الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثة: رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل في الحرم، ورجل أخذ بذحول
(1)
الجاهلية» ودلت الآية على مراعاة المماثلة في الحرية والعبودية والأنوثة، قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية أنه يراد به الجنس: الذكر والأنثى سواء فيه. واتفق الفقهاء على ترك ظاهر: {وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} .
وإنهاء لعادة الأخذ بالثأر، لم يسمح الشرع للأفراد أن يطبقوا القصاص بأنفسهم، وإنما حصر تطبيق القصاص وإقامة الحدود بولاة الأمور، لأنّ الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ولا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود، منعا من الوقوع في الفوضى وتجاوز الحق والعدل، وليس القصاص بلازم، إنما اللازم ألا يتجاوز القصاص وغيره من الحدود إلى الاعتداء، ويجوز العفو عن القصاص إلى الدية أو بلا دية.
مسائل فقهية:
1 - قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر:
اختلف الفقهاء في مسألتين هما: قتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي. فاشترط الجمهور التكافؤ بين القاتل والمقتول في الإسلام والحرية، فلا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد، ولم يشترط الحنفية التكافؤ في الحرية والدين، وإنما يكفي التكافؤ أو التساوي في الإنسانية، فيقتل المسلم بالكافر والحر بالعبد.
استدل الجمهور
بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم-فيما رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي-عن عبد الله بن عمرو: «لا يقتل مسلم بكافر» ورواه البخاري عن علي أيضا، وبقوله عليه الصلاة والسلام في العبد-فيما رواه الدارقطني والبيهقي-عن ابن عباس مرفوعا:«لا يقتل حر بعبد» .
(1)
الذحل: العداوة والحقد، أو الثأر وطلب المكافأة على الجناية الواقعة عليه.
واستدل الحنفية بعموم آيات القصاص بدون تفرقة بين نفس ونفس، مثل قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} [البقرة 178/ 2] وقوله:
{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة 45/ 5].
أما آية {الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} بعد قوله:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} : فالمراد بها عند الحنفية الرد على ما كان يفعله بعض القبائل، من أنهم يأبون أن يقتلوا في عبدهم إلا حرا، وفي امرأتهم إلا رجلا، فأبطل ما كان من الظلم، وأكد فرض القصاص على القاتل دون غيره، فليس في الآية دلالة على أنه لا يقتل الحر بالعبد، أو أنه لا يقتل الرجل بالمرأة، لأن الله أوجب قتل القاتل بصدر الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} وهذا يعم كل قاتل، سواء أكان حرا قتل عبدا أم غيره، وسواء أكان مسلما قتل ذميا أم غيره. ثم جاءت آية:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ.} . لبيان ما تقدم ذكره على وجه التأكيد.
وقال الجمهور: إن الله قد أوجب أولا المساواة في القصاص، ثم بين المساواة المعتبرة، فأوضح أن الحر يساويه الحر، والعبد يساويه العبد، والأنثى تساويها الأنثى، لكن جاء الإجماع مستندا إلى السنة النبوية على أن الرجل يقتل بالمرأة.
فمناط الاستدلال عندهم كلمة {الْقِصاصُ} الموجبة للمساواة والمماثلة في القتل. ومناط الاستدلال عند الحنفية كلمة {الْقَتْلى} الموجبة حصر القصاص في القاتل لا في غيره.
وإذا كان الحر لا يقتل بالعبد-في رأي الجمهور-فالمسلم لا يقتل بالذمي، لأن نقص العبد برقه الذي هو من آثار الكفر، فلا يقتل المسلم بالكافر.
ويظهر أن رأي الحنفية يحقق الانسجام بين صدر الآية وعجزها، فيكون العبد مساويا للحر، ويكون المسلم مساويا للذمي في الحرمة، لأنه محقون الدم
على التأبيد. أما رأي الجمهور فلا يحقق الانسجام بين بداية الآية ونهايتها، إذ أنهم قرروا ألا يقتل الحر بالعبد، وأن الرجل يقتل بالأنثى وبالعكس.
لكن السنة النبوية أوجبت النظر في الآية، فقال الجمهور: جاءت الآية مبينة حكم النوع إذا قتل نوعه، فبينت حكم الحر إذا قتل حرا، والعبد إذا قتل عبدا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر، فالآية محكمة، وفيها إجمال بينه النبي صلى الله عليه وسلم بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة، ولم يجز قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر.
ويعضد ما ذهب إليه الحنفية من شرع قتل المسلم بالذمي: ما
رواه الطحاوي عن محمد بن المنكدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مسلما بذمي، وقال:«أنا أحق من وفى بذمته» ، و
روي عن عمر وعلي قتل المسلم بالذمي، وقال علي: «إنا أعطيناهم الذي أعطيناهم
(1)
، لتكون دماؤهم كدمائنا ودياتهم كدياتنا».
وتأول الحنفية
حديث «لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد بعهده» بأنه لا يقتل المسلم والمعاهد بكافر حربي، لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين إجماعا، فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربي، كما قيد بالمعطوف، لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقا، ويكون التقدير:
لا يقتل مسلم بكافر حربي، ولا ذو عهد بكافر حربي، لأن الذمي إذا قتل ذميا قتل به، فعلم أن المراد به: الحربي، إذ هو الذي لا يقتل به مسلم ولا ذمي.
ورد الجمهور بأن
حديث «أنا أحق من وفى بذمته» مرسل عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر، وهو ضعيف الحديث، لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله؟! وقال الدارقطني:«لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك الحديث» .
(1)
أي العهد والأمان.