الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أبان الله تعالى ما يباح بعد انتهاء العدة بقوله: {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.} .
(1)
فخاطب الأولياء بأنه إذا أتممن عدتهن، فلا إثم عليكم أيها الأولياء وجميع الناس فيما فعلن في أنفسهن ما كان محظورا عليهن قبل ذلك من التزوج فما دونه من التزين، والتعرض للخطاب، واختيار الأزواج وتقدير الصداق، والخروج من البيت على الوجه المعروف شرعا وعرفا: وهو ما أذن الله لهن فيه، والله بما تعملون خبير، فهو محيط بدقائق أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها، ويعلم من يعضل النساء فيجازيه، ويعلم من يحسن توجيه النساء نحو التزام حدود الشرع، أو يتساهل ويفرط في حقوق الله، فإن جعلتم نساءكم تسير على نهج الشرع سعدتم، وإن فرطتم وانحرفتم عن حدود الله وقعتم في الشقاء والعذاب.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآية في عدة المتوفى عنها زوجها، وظاهرها العموم، ومعناها الخصوص فهي مخصوصة بغير الحوامل، لقوله تعالى:{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق 4/ 65].
وأكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ} [البقرة 240/ 2]. لأن الناس كانوا في مبدأ الإسلام إذا توفي الرجل وخلّف امرأته حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة، وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر، وبالميراث.
(1)
بلوغ أجلهن: هو انقضاء المدة المضروبة في التربص، والمخاطبون بعليكم: الأولياء أو الأئمة والحكام والعلماء، إذ هم المرجع.
وعدة الحامل المتوفى عنها زوجها: وضع حملها عند جمهور العلماء. وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن تمام عدتها آخر الأجلين. لكن روي عن ابن عباس أنه رجع عن هذا. وحجتهما الجمع بين قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وبين قوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . لأنها إذا قعدت أقصى الأجلين، فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل، فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة، والجمع أولى من الترجيح باتفاق علماء الأصول ما عدا الحنفية الذين يقدمون الترجيح على الجمع. ويرد على هذا الاتجاه
بحديث سبيعة الأسلمية في الصحيح، كما تقدم، وأنها نفست بعد وفاة زوجها بليال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأباح لها أن تتزوج. قال الزهري: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أن زوجها لا يقربها حتى تطهر، وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء.
واتفق العلماء على أن عدة الحامل المطلقة تنتهي بوضع الحمل.
وليس لمعتدة الوفاة نفقة في رأي الجمهور، لانتهاء الزوجية بالموت، وأوجب لها المالكية السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكا للزوج، أو مستأجرا ودفع أجرته قبل الوفاة، وإلا فلا، بدليل
قوله عليه الصلاة والسلام للفريعة:
«امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» . وأجمع أهل العلم على وجوب نفقة الحامل المطلقة ثلاثا أو الرجعية، لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ، فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق 6/ 65].
وعلى المرأة في رأي مالك إذا أتاها نعي زوجها، وهي في بيت غير بيت زوجها، الرجوع إلى مسكنه. وقال سعيد بن المسيب والنخعي: تعتد حيث أتاها الخبر حتى تنقضي العدة.
والإحداد: ترك المرأة الزينة كلها من اللباس والطيّب والحليّ والكحل والخضاب بالحنّاء ما دامت في عدتها، لأن الزينة داعية إلى الأزواج. فنهيت عنها سدا للذرائع، وحماية لحرمات الله تعالى أن تنتهك.
والحداد على القريب ثلاثة أيام فقط، وعلى الزوج أربعة أشهر وعشر، وهو مقصور على ترك الزينة والطيب وعدم الخروج من المنزل إلا لضرورة أو عذر
(1)
،
روى البخاري ومسلم عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحدّ امرأة على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب
(2)
، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار»
(3)
وفي حديث أم حبيبة: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» الحديث، وهو يدل على تحريم إحداد المسلمات على غير أزواجهن فوق ثلاث، خلافا للأعراف الفاسدة السائدة اليوم.
وأجاز الحنفية والمالكية
(4)
للمتوفى عنها زوجها لا المطلقة أن تخرج من منزل العدة نهارا في حوائجها الضرورية، لاكتساب ما تنفقه، لأنه لا نفقة لها من الزوج المتوفى، بل نفقتها عليها، فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النفقة، ثم تعود فتبيت في ذلك المنزل، ولا تخرج بالليل، لعدم الحاجة إلى الخروج ليلا، كما لا تخرج لزيارة ولا تجارة ولا تهنئة ولا تعزية.
(1)
قال المالكية: ولا تدخل حماما ولا تكتحل إلا لضرورة، وتمسح الكحل نهارا (الشرح الصغير: 686/ 2)
(2)
العصب: من برود اليمن، وهو الذي يصبغ غزل السدي فيه دون اللحمة، ثم ينسج مصبوغا فيخرج موشيا، لبقاء بعض ما عصب منه أبيض ولم ينصبغ.
(3)
النّبذة: الشيء اليسير، والقسط والأظفار: نوعان من البخور، ونبذة: منصوب على الاستثناء.
(4)
البدائع: 204/ 3 - 220، الشرح الصغير: 689/ 2، تفسير القرطبي: 179/ 3
ولا خلاف في أن الخضاب والكحل داخلان في جملة الزينة المنهي عنها، وأنه لا يجوز لبس الثياب المصبوغة والمعصفرة، إلا ما صبغ بالسواد فإنه مرخص فيه في المذاهب الأربعة.
وأجمع الناس على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، واتفقوا على عدم وجوبه على المطلقة طلاقا رجعيا، لأنها في حكم الزوجة، لها أن تتزين لزوجها، ليرغب في إعادتها إلى الزوجية. أما المطلقة طلاقا بائنا فلا يجب عليها الحداد عند الجمهور، وإنما يستحب فقط، لأن الزوج أذاها بالطلاق البائن، فلا تلزم بإظهار الحزن والأسف على فراقه، واستحباب الحداد لها لئلا تدعو الزينة إلى الفساد.
وأوجب الحنفية الحداد على المبتوتة والمطلقة طلاقا بائنا، لأنه حق الشرع، ولإظهار التأسف على فوات نعمة الزواج، كالمتوفى عنها.
وتبدأ العدة في المذاهب الأربعة في الطلاق والوفاة من يوم الموت أو الطلاق. وأجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها، ثم توفي قبل انقضاء العدة: أن عليها عدة الوفاة وترثه. واختلفوا في عدة المطلقة ثلاثا في المرض، فقالت طائفة: وهي مالك والشافعي: تعتد عدة الطلاق، لأن الله جعل عدة المطلقات الأقراء. وقال أبو حنيفة ومحمد: عليها أربعة أشهر وعشر، تستكمل في ذلك ثلاث حيض.
وتلزم عدة الوفاة الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة، والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت، واليائسة من المحيض، والكتابية، دخل بها أو لم يدخل، إذا كانت غير حامل، ومدة العدة كما بينا أربعة أشهر وعشرة أيام، لعموم الآية:
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} .
وقوله تعالى: {عَشْراً} : سئل أبو العالية: لم ضمت العشر إلى الأربعة الأشهر؟ قال: لأن الروح تنفخ فيها.