المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل تقسيم القياس باعتبار التفاوت في القوة إلى جلي وخفي] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل تقسيم القياس باعتبار التفاوت في القوة إلى جلي وخفي]

بِيعَتْ بِكْرًا) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْبُولَةُ الشَّهَادَةِ بِثِيَابَتِهَا (لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا لِلرَّدِّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَإِنْ قُبِلَتْ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ) حَتَّى تَثْبُتَ الثِّيَابَةُ فِي هَذِهِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا بِحَلِفِهِ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ.

فَإِنْ حَلَفَ فَلَا خُصُومَةَ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ ثِيَابَتِهَا فِي نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْوِلَادَةِ أَصْلًا وَوَصْفًا وَهُوَ كَوْنُهَا شَرْطًا وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتُقْبَلُ فِي أَصْلِهَا لَا فِي وَصْفِهَا فَلَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَبِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا وَلَدْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ بِهَا لِأَنَّهَا شَرْطُ وُقُوعِهِ وَهِيَ مِمَّا تَقِفُ عَلَيْهِ الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ فِي نَسَبِ الْمَوْلُودِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُهَا كَمَا فِي: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَيْفَ لَا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْيَقِينُ وِلَادَتُهَا إذَا جَاءَتْ فَارِغَةً وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ مِنْ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ مُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَلَدُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدٍ آخَرَ مَيِّتٍ ثُمَّ تُرِيدُ حَمْلَ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعَيُّنِ الْوِلَادَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

(فَصْلٌ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ) التَّفَاوُتِ فِي (الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ مَا عُلِمَ فِيهِ نَفْيُ اعْتِبَارِ الْفَارِقِ) أَيْ إلْغَاؤُهُ (بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ التَّقْوِيمِ عَلَى مُعْتِقِ الْبَعْضِ) الثَّابِتِ فِيهِ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ وَأَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا سِوَى ذَلِكَ (وَخَفِيَ بِظَنِّهِ) أَيْ مَا يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا (كَالنَّبِيذِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى الْخَمْرِ فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ مِنْهُ) أَيْ الْخَمْرِ (لِتَجْوِيزِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ) أَيْ كَوْنِ الشَّرَابِ مَاءَ الْعِنَبِ الْخَاصِّ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَلِذَا) أَيْ تَجْوِيزِ هَذَا الِاعْتِبَارِ (قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لِمَا هُوَ مَسْطُورٌ لَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا التَّجْوِيزُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُنَافِي ظَنَّ نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَمِنْ الْجَلِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا كَانَ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالًا ضَعِيفًا بَعِيدًا كُلَّ الْبُعْدِ كَإِلْحَاقِ الْعَمْيَاءِ بِالْعَوْرَاءِ فِي حَدِيثِ الْمَنْعِ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ يَعْنِي حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» إلَخْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ جَلِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَخَفِيَ وَهُوَ الشَّبَهُ وَوَاضِحٌ وَهُوَ مَا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْأُولَى كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْوَاضِحُ الْمُسَاوِي كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْخَفِيُّ الْأَدْوَنُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا وَالْجَلِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْ الْجَلِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى.

(وَ) قَسَّمُوهُ (بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ إلَى قِيَاسِ عِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ لِلْإِسْكَارِ كَالْخَمْرِ (وَ) إلَى (قِيَاسِ دَلَالَةٍ أَنْ يَجْمَعَ) فِيهِ (بِمُلَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (كَرَائِحَةِ) الْعَصِيرِ (الْمُشْتَدِّ) بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ (بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ) فِي الْحُرْمَةِ (لِدَلَالَتِهِ) أَيْ الْمُلَازِمِ الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ (عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ الْإِسْكَارِ) الْحَاصِلِ مِنْ ذِي الشِّدَّةِ (إذْ كَانَ) الْإِسْكَارُ (مُلَازِمًا لَهَا) أَيْ لِلرَّائِحَةِ فَيُقَالُ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ هُوَ وَحُكْمٍ آخَرَ تُوجِبُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصْلِ فَيُقَالُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْآخِرِ فِيهِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فَيَكُون قَدْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ أَيْ الْحُكْمَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمُوجِبِ الْآخَرِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ لَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْعِلَّةِ وَبِالْعِلَّةِ عَلَى الْمُوجِبِ الْآخَرِ لَكِنْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ مُوجِبِ

ص: 221

الْعِلَّةِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا (وَ) إلَى (قِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنْ يَجْمَعَ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَيْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْفَارِقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِوَصْفٍ هُوَ الْعِلَّةُ (كَإِلْغَاءِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (أَعْرَابِيًّا وَكَوْنِهَا) أَيْ الْمُجَامَعَةُ (أَهْلًا) لِلْمُجَامِعِ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ حُكْمِ وُقُوعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَهُ الْمُجَابِ بِبَيَانِ الْكَفَّارَةِ (فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ الْمَجَامِعِ غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ (وَبِالزِّنَا وَكَذَا إذَا أَلْغَى الْحَنَفِيُّ كَوْنَهُ) أَيْ الْمُفْطِرِ (جِمَاعًا فَتَجِبُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَمْدِ الْأَكْلِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْإِيمَاءِ (وَلَوْ تَعَرَّضَ) الْقَائِسُ (لِغَيْرِ نَفْيِ الْفَارِقِ مِنْ عِلَّةٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ نَفْيِ الْفَارِقِ (وَكَانَ) نَفْيُ الْفَارِقِ (قَطْعِيًّا خَرَجَ) مِنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ (إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْ) كَانَ نَفْيُ الْفَارِقِ (ظَنِّيًّا فَإِلَى) الْقِيَاسِ (الْخَفِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا) التَّقْسِيمَ (تَقْسِيمٌ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقِيَاسِ إذْ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ.

(وَالْحَنَفِيَّةُ) قَسَّمُوا الْقِيَاسَ (إلَى جَلِيٍّ مَا تَبَادَرَ) أَيْ سَبَقَ إلَى الْأَفْهَامِ (وَ) إلَى (مَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْهُ فَالْأَوَّلُ الْقِيَاسُ وَالثَّانِي الِاسْتِحْسَانُ فَهُوَ) أَيْ الِاسْتِحْسَانُ (الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى) قِيَاسٍ (ظَاهِرٍ مُتَبَادِرٍ وَيُقَالُ) الِاسْتِحْسَانُ (لِمَا هُوَ أَعَمُّ) مِنْ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَيْ (كُلُّ دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ نَصٌّ كَالسَّلَمِ) فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» السَّالِفَ تَخْرِيجُهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ فَتُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَأُقِيمَتْ الذِّمَّةُ مُقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ وَأُورِدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ مُخَصَّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَيْ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَك وَلَا وِلَايَةَ لَك عَلَى بَيْعِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِهِ أُجِيبَ: سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُخَصَّصًا لَهُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ مُوجِبِ قِيَاسِ السَّلَمِ عَلَى سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ بِهَذَا النَّصِّ (أَوْ إجْمَاعٌ كَالِاسْتِصْنَاعِ) أَيْ طَلَبِ صَنْعَةٍ لِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ خُفٍّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِخَفَّافٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا مِنْ جِلْدِ كَذَا صِفَتُهُ كَذَا وَمِقْدَارُهُ كَذَا بِكَذَا وَلَا يَذْكُرُ لَهُ أَجَلًا وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ لِلْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ حَقِيقَةً وَوَصْفًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقِيقَةً وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ وَقَصُرُوا الْجَوَازَ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ التَّعَامُلِ عَلَى أَصْلِهِ وَخُصَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ.

(أَوْ ضَرُورَةً كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ) الْمُتَنَجِّسَةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى طَهَارَتِهَا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مِنْ نَزْحٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ الْمُحْوِجَةُ إلَى ذَلِكَ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى طَهَارَتِهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا وَهُوَ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَلَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ فَمَا يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى يُلَاقِي نَجَسًا مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ قُلْت وَالْحَقُّ أَنَّ تَطْهِيرَ الْآبَارِ لَا يُعَدُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ الْبَعْضِ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ بَلْ قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَسَائِلُ الْآبَارُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ يُفِيدُ أَنَّ تَطْهِيرَهَا مُطْلَقًا مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَمُنْكِرُهُ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ (لَمْ يَدْرِ الْمُرَادَ بِهِ) عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَارِعَ إلَى رَدِّهِ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقَ لُغَةً عَلَى مَا يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَثُرَ

ص: 222

اسْتِعْمَالُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ إنْكَارُ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ مُسْتَحْسَنًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا وَجْهَ لِقَبُولِ الْعَمَلِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ. وَفِي هَذَا الِاعْتِذَارِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ نَصًّا كَانَ أَوْ إجْمَاعًا أَوْ ضَرُورَةً أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا إذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ يَسْبِقُ إلَيْهِ الْإِفْهَامُ حَتَّى لَا يُطْلَقَ عَلَى مَا لَا يُقَابِلُ مِنْهَا الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ خِلَافٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

(وَقَسَّمُوا الِاسْتِحْسَانَ إلَى مَا قَوِيَ أَثَرُهُ) أَيْ تَأْثِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَ) إلَى (مَا خَفِيَ فَسَادُهُ) أَيْ ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ فَسَدَ ثُمَّ خَفَاؤُهُ (بِالنِّسْبَةِ إلَى ظُهُورِ صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ) ظُهُورُ صِحَّتِهِ (خَفِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ) الْمُقَابِلِ لَهُ (وَظَهَرَ صِحَّتُهُ) عَطْفٌ عَلَى خَفِيَ يَعْنِي إذَا تُؤُمِّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ عُلِمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ انْضَمَّ إلَى مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِ أَدْنَى النَّظَرِ يُرَى صَحِيحًا.

(وَ) قَسَّمُوا (الْقِيَاسَ إلَى مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ و) إلَى (مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى وَجْهِهِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُورِثُهُ قُوَّةً وَرُجْحَانًا عَلَى وَجْهِ مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (فَأَوَّلُ الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ (مُقَدَّمٌ عَلَى أَوَّلِ الثَّانِي) أَيْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ (وَثَانِي الثَّانِي) أَيْ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ مُقَدَّمٌ (عَلَى ثَانِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ صِحَّتُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلظَّاهِرِ بِظُهُورِهِ وَلَا لِلْبَاطِنِ بِبُطُونِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي مَضْمُونِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا صَارَتْ عِلَّةً بِأَثَرِهَا فَيَسْقُطُ ضَعِيفُ الْأَثَرِ بِمُقَابَلَةِ قَوِيِّ الْأَثَرِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا.

(مِثَالُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَوَّلُ كُلٍّ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (سِبَاعُ الطَّيْرِ) أَيْ سُؤْرُهَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي إذْ (الْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا) قِيَاسًا وَالِاسْتِحْسَانُ (عَلَى) نَجَاسَةِ سُؤْرِ (سِبَاعِ الْبَهَائِمِ) كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ لِأَنَّ السُّؤْرَ مُعْتَبَرٌ بِاللَّحْمِ، وَلَحْمُ سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ لَحْمَهَا لَمَّا كَانَ حَرَامًا وَكَانَتْ حُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةَ النَّجَاسَةِ كَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا فَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا نَجَاسَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا مَعْنًى ظَاهِرُ الْأَثَرِ ثُمَّ حَيْثُ اسْتَوَيَا فِيهِ اسْتَوَيَا فِي أَثَرِهِ وَهُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ (وَالِاسْتِحْسَانُ) طَهَارَةُ سُؤْرِهَا وَهُوَ (الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ عَلَى) طَهَارَةِ سُؤْرِ (الْآدَمِيِّ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ حُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِلْكَرَامَةِ وَحُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِلنَّجَاسَةِ (لِضَعْفِ أَثَرِ الْقِيَاسِ) الْمَذْكُورِ (أَيْ مُؤَثِّرُهُ) أَيْ مُؤَثِّرُ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ (وَهُوَ) أَيْ مُؤَثِّرُهُ (مُخَالَطَةُ اللُّعَابِ النَّجِسِ) لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهَا وَهِيَ تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِهِ فَيَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ عَادَةً (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ هَذَا الْمُؤَثِّرِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ (إذْ تَشْرَبُ) سِبَاعُ الطَّيْرِ (بِمِنْقَارِهَا الْعَظْمِ الطَّاهِرِ) لِأَنَّهُ جَافٌّ وَلَا رُطُوبَةَ فِيهِ وَإِذْ كَانَ طَاهِرًا مِنْ الْمَيِّتِ فَمِنْ الْحَيِّ أَوْلَى ثُمَّ تَأْخُذُ الْمَاءَ بِهِ ثُمَّ تَبْتَلِعُهُ وَلَا يَنْفَصِلُ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي الْمَاءِ (فَانْتَفَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ) وَهِيَ مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِهَا (فَكَانَ طَاهِرًا كَسُؤْرِ الْآدَمِيِّ وَأَثَرُهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ (أَقْوَى) مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الْأَثَرِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ مُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ فِي تَبْقِيَتِهِ طَاهِرًا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ تَأْثِيرِ نَجَاسَةٍ لِلَّحْمِ فِي نَجَاسَةِ السُّؤْرِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ مَضْبُوطَةً تُغَذَّى بِالطَّاهِرِ فَقَطْ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَوْا بِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى الْمَيْتَةُ فَكَانَتْ كَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ مِنْهَا سُؤْرُهُ نَجِسٌ لِأَنَّ مِنْقَارَهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ عَادَةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُدَلِّكُ مِنْقَارَهَا بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَهُوَ شَيْءٌ صُلْبٌ فَيَزُولُ مَا عَلَيْهِ بِالدَّلْكِ فَيَطْهُرُ وَلِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى مِنْقَارِهَا مَعَ الْبَلْوَى بِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّحَارِي فَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لَا النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ.

(فَإِنْ قُلْت سَبَقَ عِنْدَهُمْ) أَيْ

ص: 223

الْحَنَفِيَّةِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَعْلِيلَ بِالْعَدَمِ وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ قِيَاسُ عِلَلٍ فِيهِ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيلُ الطَّهَارَةِ بِعَدَمِ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ النَّجِسِ (قُلْنَا تَقَدَّمَ) ثَمَّةَ (اسْتِثْنَاءُ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ) لِحُكْمٍ (فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِ حُكْمِهَا لَا) أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ (تَعْلِيلٌ حَقِيقِيٌّ) وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ سُؤْرِهَا مُخَالَطَةُ لُعَابِهَا النَّجِسِ لِلْمَاءِ فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِهَا (وَمَثَّلُوا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَانِيَاهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَهُمَا الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ فَسَادُهُ، الْخَفِيُّ صِحَّتُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ الظَّاهِرُ صِحَّتُهُ، الْخَفِيُّ فَسَادُهُ (بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ الْقِيَاسُ) أَنَّهُ يَجُوزُ (أَنْ يَرْكَعَ بِهَا) فِي الصَّلَاةِ نَاوِيهَا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ رُكُوعِ الصَّلَاةِ أَوْ رُكُوعَهَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا (لِظُهُورِ أَنَّ إيجَابَهَا) أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (لِإِظْهَارِ التَّعْظِيمِ) لِلَّهِ تَعَالَى بِالْخُضُوعِ لَهُ مُوَافَقَةً لِمَنْ عَظَّمَ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ (وَهُوَ) أَيْ إظْهَارُ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ مَوْجُودٌ (فِي الرُّكُوعِ) أَيْضًا (وَلِذَا) أَيْ وُجُودِ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ فِي الرُّكُوعِ (أَطْلَقَ عَلَيْهَا) أَيْ السَّجْدَةِ (اسْمَهُ) أَيْ اسْمَ الرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَقَطَ سَاجِدًا لِأَنَّ الْخُرُورَ السُّقُوطُ عَلَى الْوَجْهِ فَجَازَ إسْقَاطُهَا عَنْهُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِهَا عَنْهُ بِهَا نَفْسِهَا بِجَامِعِ الْخُضُوعِ تَعْظِيمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْظِيمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا.

نَعَمْ السُّجُودُ بِهَا أَفْضَلُ كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَأَمَّا بِالرُّكُوعِ فَبِمَعْنَاهُ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ النُّكْتَةُ (صِحَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (الْخَفِيَّةُ وَفَسَادُهُ) أَيْ ضَعْفُهُ (الظَّاهِرُ لُزُومُ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ) وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37](بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الرُّكُوعُ (وَ) لُزُومُ (الْعَمَلِ بِالْمَجَازِ) وَهُوَ الرُّكُوعُ (مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ الْعَمَلِ (بِالْحَقِيقَةِ) وَهُوَ السُّجُودُ (وَالِاسْتِحْسَانُ لَا) يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ رُكُوعُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَنْهُ) أَيْ سُجُودِهَا مَعَ قُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ فَلَأَنْ لَا يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْلَى وَعَلَى عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ رُكُوعَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ خَارِجُهَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِجِهَةٍ أُخْرَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (صِحَّتُهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ (الظَّاهِرَةِ لِوَجْهِ فَسَادِ ذَلِكَ) الْقِيَاسِ (مِنْ تَأَدِّي إلَخْ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِهِ وَالْعَمَلِ بِالْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّ وَجْهَ فَسَادِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ هُوَ هَذَا (وَفَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ (قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ) أَيْ الْفَارِقُ (أَنَّ فِي الصَّلَاةِ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ) عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 77]{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا السُّجُودِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَمَنْعُ) كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (تَأَدَّى أَحَدُهُمَا فِي ضِمْنِ الْآخَرِ) أَيْ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجَمْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ (بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ طُلِبَتْ وَحْدَهَا وَعُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ طَلَبُهَا (لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ) لِلتَّعْظِيمِ (وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عَنْ السُّجُودِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاضِعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ

(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ إظْهَارِ التَّعْظِيمِ وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ (حَاصِلٌ بِمَا اُعْتُبِرَ عِبَادَةً) وَهُوَ الرُّكُوعُ.

(غَيْرَ أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعْرَفْ عِبَادَةً فَتَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِحُصُولِ مَعْنَى التَّوَاضُعِ تَعْظِيمًا وَالْعِبَادَةِ فِيهِ (فَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ) بِسَبَبِ قُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ الْمُتَضَمِّنِ فَسَادَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ الْبَاطِنِ (وَنُظِرَ فِي أَنَّ ذَلِكَ) الْقِيَاسَ (ظَاهِرٌ وَهَذَا) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (خَفِيٌّ وَهُوَ) أَيْ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى (ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ أَقْوَى تَبَادُرًا مِنْ جَوَازِهِ)

ص: 224

أَيْ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ (لِمُشَارَكَتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ بِهِ (فِي مَعْنًى كَالتَّعْظِيمِ أَوْ لِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ (كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَاجِدًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظٍ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ جَوَازُ إيقَاعِ مُسَمَّاهُ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (مَكَانَ مُسَمَّى الْآخَرِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَهُ (شَرْعًا وَإِنْ كَانَ الْمُطْلِقُ الشَّارِعَ) إذْ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ غَيْرُ طَرِيقِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَوَّلُ يَصِحُّ مَعَ عَلَاقَةٍ مَا وَالثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى صَلَاحِ الْعِلَّةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَالَتِهَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ طَرِيقَ الْقِيَاسِ لَصَحَّ أَنْ يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِثُبُوتِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مُطْلَقِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ فِي النَّصِّ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ لَا الرُّكُوعُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ (وَلَوْ فُرِضَ قِيَامُ دَلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ قِيَامِ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا (لَا يُصَيِّرُهُ) جَوَازُ قِيَامِهِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (أَظْهَرَ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ غَيْرُهُ وَوَجْهُ الْقِيَاسِ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا وَعَلَى أَنَّ الرُّكُوعَ أُطْلِقَ عَلَى السُّجُودِ فِي الْآيَةِ مَجَازًا وَالْإِطْلَاقُ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ يَعْتَمِدُ الْعَلَاقَةَ الْمُعْتَبَرَةَ وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ هِيَ الْخُضُوعُ وَعَلَى أَنَّهَا تَصْلُحُ مَنَاطًا لِلْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَنَاطَ ثَابِتٌ فِي الرُّكُوعِ فَيَصْلُحُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ يَكُونُ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِمَّا يَكُونُ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَكْثَرَ.

وَلِهَذَا قِيلَ الْعَامُّ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ الْخَاصِّ فَلَا جَرَمَ أَنَّ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي هَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا التَّكَلُّفَاتِ صَفْحًا وَيُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَرَدَ بِالسُّجُودِ إلَّا أَنَّ مَوَاضِعَ السَّجْدَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ جَرَيَانِ التَّدَاخُلِ فِيهِ وَالرُّكُوعُ فِيهِ صَالِحٌ لِلتَّوَاضُعِ فَيُعْطِي مَعْنَاهُ كَأَدَاءِ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ وَالنَّجْمِ أَوْ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك فِي صَلَاةٍ وَبَلَغَ آخِرَهَا كَبَّرَ وَرَكَعَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ السَّجْدَةِ تَكُونُ آخِرَ السُّورَةِ أَيَسْجُدُ لَهَا أَمْ يَرْكَعُ قَالَ إنْ شِئْت فَارْكَعْ وَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَهَا سُورَةً رَوَاهُ سَعِيدٌ وَحَرْبٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْأَسْوَدِ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ تَبَادُرُ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ أَظْهَرَ مِنْ تَبَادُرِ تَأَدِّيهَا بِهِ (وَجَبَ كَوْنُ الْحُكْمِ الْوَاقِعِ مِنْ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ حُكْمَ الِاسْتِحْسَانِ) لِأَنَّهُ أَخْفَى مِنْ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ (لَا كَوْنُهُ) أَيْ تَأَدِّيهَا بِهِ (مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَحَيْثُ كَانَ فِي تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ أَدَاؤُهَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ أَوْ لَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ (أَنْ لَا اسْتِحْسَانَ) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعٌ أَوْ أَثَرٌ أَوْ ضَرُورَةٌ (إلَّا مُعَارِضًا لِقِيَاسٍ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا) ثَبَتَ (بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ الْقِيَاسِ (اسْتِحْسَانٌ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَيْسَ بِاسْتِحْسَانٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ (مَعْدُولٌ) عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْهُ (كَإِيجَابِ يَمِينِ الْبَائِعِ فِي اخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ) وَقِيَامِهِ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا (بِإِطْلَاقِ النَّصِّ) النَّبَوِيِّ الْقَائِلِ «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةِ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ بِزِيَادَةٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ (لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ (مَبِيعًا لِتَسَلُّمِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (إيَّاهُ) أَيْ الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ يُقِرُّ بِذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ

ص: 225

وَأَوْرَدَ صُورَةَ الدَّعْوَى حَاصِلَةً مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَانِعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقِفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِصُورَةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُمْ لَا وُقُوفَ لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ الدَّعْوَى فَاكْتَفَى بِصُورَتِهَا وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُحْمَلُ النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ النَّصِّ الْآخَرِ وَهُوَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؟ ، فَالْجَوَابُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ التَّرَادِّ رَدَّ الْمَأْخُوذِ حِسًّا فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ رَدَّ الْعَقْدِ وَفَسْخَهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَلَغَا قَوْلُهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ إذْ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الْفَرْضَ تَصَوَّرَهُ فَجَرَيَانُهُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَالُفِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ لَغْوًا فَيَقْتَصِرُ ثُبُوتُ التَّحَالُفِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى هَذَا الْمَوْرِدِ (فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجَارَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ (وَ) إلَى (الْوَارِثَيْنِ) بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَارِثِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ اخْتَلَفَ وَارِثُ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ (إذْ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (يَدَّعِي) عَلَى صَاحِبِهِ (عَقْدًا غَيْرَ) الْعَقْدِ (الْآخَرِ) الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَيُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْوَارِثِينَ (دُفِعَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ (كَمَا فِي زِيَادَتِهِ وَحَطِّهِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفَيْنِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ بِالْحَطِّ مِنْهُمَا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْدِيَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّرَادِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ لِتَلَاشِي الْمَنَافِعِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ فَيَرْجِعُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ.

وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ خِلَافَهُ بِالْوَارِثَيْنِ لِإِرْشَادِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ كَوْنِهِ قَيْدًا لِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً (بِخِلَافِ مَا) ثَبَتَ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ عَلَى وَفْقِهِ اسْتِحْسَانًا كَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِشَرْطِهِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا بِغَيْرِ قِيَاسٍ (وَهُوَ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهِ (مَا) أَيْ تَحَالُفُهُمَا الَّذِي (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ لِيَكُونَ الْبَائِعُ أَيْضًا مُنْكِرًا وَإِذَا كَانَ تَحَالُفُهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ (فَتَعَدَّى) التَّحَالُفُ (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْوَارِثِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَاضِيَةِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ مَعْقُولٌ فَوَارِثُ الْبَائِعِ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي يُطَالِبُ الْبَائِعَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَى الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ كَتَحَالُفِ الْقَصَّارِ وَرَبَّيْ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا (وَفُسِخَتْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي التَّحَالُفِ ثَمَّ الْفَسْخُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالتَّحَالُفُ مَشْرُوعٌ لِذَلِكَ فَيَجْرِي بَيْنَهُمَا (وَاسْتُشْكِلَ اخْتِصَاصُ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَفَسَادِ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَلْبُهُمَا) أَيْ وَاخْتِصَاصُ ضَعْفُ الْأَثَرِ وَصِحَّةِ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ (بِالْقِيَاسِ) وَالْمُسْتَشْكِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ

ص: 226

قَالَ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ (فَأَجْرَى تَقْسِيمَ) أَيْ فَذَكَرَ أَنَّ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ (بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ) أَيْ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَضَعْفِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمَا (إمَّا قَوِيَّاهُ أَوْ ضَعِيفَاهُ أَوْ الْقِيَاسُ قَوِيُّهُ وَالِاسْتِحْسَانُ ضَعِيفُهُ أَوْ بِالْقَلْبِ) أَيْ الْقِيَاسُ ضَعِيفُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ قَوِيُّهُ (وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ الِاسْتِحْسَانُ) فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَلْبِ.

(وَ) يَتَرَجَّحُ (الْقِيَاسُ فِيمَا سِوَى) الْقِسْمِ (الثَّانِي) وَهُوَ ضَعِيفَاهُ (لِلظُّهُورِ) كَمَا فِي الْأَوَّلِ (وَالْقُوَّةِ) كَمَا فِي الثَّالِثِ (أَمَّا فِيهِ) أَيْ الثَّانِي (فَيَحْتَمِلُ سُقُوطَهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِضَعْفِهِمَا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْقِيَاسِ لِظُهُورِهِ (وَضُعِّفَ) وَفِي التَّلْوِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ (بِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وَلَمَّا صَارَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا عِلَّةً بِأَثَرِ هَذَا (فَسَمَّيْنَا مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ نَوْعًا وَاحِدًا ضَعِيفَ الْأَثَرِ فِي الْأَوَّلِ قَوِيَّهُ فِي الثَّانِي وَدُفِعَ بِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَسَّمَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ فَمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَاسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ النَّوْعِ الْآخَرِ فَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَمِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَيْسَ تَسْمِيَتُهُ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بِاعْتِبَارِ ضَعْفِ الْأَثَرِ وَقُوَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خَفَائِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ جَلِيًّا حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْخَفَاءُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْجَلَاءُ فِي الْقِيَاسِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْكَلَامُ فِي الِاصْطِلَاحِ وَهُوَ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ (عَلَى اعْتِبَارِ الْخُلَفَاءِ فِيهِ وَفِي أَثَرِهِ وَفَسَادِهِ) وَالضَّمَائِرُ الْمَجْرُورَةُ لِلِاسْتِحْسَانِ.

وَقَدْ ظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا فِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ مِنْ أَنْ لَا شَيْءَ مِنْ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِمَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَلَا مِنْ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ بِمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ (وَبِالثَّانِي) أَيْ وَأَجْرَى التَّقْسِيمَ لَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ وَقَلْبِهِ أَيْ يَنْقَسِمَانِ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ إلَى أَقْسَامٍ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهَا فِي تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُمَا (إمَّا صَحِيحَا الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَوْ فَاسِدَاهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ قَلْبُهُ) أَيْ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ (أَوْ قَلْبُهُ) أَيْ أَوْ الْقِيَاسُ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ (فَصُوَرُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (سِتَّةَ عَشَرَ) صُورَةً قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ فَاسِدُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ صَحِيحِهِمَا مَعَ فَاسِدِهِمَا حَاصِلَةٌ (مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ) أَيْ مِنْ ضَرْبِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلْقِيَاسِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلِاسْتِحْسَانِ (فَصَحِيحُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْ الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ لِظُهُورِهِ أَوْ صِحَّتِهِ عَلَى أَقْسَامِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَا شَكَّ فِي رَدِّ فَاسِدِهِمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيَاسِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (فَتَسْقُطُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ كَمَا سَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهِيَ قِيَاسٌ صَحِيحُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا.

(تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ) حَاصِلَةٌ (مِنْ) ضَرْبِ (بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ) وَهُمَا كَوْنُهُ فَاسِدًا لِظَاهِرٍ صَحِيحِ الْبَاطِنِ وَقَلْبِهِ

ص: 227

(مَعَ أَرْبَعَةِ الِاسْتِحْسَانِ) أَيْ فِيهِمَا (يُقَدَّمُ صَحِيحُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (مِنْهُ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ لِصِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَيُرَدُّ فَاسِدُهُمَا) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَسَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ (تَبْقَى أَرْبَعَةٌ) حَاصِلَةٌ (مِنْ) ضَرْبِ (بَاقِي كُلٍّ) مِنْ حَالَاتِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْآخَرَيْنِ أَحَدُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَانِيهَا اسْتِحْسَانٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَالِثُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ رَابِعُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الْبَاطِنِ فَاسِدُ الظَّاهِرِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ (فَالِاسْتِحْسَانُ الصَّحِيحُ الْبَاطِنِ الْفَاسِدُ الظَّاهِرِ مَعَ عَكْسِهِ) أَيْ فَاسِدِ الْبَاطِنِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ (مِنْ الْقِيَاسِ مُقَدَّمٌ) عَلَى عَكْسِهِ مِنْ الْقِيَاسِ (وَفِي قَلْبِهِ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ الْفَاسِدِ الْبَاطِنِ الصَّحِيحِ الظَّاهِرِ مَعَ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (الْقِيَاسُ) مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ (كَمَا) الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ (مَعَ الِاسْتِحْسَانِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ إلَخْ) أَيْ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (مَعَ مِثْلِهِ) أَيْ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ (مِنْ الْقِيَاسِ لِلظُّهُورِ) فِي الْقِيَاسِ (وَيَرِدُ قَلْبُهُمَا) أَيْ صَحِيحِ الظَّاهِرِ فَاسِدِ الْبَاطِنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ.

(قِيلَ) أَيْ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ التَّعَارُضِ فِي هَذَيْنِ) أَيْ صَحِيحِ الْبَاطِنِ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ صِحَّتُهُمَا الْبَاطِنَةُ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي صِحَّةِ الظَّاهِرِ أَوْ دُونَهُ (وَفِي قَوِيِّ الْأَثَرِ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ (لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ فِي الشَّرْعِ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ وَصْفًا مِنْ الْأَوْصَافِ عِلَّةً لِحُكْمٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُطْلَقًا أَوْ بِلَا مَانِعٍ يُوجَدُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي فَرْعٍ فَوُجِدَ الْحُكْمُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ أَيْضًا وَصْفًا آخَرَ عِلَّةً لِنَقِيضِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ثُمَّ يُوجَدُ هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُكْمُهُ بِالتَّنَاقُضِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى الشَّارِعِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّعَارُضُ لِجَهْلِنَا بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ (وَبِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَنْتَفِي التَّرْجِيحُ بِالظُّهُورِ أَيْ التَّبَادُرِ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ لِلظُّهُورِ (مَعَ اتِّحَادِ جِهَةِ الْإِيجَابِ) لِلْحُكْمِ (بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ) لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الْكَائِنَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (إنْ جَازَ تَعَارُضُهُمَا بِمَا تَتَرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُسَمِّي أَحَدَهُمَا اسْتِحْسَانًا اصْطِلَاحًا) .

وَحَيْثُ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَلْنُتِمَّهُ بِذِكْرِ التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ الْأَقْيِسَةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا فَنَقُولُ (وَهَذِهِ تَتِمَّةٌ فِيهِ) أَيْ فِيمَا تُرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ (يُقَدَّمُ) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ (مَنْصُوصُ الْعِلَّةِ) أَيْ مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ (صَرِيحًا عَلَى مَا) أَيْ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتَةِ عِلَّتُهُ (بِإِيمَاءٍ) مِنْ النَّصِّ لِأَنَّهُ دُونَ الصَّرِيحِ ثُمَّ فِي الْإِيمَاءِ يُرَجَّحُ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَغْلَبَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ عَلَى غَيْرِهِ (وَمَا بِقَطْعِيٍّ عَلَى مَا بِظَنِّيٍّ وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ) أَيْ وَالْقِيَاسُ الثَّابِتُ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ أَوْ غَالِبِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِهِمَا وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ عَلَى مَا لَمْ يَغْلِبْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَطْعِ مِنْهُ (وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ) الْعِلَّةِ (ذَاتِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِهِ (عَلَى) الْعِلَّةِ (الْمَنْصُوصَةِ) بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالنَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هَذَا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ فَرْعٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ نَعَمْ إنْ كَانَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَنْصُوصَةِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْمَنْصُوصَةِ بِقَطْعِيٍّ غَيْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَلَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَنْصُوصَةُ ثَابِتَةً بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُفَسَّرٍ أَوْ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مَا قِيلَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ النَّسْخَ فَلَا يَتِمُّ فِي الْمَنْصُوصَةِ

ص: 228

بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَتَقْدِيمِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ (وَمَا بِالْإِيمَاءِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَتَقْدِيمُ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِإِيمَاءِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِالْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْلَى بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ وَمَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الْإِيمَاءِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصْفًا مُنَاسِبًا وَالْإِيمَاءُ لَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ لَا وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ حَيْثُ تَوَافَقَا فِي الثُّبُوتِ بِالْمُنَاسَبَةِ (فَمَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي (عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ) أَيْ الْحُكْمُ (أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَى مَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي (عُرِفَ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَخَصَّ كَانَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ أَقْوَى وَالْأَقْوَى مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دُونَهُ.

(وَهَذَا) الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ (أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ) وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ شَأْنِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ أَهَمُّ وَأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ شَأْنِ الْعِلَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ اللَّذَيْنِ الْمُشَارَكَةُ فِيهِمَا فِي عَيْنٍ وَاحِدٍ وَجِنْسُ الْآخَرِ مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي التَّعْدِيَةِ لِأَنَّ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ فَرْعُ تَعْدِيَتِهَا فَكُلَّمَا كَانَ التَّشَابُهُ فِي عَيْنِهَا أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ هَذَيْنِ (أَوْلَى مِنْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ) أَيْ مِمَّا عُرِفَ بِطَرِيقَةِ تَأْثِيرِ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا (ثُمَّ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ) أَوْلَى (مِنْ) الْجِنْسِ (غَيْرِ الْقَرِيبِ) فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ) وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ وَجْهَهُ وَمَا عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ التَّعَقُّبِ (وَأَقْسَامِ الْمُرَكَّبَاتِ) يُقَدَّمُ فِيهَا (مَا تَرْكِيبُهُ أَكْثَرُ) عَلَى مَا تَرْكِيبُهُ أَقَلُّ (وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ رَاجِحَيْنِ أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبِ (مِنْ مُسَاوٍ وَمَرْجُوحٍ) فَضْلًا عَنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ مَرْجُوحَيْنِ (فَيُقَدَّمُ مَا) أَيْ الْمُرَكَّبُ (مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ) فِي الْعَيْنِ (عَلَى مَا) أَيْ الْمُرَكَّبِ (مِنْ) تَأْثِيرِ (الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ وَغَيْرِهَا (أَقْسَامٌ) أُخَرُ كَالْمُرَكَّبَيْنِ الْمُشْتَمِلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِيهِ مَا يَكُونُ الرَّاجِحُ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ.

وَيُعَارِضُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُقَدِّمُ مَا يَقْطَعُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي فَرْعِهِ عَلَى مَا يَظُنُّ وُجُودَهَا فِيهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْقَادِحِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّتَبُّعِ وَالتَّأَمُّلِ (وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْحِكْمَةِ قَالُوا لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظِنَّةِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِالْحِكْمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي) أَنْ يَكُونَ هَذَا (عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ.

قُلْت حَكَى الْآمِدِيُّ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ لِيَحْتَاجَ إلَى التَّرْجِيحِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقِيَاسُ الْمُعَلَّلُ بِالْمَظِنَّةِ وَالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بِمَا أَلْحَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَازُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً بِنَفْسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ جَرَيَانَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا وَالتَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَدْعُو إلَى شَرْعِ الْحُكْمِ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِاشْتِمَالِ الْعَدَمِ عَلَى نَوْعِ مَصْلَحَةٍ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى تَرْجِيحَ الْحِكْمَةِ عَلَى الْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ

ص: 229

الْحَقِيقِيِّ أَضْبَطَ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ رَاجِحٌ عَلَيْهِ بِالْأَوْصَافِ الْإِضَافِيَّةِ وَالتَّقْدِيرِيَّة لِأَنَّهَا عَدَمِيَّةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِهِ لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِيِّ لِلْعَدَمِيِّ أَوْ لِلْوُجُودِيِّ وَبِالْوُجُودِيِّ لِلْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ وَالْمَعْلُولِيَّة وَصْفَانِ ثُبُوتِيَّانِ فَحَمْلُهُمَا عَلَى الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ إلَّا إذَا قُدِّرَ الْمَعْدُومُ مَوْجُودًا وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُمَا عَدَمِيَّانِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ ثُمَّ يَلِي هَذَا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ تَعْلِيلُ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِلْمُشَابَهَةِ وَتَوَقَّفَ هُوَ وَصَاحِبُ التَّحْصِيلِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ وَعَكْسِهِ.

وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ بِأَنَّ تَعْلِيلَ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ هَذَا وَهَلْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَاصِلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ التَّرْجِيحُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْوُجُودِيَّ وَأَنْ يُقَالَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْعَدَمَ أَشْبَهُ بِالْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ اتِّصَافَ الشَّيْءِ بِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْعٍ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ الْعَدَمِيَّ وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ التَّقْدِيرِيَّ عَدَمِيٌّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمَحْصُولِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالشَّرْعِيِّ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَدَمِيِّ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ (وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ) أَيْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْوُجُودِيَّ وَالْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ سَوَاءٌ (وَالْبَسِيطُ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْبَسِيطِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهِ أَقَلُّ فَيَبْعُدُ عَنْ الْخَطَأِ بِخِلَافِ الْمُرَكَّبِ وَقِيلَ الْكَثِيرُ الْأَوْصَافِ أَوْلَى (وَالْحَنَفِيَّةُ) عَلَى أَنَّ الْبَسِيطَ (كَالْمُرَكَّبِ) وَهُوَ مُقْتَضَى بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ ثَمَّةَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّدُ جِهَاتُ اعْتِبَارِهِ مِنْ كَوْنِهِ بَعُدَ أَنَّهُ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ فِي الْمَحَلِّ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بَسِيطًا كَالْإِسْكَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذُو جُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (وَلَيْسَ الْبَسِيطُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ وَمَا بِالْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ (أَيْ الْإِخَالَةِ عَلَى مَا بِالشَّبَهِ وَالدَّوَرَانِ) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِالْمُنَاسَبَةِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ ثُمَّ مَا بِالشَّبَهِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ يُقَدَّمُ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ وَالشَّبَهِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ اطِّرَادَ الْعِلَّةِ وَانْعِكَاسَهَا بِخِلَافِهِمَا (وَمَا بِالسَّبْرِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالسَّبْرِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالشَّبَهِ وَالتَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالدَّوَرَانِ كَمَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَعَلَّلَ) وَتَرْجِيحُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ (بِمَا فِيهِ) أَيْ السَّبْرِ (مِنْ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ) بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُعَارِضِ.

وَالْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ مُقْتَضِيهِ فِي الْأَصْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ مُعَارِضِ مُقْتَضِيهِ فِيهِ أَيْضًا فَمَا دَلَّ عَلَيْهِمَا أَوْلَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَقَدْ يُقَالُ فَكَذَا الدَّوَرَانُ) يَتَرَجَّحُ الْوَصْفُ الثَّابِتُ عِلِّيَّتُهُ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ (لِزِيَادَةِ إثْبَاتِ الِانْعِكَاسِ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْهُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ تَقْدِيمُ الدَّوَرَانِ لِإِثْبَاتِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ (تَقْدِيمُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ) لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فِيهِ (لِانْعِكَاسِ عِلَّتِهِ) أَيْ الْعِلَّةِ الثَّابِتَةِ بِهِ (لِلْحَصْرِ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَصْرُ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا فِي عَدَدٍ ثُمَّ إلْغَاءُ بَعْضِهَا بِطَرِيقِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ (وَيَزِيدُ) السَّبْرُ عَلَى الدَّوَرَانِ (بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَيَبْطُلُ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ (مِنْ عَكْسِهِ) أَيْ تَقْدِيمِ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالسَّبْرِ قُلْت وَلَمْ يَظْهَرْ فِي السَّبْرِ تَعَرُّضٌ لِثُبُوتِ الِانْعِكَاسِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَصْرِ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا الْإِلْغَاءُ أَيْضًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ

ص: 230

بَلْ إنَّمَا يُشْبِهُ بَعْضَ طُرُقِ الْإِلْغَاءِ الْعَكْسِ وَلَيْسَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ نَعَمْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ السَّبْرِ عَلَى الدَّوَرَانِ بِمَا تَقَدَّمَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ إلَّا بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ وَالِاخْتِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّبْرُ مَظْنُونًا. فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ.

(وَلَا يُتَصَوَّرُ) هَذَا التَّرْجِيحُ (لِلْحَنَفِيَّةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ هَذِهِ طُرُقًا صَحِيحَةً لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ؛ وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُ كَوْنِهَا كَذَلِكَ بَلْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ مَنْ قَبِلَ السَّبْرَ مِنْهُمْ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ أَيْضًا رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا وُجُودُ التَّرْجِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالضَّرُورِيَّةُ عَلَى الْحَاجِيَّةِ وَالدِّينِيَّةُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْسَامٌ مِنْ الْمُنَاسِبِ رَجَحَتْ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصْلَحَةِ فَرَجَحَتْ الْمَقَاصِدُ الْخَمْسَةُ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسْلِ وَالْمَالِ عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الْحَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ

لِزِيَادَةِ مَصْلَحَةِ الضَّرُورِيَّةِ

وَلِذَا لَمْ تَخْلُ شَرِيعَةٌ مِنْ مُرَاعَاتِهَا (وَهِيَ) أَيْ وَرَجَحَتْ الْحَاجِيَّةُ (عَلَى مَا بَعْدَهَا) وَهِيَ الْمَقَاصِدُ التَّحْسِينِيَّةُ لِتَعَلُّقِ الْحَاجَةِ بِالْحَاجِيَّةِ دُونَ التَّحْسِينِيَّةِ (وَمُكَمِّلُ كُلٍّ) مِنْ الضَّرُورِيَّةِ وَالْحَاجِيَّةِ وَالتَّحْسِينِيَّة (مِثْلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُكَمِّلُ (فَمُكَمِّلُهُ) أَيْ الضَّرُورِيِّ مُرَجَّحٌ (عَلَى الْحَاجِيِّ) فَضْلًا عَنْ مُكَمِّلِهِ لِقُرْبِ الْمُكَمِّلِ مِنْ الْمُكَمَّلِ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ مِثْلَهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِ مُكَمِّلِ كُلٍّ مِثْلَهُ (ثَبَتَ) شَرْعًا مِنْ الْحَدِّ (فِي) شُرْبِ (قَلِيلِ الْخَمْرِ) وَلَوْ قَطْرَةً (مَا) ثَبَتَ مِنْهُ (فِي) شُرْبِ (كَثِيرِهَا وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ) مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّفْسِ) عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ حِفْظُ (النَّسَبِ) عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا (ثُمَّ) يُقَدِّمُ حِفْظَ (الْعَقْلِ) عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ (ثُمَّ) حِفْظُ (الْمَالِ وَقِيلَ) يُقَدِّمُ (الْمَالَ) أَيْ حِفْظَهُ فَضْلًا عَنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ (عَلَى) حِفْظِ (الدِّينِ) كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الدِّينِيِّ لِأَنَّهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ وَالْمُشَاحَّةِ وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ وَالدِّينِيُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالْمُسَامَحَةِ وَهُوَ لِغِنَاهُ وَتَعَالِيهِ لَا يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ (وَلِذَا) أَيْ تَقْدِيمِ هَذِهِ عَلَى الدِّينِيِّ (تُتْرَكُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ) وَهُمَا دِينِيَّانِ (لِحِفْظِهِ) أَيْ الْمَالِ وَهُوَ دُنْيَوِيٌّ (وَلِأَبِي يُوسُفَ تُقْطَعُ) الصَّلَاةُ (لِلدِّرْهَمِ) وَلَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ دِرْهَمٌ يَقْطَعُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ انْتَهَى وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِ صَلَاتِهِ وَلَا فَصْلَ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوا ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ حَقِيرٌ فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُ ذَمِيمٌ (وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَتْلِ بِهِمَا فَإِنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَأَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لِحِفْظِ النَّفْسِ وَقَتْلُ الرِّدَّةِ أَمْرٌ دِينِيٌّ (وَرَدُّ) كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي تَقْدِيمِ قَتْلِ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ تَقْدِيمُ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ (بِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَقَّهُ تَعَالَى) وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِهَا فَقُدِّمَ لِتَرَجُّحِهِ بِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ وَإِيضَاحِهِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الشَّارِعَ لَا مَقْصِدَ لَهُ فِي إزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ إنَّمَا مَقْصِدُهُ

ص: 231

دَعْوَةُ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَهُدَاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ.

فَإِنْ حَصَلَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ حَسْمُ الْفَسَادِ بِإِرَاقَةِ دَمِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ فَإِرَاقَةُ دَمِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهِ لَا لِقَصْدٍ فِي الْإِزْهَاقِ فَإِذَا زَاحَمَهُ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَكَانَ وَلِيُّ الدَّمِ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا التَّشَفِّيَ بِاسْتِيفَاءِ ثَأْرِ مُوَلِّيهِ سَلَّمْنَاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْمَقْصِدَانِ جَمِيعًا لِتَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُفْسِدِينَ بِإِرَاقَةِ دَمِ هَذَا الْكَافِرِ وَبِتَشَفِّي وَلِيِّ الدَّمِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَقْصِدُ وَلِيِّ الدَّمِ بِالْأَصَالَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لَيْسَ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.

وَأَمَّا مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا قِيلَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَحْضَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِاسْتِدْعَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ كَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ نَعَمْ الْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ.

وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ كَمَا سَلَفَ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ الْحَنَفِيَّةِ لِمُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِحِفْظِ الْمَالِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ (إذْ لَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِمَا (خَلَفٌ) يُجْبَرَانِ بِهِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالِانْفِرَادُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ فَاتَ فِيهَا صِفَتُهَا الَّتِي هِيَ الْجَمَاعَةُ وَالْفَائِتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَائِتٍ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّرْكِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِسَرِقَةِ دِرْهَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إلَى خَلَفٍ مِنْ إعَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ لَا إلَى تَرْكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ (بِتَرْجِيحِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَلَى دَلِيلِ حُكْمِ) الْأَصْلِ (الْآخَرِ) كَكَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِ أَحَدِهِمَا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُحْكَمًا أَوْ حَقِيقَةً أَوْ صَرِيحًا أَوْ عِبَارَةً بِخِلَافِ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَلِلنُّصُوصِ بِالذَّاتِ) لَا لِلْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (وَتَرَكْنَا أَشْيَاءَ مُتَبَادِرَةً) مِنْ تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ الْمُتَعَارِضَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهَا لِلْمُتْقِنِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَبَاحِثِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا عِلَّتُهُ مُنْضَبِطَةٌ وَعِلَّةُ الْآخَرِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ فَكُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ الْحِكْمَةُ وَكُلَّمَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ الْحِكْمَةُ وَعِلَّةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمُثَارُهَا زِيَادَةُ غَلَبَةِ الظَّنِّ (وَتَتَعَارَضُ الْمُرَجِّحَاتِ) لِلْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَعَارِضَاتِ (فَيَحْتَمِلُ) التَّرْجِيحُ (الِاجْتِهَادَ كَالْمُلَائِمَةِ وَالْبَسِيطَةِ) .

قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ بِعِلَّةٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهَا بِالْمُلَائِمَةِ تُرَجَّحُ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ مَثَلًا فَلَوْ كَانَتْ الْمُلَائِمَةُ مُرَكَّبَةً وَالْمُطَّرِدَةُ الْمُنْعَكِسَةُ بَسِيطَةً تَعَارَضَ مُرَجِّحَانِ وَاحْتَمَلَ التَّرْجِيحُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ (وَعَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرُ أَرْبَعَةٍ) مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْقِيَاسِ (قُوَّةُ الْأَثَرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةُ الْأُصُولِ وَالْعَكْسُ فَأَمَّا قُوَّةُ الْأَثَرِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فَلِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ صَارَ الْوَصْفُ حُجَّةً فَمَهْمَا قَوِيَ قَوِيَتْ لِأَنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ يُسَبِّبُ قُوَّةَ سَبَبِهِ فَإِذَا قَوِيَ أَثَرُ وَصْفٍ عَلَى أَثَرِ وَصْفٍ آخَرَ زَادَتْ قُوَّتُهُ عَلَى قُوَّتِهِ فَتَرَجَّحَتْ حُجَّتُهُ عَلَى حُجَّتِهِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُرَجَّحَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَسَقَطَ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ (مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَإِذَا تَعَارَضَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَثَرُ وَصْفِهِ أَقْوَى قُدِّمَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمِنْهُ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ (فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ) لِلْحُرِّ (مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ الطَّوْلُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْ الْفَضْلُ فَاتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى الْمَفْعُولِ فَقُلْنَا يَجُوزُ لَهُ إذْ (يَمْلِكُهُ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ (الْعَبْدُ) مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَيَدْفَعَ لَهُ مَهْرًا يَصْلُحُ لَهُمَا (فَكَذَا الْحُرُّ) يَمْلِكُهُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ إجْمَاعًا فَإِنَّ قِيَاسَنَا (أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِجَامِعِ إرْقَاقِ مَائِهِ مَعَ غُنْيَتِهِ) عَنْ إرْقَاقِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفًا بَيِّنَ الْأَثَرِ فِي الْمَنْعِ إذْ الْإِرْقَاقُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمًا فَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ وَلَدِهِ شَرْعًا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إرْقَاقُهُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ

ص: 232

فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى (لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرِّيَّةِ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ أَقْوَى مِنْ الرِّقِّ فِيهِ) أَيْ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ (تَشْرِيفًا) لِلْحُرِّ (كَالطَّلَاقِ) فَإِنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثًا يَتْبَعُ الْحُرِّيَّةَ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَاهَا فِي جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَاعْتَبَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ (وَالْعِدَّةِ) فَإِنَّهَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْرُؤٍ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ قُرْآنِ، وَشَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ (وَالتَّزَوُّجِ) فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ (وَكَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَالشَّرَفِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا إذْ بِهَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ وَيَمْلِكُ الْأَشْيَاءَ فَيَكُونُ تَأْثِيرُهَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاتِّسَاعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ النِّعَمِ لَا فِي الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ وَالرِّقِّ مِنْ أَوْصَافِ النُّقْصَانِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْآدَمِيِّ بِهِ لِلْوِلَايَاتِ وَالتَّمَلُّكَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثَرُهُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّضْيِيقِ فَلَوْ اتَّسَعَ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ لِلْعَبْدِ وَضَاقَ عَلَى الْحُرِّ بِأَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ لَكَانَ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ وَعَكَسَ الْمَعْقُولَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ وَلِهَذَا جَازَ لِمَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْبَشَرِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ.

قُلْت وَأَمَّا مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُجَابُ أَنَّ هَذَا التَّضْيِيقَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ حَيْثُ مُنِعَ الشَّرِيفُ مِنْ تَزَوُّجِ الْخَسِيسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الْإِرْقَاقِ وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ لِلْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ انْتَهَى فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا خِسَّةَ كَالْكُفْرِ وَقَدْ جَازَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ الْقَادِرِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ

(وَمَنْعُ) الشَّارِعِ مِنْ (الْإِرْقَاقِ وَإِنْ تَضَمَّنَهُ) أَيْ التَّشْرِيفَ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْإِرْقَاقَ بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ (مُنْتَفٍ لِأَنَّ اللَّازِمَ) مِنْ تَزَوُّجِهَا (الِامْتِنَاعُ عَنْ) إيجَادِ (الْجُزْءِ) أَيْ الْوَلَدِ (الْحُرِّ) إذْ الْمَاءُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَابِلٌ لَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فَتَزَوُّجُهَا امْتِنَاعٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ فَحِينَ يُخْلَقُ يُخْلَقُ رَقِيقًا (لَا) أَنَّ اللَّازِمَ مِنْهُ (إرْقَاقُهُ) أَيْ الْجُزْءُ أَيْ لَا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَى الرِّقِّ وَالْهَلَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي إرْقَاقِ الْحُرِّ (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ) أَيْ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُزْءِ الْحُرِّ هُوَ (الْمُرَادُ بِالْإِرْقَاقِ نُقِضَ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ الْقَادِرِ) عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ (أَمَةً لِأَنَّ مَاءَهُ) أَيْ الْعَبْدِ إذَا تَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ فِي الْحُرَّةِ (حُرٌّ إذْ الرِّقُّ مِنْ الْأُمِّ لَا الْأَبِ) وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا (وَبِعَزْلِ الْحُرِّ) عَنْ أَمَتِهِ مُطْلَقًا وَعَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ بِرِضَاهَا وَبِنِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالْعَقِيمِ فَإِنَّ الْعَزْلَ وَمَا مَعَهُ إتْلَافٌ حَقِيقَةً وَالْإِرْقَاقَ إتْلَافٌ حُكْمًا إذْ فِي الْعَزْلِ وَنَحْوِهِ يَفُوتُ أَصْلُ الْوَلَدِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ وَفِي الْإِرْقَاقِ إنَّمَا يَفُوتُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لَا أَصْلُ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِتْقِ وَإِذَا جَازَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي بِالْجَوَازِ أَحْرَى (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ فِي نَفْيِ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْقِيَاسِ بِاسْتِنَانِ تَثْلِيثِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَلَا يُثَلَّثُ كَالْخُفِّ) أَيْ كَمَسْحِهِ فَإِنَّ قِيَاسَنَا هَذَا (أَقْوَى أَثَرًا) فِي مَنْعِ التَّثْلِيثِ (مِنْ) أَثَرِ (قِيَاسِهِ) فِي اسْتِنَانِ التَّثْلِيثِ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ (رُكْنٌ فَيُثَلَّثُ كَالْمَغْسُولِ) أَيْ كَغُسْلِ الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ كَوْنُ قِيَاسِنَا أَقْوَى أَثَرًا مِنْ أَثَرِ قِيَاسِهِ (بَعْدَ تَسْلِيمِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ كَوْنِهِ رُكْنًا فِي التَّثْلِيثِ (فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ الْمَغْسُولُ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى حِينَئِذٍ.

(فَإِنْ شَرْعَهُ) أَيْ مَسْحَ الرَّأْسِ (مَعَ إمْكَانِ شَرْعِ غَسْلِ الرَّأْسِ وَخُصُوصًا مَعَ عَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ) أَيْ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَرْضًا (لَيْسَ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ) وَهُوَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فَظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ قِيَاسِنَا أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ قِيَاسِهِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَسْلَمْ تَأْثِيرُ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ (فَقَدْ نُقِضَ) كَوْنُ الرُّكْنِيَّةِ مُؤَثِّرَةً فِي التَّثْلِيثِ (طَرْدًا وَعَكْسًا لِوُجُودِهِ) أَيْ التَّثْلِيثِ.

(وَلَا رُكْنَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَوُجُودُ الرُّكْنِ دُونَهُ) أَيْ التَّثْلِيثِ (كَثِيرٌ) كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ وَأَرْكَانِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ التَّعْلِيلُ بِهَا أَصْلًا.

فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ رُكْنًا كَوْنُهُ رُكْنًا فِي الْوُضُوءِ لَا مُطْلَقُ الرُّكْنِيَّةِ فَلَا يَرِدُ أَرْكَانُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ

ص: 233

أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إيرَادَ النَّقْضِ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بَلْ بَيَانَ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ وَإِنْ سَلِمَ تَأْثِيرُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَوَصْفُ الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى.

(وَأَمَّا الثَّبَاتُ) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يَشْهَدُ الْوَصْفُ بِثُبُوتِهِ (فَكَثْرَةُ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَلْزَمَ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقِيَاسِ الْآخَرِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزْدَادُ قُوَّةً لِفَضْلِ مَعْنَاهُ الَّذِي صَارَ بِهِ حُجَّةً وَهُوَ رُجُوعُ أَثَرِهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ اعْتِبَارُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَكَانَ زِيَادَةُ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ ثَابِتَةً بِأَحَدِهَا أَيْضًا كَثُبُوتِ أَصْلِ الْأَثَرِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْقُوَّةُ (كَالْمَسْحِ فِي) دَلَالَتِهِ عَلَى (التَّخْفِيفِ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالتَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ) فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي هَذِهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ عَقْلٌ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّنْقِيَةُ وَالتَّكْرَارُ يُؤَثِّرُ فِي تَحْصِيلِهَا.

وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ لَا يُكَرَّرُ الْمَسْحُ فَكَانَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ أَثْبَتُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّكْنِ عَلَى التَّكْرَارِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ فَيُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الرُّكْنِ فَإِنَّ أَثَرَهُ) أَيْ الرُّكْنَ (فِي الْإِكْمَالِ وَهُوَ) أَيْ الْإِكْمَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (الْإِيعَابُ) بِالْمَسْحِ لِلْمَحَلِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لَا فِي سُنِّيَّةِ التَّكْرَارِ لِانْتِفَائِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْكَانِ (وَكَقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي) صَوْمِ (رَمَضَانَ) صَوْمٌ (مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ) فَيَسْقُطُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ إذْ التَّعْيِينُ أَثْبَتُ فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ صَوْمُ فَرْضٍ فِي دَلَالَةِ التَّعْيِينِ وَكَيْفَ لَا (وَهُوَ) أَيْ التَّعْيِينُ شَرْعًا (وَصْفٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ) فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتَعَيِّنَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَفِي الْكَثِيرِ مِنْهَا كَمَا (فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ) أَيْ دِرْهَمًا (وَرَدِّ الْمَبِيعِ فِي) الْبَيْعِ (الْفَاسِدِ) إلَى الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الرَّدُّ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ يَقَعُ عَنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِوُجُودِ تَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لِذَلِكَ شَرْعًا (وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ) وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ) فِي خُرُوجِهِ بِهِ عَنْ الْفَرْضِ (تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ بِهِ) مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفَرَائِضِ بَلْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضِيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الِامْتِثَالَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا تَعْيِينَ النِّيَّةِ حَتَّى أَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ أَثَرُهُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ.

(وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ) فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِ الْحُكْمِ (أَوْ عَيْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِلشَّافِعِيَّةِ) فِي الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ (فَقِيلَ لَا تُرَجَّحُ) الْوَصْفُ الْكَائِنَةُ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِيَ عَنْهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ بِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشُّهْرَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ وَالْخَبَرُ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا فَالْوَصْفُ لَا يَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ كُلَّ أَصْلٍ كَعِلَّةٍ) عَلَى حِدَةٍ (فَبِالْقِيَاسِ) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا النَّوْعِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (نَعَمْ) أَيْ تُرَجِّحُ كَثْرَةُ الْأُصُولِ الْوَصْفَ الْكَائِنَةَ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِي عَنْهَا (لِأَنَّ مَرْجِعَهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ (اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ أَيْ الْوَصْفِ) هُنَا فَصَارَ الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ (كَالْخَبَرِ الْمُشْتَهِرِ) .

وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ يَتَرَجَّحُ بِالشُّهْرَةِ فَكَذَا الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا شُهْرَةٌ لَهُ (فَازْدَادَ ظَنُّ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ حُكْمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَصْفِ (إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الظَّنِّ كَالْخَبَرِ

ص: 234

الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الشُّهْرَةَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ أُصُولَهُ كَثِيرَةٌ وَكَثْرَةُ الْأَقْيِسَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قِيَاسٍ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَلِكَ (كَالْمَسْحِ) فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَشْهَدُ لِتَأْثِيرِهِ (فِي التَّخْفِيفِ) أُصُولٌ إذْ (يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ (فَيَتَرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ) فِي تَأْثِيرِهِ (فِي التَّثْلِيثِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إلَّا الْغُسْلُ (فَلِذَا) أَيْ كَوْنِ الْمَسْحِ فِي تَأْثِيرِهِ التَّخْفِيفُ مِثَالًا لِهَذَا وَلِلثَّانِي.

(قِيلَ) أَيْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (هُوَ) أَيْ هَذَا الثَّالِثُ (قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي) قِيلَ لِأَنَّ فِي الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ الْمُؤَثِّرُ وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ وَهُوَ ثَبَاتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الثَّالِثِ أُخِذَ مِنْ نَظَائِرِ الْوَصْفِ كَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِهِ وَفِي الثَّانِي أُخِذَ مِنْ قُوَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْحُ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ مَثَلًا وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّأْثِيرَ إذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ (وَالْحَقُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَثَرِ وَالتَّفْرِقَةُ) بَيْنَهَا إنَّمَا هِيَ (بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ قُوَّةُ الْأَثَرِ (بِالنَّظَرِ إلَى) نَفْسِ (الْوَصْفِ وَالثَّبَاتِ) أَيْ وَقُوَّةِ الثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ (إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْأُصُولِ) بِالنَّظَرِ (إلَى الْأَصْلِ) وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَقَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَمَعَهُ الْآخَرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا قِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الْعَكْسُ) وَيُسَمَّى الِانْعِكَاسَ أَيْضًا وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ وَلَا وُجُودَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ حُجَّةً دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَوَكَادَةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَصَلُحَ مُرَجِّحَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ تَرْجِيحٌ ضَعِيفٌ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا (كَمَسْحٍ) أَيْ كَقَوْلِنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هُوَ مَسْحٌ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ) فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَسْحٍ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ (بِخِلَافِ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هُوَ (رُكْنٌ فَيُكَرَّرُ) لِأَنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا يُكَرَّرُ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الرُّكْنِ (كَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.

(وَقَوْلُنَا فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ الْمَطْعُومِ حِنْطَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَبِيعٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ أَوْلَى مِنْ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (مَأْكُولٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ) فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ لَا يَنْعَكِسُ) هَذَا صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) حَالَ كَوْنِ رَأْسِ مَالِهِ (غَيْرَ رِبَوِيٍّ) مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ (إذْ كُلَّمَا انْتَفَى) التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ التَّعْيِينُ (انْتَفَى) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ عِلَّةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مَا ذَكَرْنَا (لَزِمَ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ) أَيْ بَيْعُ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ (لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ فَانْتَفَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ صَحَّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَكَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

(وَ) فِي (السَّلَمِ لِانْتِفَاءِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ النَّقْدِ غَالِبًا فَيَكُونُ دَيْنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ أَيْضًا.

قُلْت لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَائِلًا بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَمَّ عَلَيْهِ أَوْ لَا عُدِمَ تَعْيِينُهَا بِالتَّعْيِينِ هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرَ

ص: 235

مُطَّرِدٍ فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِي بَيْعِ إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءٍ كَذَلِكَ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وُرُودَهُمَا عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَرُبَّمَا يَقَعُ عَقْدُهُمَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى عَامَّةِ التُّجَّارِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ أُقِيمَ اسْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مَقَامَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَعُلِّقَ وُجُوبُ الْقَبْضِ بِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ فَوَجَبَ الْقَبْضُ بِهِمَا سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى دَيْنٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ تَقْدِيرًا إذْ الشَّيْءُ إذَا أُقِيمَ مَقَامَ غَيْرِهِ فَالْمَنْظُورُ نَفْسُهُ لَا الشَّيْءُ الَّذِي أُقِيمَ هُوَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْمَنْظُورُ السَّفَرَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْمَشَقَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَلَيْسَ بِمَقْبُوضٍ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَلَيْسَ بِمَبِيعٍ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ مَبِيعٍ لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَثَانِيهِمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ أَصْلًا وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ بَيْعٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَلَا ثَمَنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَوْعَ نَبْوَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ التَّرْجِيحِ بِالْعَكْسِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلِ فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الِانْعِكَاسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَاشْتِرَاطِهِ وَمُؤَدَّى الْوَجْهِ الثَّانِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ أَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي الْعَكْسِ فِي الْجُمْلَةِ أَيُّهُمَا كَانَ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ هَلْ الْقَبْضُ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ.

قِيلَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ وَصَحَّحَ الثَّانِي (وَهَذَا) أَيْ الْعَكْسُ (أَضْعَفُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى) فَيَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَاءِ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ انْعِدَامُهُ عِنْدَ انْعِدَامِهَا مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهَا مُطْلَقًا صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى وَكَادَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا صَلُحَ مُرَجِّحًا عَلَى مَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَارَضَهُ تَرْجِيحٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ كَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ (وَابْتَنَى عَلَى مَا سَلَفَ) فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (مِنْ عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ مِنْ بَحْثٍ تَقَدَّمَ فِيهِ (أَنْ لَا يُرَجَّحَ قِيَاسٌ بِآخَرَ بِأَنْ خَالَفَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ (فِي الْعِلَّةِ لَا الْحُكْمِ عَلَى) قِيَاسِ (مُعَارِضِهِ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الْقِيَاسَانِ (فِيهَا) أَيْ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْحُكْمِ (كَانَ) اتِّفَاقُهُمَا (مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا) مِنْ كَثْرَةِ (الْأَدِلَّةِ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ (فَيُرَجَّحُ) الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ ذَلِكَ (عَلَى مُخَالِفِهِ) لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ مُرَجِّحٌ صَحِيحٌ.

(وَكَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً) مُسْتَقِلَّةً لِحُكْمٍ (لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا) لِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّةٍ مُعَارِضَةٍ لَهَا فِيهِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَالْمُسْتَقِلُّ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ الْقُوَّةَ (فَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعَيْنِ) كَأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا (مَا يَشْفَعَانِ فِيهِ) وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهَا إذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ وَطَلَبَا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا النِّصْفِ الْمَبِيعِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَيَسْقُطُ صَاحِبُ السُّدُسِ بَلْ يَكُونُ النِّصْفُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ نَصِيبِهِمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ الْأَكْثَرِ الْعِلَّةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَكُونُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَثُلُثَاهُ

ص: 236

لِصَاحِبِ الثُّلُثِ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ (هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ) أَيْ مَنَافِعِهِ (كَالْوَلَدِ) لِلْحَيَوَانِ (وَالثَّمَرَةِ) لِلشَّجَرَةِ الْمُشْتَرِكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَيُقْسَمُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ (أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ انْقِسَامَ الْمَعْلُولِ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْعِلَلِ الْمَادِّيَّةِ) الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْمَعْلُولُ مِنْهَا كَالْحَيَوَانِ لِلْوَلَدِ وَالشَّجَرِ لِلثَّمَرِ (وَعِلَّةُ الْقِيَاسِ) لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ (كَالْفَاعِلِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَعْلُولِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ فِي الْمَعْلُولِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ بَلْ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَقِبَهُ وَمِلْكُ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ لَا عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ تَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ كَتَرَتُّبِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ هَذَا.

(وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الْمِلْكَ عِلَّةً لِلشُّفْعَةِ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ الْمِلْكِ (فَجَعْلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْعِلَّةِ عِلَّةً لِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْلُولِ نَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ) وَهُوَ بَاطِلٌ (وَلَوْ عَجَزَ) الْمُجْتَهِدُ (عَنْ التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ (عَمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَقَابَلُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (أَرْبَعَةَ الصِّحَّةِ) أَيْ أَرْبَعَةَ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الصَّحِيحَةِ السَّالِفَةِ الْآنَ (بِأَرْبَعَةٍ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ (فَاسِدَةِ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَهُ وَدَفْعَهُ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ فَهَذَا أَحَدُهَا (وَبِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَيْ (كَوْنُ الْفَرْعِ لَهُ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولِ وُجُوهِ شَبَهٍ فَلَا يُرَجَّحُ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ الْأُصُولِ بِوَاسِطَةِ تَعَدُّدِ شَبَهِهِ بِهِ أَوْ بِهَا (عَلَى مَا) أَيْ عَلَى إلْحَاقِهِ بِأَصْلٍ آخَرَ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ (لَهُ) أَيْ لِلْفَرْعِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ (شَبَهٌ) وَاحِدٌ (وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَعَمْ) يُرَجَّحُ مَا لَهُ وُجُوهُ شَبَهٍ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولٍ عَلَى مَا لَهُ شَبَهٌ بِأَصْلٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِإِفَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهِيَ تَزْدَادُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ كَمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تُرَجَّحُ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَشْبَاهَ (تَعَدُّدُ أَوْصَافٍ) تُجْعَلُ عِلَلًا فَكُلُّ شَبَهٍ وَصْفٌ عَلَى حِدَةٍ يَصْلُحُ عِلَّةً (فَتَرْجِيعُ) الْأَشْبَاهِ (إلَى تَعَدُّدِ الْأَقْيِسَةِ) فَالتَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ التَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ (لِاتِّحَادِ الْوَصْفِ) فِيهَا.

(وَكُلُّ أَصْلٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (فَيُوجِبُ ثَبَاتَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ وَقُوَّتِهِ (وَاعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ) تَكُونُ (بِوَحْدَةِ الْوَصْفِ) أَيْ مَعَهَا (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا (مَحَلُّ التَّرْجِيحِ) أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَيَكُونُ مُرَجِّحًا (وَ) تَكُونُ (مَهْ تَعَدُّدَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ (أَقْيِسَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ لَا تَرْجِيحَ مَعَهَا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدِلَّةٌ مُتَكَثِّرَةٌ وَلَا تَرْجِيحَ بِهَا.

(وَ) تَكُونُ (مَعَ تَعَدُّدِهِ) أَيْ الْوَصْفِ حَالَ كَوْنِهَا (مُتَبَايِنَةً مُتَعَارِضَةً وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّرْجِيحُ) ثُمَّ مِثَالُ التَّرْجِيحِ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ (كَمَا لَوْ قِيلَ الْأَخُ كَالْأَبَوَيْنِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ و) مِثْلُ (ابْنِ الْعَمِّ فِي حِلِّ الْحَلِيلَةِ وَالزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) إذْ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَخَوَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَلِيلَةَ أَخِيهِ وَأَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَيْهِ وَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَأَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ إذَا وَجَدَ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ وَانْتَفَى الْمَانِعُ مِنْهُ كَمَا فِي ابْنِ الْعَمِّ (فَيُرَجَّحُ إلْحَاقُهُ) أَيْ الْأَخِ (بِهِ) أَيْ بِابْنِ الْعَمِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ كَمَا لَا يُعْتِقُ ابْنُ عَمِّهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ لِأَنَّ شَبَهَ الْأَخِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَبَهِهِ بِالْأَبَوَيْنِ (فَيَمْنَعُ) تَرْجِيحَ إلْحَاقِ الْأَخِ بِابْنِ الْعَمِّ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِهَا (بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ تَرْجِيحٌ بِوَصْفٍ مُسْتَقِلٍّ (إذْ كُلٌّ) مِنْ وُجُوهِ الْمُشَبَّهِ بِهِ (يَسْتَقِلُّ) وَصْفًا (جَامِعًا) بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ فِي الْحُكْمِ وَلَا تَرْجِيحَ بِمُسْتَقِلٍّ وَهَذَا ثَانِيهَا (وَبِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِكَوْنِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَكْثَرَ مَحَالَّ مِنْ الْأُخْرَى (كَتَرْجِيحِ الطُّعْمِ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِهِ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَتِهِ فِيهَا بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ (لِتَعَدِّيهِ) أَيْ الطُّعْمِ (إلَى الْقَلِيلِ) كَمَا لِلْكَثِيرِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ تُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ (دُونَ الْكَيْلِ) فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى

ص: 237