها، وأصله الشهادتان
(1)
.
(1)
أحكام القرآن: 228/ 1