الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ وَفِي الْعُمُومِ بِأَنْ يَصْدُقَ كُلٌّ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ وُرُودِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَنْ الْآخَرِ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ مَدْلُولُهُ قَابِلًا لِلنَّسْخِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ آيَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا آيَةً وَالْآخَرُ خَبَرًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ تَسَاقَطَا، وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَمْنَعُ وُرُودَ هَذَا الْقِسْمِ وَالْخَاصَّانِ حُكْمُهُمَا هَذَا الْحُكْمُ، الثَّانِي أَنْ يُجْهَلَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ تَسَاقَطَا لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَنْسُوخُ احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ، الثَّالِثُ أَنْ تُعْلَمَ مُقَارَنَتُهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَمْكَنَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْحُكْمِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا حَاظِرًا أَوْ مُثْبِتًا حُكْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي طَرْحَ الْمَعْلُومِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا قُوَّةً فَالتَّخْيِيرُ، ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعُمُومِ مَعًا.
وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَيْضًا: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا فَيَتَرَجَّحُ الْقَطْعِيُّ وَيُعْمَلُ بِهِ إنْ كَانَا عَامَّيْنِ أَوْ خَاصَّيْنِ أَوْ الْقَطْعِيُّ خَاصًّا وَالظَّنِّيُّ عَامًّا فَإِنْ كَانَ الْقَطْعِيُّ عَامًّا وَالظَّنِّيُّ خَاصًّا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُعْمَلُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْعَامِّ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَظْنُونَ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالًا لِلدَّلِيلَيْنِ أَمَّا الْخَاصُّ فَفِي جَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَامُّ فَمِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَفْرَادُ الَّتِي لَمْ تُخَصَّصْ، وَمَنْعُ التَّخْصِيصِ يَقْضِي إلَى إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْخَاصُّ وَإِعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ إنْ عَمِلْنَا بِالْعَامِّ الْمَقْطُوعِ بِهِ ثُمَّ وَرَدَ الْخَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ إذَا كَانَ مَظْنُونًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ وَنَسْخُ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ لَا يَجُوزُ، الثَّانِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ لَا فِي الْعُمُومِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْأَخَصِّ سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ عُلِمَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَمْ يُعْلَمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ بَلْ يُرَجَّحُ بِكَوْنِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا حَظْرًا أَوْ شَرْعِيًّا أَوْ مُثْبِتًا وَالْآخَرِ إبَاحَةً أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ نَافِيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفِي الظَّنِّيَّيْنِ يُرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا تَسَاوٍ لَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَلَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْقَطْعِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْقَطْعِيُّ هُوَ الْأَعَمَّ فَإِنَّهُ يُخَصُّ بِالظَّنِّيِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ صِيرَ إلَى التَّرْجِيحِ فَيُرَجَّحُ الظَّنُّ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ حَظْرًا أَوْ مُثْبِتًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ سَوَاءٌ عُلِمَ تَأَخُّرَ الْقَطْعِيِّ عَنْ الظَّنِّيِّ أَمْ تَقَدَّمَهُ أَمْ جُهِلَ الْحَالُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَالْعَمَلُ بِالْقَطْعِيِّ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]
(مَسْأَلَةٌ لَا شَكَّ فِي جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ) أَيْ وَلَا فِي نَفْيِ جَرْيِهِ (بَيْنَ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ) لِجَوَازِ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُضَادِّ لِغَيْرِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي وَقْتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ وَإِبْطَالٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلَيْنِ وَلَا لِأَحَدِهِمَا (كَصَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرٍ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ كَانَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْفِطْرُ فِي سَبْتٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ قَوْلِ عَضُدِ الدِّينِ وَفِطْرٌ فِي يَوْمٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ اسْتِثْنَاءً مِنْ نَفْيِهِ (إلَّا إنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ (عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم (وَنَحْوِهِ) أَيْ أَوْ عَلَى نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ (وَسَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ) أَيْ وَدَلَّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِذَلِكَ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِأَنْ دَلَّ أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ التَّعَارُضُ بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ فَيَكُونُ فِطْرُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَالَةِ دَلِيلُ رَفْعِ مَا وَجَبَ مِنْ صَوْمِ كُلِّ سَبَبٍ (وَتَقَدَّمَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ مِثْلُهُ) صلى الله عليه وسلم فِيمَا عُرِفَتْ فِيهِ صِفَةُ
الْفِعْلِ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ دَلَّ هُنَا عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ (فَالنَّافِي) وَهُوَ فِطْرُهُ (نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ مُثْبِتٌ بِحُكْمِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْأُمَّةِ الْفِطْرَ كَمَا أَنَّ صَوْمَهُ كَانَ مُثْبِتًا ذَلِكَ فَلِهَذَا يَلْزَمُ أَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ الصِّفَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْهُ.
(وَعَنْ الْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ) أَنَّ فِعْلَهُ الثَّانِيَ يُنْسَخُ (عَنْهُ) صلى الله عليه وسلم (فَقَطْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوجِبُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ شَيْئًا بِدَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ، وَدَلِيلُ التَّكَرُّرِ يَخُصُّهُ (وَأَمَّا) التَّعَارُضُ (بَيْنَ فِعْلٍ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (عُرِفَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مَثَلًا (فِي حَقِّهِ وَقَوْلٍ) يَنْفِي ذَلِكَ كَأَنْ يَصُومَ يَوْمَ السَّبْتِ ثُمَّ يَقُولَ صَوْمُهُ حَرَامٌ (فَعَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ أُمَّتَهُ مِثْلُهُ وُجُوبًا أَوْ غَيْرَهُ) لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا (فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ) كَقَوْلِهِ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ (نُسِخَ عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا) أَيْ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْآخَرُ (وَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (فَيَسْتَمِرُّ مَا فِيهِمْ) أَيْ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِ إذْ النَّاسِخُ لَمْ يَتَعَرَّضْ سِوَاهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ (قِيلَ يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَثْبُتُ) الْفِعْلُ (عَلَى صِفَتِهِ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ أَيْ يَسْتَمِرُّ مَا كَانَ وَعَلَيْهِمْ (وَقِيلَ) يُؤْخَذُ (بِالْقَوْلِ فَيَخُصُّهُ النَّسْخُ وَيَثْبُتُ مَا فِيهِمْ) أَيْ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِمْ مُقْتَضَى الْفِعْلِ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يُتَوَقَّفُ) فِي حَقِّهِ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ إذْ جَوَازُ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَتَأَخُّرِهِ ثَابِتٌ فَالتَّعْيِينُ تَحَكُّمٌ (فِي حَقِّهِ وَثَبَتَ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلُ (مَا فِيهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ فِي حَقِّهِمْ
(وَإِنْ) كَانَ الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِمْ) أَيْ الْأُمَّةِ بِأَنْ صَامَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ صَوْمُهُ (فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ فَمَا كَانَ لَهُ) أَيْ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مُتَكَرِّرَيْنِ أَوْ إبَاحَةٍ فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ (كَمَا كَانَ وَفِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَأَقْوَالٌ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ ثَانِيهَا يُؤْخَذُ بِالْوَقْفِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ (فَثَالِثُهَا) وَهُوَ (الْمُخْتَارُ) يُؤْخَذُ (بِالْقَوْلِ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ (لِوَضْعِهِ) أَيْ الْقَوْلِ (لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ) الْقَائِمَةِ بِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ (وَأَدِلِّيَّتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ مِنْ الْفِعْلِ عَلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ (وَأَعَمِّيَّتِهِ) أَيْ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ دَلَالَةً أَيْ فَأَفْرَادُ مَدْلُولَاتِهِ أَكْثَرُ لِذَا يُدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ (بِخِلَافِ الْفِعْلِ) فَإِنَّ لَهُ مَحَامِلَ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ فَيَقَعُ الْخَطَأُ فِيهِ كَثِيرًا وَيُخْتَصَرُ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَحْسُوسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ وَالْمَعْقُولَ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهُمَا بَلْ الْفِعْلُ (إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِهِ) نَفْسِهِ (لِلْفَاعِلِ) لَا عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ (فَإِنْ دَلَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ) أَيْ عَلَى اقْتِدَاءِ غَيْرِ الْفَاعِلِ بِهِ (فَبِذَلِكَ) الدَّالِّ لَا بِالْفِعْلِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْفِعْلِ بَعْدَ دَلَالَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِهِ لِلْفَاعِلِ (احْتِمَالَاتُ) الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْفِعْلِ بَلْ (إنْ تَعَيَّنَ بَعْضُهَا فَبِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْفِعْلِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (قَدْ يَقَعُ بَيَانًا لِلْقَوْلِ) أَيْ لِصُورَةِ مَدْلُولِ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ (عِنْدَ إجْمَالِهِ) أَيْ الْقَوْلِ فِيهَا كَفِعْلِ الصَّلَاةِ (وَكَلَامُنَا) فِي التَّرْجِيحِ (مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِجْمَالِ
(وَالْفَرْقُ) بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِهِ حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَبَيْنَ مَا هُنَا حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ (أَنَّا هُنَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِنَا (مُتَعَبِّدُونَ بِالِاسْتِعْلَامِ لِتَعَبُّدِنَا بِالْعَمَلِ) الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ (لَا هُنَاكَ) فَإِنَّا لَسْنَا هُنَاكَ مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ (إذْ لَمْ تُؤْمَرْ بِهِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ) صلى الله عليه وسلم (أَدْرَى بِهِ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ (أَوْ) كَانَ الْقَوْلُ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ بِأَنْ فَعَلَ الصَّوْمَ ثُمَّ قَالَ حُرِّمَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ (فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ) أَيْ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ (وَفِي الْجَهْلِ) بِالْمُتَأَخِّرِ
قُدِّمَ (بِالْقَوْلِ) فَيَحْرُمُ الصَّوْمُ عَلَى الْكُلِّ (لِوُجُوبِ الِاسْتِعْلَامِ فِي حَقِّنَا) فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ (وَبِاتِّفَاقِ الْحَالِ بِعِلْمِ حَالِهِ مُقْتَضًى لِلشُّمُولِ) أَيْ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ بَحْثِنَا الْعِلْمُ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِالْقَصْدِ بِالْبَحْثِ إلَى اسْتِعْلَامِهِ فِي حَقِّهِ (لَكِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ) عَلَيْهِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّا لَسْنَا مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ بَلْ هُوَ أَدْرَى بِالْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ فَقَالَ (وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ دَلِيلِ التَّكْرَارِ) أَيْ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لَا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرِهِ وَعُلِمَتْ صِفَتُهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَلَا يَخْلُو الْقَوْلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِالْأُمَّةِ أَوْ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَالْقَوْلُ الْخَاصُّ بِهِ مَعْلُومُ التَّأَخُّرِ) بِأَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ لَا يَحِلُّ لِي فِعْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ مَنْدُوبًا (فَقَدْ أَخَذَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ مُقْتَضَاهَا مِنْهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ مَرَّةً وَقَدْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
(وَالْقَوْلُ شَرْعِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فِي حَقِّهِ لَا نَاسِخٌ) لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ فَعَلَهُ فَتَمَّ أَمْرُهُ (وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ الْأُمَّةِ الْفِعْلُ (مَرَّةً بِصِفَتِهِ) عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ (إذْ لَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِمْ) لِفَرْضِ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ (وَلَا سَبَبَ تَكْرَارٍ أَوْ) عُلِمَ (الْمُتَقَدِّمُ) لِلْقَوْلِ كَأَنْ يَقُولَ لَا يَحِلُّ لِي كَذَا ثُمَّ يَفْعَلُهُ (نَسَخَ عَنْهُ الْفِعْلُ مُقْتَضَى الْقَوْلِ أَيْ دَلَّ) الْفِعْلُ (عَلَيْهِ) أَيْ نَسْخِ الْقَوْلُ (وَيَثْبُتُ) الْفِعْلُ (عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ مَرَّةً) بِذَلِكَ الْفِعْلِ النَّاسِخِ (لِفَرْضِ الِاتِّبَاعِ فِيمَا عُلِمَ وَعَدَمِ التَّكْرَارِ وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْفِعْلِ فَيَثْبُتُ الْفِعْلُ فِي حَقِّهِمْ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ فَيَحْرُمُ وَالْوَقْفُ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ (قِيلَ وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ وَنَظَرَ فِيهِ) وَالنَّاظِرُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنْ لَا تَعَارُضَ مَعَ تَأَخُّرِ الْقَوْلِ) الْخَاصِّ بِهِ (فَيُؤْخَذُ بِهِ) أَيْ بِالْقَوْلِ حُكْمًا بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُخِذَ بِالْفِعْلِ نُسِخَ مُوجَبُ الْقَوْلِ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (تَرْجِيحًا لِرَفْعِ مُسْتَلْزِمِ النَّسْخِ وَعُلِمَتْ اسْتِوَاءُ حَالَتَيْ الْأُمَّةِ فِيهِمَا) أَيْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ وَتَأَخُّرِهِ (مِنْ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (مَرَّةً مِنْهُمْ) أَيْ عَلَيْهِمْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ عَلَى الْوَقْفِ يَعْنِي أَنَّهُ عَلِمَ حَالَ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلِّ الْجَهْلِ مِنْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ وَتَأَخُّرِهِ فَلَمْ يَبْقَ التَّرَدُّدُ إلَّا فِي حَالَةٍ فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِمَا وَتَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ اخْتِيَارُ الْوَقْفِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِاسْتِعْلَامِ الثَّابِتِ لَهُ
(وَإِنْ) كَانَ الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِمْ) بِأَنْ فَعَلَ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ هَذَا (فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقَوْلِ بِهِ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ أَوْ لَا (وَفِيهِمْ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ (الْمُتَأَخِّرُ) مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ (نَاسِخٌ لِلْمَرَّةِ) فَإِنَّ الْفِعْلَ بِلَا تَكْرَارٍ يُوجِبُ الْمَرَّةَ فَيَنْسَخُهَا كَمَا لَوْ قَالَ: صُومُوا يَوْمَ سَبْتٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَرَّةً فَإِذَا أَفْطَرَ - وَالْأُمَّةُ مِثْلُهُ - أَوْ قَالَ لَا تَصُومُوا فِيهِ نَسَخَ عَنْهُمْ الصَّوْمَ فِيهِ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالِ فِيهِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ (وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ وَإِنْ) كَانَ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ فِي عِلْمِ الْمُتَأَخِّرِ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَفِي حَقِّهِ إنْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ فَلَا يُعَارَضُ لِعَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لَهُ وَفِي حَقِّ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا (فَالثَّلَاثَةُ) الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ (وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ فَيُنْسَخُ عَنْهُمْ الْمَرَّةَ لَكِنْ لَوْ قُدِّمَ الْفِعْلُ وَجَبَتْ) الْمَرَّةُ (فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ) أَيْ وَفِي وُجُوبِهِ مَرَّةً (ثُمَّ تَقُولُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قُدِّمَ بِهِ الْقَوْلُ) عَلَى الْفِعْلِ وَالْوَقْفِ (حَيْثُ قُدِّمَ) عَلَيْهِمَا مِنْ أَنَّهُ وَضَعَ الْقَوْلَ لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ إلَى آخِرِ مَا سَلَفَ (نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُفِيدُ) الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ (تَقْدِيمَهُ) أَيْ الْقَوْلِ
(وَلَوْ كَانَ) التَّقْدِيمُ (بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ مُلَاحَظَةِ ذَاتِ الْفِعْلِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَوْلِ (لَكِنَّ النَّظَرَ بَيْنَ فِعْلٍ دَلَّ عَلَى خُصُوصِ حُكْمِهِ وَعَلَى ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَفِي الْحَقِيقَةِ النَّظَرُ) إنَّمَا هُوَ (فِي تَقْدِيمِ الْقَوْلِ عَلَى مَجْمُوعِ أَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَدُلُّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَجْمُوعِ فَإِنَّمَا عَارَضَهُ مَا دَلَّ بِهِ
أَيْضًا عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعِ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ (وَالْأَدِلِّيَّةُ وَنَحْوُهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَعَمِّيَّةِ وَغَيْرِهَا (طَرْدًا وَحِينَئِذٍ) لَا أَثَرَ لَهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ (فَالْوَجْهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ) التَّعَارُضِ (مُلَاحَظَةُ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ يَقَعُ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ) تَقْدِيمِ (الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ) الَّذِي فِيهِ الِاحْتِيَاطُ (كَفِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ وُجُوبٌ أَوْ نَدْبٌ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ إذَا كَانَ التَّارِيخُ مَجْهُولًا (يُقَدَّمُ) الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ (عَلَى الْقَوْلِ الْمُبِيحِ وَقَلْبَهُ الْقَوْلَ) فَيُقَدَّمُ الْقَوْلُ الْمُبِيحُ عَلَى فِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ (وَكَذَا الْقَوْلُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُحَرَّمًا مَعَ الْفِعْلِ مُطْلَقًا) يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا (وَقَوْلُ كَرَاهَةٍ مَعَ فِعْلِ إبَاحَةٍ) يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي (وَقِسْ) عَلَى هَذِهِ أَمْثَالَهَا (فَأَمَّا إذَا لَمْ تُعْرَفْ صِفَةُ الْفِعْلِ فَعَلَى الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ كَذَلِكَ) أَيْ لَهُ وَلَهُمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ صِفَةُ فِعْلِهِ وَالْآخَرِينَ الْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ (وَعَلَى خُصُوصِ هَذِهِ) الْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (بِالْأُمَّةِ الْمُتَأَخِّرِ) مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ (نَاسِخٌ عَنْهُمْ فِعْلًا) كَانَ (أَوْ قَوْلًا شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (أَوْ خَاصًّا بِهِمْ فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ
(فَالْمُخْتَارُ مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى الْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ (سِوَى إطْلَاقِ الْفِعْلِ إنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ النَّافِي لَهُ) أَيْ إطْلَاقِ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِهِ (خَاصًّا بِهِ) بِأَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (مَنَعَهُ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ (فِي حَقِّهِ دُونَهُمْ) فَيَسْتَمِرُّ لَهُمْ مُوجَبُ الْفِعْلِ وَهُوَ حِلَّةٌ لَهُمْ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِ خَاصًّا (بِهِمْ) كَأَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِأُمَّتِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَفِي حَقِّهِمْ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِمْ وَحَكَمْنَا بِالْإِطْلَاقِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ (نَفْيُ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا) أَيْ نَسْخُ الْحِلِّ الَّذِي كَانَ مُقْتَضَى الْفِعْلِ عَنْ الْكُلِّ وَزَالَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا (فَلَوْ كَانَ) الْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ (مُوجِبًا أَوْ نَادِبًا قَرَّرَهُ) أَيْ الْفِعْلَ (عَلَى مُقْتَضَاهُ) أَيْ الْقَوْلِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ
(وَإِنْ) كَانَ الْمُتَأَخِّرُ (الْفِعْلَ وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ) كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَصُومُ (فَالْوَقْفُ فِيمَا سِوَى مُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ الْكُلِّ) أَيْ ثَبَتَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِ وَحَقِّهِمْ بِمُقْتَضَى الْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا سِوَى فِي حَقِّ الْكُلِّ (أَوْ) كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا (بِهِمْ) كَأَنْ يَقُولَ: لَا يَحِلُّ لِلْأُمَّةِ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِصَوْمِهِ (أَوْ شَامِلًا) لَهُ وَلَهُمْ كَلَا يَحِلُّ لِي وَلَكُمْ ثُمَّ صَامَهُ (مُنِعُوا) أَيْ مُنِعَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِمْ (دُونَهُ) فَيَحِلُّ لَهُ (وَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ (فَفِي الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ (الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ الْقَوْلَ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ الْفِعْلَ حَلَّ لَهُ وَلَسْنَا مَأْمُورِينَ بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ فَنَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَالْحِلُّ لَهُمْ) أَيْ فَيُحْكَمُ بِالْحِلِّ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمْ تَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ (وَفِي الثَّانِي) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِمْ (مُنِعُوا) لِثُبُوتِهِ لَهُمْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ وَجَهْلُ الْمُتَأَخِّرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الْوَاقِعِ أَحَدَهُمَا (وَحَلَّ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُوجِبُهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ الْقَوْلُ (وَفِي الثَّالِثِ) أَيْ إذَا كَانَ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ (الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَوْلُ الشَّامِلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ فِعْلِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَوْ مُتَقَدِّمًا حَلَّ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْوَقْفُ (وَمُنِعُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ فِي التَّأَخُّرِ وَالتَّقَدُّمِ كَذَلِكَ.
ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ التَّعَارُضِ التَّرْجِيحُ أَعْقَبَهُ بِفَصْلٍ فِيهِ فَقَالَ (فَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ) أَيْ بَعْضُهُمْ (التَّرْجِيحَ اقْتِرَانَ الْأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا) وَعَلَى هَذَا مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (وَإِنْ كَانَ) هُوَ (الرُّجْحَانَ وَسَبَبَ التَّرْجِيحِ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ جَعْلُ أَحَدِ جَانِبَيْ الْمُتَعَامِلَيْنِ رَاجِحًا بِإِظْهَارِ فَضْلٍ فِيهِ لَا تَقُومُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ كَتَرْجِيحِ إحْدَى كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ عَلَى الْأُخْرَى بِنَحْوِ شَعِيرَةٍ وَذَلِكَ الْفَضْلُ هُوَ الرُّجْحَانُ وَالسَّبَبُ الدَّاعِي إلَى جَعْلِهِ زَائِدًا عَلَى مُعَامَلَةٍ (فَالتَّرْجِيحُ) أَيْ فَهُوَ التَّرْجِيحُ (اصْطِلَاحًا) لِمُعَرِّفِي التَّرْجِيحِ بِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِيهِ وَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ (وَالْأَمَارَةُ) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لَا الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَلَا مَا هُوَ أَعَمَّ مِنْهُمَا (لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ مَعَ
قَطْعٍ) كَمَا سَلَفَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ) فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ بَلْ التَّحْقِيقُ جَرَيَانُهُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّنِّيَّيْنِ وَإِنَّ تَخْصِيصَ الظَّنِّيَّيْنِ بِهِ دُونَ الْقَطْعِيَّيْنِ تَحَكُّمٌ ثُمَّ قِيلَ: يَتَسَاقَطُ الدَّلِيلَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ: يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَمَارَةِ الَّتِي ظَهَرَ رُجْحَانُهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الْأَمَارَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا (لِلْقَطْعِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهِ) أَيْ بِتَقْدِيمِهَا كَمَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ الْوَقَائِعِ الْكَثِيرَةِ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُمْ خَبَرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي «الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ» عَلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ سِيَاقُ خَبَرِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِكَوْنِ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَلَى أَزْوَاجِهِ أَبْيَنَ وَأَكْشَفَ. (وَأُورِدَ) عَلَى الْأَكْثَرِينَ (شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ مَعَ) شَهَادَةِ (اثْنَيْنِ) إذَا تَعَارَضَتَا فَإِنَّ الظَّنَّ بِالْأَرْبَعَةِ أَقْوَى مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ وَلَا تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ (فَالْتُزِمَ) تَقْدِيمُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَالْحَقُّ الْفَرْقُ) بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّلِيلِ إذْ كَمْ مِنْ وَجْهٍ تُرَجَّحُ بِهِ الْأَدِلَّةُ وَلَا تُرَجَّحُ بِهِ الشَّهَادَاتُ، وَوُجِّهَ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الشَّرْعِ مَقْدُورَةٌ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ فَكَفَّيْنَا الِاجْتِهَادَ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ (وَلِلْحَنَفِيَّةِ) فِي تَعْرِيفِ التَّرْجِيحِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ (فِعْلُ إظْهَارِ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) فَخَرَجَ النَّصُّ مَعَ الْقِيَاسِ الْمُعَارِضِ لَهُ صُورَةً فَلَا يُقَالُ: النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَيْهِ وَلَا الْعَمَلُ بِالنَّصِّ تَرْجِيحٌ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ الِاتِّحَادُ فِي النَّوْعِ
وَقَدْ عَرَفْت فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّعَارُضِ، وَالرُّجْحَانُ تَابِعٌ مَعَ التَّمَاثُلِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهَا أَيْضًا الْآنَ وَعَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ أَيْضًا مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ تَقْوِيَةُ إحْدَى الْإِمَارَتَيْنِ لِيُعْمَلَ بِهَا (وَعَلَى مِثْلِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْجِيحِ الرُّجْحَانُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (فَضْلٌ إلَخْ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَصْفًا فَلَا حَاجَةَ إلَى نِسْبَةِ قَائِلِهِ إلَى الْمُسَاهَلَةِ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ إذْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ.
(وَأَفَادَ) تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ (نَفْيَ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا) فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُوَافِقِ فَلَا يُقَالُ لِمَا تَعَارَضَ فِيهِ حَدِيثَانِ أَوْ قِيَاسَانِ إذَا وُجِدَ دَلِيلٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ دُونَ الْآخَرِ إنَّ الْمُوَافِقُ لِمُوَافِقِهِ رَاجِحٌ عَلَى مُعَارِضَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ مَعْنَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا (فَبَطَلَ) التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ) لَهُ عَلَى الْآخَرِ (عِنْدَهُمْ) لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ بِثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ بِهِ فَلَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ لِيُفِيدَ تَقْوِيَتَهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَتَقَوَّى بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ لَا بِانْضِمَامِ مِثْلِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَخِلَافَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ وَالْوَجْهَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ.
ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقِيَاسِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَرْجِيحُ مَا) أَيْ نَصٍّ (يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا) أَيْ نَصٍّ (يُخَالِفُهُ) أَيْ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ (لَيْسَ بِهِ) أَيْ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (عِنْدَ قَابِلِهِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَنْ يَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَيَرَاهُ مَذْهَبًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ الْمُوَافِقَ لِلنَّصِّ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَاكَ) أَيْ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ (فَلَيْسَ) الْقِيَاسُ ثَمَّةَ (دَلِيلًا وَالِاسْتِقْلَالُ فَرْعُهُ) أَيْ كَوْنُهُ دَلِيلًا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِذَلِكَ النَّصِّ فَتَرْجِيحُهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَصَحَّ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (نَفْيُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ بِهِ وَذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (دَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَقِلٌّ) وَلِذَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (لَكِنْ عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ) هُنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ مَا بِهِ التَّرْجِيحَ أَنَّ الْأَحَقَّ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِهِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ وَجْهَهُ وَالْجَوَابَ عَنْ وَجْهِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ وَتَرْجِيحُ الْقِيَاسِ عَلَى قِيَاسٍ مِثْلِهِ مُعَارِضٍ لَهُ (بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ) كَمَا سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ
التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأُصُولَ (لَا تُوجِبُ حُكْمَ الْفَرْعِ) بَلْ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَلُزُومٍ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِيُحْدِثَ فِيهِ قُوَّةً مُرَجِّحَةً (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ هُوَ (الْمَطْلُوبُ) مِنْ الْقِيَاسِ (فَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ الْفَرْعِ (التَّعَارُضُ) بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ ثُمَّ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي لَهُ أُصُولٌ يُؤْخَذُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ تَرْجِيحٌ (بِقُوَّةِ الْأَثَرِ) وَهُوَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ كَمَا سَيُعْلَمُ.
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ فِي الْمَتْنِ فَقَالَ (فَفِي الْمَتْنِ) أَيْ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَنَحْوِهَا يَكُونُ (بِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ كَالْمُحْكَمِ فِي عُرْفِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ) أَيْ الْمُفَسَّرُ عِنْدَهُمْ (عَلَى النَّصِّ) كَذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ النَّصُّ كَذَلِكَ (عَلَى الظَّاهِرِ) كَذَلِكَ وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِتَرْجِيحِ الْأَقْوَى دَلَالَةً (لَزِمَ نَفْيُ التَّشْبِيهِ) عَنْ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ (فِي {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَنَحْوِهِ مِمَّا ظَاهِرُهُ يُوهِمُ الْمَكَانَ (بِ) قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مَا وَالْمَكَانُ وَالْمُتَمَكِّنُ فِيهِ يَتَمَاثَلَانِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إذْ حَقِيقَةُ الْمَكَانِ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْمُتَمَكِّنُ لَا مَا فُصِلَ عَنْهُ وَقُدِّمَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا تَحْمِلُ تَأْوِيلًا (وَيُضْبَطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاصْطِلَاحَيْنِ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَلْقَابِ أَفْرَادِ تَقْسِيمَاتِ الدَّلَالَةِ لِلْمُفْرَدِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئ اللُّغَوِيَّةِ (يَجْمَعُ) أَيْ يَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ جَمِيعًا فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ (وَيُفَرِّقُ) أَيْ وَيَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا عَلَى أَحَدِ الِاصْطِلَاحَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَيَنْشَأُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِحَسْبِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ (وَالْخَفِيُّ) تَرْجِيحٌ (عَلَى الْمُشْكِلِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْخَفَاءَ فِي الْمُشْكِلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْخَفِيِّ (وَأَمَّا الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُتَشَابِهِ) بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ (فَلَا يُتَصَوَّرُ) تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ) قَصَدَ إلَيْهِ (بَعْدَ الْبَيَانِ) لِلْمُجْمَلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (بَعْدَ فَهْمِ مَعْنَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ وَالْمُتَشَابِهُ انْقَطَعَ رَجَاءُ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ (وَالْحَقِيقَةُ) تُرَجَّحُ (عَلَى الْمَجَازِ الْمُسَاوِي) فِي الِاسْتِعْمَالِ لَهَا (شُهْرَةً) وَ (اتِّفَاقًا) لِتَرَجُّحِهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ (وَفِي) تَرْجِيحِ الْمَجَازِ (الزَّائِدِ) فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ عَلَيْهَا (خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ) فَقَالَ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الصَّاحِبَانِ يُرَجَّحُ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
(وَالصَّرِيحُ عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْعِبَارَةُ عَلَى الْإِشَارَةِ)(وَهِيَ) أَيْ الْإِشَارَةُ (عَلَى الدَّلَالَةِ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) وَمِثْلُ هَذِهِ مَذْكُورٌ فِي الشُّرُوحِ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ (عَلَى الْمُقْتَضَى وَلَمْ يُوجَدَ لَهُ) أَيْ لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ (مِثَالٌ فِي الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ يَتَحَقَّقُ) لَهُ مِثَالٌ فِيهَا وَهُوَ مَا (إذَا بَاعَهُ) أَيْ عَبْدًا (بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ) الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ (أَعْتِقْهُ عَنِّي بِمِائَةٍ) فَفَعَلَ إذْ (دَلَالَةُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ (تَنْفِي صِحَّتَهُ) أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ اقْتِضَاءً لِشِرَائِهِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ (وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ) أَيْ قَوْلُ غَيْرِ مَالِكِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِمِائَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ (يُوجِبُهَا) أَيْ صِحَّةَ الْبَيْعِ الْمُقْتَضَى (وَلَيْسَ) هَذَا مِثَالًا لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقْتَضَى (إذْ لَيْسَا) أَيْ بَيْعُ زَيْدٍ وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ (دَلِيلَيْنِ) سَمْعِيَّيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَأَيْنَ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ الَّذِي التَّرْجِيحُ فَرْعُهُ؟ ، (وَلِأَنَّ حَدِيثَ زَيْدٍ إنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ عَائِشَةَ الرَّادَّةِ عَلَيْهِ) بِهِ (فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةِ زَيْدٍ لِغَيْرِ زَيْدٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ زَيْدٍ (دَلَالَةً إذْ هُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَرْدُودُ بِهِ عَلَى زَيْدٍ «نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ» فَيَثْبُتُ) هَذَا النَّهْيُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ زَيْدٍ (عِبَارَةً كَمَا) يَثْبُتُ (فِيهِ) أَيْ فِي زَيْدٍ عِبَارَةً أَيْضًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ وَاقِعَتَهُ مَثَارُ رِوَايَةِ
عَائِشَةَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى وَاقِعَةِ زَيْدٍ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا وُجِدَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ارْتِكَابِ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِجَعْلِهَا صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ (وَكَيْفَ) يَكُونُ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الدَّلَالَةِ وَالْمُقْتَضَى (وَلَا أَوْلَوِيَّةَ) لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِبَيْعِ زَيْدٍ عَلَى اشْتِرَاطِ أَوْلَوِيَّةِ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ فِي الدَّلَالَةِ (وَلَا لُزُومَ فَهْمِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْكُوتِ (فِي مَحَلِّ الْعِبَارَةِ) وَلَا دَلَالَةَ بِدُونِهِ (وَالْمُقْتَضَى) بِفَتْحِ الضَّادِ (لِلصِّدْقِ) أَيْ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْكَلَامِ يُرَجَّحُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقْتَضَى (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الصِّدْقِ وَهُوَ وُقُوعُهُ شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ أَهَمُّ مِنْ وُقُوعِهِ شَرْعِيًّا.
(وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عَلَى) مَفْهُومِ (الْمُخَالَفَةِ)(عِنْدَ قَابِلِهِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَيْ مَنْ يَقْبَلُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ وَأُلْحِقَ بِالْقَطْعِيَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فَانْتَفَى قَوْلُ الْآمِدِيِّ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْسِيسِ وَفَائِدَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ التَّأْكِيدُ وَالتَّأْسِيسُ أَصْلٌ وَالتَّأْكِيدُ فَرْعٌ وَالثَّانِي أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَقْدِيرِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبَيَانِ فِعْلِ وُجُودِهِ فِي فِعْلِ الْمَسْكُوتِ وَإِنَّ اقْتِضَاءَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ أَشَدُّ وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ أَوْلَى بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعَارِضٌ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرَاتٍ أَرْبَعٍ أَوْلَى مِمَّا لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فَهُوَ مُهْدَرُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (وَالْأَقَلُّ احْتِمَالًا) عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِمَالًا (كَالْمُشْتَرَكِ لِاثْنَيْنِ عَلَى مَا) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (لِأَكْثَرَ) لِبُعْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الِاضْطِرَابِ وَقُرْبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَقْصُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي.
(وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ) إلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ إلَيْهَا (وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ) يُرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى مَجَازٍ آخَرَ (بِأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ) أَيْ الْعَلَاقَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ (كَالسَّبَبِ الْأَقْرَبِ) فِي الْمُسَبَّبِ (عَلَى) السَّبَبِ (الْأَبْعَدِ) مِنْهُ فِي الْمُسَبَّبِ (وَقُرْبِهِ) أَيْ وَبِقُرْبِ الْمُصَحِّحِ إلَى الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ الْمَجَازِ (دُونَ) الْمُصَحِّحِ (الْآخَرِ) فِي الْمَجَازِ الْآخَرِ (كَالسَّبَبِ) أَيْ كَإِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ (عَلَى الْمُسَبَّبِ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَمَّا عَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ مُسْتَلْزِمٌ لِمُسَبَّبِهِ وَلَا عَكْسَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَبَّبَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبَبًا مُعَيَّنًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ بِخِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ يَسْتَلْزِمُ الْمُسَبَّبَ الْمُعَيَّنَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي تَعَارُضُهُمَا) أَيْ مَا سُمِّيَ بِاسْمِ سَبَبِهِ وَمَا سُمِّيَ بِاسْمِ مُسَبَّبِهِ (فِي) السَّبَبِ (الْمُتَّحِدِ) لِمُسَبَّبٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ بِعَيْنِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِغَيْرِ هَذَا (وَمَا) أَيْ الْمَجَازُ الَّذِي (جَامِعُهُ) أَيْ عَلَاقَتُهُ (أَشْهُرُ) يَتَرَجَّحُ عَلَى مَجَازٍ لَيْسَتْ عَلَاقَتُهُ كَذَلِكَ (وَ) الْمَجَازُ (الْأَشْهَرُ) اسْتِعْمَالًا (مُطْلَقًا) أَيْ فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعُرْفِ عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ.
(وَالْمَفْهُومُ وَالِاحْتِمَالُ الشَّرْعِيَّانِ) يَتَرَجَّحَانِ عَلَى الْمَفْهُومِ وَالِاحْتِمَالِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا بِشَرْعِيَّيْنِ (بِخِلَافِ) اللَّفْظِ (الْمُسْتَعْمَلِ) لِلشَّارِعِ (فِي) مَعْنَاهُ (اللُّغَوِيِّ مَعَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ (فِي) الْمَعْنَى (الشَّرْعِيِّ) فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ عَلَى الشَّرْعِيِّ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا مُمْكِنَيْنِ فِي إطْلَاقٍ (وَفِيهِ) أَيْ هَذَا (نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيهِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يُوجِبُ نَقْلَهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَقْدِيمٌ لِلْمَجَازِ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ إذْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ بِلُغَوِيٍّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ تَقْدِيمٌ لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ حَيْثُ لَا صَارِفَ عَنْهَا إلَيْهِ وَهُوَ الْجَادَّةُ وَأَيْضًا هُوَ عَمَلٌ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِ الشَّرْعِ مَعَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِهِ مَعَ التَّغْيِيرِ (كَأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ وَقُرْبِهِ وَأَشْهَرِيَّتِهِ)
أَيْ كَمَا أَنَّ فِي تَرْجِيحِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ نَظَرًا (بَلْ وَأَقْرَبِيَّةُ نَفْسِ الْمَجَازِيِّ) أَيْ بَلْ فِي تَرْجِيحِ هَذَا عَلَى مَجَازٍ لَيْسَ كَذَلِكَ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا سَيُعْلَمُ (وَأَوْلَوِيَّةُ) الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ (الصِّحَّةِ) لِلذَّاتِ (فِي «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَتَقَدَّمَ مَخْرَجُ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي بِذَيْلِ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ فِيهِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ وَأَوْلَوِيَّةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَلَى النِّسْبَةِ لَا) عَلَى (طَرَفِهَا) الْأَوَّلِ (وَ) طَرَفُهَا (الثَّانِي مَحْذُوفٌ فَمَا قُدِّرَ) أَيْ فَهُوَ مَا قُدِّرَ خَبَرًا لِلظَّرْفِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (كَانَ كُلُّ الْأَلْفَاظ) الْمَلْفُوظِ مِنْهَا وَالْمُقَدَّرِ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ (حَقَائِقَ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعَانِيهَا الْوَضْعِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّ خُصُوصَهُ) أَيْ الْمُقَدَّرَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ (بِالدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ لَهُ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْجَبَ كَوْنَ الْمُرَادِ كَوْنًا خَاصًّا وَهُوَ كَامِلَةٌ (وَوَجْهُهُ) أَيْ النَّظَرِ فِي تَقْدِيمِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى أَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ إلَخْ (أَنَّ الرُّجْحَانَ) إنَّمَا هُوَ (بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى الْمُرَادِ أَوْ) بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى (الثُّبُوتِ) وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ (وَالْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَمْ يُرَدْ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ (فَهُوَ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ اللَّفْظِ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ مِنْهُ
(وَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ فِي كُلٍّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَعَيُّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلَّفْظِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ لَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ (بِالدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ لَهُ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ الْمَجَازِيَّانِ (فِيهِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ، وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ وَصُرِفَ الدَّلِيلُ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَا يُصَحَّحُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِيهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ بِالدَّلِيلِ خُصُوصُ الْمُرَادِ بِهِ فَإِذَا لَزِمَ لَفْظٌ مِثْلُهُ آخَرُ فِيمَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ كَانَ حَاصِلُهُ إفَادَةَ الدَّلِيلِ ثُبُوتَ إفَادَةِ ضِدَّيْنِ بِلَفْظَيْنِ فَكَوْنُ أَحَدِ الْمُفَادَيْنِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بُعْدٌ وَقُرْبٌ فِي ذَاتِهِ أَوْ مُصَحِّحِهِ أَوْ شُهْرَةِ مُصَحِّحِهِ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ يَكُونُ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ صَارَ كَغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي لَمْ تُرَدْ فَقُرْبُ الْمُرَادِ مِنْهُ وَبُعْدُهُ كَقُرْبِهِ مِنْ بَعْضِ الْمَعَانِي الْمُغَايِرَةِ لَهُ الَّتِي لَمْ تُرَدْ، وَبُعْدُهُ مِنْ بَعْضٍ آخَرَ لَا يَزِيدُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ قُوَّةَ دَلَالَتِهِ عَلَى خُصُوصِ ذَلِكَ مَعْنَى الْمُرَادِ وَلَا بِالْبُعْدِ مِنْهُ تَضْعُفُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ؟ وَلَا تَثْبُتُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ تَعَيُّنَ إرَادَتِهِ بِعَيْنِهِ فَصَارَ كُلٌّ كَأَنَّهُ الْآخَرُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَلَا بُدَّ فِي تَعَيُّنِ إرَادَتِهِ بِاللَّفْظِ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَكَمَا قَامَ الدَّلِيلُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْقَرِيبَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ قَامَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْبَعِيدَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا مُقْتَضَى لِضَعْفِ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى مُرَادِهِ دُونَ الْآخَرِ
(نَعَمْ لَوْ اُحْتُمِلَتْ دَلَالَتُهُ دُونَ الْآخَرِ) أَيْ لَوْ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمُوجِبَةَ لِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا فِي إيجَابِهَا لَهُ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ كَانَ ضَعْفُ الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِينَةُ الْآخَرِ فِي مُرَادِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ ضَعْفٌ عَلَى مَا فِيهَا ضَعْفٌ (وَذَلِكَ) أَيْ تَقْدِيمُ الَّذِي لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ عَلَى مَا فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ (شَيْءٌ آخَرُ) غَيْرُ نَفْسِ الْقُرْبِ مِنْ الْحَقِيقِيِّ الْغَيْرِ الْمُرَادِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ فَهُوَ تَرْجِيحٌ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاحْتِمَالِ فِي إرَادَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِهِ فِي إرَادَةِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ إلَى مَا فِيهِ احْتِمَالٌ مَعَ مَا لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَرْجِيحُ مَا لَيْسَ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ (وَمَا أُكِّدَتْ دَلَالَتُهُ) بِأَنْ تَعَدَّدَتْ جِهَاتُهَا أَوْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً تَرَجَّحَ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
(وَالْمُطَابَقَةُ) تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهَا أَضْبَطُ (وَالنَّكِرَةُ فِي) سِيَاقِ (الشَّرْطِ) تَتَرَجَّحُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى النَّكِرَةِ (فِي) سِيَاقِ (النَّفْيِ وَغَيْرِهَا) أَيْ عَلَى غَيْرِ النَّكِرَةِ كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى وَالْمُضَافِ (لِقُوَّةِ دَلَالَتِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ (بِإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ) عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَالْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّلِ أَوْلَى (وَالتَّقْيِيدُ) لِلنَّكِرَةِ (بِغَيْرِ الْمُرَكَّبَةِ) أَيْ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفَتْحِ لِكَوْنِ " لَا " فِيهَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ لِكَوْنِهَا نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ (تَقَدَّمَ) . الْبَحْثُ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ (مَا يَنْفِيهِ) فَيَسْتَوِي الْحَالُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً أَوْ لَا.
(وَكَذَا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى وَالْمَوْصُولُ) يَتَرَجَّحُ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى) اسْمِ الْجِنْسِ (الْمُعَرَّفِ) بِاللَّامِ
لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْهُودِ فَتَصِيرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعُمُومِ ضَعِيفَةً عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ كَمَا تُفِيدُهُ النَّكِرَةُ فِي الشَّرْطِ وَلِهَذَا قَالَ، وَكَذَا (وَالْعَامُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْخَاصِّ فِي الِاحْتِيَاطِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَامُّ مُحَرِّمًا وَالْخَاصُّ مُبِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ (جُمِعَ) بَيْنَهُمَا بِالْعَمَلِ بِالْخَاصِّ فِي مَحَلِّهِ وَبِالْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ (وَالشَّافِعِيَّةُ) يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمْ (الْخَاصُّ دَائِمًا) عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْعَامِّ بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْخَاصِّ وَلِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ لِإِجْمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْهُ إذْ أَكْثَرُ الْعُمُومَاتِ مُخَصَّصَةٌ وَأَكْثَرُ الظَّوَاهِرِ الْخَاصَّةِ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَالِهَا غَيْرُ مُؤَوَّلَةٍ.
(وَمَا) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي (لَزِمَهُ تَخْصِيصٌ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى خَاصٍّ مَلْزُومِ التَّأْوِيلِ) ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِ الْخَاصِّ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا (وَالتَّحْرِيمُ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فِي الْمَشْهُورِ احْتِيَاطًا) ظَنًّا مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ فِي ارْتِكَابِهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوَاجِبِ فَإِنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا كَمَا سَنَذْكُرُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّحْرِيمَ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَالنَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْإِبَاحَةَ
لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ
، وَاعْتِنَاءُ الشَّرْعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ آكَدُ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ كُلِّ مَفْسَدَةٍ وَلَا يَجِبُ جَلْبُ كُلِّ مَصْلَحَةٍ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ إلَّا أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهَا تَجْوِيزًا لِلْفِعْلِ وَفِيهِ إبْطَالُ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَكَانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى، هَذَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ تَسَاوِي الْمُحَرِّمِ وَالْمُوجِبِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُوجِبِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرِّمُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِي لِلْمُقَدَّمِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْإِسْنَوِيِّ
وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا جَوَازُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَخْذَ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ ارْتِكَابُهُ ضَرَرًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» لَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى. نَعَمْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ لَهُ مُعَارِضٌ فَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَفِي سَنَدِهِ إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَوَهَّاهُ أَبُو دَاوُد جِدًّا.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَا يُتْرَكُ وَقَالَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ مَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَلَكِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَرُبَّمَا لُقِّنَ وَكُتُبُهُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا هُوَ آتٍ وَقَالَ أَيْضًا (وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَلَى أُمَّتِهِ) وَإِذَا هُنَا لِلْمَاضِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] لِثُبُوتِهِ وَعَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمِنْ ثَمَّةَ جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَكِنْ بِلَفْظِ عَنْهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا وَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا» . وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ فِيهِمَا أَيْضًا «فَمَرَرْت بِمُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ إنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنِّي - وَاَللَّهِ - قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ وَعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِك فَرَجَعْتُ» الْحَدِيثَ وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَفِيهِمَا أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ
مِنْ حَصِيرٍ وَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذًا، قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لَا مَرَدَّ لَهُ حُبُّهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ.
(اتَّجَهَ قَلْبُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ غَيْرِ التَّحْرِيمِ لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ غَيْرَ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكِرْهَةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَيْسَ فِي تَرْجِيحِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْمُوجِبَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ فَتَعَذَّرَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا جَرَمَ إنْ جَزَمَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَقَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَمَشَى عَلَيْهِ مَنْ قَدَّمْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَإِنْ ذَكَرَ تَرْجِيحَ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ قَوْلًا فَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ قَالَ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ إرَادَةِ الْمُكَلَّفِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ لَكَانَ أَيْضًا الْوَاضِحُ وَهُوَ الْجَوَازُ الْأَصْلِيُّ وَتَعَقَّبَهُ الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمُكَلَّفِ وَاعْتِقَادَهُ أَنَّ فِي الْفِعْلِ مَصْلَحَةً رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً وَلَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَابِعَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَكَانَ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى مَصْلَحَةٍ فِي التَّرْكِ أَوْ مَفْسَدَةٍ فِي الْفِعْلِ كَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِبَاحَةِ أَيْ الْعَمَلِ بِهَا كَثْرَةُ التَّغْيِير مِنْ ارْتِفَاعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْحَظْرِ ثُمَّ ارْتِفَاعُ الْحَظْرِ بِالْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَظْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا انْتَهَى.
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا فِيهَا فَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ تَرْجِيحَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْحَظْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو هَاشِمٍ يَتَسَاوَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ صَدَقَ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَهُ التَّاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ مَوْلَاةُ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَتْ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ الْمُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ كَالْمُسْتَحِلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» وَقَالَ سُلَيْمٌ إنْ كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلُ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْآخَرَ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ النَّاقِلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَظْرُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ كَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّشْدِيدِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغْلِظُ أَوَّلًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ مَالَ إلَى التَّخْفِيفِ وَذَهَبَ الْآمِدِيُّ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَرْأَفُ بِالنَّاسِ وَيَأْخُذُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَتَعَبَّدُ بِالتَّغْلِيظِ فَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ قُلْت وَفِي كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا شَأْنَهَا بَلْ فِيهَا وَفِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ لَهَا وَلَا سِيَّمَا فِي بَابِ النَّسْخِ ثُمَّ لَعَلَّ الْأَخَفَّ أَوْلَى لِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ مَا عِلْمٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مِنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْيُسْرَ بِنَا وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ عَنَّا وَبِنَصِّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعَارَضٍ بِمَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الْأَثْقَلِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ أَكْثَرُ عَلَى مَا فِي إطْلَاقِ هَذَا أَيْضًا مِنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَالْوُجُوبُ) يُرَجَّحُ (عَلَى مَا سِوَى التَّحْرِيمِ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلِاحْتِيَاطِ (وَالْكَرَاهَةُ) تُرَجَّحُ (عَلَى النَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ (وَالْكُلُّ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَجَّحُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ (فَتَقْدِيمُ الْأَمْرِ) عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ (وَالنَّهْيُ) عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا أَوْ النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ (لَيْسَ لِذَاتَيْهِمَا) كَمَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهُ الْأَمْرُ وَالْكَرَاهَةُ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهَا النَّهْيُ بَلْ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا إمَّا لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّهْيِ
لِذَلِكَ (وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ) يُرَجَّحُ (عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَخْصِيصِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ إذْ لَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ (وَ) الْعَامُّ (الَّذِي لَمْ يَخُصَّ) عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ دُخُولَ التَّخْصِيصِ يُضْعِفُ اللَّفْظَ وَالرَّازِيُّ بِأَنَّ الَّذِي قَدْ دَخَلَهُ قَدْ أُزِيلَ عَنْ تَمَامِ مُسَمَّاهُ.
وَالْحَقِيقَةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ وَعَضُدُ الدِّينِ بِتَطَرُّقِ الضَّعْفِ إلَيْهِ بِالْخِلَافِ فِي حُجَّتِهِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ الْعَامِّ هُوَ الْغَالِبُ وَالْغَالِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَخْصُوصَ قَلَّتْ أَفْرَادُهُ حَتَّى قَارَبَ النَّصَّ إذْ كُلُّ عَامٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي أَقَلِّ مُتَنَاوَلَاتِهِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْأَقَلِّ بِالتَّخْصِيصِ فَقَدْ قَرُبَ مِنْ التَّنْصِيصِ فَكَانَ أَوْلَى وَذَهَبَ ابْنُ كَجٍّ إلَى اسْتِوَائِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَهِيَ مِنْ اللَّفْظِ الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا اُسْتُثْنِيَ بَعْضُهُ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ (وَذَكَرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ) لِلْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لِمَا بَيَّنَ دَلِيلَيْنِ مِنْهَا تَعَارُضٌ، وَالْحَالُ أَنَّ (مَا) أَيْ الَّذِي (بَيْنَهُمَا) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ النَّسَبِ عُمُومٌ (مِنْ وَجْهٍ، مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْفَاتِحَةِ» ) وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَإِنْ هَذَا (عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ خَاصٌّ فِي الْمَقْرُوءِ «وَمَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنِيعٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَإِنَّ هَذَا (خَاصٌّ بِالْمُقْتَدِي عَامٌّ فِي الْمَقْرُوءِ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الْمُصَلِّينَ بِالْمُقْتَدِي عَنْ وُجُوبِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقْتَدِي (وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ خُصُوصَ الْمَقْرُوءِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ عُمُومَ الْمَقْرُوءِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُقْتَدِي فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ فَيَتَدَافَعَانِ) أَيْ الدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمُقْتَدِي حِينَئِذٍ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي نَفْيَ قِرَاءَتِهَا عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ
(فَالْوَجْهُ) وَالْأَوْجَهُ (فِي هَذَا) الْمِثَالِ (أَنْ لَا تَعَارُضَ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي (إذْ لَمْ يَنْفِ) الدَّلِيلُ الثَّانِي (قِرَاءَتَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (عَلَى الْمُقْتَدِينَ بَلْ أَثْبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ جُعِلَتْ شَرْعًا قِرَاءَةً لَهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي (بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي الْأَوْقَاتِ) الثَّلَاثَةِ: وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَوَقْتُ اسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَوَقْتُ مَيْلِهَا إلَى الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (مَعَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبَّدٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَرْضِ الْفَائِتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُحْمَلُ عُمُومُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سِوَى النَّوْمِ فَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِيهِ خُصُوصٌ وَعُمُومٌ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ بِخُصُوصِ الْفَائِتَةِ فِي حَدِيثِ التَّذَكُّرِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ فِيهِ بِخُصُوصِ الثَّلَاثَةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فَيَتَدَافَعَانِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَحَدِيثُ النَّهْيِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ، وَحَدِيثُ التَّذَكُّرِ يَقْتَضِي حِلَّهُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ خَارِجٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ) كَشَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْإِسْنَوِيِّ (يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (مِنْ خَارِجٍ، وَكَذَا يَجِبُ لِلْحَنَفِيَّةِ) طَلَبُ التَّرْجِيحِ فِيهِمَا مِنْ خَارِجٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَخَذَ مُقْتَضَى خُصُوصِهِ فِي عُمُومِ الْآخَرِ ثُمَّ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْمُحَرِّمُ مُرَجَّحٌ) عَلَى غَيْرِهِ إذْ حَدِيثُ النَّهْيِ مُحَرِّمٌ وَحَدِيثُ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» مُطْلَقٌ لَا يُحَرِّمُ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ
(وَمَا جَرَى بِحَضْرَتِهِ) صلى الله عليه وسلم (فَسَكَتَ) عَنْهُ يَتَرَجَّحُ (عَلَى مَا بَلَغَهُ) فَسَكَتَ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا بَلَغَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ (بِمَا إذَا أَظْهَرَ عَدَمَ ثُبُوتِهِ) أَيْ ثُبُوتِ وُقُوعِ هَذَا الَّذِي بَلَغَهُ (لَدَيْهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْ وَحْيٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَحَيْثُ ظَهَرَ ثُبُوتُ وُقُوعِ ذَلِكَ لَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَظْهَرُ رُجْحَانٌ؛ لِمَا بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا وَاقِعٌ بِحَضْرَتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا عَلِمَ
وُقُوعُهُ بِغَيْبَتِهِ شَرْعًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - (وَمَا بِصِيغَتِهِ) أَيْ وَالْمَرْوِيِّ بِلَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْمُنْفَهِمِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي رَوَى مَعْنَاهُ الرَّاوِي بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ بِاللَّفْظِ مُجْمَعٌ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَحْكِيِّ بِالْمَعْنَى ثُمَّ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ قَدْ فَهِمَ مَعْنًى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَوَاهُ وَمَا إذَا قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا بِدُونِ أَنْ يَرْوِيَ صِيغَةَ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ الصَّادِرِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّ هَذَا مَا فِي الْمَحْصُولِ، وَكَذَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى
(وَنَافِي مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ (دَاعِيَةٌ) إلَى مَعْرِفَتِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (فِي) خَبَرِ (الْآحَادِ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَخَبَرِ طَلْقٍ يَنْفِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَخَبَرِ بُسْرَةَ بِإِثْبَاتِهِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى هَذَا عَلَى أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَقْدِيمَ الْمُثْبِتِ، وَفَصَّلَ هُوَ أَنَّ الثَّانِيَ إنْ نَقَلَ لَفْظًا مَعْنَاهُ النَّفْيُ كَلَا يَحِلُّ وَنَقَلَ الْآخَرِ يَحِلُّ فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَنَفَاهُ الْآخَرُ كَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ، فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَقِيلَ: النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا فِي حَالَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ التَّاجِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى.
وَقَالَ إلْكِيَا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ: إنْ كَانَ النَّافِي اسْتَنَدَ إلَى الْعِلْمِ فَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: النَّفْيُ الْمَحْصُورُ وَالْإِثْبَاتُ سِيَّانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ إلَّا فِي صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَنْحَصِرَ النَّفْيُ فَيُضَافَ الْفِعْلُ إلَى مَجْلِسٍ لَا تَكْرَارَ فِيهِ فَيَتَعَارَضَانِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي النَّفْيِ لَدَيْهِ عِنَايَةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِثْبَاتِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَسْتَنِدَ نَفْيُ النَّافِي إلَى عِلْمٍ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورَةَ.
(وَمُثْبِتُ دَرْءِ الْحَدِّ) أَيْ دَفْعِ إيجَابِهِ يَتَرَجَّحُ (عَلَى مُوجِبِهِ) أَيْ الْحَدِّ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «ادْرَءُوا الْحُدُودَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ فِي الْحَدِّ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الدَّرْءِ وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى تَقْدِيمِ مُوجِبِ الْحَدِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْعَمَلِ بِالْمُوجِبِ التَّأْسِيسُ وَبِالدَّرْءِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّأْكِيدِ قُلْت وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ نَافِيَ الْحَدِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مُوجِبِهِ فَيَصِيرُ هَذَا صُورَةً رَابِعَةً لِلصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ آنِفًا مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ شَرْعِيَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهِ كَأَنْ يُبِيحَهُ قَوْمٌ وَيَحْظُرَهُ آخَرُونَ كَالْوَطْءِ بِلَا شُهُودٍ وَلَا يُقَالُ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّسَاوِي يَئُولُ إلَى تَقْدِيمِ النَّافِي فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ حُكِمَ بِهِ، وَإِلَّا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ نَفْيُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفِي الْحَدَّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْآخَرَ يَنْفِيهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ.
(وَمُوجِبُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) يَتَرَجَّحُ عَلَى نَافِيهِمَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْإِرْثِ وَنَافِيهِمَا مُبِيحٌ وَالْحَظْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ) مُوجِبُهُمَا (فِي الْمُحَرَّمِ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ نَافِيهِمَا عَلَى مُوجِبِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُتَرَجِّحِ عَلَى النَّافِي لَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ بَحْثًا وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى.
(وَالْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْوَضْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفِيَّ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ بِالذَّاتِ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ (وَقِيلَ بِعَكْسِهِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ الْوَضْعِيُّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَضْعِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمُخَاطَبِ وَفَهْمِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ
بِخِلَافِ التَّكْلِيفِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (وَمَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ) مِنْ النُّصُوصِ عَلَى نَصٍّ لَمْ يُوَافِقْهُ (فِي الْأَحَقِّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْقِيَاسِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ مَعَ النَّصِّ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْمَانِعِ لَا يَمْنَعُ جَعْلَهُ وَصْفًا مُقَوِّيًا بِالْمُوَافَقَةِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ إلَّا هَذَا.
(وَمَا لَمْ يُنْكِرْ الْأَصْلُ) رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ يَتَرَجَّحُ عَلَى مَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ لِمَرْجُوحِيَّةِ الثَّانِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ وَصَمَّمَ عَلَى إنْكَارِهِ مِثْلَ إنْكَارِ أُمِّ مَعْبَدٍ مَا حَدَّثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «كَانَ يَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ» أَمَّا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَحَمَلَ شَكَّهُ فِي نَفْسِهِ عَلَى النِّسْيَانِ فَلَا تَظْهَرُ مَرْجُوحِيَّتُهُ وَقَدْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُمْ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي كَمَا فَعَلَ سَهْلٌ فِي حَدِيثِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَسَبَقَهُ أَنَسٌ فَقَالَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُجْعَلَ فَصُّ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِهِ» انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ تَصْمِيمَ الْأَصْلِ عَلَى الْإِنْكَارِ مُسْقِطٌ لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ أَصْلًا فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَقَبِلْنَا ذَلِكَ الْمَرْوِيَّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
ثُمَّ إذَا عَارَضَ الْإِجْمَاعَ نَصٌّ أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَقْدِيمَ الْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ بِعَدَمِ قَبُولِهِ النَّسْخَ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ كَأَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَا قَطْعِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ النَّصِّ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ سَنَدٌ نَاسِخٌ لِلنَّصِّ مِنْ نَصٍّ آخَرَ قَطْعِيٍّ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى نَصٍّ كَذَلِكَ) أَيْ قَطْعِيٍّ كِتَابًا كَانَ أَوْ سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالظَّنِّيَّيْنِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ (وَكَوْنُ) الْإِجْمَاعِ (الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ) أَيْ يَتَرَجَّحُ عَلَى نَصٍّ ظَنِّيٍّ (تَرَدَّدْنَا فِيهِ) وَأَمَّا الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ أَوْ كَانَ النَّصُّ ظَنِّيَّ السَّنَدِ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْقَابِلِ لَهُ انْتَهَى. قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مِنْ مَا صَدَّقَ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْإِجْمَاعُ الظَّنِّيُّ السَّنَدِ الْقَطْعِيُّ الْمَتْنِ مَعَ النَّصِّ كَذَلِكَ يَجِبُ تَأْوِيلُ الْقَابِلِ التَّأْوِيلِ مِنْهُمَا، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ لَكِنْ لَا قَابِلَ لِلتَّأْوِيلِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَتْنِ جِهَةُ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ وَالْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ الْمَقْبُولَ لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَتَبَعِيَّةُ الْإِرَادَةِ لِلدَّلَالَةِ فِي الْقَطْعِ، وَاَلَّذِي فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ إذَا عَارَضَ الْإِجْمَاعَ نَصٌّ أُوِّلَ الْقَابِلُ لَهُ أَيْ لِلتَّأْوِيلِ بِوَجْهٍ مَا، سَوَاءٌ كَانَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قَالَ وَإِلَّا تَسَاقَطَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ شَرْحًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ تَسَاقَطَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا ظَنِّيَّيْنِ فَإِنْ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا فَلَا تَعَارُضَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي الْقِيَاسِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِيهِ وَيَتَحَرَّرُ هُنَا أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ. كَوْنُ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ قَطْعِيَّ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ كَوْنُهُمَا ظَنِّيَّيْ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّهُمَا وَالنَّصِّ ظَنِّيَّهُمَا كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّهُمَا وَالنَّصِّ قَطْعِيَّهُمَا كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ السَّنَدِ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصِّ كَذَلِكَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصِّ كَذَلِكَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ السَّنَدِ ظَنِّيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصُّ بِالْعَكْسِ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ قَطْعِيَّ الْمَتْنِ وَالنَّصُّ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ كَذَلِكَ، وَعَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَعَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى النَّصِّ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا عَلَى النَّصِّ كَذَلِكَ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا عَلَى النَّصِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ.
وَتَقْدِيمُ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا وَمَتْنًا عَلَى الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَعَلَى الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ أَحَدُهُمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا أَوْ بِالْعَكْسِ وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ مَتْنًا لَا سَنَدًا عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ سَنَدًا لَا مَتْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلَ فَفِي
كِلَيْهِمَا تَأَمُّلٌ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ -.
(وَمَا عَمِلَ بِهِ) الْخُلَفَاءُ (الرَّاشِدُونَ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهم يُرَجَّحُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمُتَابَعَتِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَكَوْنِهِمْ أَعْرَفَ بِالتَّنْزِيلِ وَمَوَاقِعِ الْوَحْيِ وَالتَّأْوِيلِ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ بَلْ ذَهَبَ أَبُو حَازِمٍ إلَى أَنَّ مَا اتَّفَقَتْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ.
(أَوْ عُلِّلَ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْعِلَّةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لَهَا (لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذِكْرَ عِلَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ (لَا الْأَقْبَلِيَّةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ أَقْبَلُ لَهُ لِسُهُولَةِ فَهْمِهِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ، ثُمَّ عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: رُبَّمَا يُرَجَّحُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي قَبُولِهِ أَشَدُّ وَالثَّوَابَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ يُقَدَّمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى ارْتِبَاطِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ وَاعْتَرَضَهُ النَّقْشَوَانِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ نَفْسُ السَّامِعِ الْعِلَّةَ فَإِذَا سَمِعَتْهَا رَكَنَتْ إلَيْهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا وَالْوَصْفُ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ النَّفْسُ الْحُكْمَ فَإِذَا سَمِعَتْهُ قَدْ تَكْتَفِي فِي عِلَّتِهِ بِالْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَقَدْ لَا تَكْتَفِي بِهِ بَلْ تَطْلُبُ عِلَّةً غَيْرَهُ كَمَا فِي {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَيُقَالُ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ قُلْت إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُفِيدَةُ لِتَقْدِيمِ مَا ذُكِرَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ عَلَى مَا لَمْ تُذْكَرْ إظْهَارًا لِلِاعْتِنَاءِ بِمَا ذُكِرَتْ فِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا أُخِّرَتْ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا قُدِّمَتْ فِيهِ، وَالِارْتِبَاطُ بِالْعِلَّةِ مَوْجُودٌ فِي كِلَيْهِمَا وَالرُّكُونُ إلَيْهَا وَعَدَمُ الرُّكُونِ إلَيْهَا مَعَ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي كِلَيْهِمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ التَّرْتِيبُ الطَّبِيعِيُّ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ مَوْجُودٌ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ لَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى مَا ذُكِرَتْ فِيهِ بَعْدَ الْمَعْلُولِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يُخَالُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ الِاهْتِمَامِ مَا لَيْسَ فِي عَكْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(كَمَا) يَتَرَجَّحُ مَا (ذُكِرَ مَعَهُ السَّبَبُ) عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ أَيْ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَامِّ الْمُطْلَقِ عَنْهُ إذَا تَعَارَضَا فِي صُورَةِ السَّبَبِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ إذْ السَّبَبُ هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَكَانَتْ دَلَالَتُهُ فِيهَا شَدِيدَةَ الْقُوَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَخْصِيصُهَا وَأَمَّا فِيمَا عَدَا صُورَةِ السَّبَبِ فَيَتَرَجَّحُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ عَنْهُ عَلَى الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ لِقِيَامِ احْتِمَالِ كَوْنِ ذِي السَّبَبِ خَاصًّا بِمَوْرِدِهِ إذْ الْأَصْلُ مُطَابَقَتُهُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ قَالَ السُّبْكِيُّ فَمَنْ قَالَ إنَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ رَاجِحٌ أَرَادَ فِي صُورَةِ السَّبَبِ وَمَنْ قَالَ إنَّ عَكْسَهُ رَاجِحٌ أَرَادَ فِيمَا عَدَاهَا وَلَا يُتَّجَهُ خِلَافٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
(وَفِي السَّنَدِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمَتْنِ بِاعْتِبَارِ حِكَايَةِ طَرِيقِهِ (كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَرْجِيحِهِ (عَلَى السُّنَّةِ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ، قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا أَيْ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ عَلَيْهَا مُسْتَنِدًا لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقَرَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتَقْدِيمُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، ثُمَّ قَالَ: الْأَصَحُّ تَسَاوِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهَا وَقِيلَ تُقَدَّمُ السُّنَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ أُصُولُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ السَّنَدِ تَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يَجْرِي لُزُومُ فِيهِمَا مُجْمَلَيْنِ، وَإِنْ عُلِمَ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ وَالظَّنِّيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً بَلْ بِمَا يُسَوِّغُ تَرْجِيحَهُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا جُمِعَ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَسَاقَطَا.
وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا نَسَخَ
الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِيِّ السَّنَدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ لِرُجْحَانِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ فَيَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِهِ وَلَا يُقَالُ: وَهَذَا أَيْضًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَضَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَةِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ حَقِيقَتَهَا لِتَعَالِي الشَّارِعِ عَنْهَا بَلْ صُورَتُهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَشْهُورُهَا) أَيْ يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ السُّنَّةِ (عَلَى الْآحَادِ) لِرُجْحَانِ الْمَشْهُورِ سَنَدًا عَلَى الْآحَادِ «كَالْيَمِينِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (عَلَى خَبَرِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) أَيْ الْقَضَاءُ بِهِمَا لِلْمُدَّعِي الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلَّائِمَةِ الثَّلَاثَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْفُرُوعِ (وَبِفِقْهِ الرَّاوِي) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ اجْتِهَادُهُ كَمَا هُوَ عُرْفُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (وَضَبْطِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي
(وَوَرَعِهِ) أَيْ تَقْوَاهُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالِاجْتِنَابُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ (وَشُهْرَتِهِ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (وَبِالرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رُجْحَانُهُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَإِنَّ شُهْرَتَهُ بِهِ تَكُونُ غَالِبًا لِرُجْحَانِهِ فِيهِ وَالْمَعْنَى كَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ رَاوِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الظَّنِّ فِيهِ أَقْوَى وَاحْتِمَالَ الْغَلَطِ فِيهِ أَوْهَى وَصَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ اعْتِيَادَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِمُرَجِّحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا وَهُوَ حَسَنٌ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ التَّرْجِيحَ بِالْفِقْهِ بِالْخَبَرَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِذَا سَمِعَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَحَثَ عَنْهُ وَسَأَلَ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَى مَا يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَفْقَهَ مِنْ الْآخَرِ، وَبِقُوَّةِ حِفْظِهِ وَزِيَادَةِ ضَبْطِهِ وَشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا كَانَ أَقَلَّ فِي ذَلِكَ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قِيلَ وَبِعِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْ مَوَاقِعِ الزَّلَلِ فَيَكُونُ الْوُثُوقُ بِرِوَايَتِهِ أَكْثَرَ قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِهَا يَعْتَمِدُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا يُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَالْجَاهِلَ بِهَا يَكُونُ خَائِفًا فَيُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَعْرَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ النَّظَرِ قِيلَ وَبِسُرْعَةِ حِفْظِ أَحَدِهِمَا وَإِبْطَاءِ نِسْيَانِهِ مَعَ سُرْعَةِ حِفْظِ الْآخَرِ وَسُرْعَةِ نِسْيَانِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَفِي) كَوْنِ (عُلُوِّ السَّنَدِ) أَيْ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ بَيْنَ الرَّاوِي لِلْمُجْتَهِدِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرَجَّحًا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَلَّتْ الْوَسَائِطُ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَطَأِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ (خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ) كَمَا يُفِيدُهُ وَاقِعَةُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ خَرَّجَهَا الْحَافِظُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيِّ فِي تَخْرِيجِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَدْ سُقْنَاهَا فِي حَلْبَةِ الْمُجَلِّي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى
(وَبِكَوْنِهَا) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ بِكَوْنِ إحْدَاهُمَا (عَنْ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّاوِي (لَا نُسْخَتِهِ) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ الْمُعَوِّلِ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى خَبَرِ الْمُعَوِّلِ عَلَى كِتَابِهِ لِاحْتِمَالِهِ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ كِتَابَهُ الْمَصُونَ تَحْتَ يَدِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيهِ بَعِيدٌ بَلْ لَيْسَ هُوَ دُونَ احْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ عَلَى الْحَافِظِ وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِيهِ كَالْعَدَمِ (وَخَطِّهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى خَطِّهِ (مَعَ تَذَكُّرِهِ) لِذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ (عَلَى مُجَرَّدِ خَطِّهِ وَهَذَا) التَّرْجِيحُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ (عَلَى غَيْرِ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْخَطِّ بِلَا تَذَكُّرٍ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَارُضُ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (وَبِالْعِلْمِ) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ (بِأَنَّهُ) أَيْ رَاوِيهِ (عَمِلَ بِمَا رَوَاهُ عَلَى قَسِيمَيْهِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَمِلَ بِهِ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَاَلَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْكَذِبِ قُلْت وَهَذَا فِي أَوَّلِهِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَمَلُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ
لَهُ.
أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ عَمِلَ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ فَمَا رَوَاهُ حِينَئِذٍ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فَلَا يَقُومُ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ رُكْنِ التَّعَارُضِ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (أَوْ) كَانَ التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّ رَاوِيهِ (لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ) عَلَى مَا رَاوِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْسَلِينَ فَلِذَا قَالَ (عَلَى) قَوْلِ (مُجِيزِ الْمُرْسَلِ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ فَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَعَارُضَ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ فَلَا تَرْجِيحَ، ثُمَّ قَالَ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ مُجِيزِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ (مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ أَمَّا مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَهُ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ التَّرْجِيحُ بِمَا بِهِ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِكُلِّ مُرَادٍ - (وَمِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ يَكُونُ رَاوِيهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ (عَلَى أَصَاغِرِهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَرْوِيِّ الَّذِي رَاوِيهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ إلَى الرَّسُولِ أَقْرَبُ غَالِبًا فَيَكُونُ بِحَالِهِ أَعْرَفَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ لِأَبِي حَنِيفَةَ تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا رَوَاهُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمْ (بِمَا إذَا رَجَحَ) مَا رَوَاهُ (فِقْهًا) بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ لَا بِفِقْهِهِ (إذْ قَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِرَأْسِ الْأَصَاغِرِ فِي الْهَدْمِ) أَيْ هَدْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ دُونَ الْأَكَابِرِ فِي عَدَمِ الْهَدْمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا عُمَرَ وَعَلِيًّا فُقَهَاءُ.
وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سِيقَ وَالْحَقُّ عَدَمُ الْهَدْمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَمَسْأَلَةٌ يُخَالِفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَعُوزُ فِقْهُهَا وَيَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا بَحَثَهُ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنْ يُقَالَ: (فَلَا يَتَرَجَّحُ) خَبَرُ الْأَكْبَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَكْبَرُ (فِي الرِّوَايَةِ) عَلَى الْأَصْغَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَصْغَرُ إذَا تَعَارَضَا (بَعْدَ فِقْهِ الْأَصْغَرِ وَضَبْطِهِ إلَّا بِذَاكَ) أَيْ بِرُجْحَانِهِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ قُلْت وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَلَى الْأَصَاغِرِ هِيَ الْأَقْرَبِيَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْأَخْذِ بِمَا عَنْ الْأَكَابِرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى رَأْيِهِمْ فِيهِ عَدَمُ التَّرْجِيحِ لِمَا هُوَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِمْ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِيَّةِ مِنْهُ، ثُمَّ حَيْثُ تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَتِهِمْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصَاغِرِ مَا ذَكَرْنَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وبأقربيته) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِأَقْرَبِيَّةِ رِوَايَةٍ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْأَقْرَبِيَّةِ.
(وَبِهِ) أَيْ وَبِقُرْبِ السَّمَاعِ (رَجَّحَ الشَّافِعِيَّةُ الْإِفْرَادَ) بِالْحَجِّ عَلَى غَيْرِهِ (مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ نَاقَتِهِ) فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «وَإِنِّي كُنْت عِنْدَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ» وَهُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِإِمَامِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخَذْت بِرِوَايَةِ جَابِرٍ لِتَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ لِفَضْلِ حِفْظِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُزَنِيّ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ:(وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ (وَوُجُوبِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقُرْبِ الْمُرَجَّحِ عَلَى الْبُعْدِ (بِبُعْدِ الْآخَرِ بُعْدًا يَتَطَرَّقُ مَعَهُ الِاشْتِبَاهُ) أَيْ اشْتِبَاهُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْبَعِيدِ (لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَا أَثَرَ لِبُعْدِ شِبْرٍ لِقَرِيبَيْنِ) بِإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْآخَرِ بِمِقْدَارِ شِبْرٍ فِي تَفَاوُتِ سَمَاعِ كَلَامِهِ (ثُمَّ لِلْحَنَفِيَّةِ) التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ أَيْضًا لِلْقِرَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (إذْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِزِمَامِهَا حِينَ أَهَلَّ بِهِمَا) أَيْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ «كُنْت آخُذُ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفِي وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» أَيْ تُجِرُّ مَا تَجْتَرُّهُ مِنْ الْعَلَفِ وَتُخْرِجُهُ إلَى الْفَمِ وَتَمْضُغُهُ، ثُمَّ تَبْلَعُهُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَكَذَا
أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ بَدَلَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِمَةً وَقَالَ «قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا إنِّي عِنْدَ ثَفِنَاتِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ»
(وَتَعَارَضَ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ) إذْ كَمَا عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» فَعَنْهُ أَيْضًا فِيهِمَا «بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» وَلَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ تَضْطَرِبْ رِوَايَتُهُ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ اضْطَرَبَتْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ تَرْجِيحِ كَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّ قَارِنًا عَلَى كَوْنِهِ حَجَّ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَبِكَوْنِهِ تَحَمَّلَ بَالِغًا) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَتَحَمَّلْ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَ جَمِيعَهُ صَبِيًّا أَوْ بَعْضَهُ بَالِغًا وَبَعْضَهُ صَبِيًّا أَوْ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ بَعْضَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي تَحَمَّلَ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ صَبِيًّا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَضْبَطُ مِنْ الصَّبِيِّ وَأَقْرَبُ مِنْهُ غَالِبًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ) أَيْ التَّرْجِيحُ (فِيمَنْ تَحَمَّلَ مُسْلِمًا) فَيُرَجَّحُ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ تَحَمَّلَ غَيْرَ مُسْلِمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُسْلِمِ (لَا يَحْسُنُ ضَبْطُهُ لِعَدَمِ إحْسَانِ إصْغَائِهِ وَبِقِدَمِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ الْمَرْوِيُّ الَّذِي رَاوِيهِ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي رَاوِيهِ حَدِيثُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ خَبَرَ مُتَقَدِّمِهِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِزِيَادَةِ أَصَالَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَحَرُّزِهِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْأَبْهَرِيُّ هَذَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رِوَايَتُهُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ كَمَا سَتَرَى (وَقَدْ يُعْكَسُ) أَيْ يُرَجَّحُ خَبَرُ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَبَرِ مُتَقَدِّمِهِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ شَرَطَ فِي الْمَحْصُولِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ سَمَاعَهُ وَقَعَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (لِلدَّلَالَةِ عَلَى آخِرِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) هَذَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مَاتَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ أَنَّ رِوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمِ أَكْثَرُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى رَاوِيَاتِ الْمُتَأَخِّرِ فَهُنَا يُحْكَمُ بِالرُّجْحَانِ؛ لِأَنَّ النَّادِرَ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ انْتَهَى. يَعْنِي فَيُقَدَّمُ الْمُتَأَخِّرُ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا فَالْغَالِبُ أَنَّ رِوَايَةَ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ نَاسِخٌ، وَإِنْ عُلِمَ فِي أَحَدِهِمَا وَجُهِلَ فِي الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَرَّخُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ النَّاسِخُ فَيَنْسَخُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» بِصَلَاةِ أَصْحَابِهِ قِيَامًا خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ فِيهِمَا وَاحْتِيجَ إلَى نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَقِيلَ: النَّاقِلُ عَنْ الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُوَافِقِ لَهَا وَقِيلَ: الْمُحَرِّمُ وَالْمُوجِبُ أَوْلَى مِنْ الْمُبِيحِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا وَالْآخَرُ مُحَرِّمًا لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَوْ أَسْلَمَ الرَّاوِيَانِ كَخَالِدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَخَبَرُهُ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ تَحَمَّلَهُ الْآخَرُ فِي إسْلَامِهِ أَمْ فِي كُفْرِهِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا.
(كَكَوْنِهِ مَدَنِيًّا) أَيْ كَمَا يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَدَنِيُّ عَلَى الْخَبَرِ الْمَكِّيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَالْمَدَنِيَّ مَا وَرَدَ بَعْدَهَا فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَدَنِيُّ نَاسِخًا لِلْمَكِّيِّ بِلَا نِزَاعٍ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرْجِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي الْمَدِينَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَارِدِ فِي مَكَّةَ سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَكِّيَّاتِ وُرُودُهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْوَارِدُ مِنْهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ مُلْحَقٌ بِالْكَثِيرِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِأَنَّ هَذَا الْوَارِدَ فِي مَكَّةَ إنَّمَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَدَنِيِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا.
(وَشُهْرَةُ النَّسَبِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِشُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ عَلَى الْآخَرِ بِعَدَمِ شُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ قَالَ الْآمِدِيُّ؛ لِأَنَّ احْتِرَازَ مَشْهُورِ النَّسَبِ عَمَّا يُوجِبُ نَقْصَ مَنْزِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَكُونُ أَكْثَرَ
(وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ مَا فِي التَّرْجِيحِ بِهَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمَحْصُولِ رِوَايَةُ مَعْرُوفِ النَّسَبِ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَجْهُولِهِ.
(وَصَرِيحُ السَّمَاعِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِتَصْرِيحِ رَاوِيهِ بِسَمَاعِهِ كَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا (عَلَى مُحْتَمِلِهِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الرَّاوِي لَهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلسَّمَاعِ (كَقَالَ) لِلتَّيَقُّنِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاحْتِمَالِ فِي الثَّانِي (وَصَرِيحُ الْوَصْلِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ سَنَدِهِ مُتَّصِلًا صَرِيحًا بِأَنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْ رُوَاتِهِ تَحَمُّلَهُ عَنْ مَنْ رَوَاهُ بِ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا أَوْ سَمِعْت أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (عَلَى الْعَنْعَنَةِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ كُلُّ رُوَاتِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَرِيحِ اتِّصَالٍ بِتَحْدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاتِّصَالِ فِي هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ التَّرْجِيحِ بِصَرَاحَةِ الْوَصْلِ عَلَى الْعَنْعَنَةِ (لِقَابِلِ الْمُرْسَلِ بَعْدَ عَدَالَةِ الْمُعَنْعَنِ وَأَمَانَتِهِ) وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُدَلِّسٍ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ مَسْأَلَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَنْ الْحَاكِمِ الْأَحَادِيثَ الْمُعَنْعَنَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ.
(وَمَا لَمْ تُنْكَرْ رِوَايَتُهُ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُنْكِرْ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي أَنْكَرَ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِهِ أَقْوَى (وَبِدَوَامِ عَقْلِهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ رَاوِيهِ سَلِيمَ الْعَقْلِ دَائِمًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُ رَاوِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَذَا أَطْلَقَهُ الْحَاصِلُ وَالتَّحْصِيلُ وَالْمِنْهَاجُ (وَالْوَجْهُ فِيمَا) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي (عُلِمَ أَنَّهُ) رَوَاهُ رَاوِيهِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُهُ فِي وَقْتٍ قَدْ رَوَاهُ (قَبْلَ زَوَالِهِ) أَيْ عَقْلِهِ (نَفْيُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ ذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (وَذَاكَ) التَّرْجِيحُ لِذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (إذَا لَمْ يُمَيَّزْ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ رَوَاهُ فِي سَلَامَةِ عَقْلِهِ أَمْ فِي اخْتِلَاطِهِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمَحْصُولِ (وَصَرِيحُ التَّزْكِيَةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ رَاوِيهِ مُزَكًّى بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِي التَّزْكِيَةِ (عَلَى) الْآخَرِ الْمُزَكَّى رَاوِيهِ بِسَبَبِ (الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ) أَوْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْحُكْمَ قَدْ يُبْنَيَانِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ وَيَسْتَنِدَانِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِلرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَمَا بِشَهَادَتِهِ) أَيْ كَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ تَزْكِيَةِ رَاوِيهِ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي زُكِّيَ بِالْعَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ وَمَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْخُلْطَةِ وَالِاخْتِبَارِ عَلَى مَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْأَخْبَارِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمُعَايَنَةَ أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ.
(وَالْمَنْسُوبُ إلَى كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ الْمَرْوِيِّ فِي كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ كَالصَّحِيحَيْنِ (عَلَى) مَنْسُوبٍ إلَى (مَا) أَيْ كِتَابٍ (لَمْ يَلْتَزِمْهَا) أَيْ الصِّحَّةَ (فَلَوْ أَبْدَى) أَيْ أَظْهَرَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا (سَنَدًا) لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (اعْتَبَرَ الْأَصَحِّيَّةَ) بَيْنَهُمَا طَرِيقًا فَأَيُّهُمَا فَازَ بِهَا فَقَدْ فَازَ بِالتَّقْدِيمِ (وَكَوْنُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) رَاجِحًا (عَلَى مَا رُوِيَ بِرِجَالِهِمَا فِي غَيْرِهِمَا أَوْ) رَاجِحًا عَلَى مَا (تَحَقَّقَ فِيهِ شَرْطُهُمَا بَعْدَ إمَامَةِ الْمُخَرَّجِ) كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَتْبَاعُهُ (تَحَكُّمٌ) وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ إذْ الْأَصَحِّيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِاشْتِمَالِ رِوَايَتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي رِوَايَةِ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابَيْنِ أَفَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِأَصَحِّيَّةِ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عَيْنَ التَّحَكُّمِ، ثُمَّ حُكْمُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ الْمُعَيَّنَ يَجْتَمِعُ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطِ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاقِعِ خِلَافَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ كَثِيرٍ فِي كِتَابِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجَرْحِ، وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِمْ فَدَارَ الْأَمْرُ فِي الرُّوَاةِ عَلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ، وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَرْطًا وَأَلْغَاهُ آخَرُ يَكُونُ مَا رَوَاهُ الْآخَرُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ مُكَافِئًا لِمُعَارَضَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَكَذَا فِيمَنْ ضَعَّفَ رَاوِيًا وَوَثَّقَهُ آخَرُ نَعَمْ تَسْكُنُ نَفْسُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ أَمْرَ الرَّاوِي بِنَفْسِهِ إلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ وَاَلَّذِي خَبَرَ لِرَاوِي فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى رَأْيِ نَفْسِهِ انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْت لَيْسَتْ أَصَحِّيَّتُهُمَا لِمُجَرَّدِ اشْتِمَالِ رُوَاتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا بَلْ وَلِتَلَقِّي الْأُمَّةَ بَعْدَهُمَا لِقَبُولِ كِتَابَيْهِمَا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي غَيْرِهِمَا قُلْت تَلَقِّي الْأُمَّةَ لِجَمِيعِ مَا فِي كِتَابَيْهِمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا لِرُوَاتِهِمَا فَلِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا لِمُتُونِ أَحَادِيثِهِمَا؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا وَلَا عَلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى مُعَارِضِهَا، ثُمَّ مِمَّا يَنْبَغِي
التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّ أَصِحِّيَّتَهُمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا تَنَزُّلًا إنَّمَا يَكُونُ بِلُزْمَانِهَا مَنْ بَعْدَهُمَا لَا الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ يُغَالِطُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
(وَيَجِبُ) التَّرْجِيحُ لِلْمَرْوِيِّ (بِالذُّكُورَةِ) لِرَاوِيهِ (فِيمَا يَكُونُ خَارِجًا) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ خَارِجَ الْبُيُوتِ (إذْ الذَّكَرُ فِيهِ أَقْرَبُ) مِنْ الْأُنْثَى (وَبِالْأُنُوثَةِ) لِرَاوِيهِ (فِي عَمَلِ الْبُيُوتِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ بِهِ أَعْرَفُ (وَرَجَّحَ فِي كُسُوفِ الْهِدَايَةِ حَدِيثَ سَمُرَةَ) بْنِ جُنْدَبٍ الْمُفِيدَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَزَاهُ إلَى رَاوِيهِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تُوجَدْ عَنْهُ (عَلَى) حَدِيثِ (عَائِشَةَ) الْمُفِيدِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (بِأَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لَهُمْ) أَيْ لِلرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا إذَا لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ غَيْرُ عَائِشَةَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَعَبَّرَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِتَرْجِيحِ الذَّكَرِ فِي غَيْرِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ أَحْكَامِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَضْبَطُ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى وَأَشْمَلُ ثَانِيهَا يُقَدَّمُ خَبَرُ الذَّكَرِ عَلَى خَبَرِ الْأُنْثَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ ثَالِثُهَا لَا يُقَدَّمُ خَبَرُهُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ الذُّكُورَةُ عَلَى خَبَرِهَا (وَكَثْرَةُ الْمُزَكِّينَ) فِي التَّرْجِيحِ بِهَا (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَتِهَا مِنْ وِفَاقٍ وَخِلَافٍ.
(وَبِفِقْهِهِمْ وَمُدَاخَلَتِهِمْ لِلْمُزَكَّى) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِفِقْهِ مُزَكِّي رَاوِيهِ وَمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْبَاطِنِ لَهُ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي مُزَكُّو رَاوِيهِ لَيْسُوا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَنَّ صِدْقِهِ أَقْوَى (وَبِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ بِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ (فِي رَفْعِهِ) إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُعَارِضِهِ الْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ وَوَقْفِهِ عَلَى رَاوِيهِ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ مِنْ قُوَّةِ الظَّنِّ بِنِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ لِلْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ قُلْت وَلَوْ قِيلَ هَذَا فِيمَا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُخْتَلَفُ فِي رَفْعِهِ مِمَّا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ لَكَانَ وَجِيهًا (وَتَرَكْنَا) مُرَجِّحَاتٍ أُخْرَى (لِلضَّعْفِ) أَيْ لِضَعْفِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَقَوْلِهِمْ يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَلِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى قُلْت وَفِي ضَعْفِ التَّرْجِيحِ بِالْمُوَافِقِ لِدَلِيلٍ آخَرَ مُطْلَقًا نَظَرٌ وَكَيْفَ؟ وَالْأَحَقُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا لَا يُوَافِقُهُ وَمِنْهَا كَوْنُ الْإِسْنَادِ حِجَازِيًّا أَوْ كَوْنُ رَاوِيهِ مِنْ بَلَدٍ لَا يَرْضَوْنَ التَّدْلِيسَ أَوْ كَوْنُهُ صَاحِبَ كِتَابٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ أَوْ كَوْنُ لَفْظِهِ أَفْصَحَ وَلَفْظِ الْآخَرَ فَصِيحًا فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَتَكَلَّمُ بِالْأَفْصَحِ وَالْفَصِيحِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ لُغَتِهِمْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَنْحَى مِنْ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْوُضُوحُ) أَيْ وَلِوُضُوحِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِمْ بِقِدَمِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ تَعَارُضِ إجْمَاعَيْنِ وَفِي تَعَارُضِ تَأْوِيلَيْنِ يُقَدَّمُ مَا دَلِيلُ تَأْوِيلِهِ أَرْجَحُ وَفِي تَعَارُضِ عَامَّيْنِ مَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَغَيْرُهُ يُقَدَّمُ الْوَارِدُ فِي السَّبَبِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ انْتَهَى. لَكِنْ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ سَالِفًا وَمِنْهَا كَوْنُهُ غَيْرَ مُشْعِرٍ بِنَوْعِ قَدْحٍ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى مَا أَشْعَرَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ عَلَى مَا اضْطَرَبَ وَكَوْنُهُ قَوْلًا عَلَى كَوْنِهِ فِعْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَتَتَعَارَضُ التَّرَاجِيحُ) فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمُخَلِّصِ كَمَا فِيمَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (كَفِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَضَبْطِهِ) فِي رِوَايَتِهِ لِوُقُوعِ «نِكَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» بَلْ وَهُمَا مُحْرِمَانِ (بِمُبَاشَرَةِ أَبِي رَافِعٍ) الرِّسَالَةَ بَيْنَهُمَا فِي رَاوِيَتِهِ لِتَزَوُّجِهَا وَهُوَ حَلَالٌ (حَيْثُ قَالَ كُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا) وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا وَلَا ضَيْرَ فِي هَذَا فَإِنَّهُ مَعْنَاهُ (وَكَسَمَاعِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (مُشَافَهَةً مِنْ عَائِشَةَ)«أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَإِنَّهَا عَمَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابٌ (مَعَ إثْبَاتِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا فَلَمَّا أُعْتِقَتْ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا فَإِذَا سَمِعَ
مِنْهُمَا (فَإِنَّهُ) أَيْ سَمَاعَهُ يَكُونُ (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) فَتَعَارَضَ الْإِثْبَاتُ وَالْمُشَافَهَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى النَّفْيِ
(وَإِذَا قَطَعَ) الْأَسْوَدُ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُخْبِرَةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (هِيَ) أَيْ عَائِشَةُ (فَلَا أَثَرَ لِارْتِفَاعِهِ) أَيْ الْحِجَابِ فَلَا يَصْلُحُ ارْتِفَاعُهُ مُرَجِّحًا فَيَتَرَجَّحُ الْإِثْبَاتُ عَلَى النَّفْيِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ لِلنَّافِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَوْ رُجِّحَ) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ (بِالسِّفَارَةِ لَكَانَ) التَّرْجِيحُ بِهَا لَيْسَ إلَّا (لِزِيَادَةِ الضَّبْطِ) ؛ لِأَنَّ السَّفِيرَ لَهُ زِيَادَةُ ضَبْطٍ (فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ) الَّتِي هُوَ سَفِيرٌ فِيهَا (فَإِذَا كَانَ) الضَّبْطُ (صِفَةَ النَّفْسِ) يَغْلِبُ ظَنُّ الصِّدْقِ وَحِينَئِذٍ (اعْتَدَلَا) أَيْ تَسَاوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَافِعٍ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ لِوُجُودِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَتَرَجَّحَ) خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ (لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ هُوَ) أَيْ سَبَبُ الْعِلْمِ بِهِ (هَيْئَةُ الْمُحْرِمِ) بِخِلَافِ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ (نَعَمْ مَا عَنْ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ) مَيْمُونَةَ رضي الله عنها «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (إنْ صَحَّ قَوَّى) خَبَرَ أَبِي رَافِعٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خَبَرَ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى غَيْرِهِ إذَا عَارَضَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى وَقَدْ صَحَّ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» فَيَتَعَارَضُ تَرْجِيحُ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَبَبِ عِلْمٍ بِهِ وَتَرْجِيحُ خَبَرِ أَبِي رَافِعٍ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَةِ الْوَاقِعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ إخْبَارِهَا وَبَيْنَ إخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَعَيَّنَ مَخْلَصًا (فَيَجِبُ) أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا تَزَوَّجَنِي (مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ) لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَّةِ بَيْنَهُمَا إذَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ (جَمْعًا) بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
(وَمِنْهُ) أَيْ تَعَارُضِ التَّرَاجِيحِ (لِلْحَنَفِيَّةِ الْوَصْفُ الذَّاتِيُّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ أَوْ الْجُزْءِ) الْغَالِبِ مِنْهَا (عَلَى الْحَالِّ) وَهُوَ (مَا) يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ (بِخَارِجٍ) أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَإِذَا تَعَارَضَا فِي مَحَلٍّ رُجِّحَ مَا فِيهِ الذَّاتِيُّ عَلَى الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّ أَسْبَقُ وُجُودًا مِنْ الْحَالِّ زَمَانًا أَوْ رُتْبَةً فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَاجْتِهَادٍ أُمْضِيَ حُكْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَخُ بِاجْتِهَادٍ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَالَّ فِي الشَّيْءِ قَائِمٌ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ قِيَامِهِ وَبَقَائِهِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْحَالُ مَوْجُودَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا وَالذَّاتُ مَوْجُودَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَوْلَى، ثُمَّ بَعْدَمَا صَارَ الدَّلِيلُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ لَا يُجْعَلُ الْآخَرُ رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَإِبْطَالًا لِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (كَصَوْمٍ) لِيَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لِيَوْمٍ مَعْنِيٍّ بِالنَّذْرِ (لَمْ يُبَيِّتْ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا نَوَى قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِذَنْ (بَعْضُهُ مَنْوِيٌّ وَبَعْضُهُ لَا) بِالضَّرُورَةِ (وَلَا يَتَجَزَّأُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ صِحَّةً وَفَسَادًا بَلْ إمَّا أَنْ يَفْسُدَ الْكُلُّ أَوْ يَصِحَّ الْكُلُّ (فَتَعَارَضَ مُفْسِدُ الْكُلِّ) وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (وَمُصَحِّحُهُ) أَيْ الْكُلِّ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ (فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْإِفْسَادُ لِلْكُلِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ الْمُقْتَضِيهَا) أَيْ النِّيَّةِ (فِي الْكُلِّ) فَإِنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ تُوجِبُ الْفَسَادَ وَقَدْ انْتَفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِهَا فَيَفْسُدُ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ فَسَادِ الْبَعْضِ وَصِحَّةِ الْبَعْضِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ عُرُوضَهُ لِلْإِمْسَاكِ لَا لِذَاتِ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَهُوَ النِّيَّةُ
(وَ) تَرْجِيحُ (الثَّانِي) وَهُوَ الصِّحَّةُ لِلْكُلِّ (بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ) بِالنِّيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ وُجُودِهَا مَعَ كَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّرْجِيحُ تَرْجِيحٌ (بِالذَّاتِيِّ) فَإِنَّ وُجُودَهُ الْخَارِجِيَّ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ الْوَاقِعَةِ هِيَ فِيهَا أَعْنِي النِّيَّةَ (وَيُنْقَضُ) هَذَا (بِالْكَفَّارَةِ) أَيْ بِصَوْمِهَا، وَكَذَا بِصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُمَا إلَّا مُبَيَّتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ (وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْغَرَضَ) مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ (تَوَقُّفُ الْإِجْزَاءِ) أَيْ كَوْنُ تِلْكَ الْإِمْسَاكَاتِ مَحْكُومًا بِتَوَقُّفِهَا (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ