الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَاخْتَارَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ فِي جَوَازِ أَدَاءِ الصَّوْمِ) أَيْ إنْكَارِ صِحَّةِ أَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (فِي السَّفَرِ) كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَكَأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ (عَدُّوهُ) أَيْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم انْفِرَادَ هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ مَعَ ذَهَابِ الْأَكْثَرِ إلَى عَدَمِهِ (خِلَافًا لَا إجْمَاعًا) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ إجْمَاعًا لَعَدُّوا قَوْلَ الْأَكْثَرِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إجْمَاعًا (وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ إنَّمَا تُوجِبُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (فِي الْأُمَّةِ) أَيْ حُجِّيَّةُ إجْمَاعِهِمْ (غَيْرُ مَعْقُولٍ لُزُومُ إصَابَتِهِمْ) فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفًا لَهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَمَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى يَجِبُ رِعَايَةُ جَمِيعِ أَوْصَافِ النَّصِّ فِيهِ وَالنَّصُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ) مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَزِمَ إصَابَتُهُمْ (إكْرَامًا لَهُمْ) وَالْأَكْثَرُ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ (وَاسْتِدْلَالُ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» مُفَادُهُ مَنْعُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ) إلَى عَدَمِهَا (مِنْ شَذَّ الْبَعِيرُ) وَنَدَّ إذَا تَوَحَّشَ بَعْدَ مَا كَانَ أَهْلِيًّا فَالشَّاذُّ مَنْ خَالَفَ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً لَا عِبْرَةَ بِعَدَمِ وِفَاقِهِ فَإِذَنْ (فَالْجَمَاعَةُ الْكُلُّ، وَكَذَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ) الْمُرَادُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ مُتَابَعَةُ الْأَكْثَرِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ، ثُمَّ خَالَفَ الْبَعْضُ لِشُبْهَةٍ اعْتَرَضَتْ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْكُلُّ إذْ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا دُونَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كُلِّهَا
(وَبِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ) أَيْ وَاسْتِدْلَالِ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ بِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَى إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ (فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ خِلَافِ عَلِيٍّ وَ) سَعْدِ (بْنِ عُبَادَةَ وَسَلْمَانَ فَلَمْ يَعْتَدُّوهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ اعْتِدَادِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَتِهِ إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ رُجُوعِهِمْ) أَيْ هَؤُلَاءِ إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِهِمْ تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافَتِهِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ رُجُوعِهِمْ خِلَافَتُهُ (صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الِانْعِقَادِ) أَيْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ (بِبَيْعَةِ الْأَكْثَرِ) إذْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهَا بَلْ هِيَ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ كَافِيَةٌ (لَا) أَنَّ خِلَافَتَهُ (مُجْمَعٌ عَلَيْهَا) وَقْتَئِذٍ فَلَمْ يَتِمَّ دَعْوَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بِالْأَكْثَرِ، ثُمَّ بَقِيَ مَا وَجْهُ قَائِلٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً، وَإِنْ بَلَغَ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا أَفَادَنِيهِ الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً وَهُوَ أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَلَوْ كَانَ مُخَالِفَهُ إجْمَاعًا لَوَقَعَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أَهْلُ التَّوَاتُرِ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى الْحِسِّ لَا مَا قَالُوهُ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قُلْت ثُمَّ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ الظَّنُّ وَلَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ لِلْآمِدِيِّ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْعَدْلِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (لَا تُوقِفُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عَدَالَتِهِ (وَالْحَنَفِيَّةُ تَشْتَرِطُ) عَدَالَةَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَى كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَصَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَالسُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ) الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (يَتَضَمَّنُهَا) أَيْ الْعَدَالَةَ (إذْ الْحُجِّيَّةُ) الثَّابِتَةُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إنَّمَا هِيَ (لِلتَّكْرِيمِ) لَهُمْ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهَا لَهُمْ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ (وَلِوُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي إخْبَارِهِ) أَيْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الْآيَةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَامَى الْكَذِبُ غَالِبًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ عُلِمَ فِسْقُهُ حَتَّى تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَةِ أَصْلًا وَلَا عَنْ الْأَهْلِيَّة لِلْكَرَامَةِ بِسَبَبِ الدِّينِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقْطَعُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَمُوتُ مُؤْمِنًا مُصِرًّا عَلَى فِسْقِهِ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ فَإِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْكَرَامَةِ بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ فَكَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ
(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ (يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ) أَيْ غَيْرِ الْعَدْلِ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ كَإِقْرَارِهِ) أَيْ كَمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْمَالِ وَالْجِنَايَاتِ فَيَكُونُ إجْمَاعُ الْعُدُولِ حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ وَافَقَهُمْ لَا إذَا خَالَفَهُمْ وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الْقَوْلُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْقِيَاسِ (بِأَنَّهُ) أَيْ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ مِنْهُ (فِيمَا عَلَيْهِ وَهَذَا) أَيْ وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِ هُنَا (لَهُ) لَا عَلَيْهِ (إذْ يَنْتَفِي) بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ (حُجِّيَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ فَيَحْصُلُ لَهُ شَرَفُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَقَالِهِ فَانْتَفَتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا خَالَفَ يُسْأَلُ عَنْ مَأْخَذِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِسْقُهُ عَلَى الْفُتْيَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَمَلًا اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَالَةِ الْمُجْتَهِدِينَ (يُبْتَنَى شَرْطُ عَدَمِ الْبِدْعَةِ) فِيهِ أَيْضًا (إذَا لَمْ يَكْفُرْ بِهَا) أَيْ بِالْبِدْعَةِ (كَالْخَوَارِجِ) إلَّا الْغُلَاةَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبَاحِثِ الْخَبَرِ وَلَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ (وَالْحَنَفِيَّةُ) قَالُوا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْبِدْعَةِ (إذَا دَعَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَقَصِّيًا) وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ ظُهُورِ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى مَيْلٍ إلَى جَانِبٍ (يُوجِبُ خِفَّةَ سَفِيهٍ فَيُتَّهَمُ) فِي أَمْرِ الدِّينِ فَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ بِدْعَتِهِ مُعْتَبَرًا فِي انْعِقَادِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا كَانَ مَقْبُولُهَا فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي بِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضَلِّلُ لِمُخَالَفَتِهِ نَصًّا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَا إنْ كَفَرَ بِهَوَاهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا، ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْهَوَى وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُظْهِرٍ لَهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا يُضَلِّلُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُبِلَتْ بِهِ شَهَادَتُهُ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْمٌ عَظَّمُوا الذُّنُوبَ حَتَّى جَعَلُوهَا كُفْرًا لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْتَمَنُونَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمُوَافَقَةِ الضُّلَّالِ لِأَهْلِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ فِسْقُهُمْ وَلَا ضَلَالُهُمْ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْحَقُّ إطْلَاقُ مَنْعِ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ لَهُمْ) فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صَيْرُورَةَ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمُوَافِقُهُ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْفِقْهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَلَامِ هَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَاسْتَقْرَاهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَرْجُوحِيَّةُ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْكَذِبِ لَا أَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ مَانِعَةٌ مِنْ اعْتِبَارِ قَوْلِ صَاحِبِهَا (لَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الرَّوَافِضِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ الشُّيُوخِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ (وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ (لِتَقَرُّرِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافَتِهِمْ (قَبْلَهُمْ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الرَّافِضَةِ (فَعَصَوْا) أَيْ الرَّافِضَةُ (بِهِ) أَيْ بِخِلَافِهِمْ لَهُ لَا أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ بِنَاءٌ عَلَى فِسْقِهِمْ (وَخِلَافُ الْخَوَارِجِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ) رضي الله عنه (خِلَافُ الْحُجَّةِ) الَّتِي هِيَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (لَا)