الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي: «إنك لعريض القفا، إنما ذاك بياض النهار، وسواد الليل» . قلت:
غفل عن البيان، ولذاك عرّض رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته.
فإن قلت: فما تقول فيما
روي عن سهل بن سعد الساعدي: «أنها نزلت ولم ينزل: من الفجر، فكان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب، حتى يتبينا له، فنزل بعد ذلك: من الفجر، فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار»
(1)
. وكيف جاز تأخير البيان، وهو يشبه العبث، حيث لا يفهم منه المراد، إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة، ولا بتشبيه، قبل ذكر: الفجر، فلا يفهم منه إذن إلا الحقيقة، وهي غير مرادة؟!.
قلت: أما من لا يجوز تأخير البيان، وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين، وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم، فلم يصح عندهم هذا الحديث. وأما من يجوزه، فيقول: ليس بعبث، لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب، ويعزم على فعله، إذا استوضح المراد منه
(2)
.
التفسير والبيان:
هذه الآيات تذكير للعباد وتعليم للمؤمنين ما يراعونه في عبادة الصيام وغيرها من الطاعة والإخلاص والآداب والأحكام، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء الذي يعدّهم للهدى والرشاد. وقال البيضاوي في وجه الربط بين الآيات: واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة، وحثهم على القيام بوظائف التكبير
(1)
رواه البخاري عن ابن أبي مريم، ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن ابن أبي مريم.
(2)
الكشاف: 258/ 1
والشكر، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم، مجيب لدعائهم، مجاز على أعمالهم، تأكيدا له وحثا عليه.
وقد روي أن سبب نزول الآية: أن النّبي صلى الله عليه وسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت مرتفع في غزوة خيبر، فقال لهم:«أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» .
وروي أيضا عن قتادة: أن الصحابة قالوا: كيف ندعوا ربنا يا نبي الله؟ فأنزل الله هذه الآية.
وروي كذلك أنه: لما نزلت آية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} ، فهموا منها تحريم الأكل بعد النوم، ثم إنهم أكلوا، وندموا، وتابوا، وسألوا النّبي صلى الله عليه وسلم: هل يقبل الله تعالى توبتنا؟ فنزلت.
وليس المراد بالقرب هنا قرب المكان، بل المراد: القرب بالعلم وما تقتضيه إجابة الدعاء. ويرى السلفيون: أن ما ذكر في القرآن والسنة من قرب الله ومعيّته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء.
ومعنى الآية (186): {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي} أي عن شأن من شؤون ذاتي، وهي جهة القرب أو البعد، فإني قريب منهم، أي أعلم أحوالهم، وأسمع أقوالهم، وأرى أعمالهم، وهو المراد بالقرب في آية أخرى مماثلة:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق 16/ 50] فليس بيني وبين أحد حجاب، وأجيب دعوة من يدعوني مخلصا لي، دون وسيط، وقرن دعاءه بالعمل الخالص لوجه الله تعالى.
وإجابة الدعاء تشمل الهداية للأسباب كتيسير سبل الرزق والشفاء والنجاح، وتحقيق النتائج المترتبة على الأسباب بالتوفيق والرعاية.