الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللهُ} عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم، وقوله {وَلا يُزَكِّيهِمْ}: أي لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم.
ثم إن أولئك المتاجرين في دين الله استبدلوا الضلالة بالهدى، فتركوا هدى الله، واتبعوا في الدين أهواء الناس، واستحقوا العذاب بدل المغفرة، لجنايتهم على أنفسهم بإيثار المال الفاني على الثواب الخالد الباقي، فعجبا لهم أشد العجب، كيف يطيقون الصبر على موجبات النار وأعمال الضلال من غير مبالاة منهم فقوله:{فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ} تعجب من كثرة صبرهم، أي هم في حال عذاب يقول من يراهم: ما أصبرهم؟!.
وهذا الأسلوب يقال لمن يتعرض لما يوجب غضب الحاكم أو السلطان:
ما أصبرك على القيد والسجن! أي أنه لا يتعرض لمثل ذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب.
إن ذلك العذاب الشديد الذي ينتظرهم هو غاية العدل، وإن ما أنزل الله من الكتاب هو الحق الأبلج الذي لا يحاد عنه ولا يغالب.
وأما الذين اختلفوا في كتب الله، فقالوا: بعضها حق، وبعضها باطل، فهم في خلاف ونزاع بعيد عن الحق، ولن يلتقوا على شيء واحد، وسيظل النزاع أو الشقاق بينهم بعيد الجانب عن الحق والصواب والهداية الصحيحة.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن كتمان الحق وتزييف الحقائق والإيغال في الباطل سبب لأنواع شتى من العذاب.
وإن الاختلاف في أصول الدين وقضاياه الأصلية العامة مدمر للدين كله، لذا أمر الله المؤمنين بالالتقاء على سبيل واحدة هي المنهج الرباني، فقال تعالى:
{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام 153/ 6] وحذر الله المؤمنين من التفرق مذاهب شتى في الاعتقاد وأصول الدين، فقال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام 159/ 6].
أما الاختلاف في الفهم، والاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، والاعتماد على الكتاب والسنة، فليس معيبا، وإنما يثاب كل من المجتهدين: المخطئ والمصيب، ويمكن للدولة أن تختار من بين الآراء الاجتهادية ما يناسب عصرها وزمانها ويحقق مصلحتها التي هي مصلحة الأمة العامة والعليا، لأن «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة» أي المصلحة العامة. وهذا الاختلاف في الفهم لا يؤدي إلى تمزيق وحدة الأمة، ولا يقتضي الشقاق والنزاع الناجم عن الاختلاف في أصول الشرع الإلهي.
وقد أوعد الله الناس على أمور ثلاث: كتمان الحق، والمتاجرة في الدين، والاختلاف الجذري في أصول الدين. أما كتمان الحق: فيؤدي إلى النار والعذاب الدائم وعدم الظفر بالمغفرة، كما قال الله تعالى عن علماء اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته.
وأما المتاجرة في الدين: فتستوجب النار أيضا، وعجبا لنفر من الناس يتحملون عذاب الله الشديد، فما أشجعهم وما أجرأهم على النار، إذ يعملون عملا يؤدي إليها.
ذلك العذاب المستحق لهم عنوان العدل والحق، ولم ينزل الله هذا القرآن إلا بالحق، لإقراره ونشره والإذعان له.
وأما الاختلاف الجذري في الدين: فإنه يجسّد الفرقة والخلاف، ويمنع