الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ الشَّيْءِ (إلَيْهِ) أَيْ الْآخَرِ (بِرُمَّتِهِ) أَيْ جُمْلَتِهِ (لَوْلَا الِاصْطِلَاحُ) لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لُغَةً هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الشَّيْءِ بِمَعْنَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ لَهُ (وَتَقْسِيمُ الْمَحْصُولِ الْقِيَاسَ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ لَا يُخَالِفُهُ) أَيْ قَوْلَنَا، حُكْمُ الْقِيَاسِ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ (إذْ قَطْعِيَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِقَطْعِيَّةِ الْعِلَّةِ وَ) بِقَطْعِ (وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) كَوْنُ الْقِيَاسِ قَطْعِيًّا (قَطْعِيَّةَ حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ جَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَخُصُوصِ الْفَرْعِ مَانِعًا بَلْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا وَحُكْمُهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ظَنِّيًّا وَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّا قَطَعْنَا بِإِلْحَاقِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي حُكْمِهِ الْمَظْنُونِ (غَيْرَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ) أَيْ الْمَحْصُولَ لِهَذَا (بِمَا هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ أَعْنِي الْفَحْوَى) أَيْ فَحْوَى الْخِطَابِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ قَطْعِيٌّ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْأَذَى وَنَعْلَمُ وُجُودَهَا فِي الضَّرْبِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا ظَنِّيٌّ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عِنْدَهُ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ (مُنَاقَضَةً) لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ هُوَ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ بِمَلْفُوظٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فِي الشُّرُوطِ]
(فَصْلٌ فِي الشُّرُوطِ مِنْهَا لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَعْدُولًا) بِهِ وَحَذَفَهُ مَعَ أَنَّ الْعُدُولَ وَهُوَ الْمَيْلُ عَنْ الطَّرِيقِ لَازِمٌ فَلَا يُبْنَى مِنْهُ الْمَجْهُولُ وَالْمَفْعُولُ إلَّا بِالْبَاءِ مُسَامَحَةً لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَائِلًا أَوْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَهُوَ الضَّرْبُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَذْفِهِ أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَصْرُوفًا (عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ) أَيْ طَرِيقَةً لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَادِلًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ عِلَّةً لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ وَمَتَى كَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَانَ الْقِيَاسُ رَدًّا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَدَفْعًا لَهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ الْجَارِي عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ (أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَاهُ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ (وَيُوجَدُ) مَعْنَاهُ (فِي آخَرَ فَمَا لَمْ يُعْقَلْ) مَعْنَاهُ (كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ) فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (وَالْأَطْوِفَةِ) أَيْ وَكَأَعْدَادِ الْأَشْوَاطِ وَهِيَ سَبْعَةٌ فِي أَصْنَافِ الْأَطْوِفَةِ الْمَشْرُوعَاتِ (وَمَقَادِيرُ الزَّكَاةِ) مِنْ رُبْعِ الْعُشْرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ (وَبَعْضُ مَا خُصَّ بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِهِ (كَالْأَعْرَابِيِّ بِإِطْعَامِ كَفَّارَتِهِ أَهْلَهُ) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» رَوَاهُ السِّتَّةُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ» .
لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْعُسْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ تَنَاوُلَهُ وَعِيَالِهِ مِنْ التَّمْرِ الْمَذْكُورِ كَانَ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَطْعِمْ هَذَا عَنْك وَابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَزَّارِ «فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِك» وَالثَّانِي احْتِمَالٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلِ انْطَلِقْ فَكُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُك فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ
عَنْك» لَوْلَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد الْجَزْمَ بِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ زَادَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَالْأَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقْ بِهَذَا لَمْ يَقْبِضْهُ بَلْ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَذِنَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ مِنْهُ وَإِطْعَامِهِ أَهْلَهُ فَكَانَ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِهِ وَكَانَ أَخْذُهُ لَهُ أَخْذًا بِصِفَةِ الْفَقْرِ الْمَشْرُوحَةِ لَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مَشْرُوطًا بِصِفَةٍ هِيَ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ فَيَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطٍ وَلَا أَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ وَلَا أَكْلَ الْمَرْءِ وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ.
وَعَلَى هَذَا مَشَى الْحَافِظُ رحمه الله ثُمَّ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ سَلْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَّاضِي وَاسْتَنَدَا فِي ذَلِكَ إلَى مَا نَاقَشَهُمَا فِيهِ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ (أَوْ عَقَلَ) مَعْنَاهُ (وَلَمْ يَتَعَدَّ) حُكْمَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى (كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا) فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى فَرَسًا مِنْ سَوَاءِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِي فَجَحَدَهُ فَشَهِدَهُ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَنَا فَقَالَ صَدَقْتُك بِمَا جِئْت بِهِ وَعَلِمْت أَنَّك لَا تَقُولُ إلَّا حَقًّا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ» وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ وَجَدْتهمَا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ (وَلَيْسَ) النَّصُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (مُفِيدَ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ اخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ (بَلْ) مُفِيدُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا (الْمَجْمُوعُ مِنْهُ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ (تَكْرِيمُهُ) أَيْ خُزَيْمَةَ (لِاخْتِصَاصِهِ) أَيْ خُزَيْمَةَ (بِفَهْمِ حِلِّ الشَّهَادَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم) عَنْ أَخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ الْحَاضِرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ فِي إفَادَةِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ قَدْ جَعَلَ التَّسَامُعَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ فَقَوْلُ الرَّسُولِ بِذَلِكَ أَوْلَى (فَلَا يَبْطُلُ) اخْتِصَاصُهُ (بِالتَّعْلِيلِ) أَيْ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُهُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ هَذَا فِي شَهَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُبْطِلُهُ (فَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) إنَّ اللَّهَ شَرَطَ الْعَدَدَ فِي عَامَّةِ الشَّهَادَاتِ وَثَبَتَ بِالنَّصِّ قَبُولُ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ (ثَبَتَ كَرَامَةً) لَهُ (فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ) وَلَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ كَرَامَةً حَتَّى يَمْتَنِعَ بَلْ يُعَدِّيهَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ كَرَامَةً خُصَّ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ وَدَلِيلُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا كَوْنُهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ.
(وَالنِّسْبَةُ) أَيْ نِسْبَةُ الِاخْتِصَاصِ (إلَى الْمَجْمُوعِ) مِنْ دَلِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَهُوَ النَّصُّ السَّابِقُ وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ التَّعْلِيلِ فَلْيُلْحَقْ غَيْرُهُ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِصَاصَ (بِالْإِثْبَاتِ) أَيْ إثْبَاتُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُهُ وَالْمُرَادُ دَلِيلُ إثْبَاتِهِ (نُصَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ) شَاهِدًا (وَالنَّفْيِ) أَيْ وَبِنَفْيِ الِاكْتِفَاءِ (عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ) أَيْ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِ (بِمَانِعِ الْإِلْحَاقِ) لِغَيْرِهِ بِهِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ الْمَذْكُورِ (فَمُجَرَّدُ خُرُوجِهِ) أَيْ هَذَا الْحُكْمِ الْمَخْصُوصِ بِهِ خُزَيْمَةُ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ (عَنْ قَاعِدَةٍ) عَامَّةٍ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي جَمِيعِ الشَّهَادَاتِ الْمُطْلَقَةِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (كَمَا ظَنَّ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَاهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يُوجِبُهُ (لِجَوَازِ الْإِلْحَاقِ بِالْمُخَصَّصِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (بِجَوَازِ تَعْلِيلِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ) وَشُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمُخَصَّصِ أَيْضًا.
(وَمِثْلُهُ)
أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ (قَصْرُ الْمُسَافِرِ) السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ الرَّبَاعِيَةَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (امْتَنَعَ تَعْلِيلُهُ) أَيْ قَصْرِهَا (بِمَا يُعَدِّيه) أَيْ قَصْرَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسَافِرِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةُ لِلْقَصْرِ (فِي الْحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةُ) لِأَنَّهَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ لِلرُّخْصَةِ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِنْ الرُّخَصِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسَافِرِ (وَامْتَنَعَ اعْتِبَارُهَا) أَيْ الْمَشَقَّةِ نَفْسِهَا (لِتَفَاوُتِهَا وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا (تُعْتَبَرُ مَنَاطًا) لِلْقَصْرِ (فَتَعَيَّنَتْ) الْعِلَّةُ لِذَلِكَ (مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَجُعِلَتْ) الْعِلَّةُ (السَّفَرَ) لِكَوْنِهِ مَظِنَّتَهَا (فَامْتَنَعَ) قَصْرُهَا (فِي غَيْرِهِ) أَيْ السَّفَرِ (وَالسَّلَمِ) أَيْ وَمِثْلُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ (بِيعَ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ) أَيْ بِيعَ آجِلٌ بِعَاجِلٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ شُرِعَ (لِمَصْلَحَةِ الْمَفَالِيسِ) وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ (يَنْتَفِعُونَ بِالثَّمَنِ عَاجِلًا وَيُحَصِّلُونَ الْبَدَلَ آجِلًا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ الْآثَارُ) إذَا لِجَوَازِ مُخْتَصٍّ بِالسَّلَمِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ إذْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ ذَا وِلَايَةٍ لَهُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَالَ الْعَقْدِ حِسًّا وَشَرْعًا، حَتَّى لَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ الْآبِقَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ الْخَمْرَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الثَّانِي حِسًّا وَشَرْعًا وَشَرْعًا فِي الْأَخِيرِ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ ثَابِتَةٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ جُمْلَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ وَمَالَهُ وِلَايَةٌ عَلَى بَيْعِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ يَجُوزُ «وَلِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِقَوْلِهِ «صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَإِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا» كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
لَكِنَّهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ كَمَا يُعْلَمُ قَرِيبًا (غَيْرَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ حَالًا فَلَمَّا كَانَ حَاصِلُهُ) أَيْ السَّلَمِ (تَخْصِيصًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ (عَلَّلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ (بِدَفْعِ الْحَرَجِ بِإِحْضَارِ السِّلْعَةِ مَحَلَّ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ يُعَلِّلُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْحَالَ كَالْمُؤَجَّلِ فَيَجُوزُ الْحَالُ كَالْمُؤَجَّلِ (وَوَقَعَ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَاقِعٌ (فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْقَائِلِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ) رَوَاهُ السِّتَّةُ فَقَدْ (أَوْجَبَ فِيهِ) أَيْ فِي السَّلَمِ (الْأَجَلَ فَالتَّعْلِيلُ لِتَجْوِيزِهِ) أَيْ الْحَالِ (مُبْطِلٌ لَهُ) أَيْ النَّصِّ الْمُوجِبِ لَهُ وَالتَّعْلِيلُ الْمُبْطِلُ لِلنَّصِّ بَاطِلٌ فَقَالُوا هُمْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ حَالًا (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (عَلَى ظَنِّ الشَّافِعِيَّةِ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خُصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِخَالِصَةٍ لَك فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (غَيْرُهُ) فِي انْعِقَادِ نِكَاحِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْخُصُوصِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ كَرَامَةً.
(وَالْحَنَفِيَّةُ) عَلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيَقُولُونَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً} [الأحزاب: 50](يَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] لَك حَتَّى فُهِمَ الطِّبَاقُ) بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ (فُهِمَ أَحْلَلْنَا لَك بِمَهْرٍ وَبِلَا مَهْرٍ) فَكَانَ الْحَاصِلُ أَحْلَلْنَا لَك الْأَزْوَاجَ الْمُؤْتَى مُهُورُهُنَّ وَاَلَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك فَلَمْ تَأْخُذْ مَهْرًا خَالِصَةً هَذِهِ الْخَصْلَةُ لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا هُمْ فَقَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ (وَتَعْلِيلُ الِاخْتِصَاصِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يُنَادِي بِهِ) أَيْ بِرُجُوعِهِ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ أَيْضًا (إذْ هُوَ) أَيْ الْحَرَجُ (فِي لُزُومِ الْمَالِ لَا فِي تَرْكِ لَفْظٍ إلَى آخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَقْدَرِ الْخَلْقِ عَلَى التَّعْبِيرِ) عَنْ مُرَادِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.
(وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (مَا عَقَلَ) مَعْنَاهُ (عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى
مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَبَقَاءِ صَوْمِ) الصَّائِمِ (النَّاسِي) أَوْ الْآكِلِ أَوْ الشَّارِبِ فِي النَّهَارِ نِسْيَانًا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ النَّصِّ (مَعَ عَدَمِ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ أَوْ بَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ (مَعْدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى عَدَمِ الرُّكْنِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ رُكْنِ الصَّوْمِ عَدَمُ بَقَاءِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ وَوُجُودِ مَا يُضَادُّهُ فِي مَحَلِّهِ سَوَاءً وُجِدَ الْمُضَادُّ نَاسِيًا أَوْ عَامِدً لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَعْدِمُ الْفِعْلَ الْمَوْجُودَ وَلَا يُوجِدُ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا فَثَبَتَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْمَوْجُودِ.
(فَإِنْ قِيلَ لَمَّا عَلَّلَ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ) فِي الْمَوَاقِعِ نَاسِيًا (لَزِمَ مُجِيزِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلَهُ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ (لِإِلْحَاقِ) الصَّائِمِ (الْمُخْطِئِ) أَيْ الْمُفْطِرِ خَطَأً كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ (وَالْمُكْرَهِ) عَلَى الْإِفْطَارِ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ (وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ) مَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ (بِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ) عَلَى صَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمْ (كَالشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (اتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِإِلْحَاقِهِمْ بِالنَّاسِي (فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ لِلنَّاسِي ثَابِتٌ (بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ هِيَ قَطْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ) الْمُفْطِرِ (عَنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْمُذَكِّرِ) لَهُ بِالصَّوْمِ إذْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مُخَالِفَةً لِلْهَيْئَةِ الْعَادِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِ بِنِسْبَةِ ذَاكَ (إلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ «تِمِّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» ) هَذَا لَفْظُ الْهِدَايَةِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ «وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك» (لِأَنَّهُ) أَيْ قَطْعَ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فَائِدَتُهُ) أَيْ قَوْلُهُ تِمَّ عَلَى صَوْمِك إلَخْ (وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ الْمُطْعِمُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ طَعِمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا.
وَكَيْفَ لَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» (وَقَطْعُهُ) أَيْ وَقَطْعُ الشَّارِعِ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (مَعَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (وَهُوَ) أَيْ النِّسْيَانُ (جِبِلِّيٌّ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِلَا مُذَكِّرٍ) وَهُوَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ غَالِبُ الْوُجُودِ وَخَبَرُ قَطْعِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فِيمَا هُوَ دُونَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (مَعَ مُذَكِّرٍ كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الْعَادِيَةَ لِلْمُكَلَّفِ (فَفَسَدَتْ بِفِعْلِ مُفْسِدٍ سَاهِيًا وَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ) أَوَّلًا يَسْتَلْزِمُ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (كَالْخَطَأِ) لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِيمَا كَثُرَ وُجُودُهُ مِثْلَهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ وَلِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ لِلصَّوْمِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاحْتِرَاسِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْخَطَأِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (ثَبَتَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ) فِي الشَّرْعِ مُسْقِطًا لِلْمُجَازَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ (فِي خَطَأِ الْقَتْلِ فَأَوْجَبَ) الشَّارِعُ بِهِ (الدِّيَةَ) بَدَلَ الْمَحَلِّ (حَقًّا لِلْعَبْدِ مَعَ تَحَقُّقِ مَا عَيَّنَهُ) الشَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي النِّسْيَانِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَيْضًا.
(وَ) أَوْجَبَ (الْكَفَّارَةَ) فِيهِ أَيْضًا (لِتَقْصِيرِهِ) فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ ثُمَّ يُجْبَرُ بِالْقَضَاءِ (وَالْمُكْرَهُ أَمْكَنَهُ الِالْتِجَاءُ وَالْهَرَبُ وَلَوْ عَجَزَ) عَنْهُمَا (وَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ) لِفِعْلِهِ عَنْهُ (صَارَتْ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى أَعْنِي الْمُكْرَهَ كَفِعْلِ الصَّبِّ) فِي حَلْقِ النَّائِمِ (نُسِبَ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى أَثَّمَهُ) أَيْ أَثَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّابَّ (فَانْتَفَتْ الْعِلَّةُ) الْمُعَلَّلُ بِهَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فِي الْمُكْرَهِ وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يُقَالُ الْوِقَاعُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِلْعِلْمِ بِتَسَاوِي الْكُلِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَفِّ عَنْهَا وَإِنَّ تَسَاوِي الْمُتَسَاوِيَاتِ إذَا ثَبَتَ لِأَحَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِلْبَاقِي ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً مَعَ كَوْنِهَا مُتَسَاوِيَةً فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ وَارِدًا فِيهِ وَبَقَاءُ صَوْمِ النَّاسِي فِي الْأَكْلِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ عَلَى الصَّوْمِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْأَكْلِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْوِقَاعِ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ (تَقَوُّمُ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ ثَبَتَ لَهَا فِي الْإِجَارَةِ بِالنُّصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ أَنَّ تَقَوُّمَهَا (يَمْنَعُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ هَكَذَا لَمْ تُحَرَّزْ) الْمَنَافِعُ (فَلَا مَالِيَّةَ فَلَا تَقَوُّمَ كَالصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. أَمَّا الْأَوَّلُ)
أَيْ أَنَّهَا لَمْ تُحَرَّزْ (فَلِأَنَّهَا) أَيْ الْمَنَافِعَ (أَعْرَاضٌ مُتَصَرِّمَةٌ) أَيْ مَتَى وُجِدَتْ تَلَاشَتْ وَاضْمَحَلَّتْ (فَلَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَشْخَاصِ الْأَعْرَاضِ وَلَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ بَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً بِطَرِيقٍ أَوْلَى (ثُمَّ الْمَالِيَّةُ بِالْإِحْرَازِ، وَالتَّقَوُّمُ بِالْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِتَقْوِيمِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ (غَصْبُهَا) أَيْ إتْلَافُ الْمَنَافِعِ أَوْ تَعْطِيلُهَا فِي الْغَصْبِ (إذْ لَا جَامِعَ مُعْتَبَرٌ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (لِتَفَاوُتِ الْحَاجَةِ) الَّتِي كَانَتْ الْمَنَافِعُ بِسَبَبِهَا مُتَقَوِّمَةً (وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا يُنَاطُ التَّقْوِيمُ بِهَا (كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَنِيطَ) أَيْ عُلِّقَ التَّقَوُّمُ (بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا كَالسَّفَرِ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ تَقَوُّمِهَا فِي الْغَصْبِ يَفْتَحُ بَابَ الْعُدْوَانِ لِعِلْمِ الْمُعْتَدِينَ حِينَئِذٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَالْجَوَابُ لَا مَانِعَ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْحَاجَةُ لِدَفْعِ الْعُدْوَانِ تَدْفَعُ بِالتَّعْزِيرِ) وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ إذْ هِيَ مُحْرَزَةٌ بِإِحْرَازِ الْمَحَلِّ الْقَائِمَةِ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِنَفْيِ إحْرَازِهَا نَفْيُ الْإِحْرَازِ الْقَصْدِيِّ (وَإِحْرَازُهَا بِالْمَحَلِّ ضِمْنٌ غَيْرُ مُضَمَّنٍ كَالْحَشِيشِ النَّابِتِ فِي أَرْضِهِ) فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ تَبَعًا لِأَرْضِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِهِ (وَلَوْ سَلَّمَ) أَنَّ الْإِحْرَازَ الضِّمْنِيَّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي تَضْمِينِ الْمَالِيَّةِ (فَفُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَالِيَّةِ يَمْنَعُ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ الْمَبْنِيِّ عَلَى) اشْتِرَاطِ (الْمُمَاثَلَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] لِانْتِفَائِهَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَضْمَنَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ فَاكِهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِالنَّقْدِ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْبَقَاءُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الْمُمَاثَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَدْ عَرَّفْت انْتِفَاءَهَا بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ (بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ مَعَ النَّقْدِ) فَإِنَّهَا مُتَحَقِّقَةٌ بَيْنَهُمَا (لِاتِّصَافِهَا بِالِاسْتِقْلَالِ بِالْوُجُودِ وَالْبَقَاءِ) وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَدْرِ الْبَقَاءِ (وَالتَّفَاوُتُ فِي قَدْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ) لِأَنَّ قَدْرَهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَبْقَى مَا لَا يَبْقَى غَيْرُهَا مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ الْبَقَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
(وَسَرَّهُ) أَيْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَقَاءِ (أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لِإِيجَابِ الْبَدَلِ إنَّمَا هُوَ حَالُ الْوُجُوبِ) لِلْبَدَلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ حَالَ الْوُجُوبِ (حَالُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَالتَّسَاوِي) بَيْنَهُمَا (فِيهِ) أَيْ فِي حَالِ الْوُجُوبِ (إذْ ذَاكَ) أَيْ حَالُ الْوُجُوبِ (ثَابِتٌ وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ (حِلُّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا) فَإِنَّهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ يَكْفِيه اسْمُهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحَ فَلْيُسَمِّ وَلِيَذْكُرْ اللَّهَ ثُمَّ لِيَأْكُلْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ شَرْطِ الصَّلَاةِ) مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (نَاسِيًا لَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ مَعَهُ (حَتَّى وَجَبَتْ) إعَادَتُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (إذَا ذَكَرَ) مَا تَرَكَهُ مِنْ شَرْطِهِ نَاسِيًا وَالتَّسْمِيَةُ فِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالْكِتَابِ (فَلَا يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِنِسْيَانِ التَّسْمِيَةِ فِي الْحِلِّ (الْعَمْدُ) فِي الْحِلِّ أَيْضًا (لِعَدَمِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعَامِدُ جَانٍ مُعْرِضٌ عَنْهُ (وَلِأَنَّهُ) لَوْ أُلْحِقَ الْعَامِدُ بِهِ (لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ شَيْءٌ) مِنْ أَفْرَادِهِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَيُنْسَخُ) نَصُّ الْقُرْآنِ (بِالْقِيَاسِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (نَظَرٌ يَأْتِي) فِي الْكَلَامِ فِي فَسَادِ الِاعْتِبَارِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (شَرْعِيًّا فَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ (وَلَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ) فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوهُ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ إمَّا بِالْعِلَّةِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الدَّلِيلِ وَفِي
الْمَحْصُولِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى إلْحَاقَ الشَّاهِدِ بِالْغَائِبِ بِجَامِعٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَالْجَمْعُ بِالْعِلَّةِ وَهُوَ أَقْوَى الْوُجُوهِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْعَالَمِيَّةُ فِي الشَّاهِدِ أَيْ الْمَخْلُوقَاتُ مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ فَكَذَا فِي الْغَائِبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (لِعَدَمِ إمْكَانِ إثْبَاتِ الْمَنَاطِ فَلَوْ أَثْبَتَ حَرَارَةَ حُلْوٍ قِيَاسًا عَلَى الْعَسَلِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ) لِلْحَرَارَةِ (إلَّا إنْ اُسْتُقْرِئَ) أَيْ تُتُبِّعَ كُلُّ حُلْوٍ فَوُجِدَ حَارًّا (فَتَثْبُتُ) عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ لِلْحَرَارَةِ حِينَئِذٍ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُلْوِ (بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ (لَا بِالْقِيَاسِ فَلَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ وَعَنْهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ (اشْتَرَطَ عَدَمَ شُمُولِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ) خِلَافًا لِمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمُوَافِقِيهِمْ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ (وَبِهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِلْفَرْعِ (بَطَلَ قِيَاسُهُمْ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِينَ (الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي أَنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (مَعَ فُحْشِ الْعِبَارَةِ) حَيْثُ أَطْلَقَ الْغَائِبَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّى لَهُمْ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا بَطَلَ قِيَاسُهُمْ (لِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ الْعَالَمِ بِالْعِلْمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ مَنْ سِوَاهُ (بِاللَّفْظِ لُغَةً وَهُوَ أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ قَامَ بِهِ) الْعِلْمُ (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا يَظْهَرُ (فِي قِيَاسِ النَّفْيِ لَوْ كَانَ) النَّفْيُ (أَصْلِيًّا فِي الْأَصْلِ امْتَنَعَ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (لِعَدَمِ مَنَاطِهِ) أَيْ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ لَا يَكُونُ عِلَّةً (بِخِلَافِهِ) أَيْ النَّفْيِ إذَا كَانَ (شَرْعِيًّا يَصِحُّ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (بِوُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِهِ فِيهِ فَهُوَ قَدْ يَكُونُ عِلَّةً قَالَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَنَاطُ إذَا كَانَ عَدَمًا شَرْعِيًّا (عَلَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعَدَمِ لَا تَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ عِلَلِ الْأَحْكَامِ لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا وَصْفٌ ظَاهِرٌ ضَابِطٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مُفْسِدَةٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ وَضَعَهَا الشَّارِعُ عَلَى النَّفْيِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُقَاسُ لِإِثْبَاتِ عَدَمٍ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَنْسُوخًا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ) الْوَصْفِ (الْجَامِعِ) فِيهِ لِلشَّارِعِ لِزَوَالِ الْحُكْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ الِاسْتِلْزَامُ الَّذِي كَانَ دَلِيلًا لِلثُّبُوتِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أَنْ لَا يَثْبُتَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (بِالْقِيَاسِ بَلْ) يَثْبُتَ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْكَرْخِيِّ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ فِي الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَهَذَا) مَعْنَى (مَا يُقَالُ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (فَرْعًا لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَرْعًا (قِيَاسَيْنِ) الْأَوَّلُ الَّذِي أَصْلُهُ فَرْعٌ لِلْقِيَاسِ الثَّانِي، وَالثَّانِي (فَالْجَامِعُ إنْ اتَّحَدَ فِيهِمَا) أَيْ الْقِيَاسَيْنِ (كَالذُّرَةِ عَلَى السِّمْسِمِ بِعِلَّةِ الْكَيْلِ ثُمَّ هُوَ) أَيْ السِّمْسِمُ (عَلَى الْبُرِّ) بِعِلَّةِ الْكَيْلِ (فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَسَطِ) الَّذِي هُوَ السِّمْسِمُ (لِإِمْكَانِهِ) أَيْ قِيَاسِ الذُّرَةِ (عَلَى الْبُرِّ وَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ (مُشَاحَحَةٌ) وَالْوَجْهُ مُشَاحَّةٌ (لَفْظِيَّةٌ أَوْ اخْتَلَفَ) الْجَامِعُ فِيهِمَا (كَقِيَاسِ الْجُذَامِ عَلَى الرَّتَقِ) وَهُوَ الْتِحَامُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ بِاللَّحْمِ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الرَّتَقَ (يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ) بِأَنْ يُقَالَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْجُذَامِ كَمَا يُفْسَخُ بِالرَّتَقِ (بِجَامِعٍ أَنَّهُ) أَيْ الْجَامِعَ (عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ) فَكَذَا النِّكَاحُ كَالرَّتَقِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ (فَيُمْنَعُ) الْخَصْمُ (فَسْخَ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ فَيُعَلِّلُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الرَّتَقَ (مُفَوِّتٌ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْجَبِّ) أَيْ قَطْعِ الذَّكَرِ (وَهَذِهِ) الْعِلَّةُ وَهِيَ فَوَاتُ الِاسْتِمْتَاعِ (لَيْسَتْ فِي الْفَرْعِ الْمَقْصُودِ بِالْإِثْبَاتِ) وَهُوَ الْجُذَامُ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِيهِ غَيْرُ فَائِتٍ (مَا نُقِلَ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ مِنْ تَجْوِيزِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجَامِعِ (لِتَجْوِيزِ أَنْ يَثْبُتَ) الْحُكْمُ (فِي الْفَرْعِ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَصْلِ) بِهِ (كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ وَفِي الْفَرْعِ بِآخَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ وَفِي الْفَرْعِ بِأُخْرَى (يَبْعُدُ صُدُورُهُ مِمَّنْ عَقَلَ الْقِيَاسَ فَإِنَّ ذَاكَ) أَيْ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ غَيْرِ الدَّلِيلِ الَّذِي بِهِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ (فِي أَصْلٍ لَيْسَ فَرْعَ قِيَاسٍ) وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ هُوَ فَرْعُ قِيَاسٍ وَفِي تَجْوِيزِهِ فِيهِ
انْتِفَاءُ الْقِيَاسِ لِامْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ لَهُ.
(هَذَا) الْمَذْكُورُ (إذَا كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُوَافِقُهُ الْمُسْتَدِلُّ لَا الْمُعْتَرِضُ فَلَوْ) كَانَ (قَلْبُهُ) بِأَنْ كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيُوَافِقُهُ الْمُعْتَرِضُ (فَلَا يُعْلَمُ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ كَشَافِعِيٍّ) أَيْ كَقَوْلِهِ (فِي نَفْيِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ) قِصَاصًا: قَتْلُ الْمُسْلِمِ لَهُ قَتْلٌ (تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ) وَهِيَ عَدَمُ التَّكَافُؤِ فِي الشَّرَفِ (فَلَا يُقْتَلُ) الْمُسْلِمُ (بِهِ) أَيْ بِالذِّمِّيِّ (كَمَا) لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ (بِالْمُثْقَلِ) لِتَمَكُّنِ شُبْهَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَالشُّبَهُ دَارِئَةٌ لِلْحُدُودِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ (لِاعْتِرَافِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (بِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِبُطْلَانِ مُقَدِّمَتِهِ) لِأَنَّ عِنْدَهُ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالْمُثْقَلِ (وَلَوْ) كَانَ هَذَا (فِي مُنَاظَرَةٍ فَأَرَادَ) الْمُسْتَدِلُّ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ (الْإِلْزَامَ) بِهَذَا لِلْمُعْتَرِضِ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ إذْ لَوْ الْتَزَمَهُ لَزِمَ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا لَكَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ لِعِلْمِهِ بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ (لَمْ يَلْزَمْ) الْمُعْتَرِضَ (لِجَوَازِ قَوْلِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ (عِنْدِي غَيْرُ مَا ذَكَرْت) أَنْتَ وَلَا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا فِي عُرْفِ الْمُنَاظَرَةِ (أَوْ أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي فِي الْأَصْلِ) فِي أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (ذَا قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ) أَيْ ثَابِتًا بِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ (أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ) الدَّلِيلِ عَلَى (إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ) لِلْأَصْلِ (بِمُوَافَقَةِ الْخَصْمِ) لِلْمُسْتَدِلِّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا أَوْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ قِسْمَانِ أَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ (مَانِعًا عَلَيْهِ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا صَلَاحِيَةَ الْوَصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً مُثِيرَةً لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ لِتَثَبُّتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ كَذَلِكَ وَحَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ أَيْضًا (مُعَيِّنًا) عِلَّةً (أُخْرَى) كَذَلِكَ (عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ الَّتِي عَيَّنَهَا (إنْ لَمْ تَصِحَّ مَنَعَ) الْخَصْمُ (حُكْمَ الْأَصْلِ وَهَذَا) أَيْ مَمْنُوعُ الْعِلَّةِ (مُرَكَّبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ قِيَاسَيْهِمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ لِإِثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُكْمَ الَّذِي يُقَاسَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ بِقِيَاسٍ فَإِنْ وُجِدَ الْجَامِعُ فِي كِلَا الْقِيَاسَيْنِ كَانَ كِلَاهُمَا صَحِيحًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَا لَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ فِيهِ صَحِيحًا فَيَكُونُ مَعْنَى تَرْكِيبِ الْقِيَاسِ الِاجْتِمَاعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَكَانَ مُرَكَّبًا وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَمَنْ وَافَقَهُ (بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ فَرْعِيَّةِ الْأَصْلِ وَلِذَا) أَيْ لُزُومِ فَرْعِيَّتِهِ (صَحَّ مَنْعُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (حُكْمَ الْأَصْلِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهَا) أَيْ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَلَوْ) كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتًا (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (انْتَفَى) مَنْعُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ وَصْفًا مَنُوطًا بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَأَشَارَ إلَى ثَانِيهِمَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا (وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا فِي الْأَصْلِ مُعَيِّنًا عِلَّةً أُخْرَى (وَهُوَ) أَيْ وُجُودُهَا (وَصْفُهَا فَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ) لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ هَلْ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا (أَوْ بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ) أَيْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعِ وُجُودِهَا فِي الثَّانِي وَمَنْعِ وُجُودِهَا هُوَ مَنْعُ وَصْفِهَا بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ (فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إنْ لَمْ تَصِحَّ) الْعِلَّةُ (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ وَظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَرْعُ الشُّرُوعِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ) أَيْ الْإِثْبَاتِ (فَيَعْجَزُ) الْمُسْتَدِلُّ.
(وَفِيهِ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا (قَلْبُ الْوَضْعِ) لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا (قُلْت) لَا ضَيْرَ (لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ صُوَرِ الْمُعَارَضَةِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَفِيهِ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا (ذَلِكَ) الِانْقِلَابِ (فَإِنَّ جَوَابَهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ (مَنْعُ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا عَيَّنَهُ) الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ (فَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْإِثْبَاتُ) لِعِلِّيَّةِ مَا عَيَّنَهُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ (وَإِذَا صَارَ) الْمُعْتَرِضُ (مَانِعَهُ) أَيْ مَا أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ (لَزِمَ الْمُسْتَدِلَّ إثْبَاتُهَا) أَيْ بَيَانُ اعْتِبَارِ عِلَّتِهِ (وَوُجُودُهَا) فِي الْأَصْلِ (وَيَنْتَهِضُ) دَلِيلُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إذَا أَثْبَتَهَا وَوُجُودُهَا فِيهِ (إذْ لَيْسَ
ثُبُوتُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ (لِلْفَرْعِيَّةِ) لِلْأَصْلِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْوُجُودَ فِي مُرَكَّبِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (مَعَهُ) أَيْ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ الْوُجُودَ فِيهِ (يَمْنَعُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ مَنْعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ (دَلِيلٌ أَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (مَانِعٌ صِحَّةَ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِمَا) أَيْ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ (وَإِذَنْ فَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ أَوْ لُغَةٍ فَيَنْتَهِضُ) الدَّلِيلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ) أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُوجِبَةً (وَوُجُودِهِ) أَيْ الْمُوجِبِ فِي الْأَصْلِ (إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ) فَلَزِمَهُ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا أَوْ حَذْفِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ وَوُجُودِهِ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِتَسْلِيمِهِ وَاعْتِرَافِهِ وَالْفَرْضُ مَنَعَهُ حَتَّى احْتَاجَ الْمُسْتَدِلُّ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَخَبَرٍ فَقَوْلُهُمْ (فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إذَا أَثَبَتَهُمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْوُجُودَ وَالِاعْتِبَارَ انْتَهَضَ حِينَئِذٍ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ مِثَالُ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ (قَوْلٌ شَافِعِيٌّ) فِي كَوْنِ الْحُرِّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ قَتَلَهُ الْمَقْتُولُ (عَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمُكَاتَبِ الْمَقْتُولِ عَمَّا بَقِيَ بِكِتَابَتِهِ وَوَارِثُ غَيْرِ سَيِّدِهِ) لَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ الْحُرُّ بِهِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ السَّيِّدُ وَوَارِثُهُ عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ فَيُلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا بِجَامِعِ الرِّقِّ (وَالْحَنَفِيُّ يُوَافِقُهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْعِلَّةِ (فَيَقُولُ الْعِلَّةُ) عِنْدِي (جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ) لِلْقِصَاصِ (مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي عَبْدِيَّتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشُّعَبِيِّ كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقُولُ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا قُسِمَ مَا تَرَكَ عَلَى مَا أَدَّى وَعَلَى مَا بَقِيَ فَمَا أَصَابَ مَا أَدَّى فَلِلْوَرَثَةِ وَمَا أَصَابَ مَا بَقِيَ فَسَلِّمُوا إلَيْهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ يُؤَدِّي إلَى مَوَالِيه مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَاخْتِلَافُهُمْ يُوجِبُ اشْتِبَاهَ الْوَلِيِّ فَانْتَفَى الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ (فَإِنْ صَحَّتْ) عِلَّتِي (بَطَلَ إلْحَاقُك) الْعَبْدَ بِالْمُكَاتَبِ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عِلَّتِي بَلْ صَحَّتْ عِلَّتُك وَهِيَ الْعَبْدِيَّةُ (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَنْفَكَّ الْحَنَفِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا الْجَهَالَةَ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الرِّقُّ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (وَلَا يَتَأَتَّى) أَيْ وَلَا يَصِحُّ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ (إلَّا مِنْ مُجْتَهِدٍ) لِجَوَازِ تَبَدُّلِهِ فِي نَظَرِهِ (أَوْ مَنْ عُلِمَ عَنْهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مُسَاوَاتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي أَبَدَاهَا الْمُعْتَرِضُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهَا إمَّا مُقَلِّدٍ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا عَيَّنَهُ هُوَ الْمَأْخَذُ فِي نَظَرِ إمَامِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِ الْمُقَلِّدِ عَنْ تَقْرِيرِهِ عَجْزُ إمَامِهِ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ حَالًا مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْوِيبُ إمَامِهِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ لَزِمَ تَخْطِئَتُهُ فِي الْفَرْعِ لَا بِالْعَكْسِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ ثَبَتَ النَّقْلُ عَنْ إمَامِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْحُكْمِ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمُدْرَكِ كَانَ لِلْمُقَلِّدِ مَنْعُ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ بُطْلَانِ الْمُدْرَكِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ بِحُكْمٍ بِلَا مُدْرَكٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْطِئَةً لِإِمَامِهِ بَلْ تَعْرِيضًا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا مُدْرَكَ لَهُ إلَّا هَذَا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ.
(وَالثَّانِي) أَيْ وَمِثَالُ مُرَكَّبِ الْوَصْفِ قَوْلٌ شَافِعِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَا هُوَ سَبَبُ مِلْكِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ (فِي إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَطَالِقٌ) هَذَا (تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الْقَائِلِ (فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ) حَيْثُ لَا تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ (كَوْنُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (تَعْلِيقًا) عَلَى سَبَبِ مِلْكِهِ (مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا (بَلْ) الْأَصْلُ (تَنْجِيزٌ) لِلطَّلَاقِ (فَإِنْ صَحَّ) كَوْنُهُ تَنْجِيزًا (بَطَلَ إلْحَاقُك) هَذَا الْفَرْعَ بِهَذَا الْأَصْلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ تَنْجِيزًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا (مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ)
وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ (فَتَطْلُقُ) فُلَانَةُ فِي قَوْلِهِ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْهُ (وَهَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الْأَمْرَيْنِ) وُجُودَ الْعِلَّةِ وَمَنْعَ عَلِيَّةِ الْأَصْلِ (وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ (ظَاهِرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (مَجْمَعًا) عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ (فَحَاوَلَ) الْمُسْتَدِلُّ (إثْبَاتَهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَصٍّ (ثُمَّ) إثْبَاتَ (عَلِيَّتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا (قِيلَ لَا يُقْبَلُ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ لِضَمِّ نَشْرِ الْجِدَالِ (وَالْأَصَحُّ يُقْبَلُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ) حِينَئِذٍ مُقَدِّمَةٌ (مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْقَائِسِ (عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِلْفَرْعِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ لِلْأَصْلِ (فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ بِطَرِيقِهِ (لَمْ يُقْبَلْ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ) وَإِنْ أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ مَنْعِ الْخَصْمِ إيَّاهَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ بَعْدَ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مَقْبُولٌ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّ إثْبَاتَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَطْلُوبِ.
وَكَيْفَ لَا وَلَازِمُهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا الْبَدِيهِيَّاتِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (يُسْتَدْعَى) مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالشَّرَائِطِ (كَالْآخَرِ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُ فِي كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَطُولُ الْقَالُ وَيَنْتَشِرُ الْجِدَالُ بِخِلَافِ مُقَدِّمَاتِ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي سَرِيعًا إلَى الضَّرُورِيَّاتِ (لَا أَثَرَ لَهُ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا تَعْرِيضٌ يَرُدُّ مَا فِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِثْلُ الْأَوَّلِ يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيه بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَاتِ الْأُخَرِ (وَمَا قِيلَ هَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ لَا يُشَاحُّ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ لِمَنْ لَمْ يَلْتَزِمُهُ) وَلَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ الِانْقِطَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مُقْتَضَى مَنْصِبِهِ وَفِي هَذَا أَيْضًا تَعْرِيضٌ بِالْقَاضِي عَضُدِ الدِّين حَيْثُ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ وَلِكُلٍّ نَظَرٌ فِيمَا يَصْطَلِحُ لَا يُمْكِنُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ انْتَهَى قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَأَشَارَ هُنَا بِهَذَا إلَى أَنَّهُ يَصْطَلِحُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُعَدُّ الْبَحْثُ عَنْهُ انْتِقَالًا كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى أَمْرٍ نَظَرًا إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاعْتِبَارٌ لَهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا جَوَابًا جُمَلِيًّا يَصْلُحُ فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ نَظَرًا لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ بِدُونِ النَّظَرِ فِي الْمُنَاسَبَةِ الْمُخْتَصَّةِ فِي قُوَّةِ الْخَطَأِ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ (وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا) أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ شَرْطًا لَهُ (لِبُطْلَانِ كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ (شَرْطًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ) إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ (لِلِانْتِهَاضِ) لِلْمَنَاظِرِ (عَلَى الْمَنَاظِرِ) فِي الْمُنَاظَرَةِ (بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الْجَدَلِ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا أُصُولِيَّةٌ (وَأَفَادُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ نَفْيَ الْقَوْلِ بِهِ (بِاخْتِصَارٍ) فَقَالُوا (لَا يُعَلَّلُ بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ) فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا (كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إبْطَالِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ) كَكَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا لِلْكِتَابَةِ (عَقْدُ يَصِحُّ مَعَهُ التَّكْفِيرُ بِهِ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ (فَكَانَ) عَقْدُ الْحَالَّةِ (بَاطِلًا كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالْوَلِيُّ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا.
(فَحُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ فِي هَذَا (مُتَّفَقٌ) عَلَيْهِ (لَكِنَّ عِلَّتَهُ) أَيْ عِلَّةَ بُطْلَانِهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَوْنُ الْمَالِ) أَيْ الْخَمْرِ مَالًا فِي الْجُمْلَةِ (غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ) بَلْ هِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي شَرْعِنَا (لَا) أَنَّ عِلَّتَهُ (مَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ التَّكْفِيرِ بِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (إثْبَاتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) آنِفًا أَنَّهُ الْأَصَحُّ (وَلِبَعْضِهِمْ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُنَا عِبَارَةٌ هِيَ (لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ) فِي (الْأَصْلِ كَقَوْلٍ شَافِعِيٍّ فِي الْأَخِ شَخْصٌ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ أَرَادَ) الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ (عَتَقَهُ إذَا مَلَكَهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ (فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي ابْنِ الْعَمِّ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا (أَوْ) أَرَادَ (إعْتَاقَهُ بَعْدَهُ) أَيْ يَصِيرُ مِلْكَهُ ثُمَّ يَقَعُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ بَعْدَ الْمِلْكِ (فَمَمْنُوعٌ فِي الْأَخِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الْوَصْفِ فِيهِ إذْ هُوَ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ (وَذَكَرَ) صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (الصُّورَتَيْنِ)
أَيْ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهَا وَعَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ إلَى آخِرِهَا (ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ إثْبَاتَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ لِحُكْمِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ هُنَا (إثْبَاتُهَا) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ (كَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَطْعِيًّا بَلْ يَكْفِي ظَنُّهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ) وَقَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِقَادُ لَا يَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ (وَكَوْنُ الظَّنِّ يَضْعُفُ بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاضْمِحْلَالَ) أَيْ بُطْلَانَ الظَّنِّ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِلْقِيَاسِ (بَلْ هُوَ) أَيْ كَثْرَةُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَظْنُونَةِ (انْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ فِي الشَّرْعِ) وَانْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ يُوجِبُ قُوَّةً فِي الْمُوجِبِ.
(وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (ثَابِتًا بِالْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَالْحَنَفِيَّةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ (وَبِالنَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) الْعِرَاقِيِّينَ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْبَزْدَوِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ (لَفْظِيٌّ فَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (الْبَاعِثَةَ عَلَيْهِ) أَيْ شَرْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَ) مُرَادُ (الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ (الْمُعَرِّفَ) لِلْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي ذَلِكَ) أَيْ كِلَا الْمُرَادَيْنِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُمَا (وَكَيْفَ) يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْمُثْبِتَةُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَدْ تَكُونُ ظَنِّيَّةً) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ إنَّمَا يُفِيدُ ظَنَّهَا (وَحُكْمُ الْأَصْلِ قَطْعِيٌّ) لِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لَهُ كَانَ الظَّنِّيُّ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ وَلَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْبَاعِثِ أَبَدًا أَوْ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُهَا وَإِنَّمَا يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ وَإِنْ ادَّعَى قَائِلٌ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَرْعًا لِلْأَصْلِ أَصْلًا لِلْمُفَرِّعِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ فَإِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ النَّصِّ فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ وَهِيَ إنَّمَا عُرِفَتْ بِهِ جَاءَ الدَّوْرُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا إلَّا أَنَّهَا تُنَصَّبُ أَمَارَةً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى وُجْدَانِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي حَقِّ الْعَارِفِ
كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ أَمَارَةً عَلَى الْمَطَرِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ فَإِذَا عَرَفَ النَّاظِرُ مَثَلًا أَنَّ الْإِسْكَارَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَهُوَ حَيْثُ وَجَدَهُ قَضَى بِالتَّحْرِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعَالِمَ يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْإِسْكَارِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْكَارُ مُعَرَّفًا بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ مُعَرَّفًا فَقَدْ يَعْرِفُ بَعْضُ الْعَوَامّ عِلِّيَّةَ الْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَلَا يَدْرِي هَلْ الْخَمْرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ النَّبِيذُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَإِذَا وَجَدَ الْخَمْرَ قَضَى فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجْدَانِ الْعِلَّةِ مُسْتَفِيدًا ذَلِكَ مِنْهَا فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تَعْرِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا وَقَدْ تَجْتَمِعُ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ وَالنَّصُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ مُعَرِّفَيْنِ وَإِذَا تَمَهَّدَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى الْعِلَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَقَ لَهُمْ مَعْرِفَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَّةِ فَلَمْ تُعَرِّفْهُمْ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ الْمُعَرِّفُ يُعَرِّفُ كُلَّ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا يُعَرِّفُ مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَتَخَلُّفُ التَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَارِفِ لَا يُخْرِجُ الْأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً.
وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ يَعْرِفُ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْعِلَّةِ دُونَ بَعْضِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يَعْرِفُونَ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَكَمْ مِنْ عَامِّيٍّ يَعْرِفُ مِنْ الْمُفْتِينَ أَنَّ الزَّبِيبَ رِبَوِيٌّ وَلَا يَدْرِي الْعِلَّةَ فَلَاحَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَيْسَ الدَّوْرُ بِلَازِمٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ النَّصَّ عَرَّفَنَا الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ عَرَّفَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ أَيْضًا.
وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ جَمِيعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَمَّى أَصْلًا وُرُودُهُ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ فَإِنْ قُلْت هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ قُلْت لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ أَدْنَاهَا التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ فَمَنَعُوهُ لِأَنَّ عِرْفَانَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَاقِعٌ فَلَا تُجْدِي هِيَ شَيْئًا وَنَحْنُ نُجَوِّزُهُ وَنَذْكُرُ مِنْ فَوَائِدِهَا تَعْرِيفَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِلَا مُثْبِتٍ لِأَنَّ مُثْبِتَهُ الْعِلَّةُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا ثُمَّ انْقَلَبَ الْمَعْنَى وَهَذَا لَا يُضِيرُ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ثَانِيًا فَقَدْ صَلَحَ أَوَّلًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْعَلُ الشَّارِعُ
ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ قُلْت إذَا فَعَلَهُ كَانَ مَنْصُوصًا وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ انْتَهَى مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ وَغَالِبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَبَعْضُهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ.
(وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ) كَابْنِ الْحَاجِبِ (أَنْ يُسَاوِيَ) الْفَرْعُ (الْأَصْلَ فِيمَا عَلَّلَ بِهِ حُكْمَهُ) أَيْ الْأَصْلِ (مَنْ عَيَّنَ) لِلْعِلَّةِ (كَالنَّبِيذِ) أَيْ كَمُسَاوَاةِ النَّبِيذِ (لِلْخَمْرِ فِي الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ) الَّتِي هِيَ عَيْنُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ (وَهِيَ) الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ (بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةً فِي النَّبِيذِ أَوْ جِنْسٍ) لِلْعِلَّةِ (كَالْأَطْرَافِ) أَيْ كَقِيَاسِهَا (عَلَى الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ بِالْجِنَايَةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا (عَلَى الذَّاتِ) إذْ الْجِنَايَةُ جِنْسٌ لِإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ إذْ جِنَايَةُ النَّفْسِ الْقَتْلُ وَجِنَايَةُ الْأَطْرَافِ الْقَطْعُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ (وَفِيمَا يَقْصِدُ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا تُقْصَدُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ (مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ كَالْقَتْلِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدِّدِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَقِيقَةِ الْقَتْلِ الْكَائِنَةِ فِي الْفَرْعِ بِعَيْنِهَا هِيَ الْكَائِنَةُ فِي الْأَصْلِ (أَوْ جِنْسِهِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحُكْمِ (كَالْوِلَايَةِ) أَيْ كَقِيَاسِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ (عَلَى الصَّغِيرَةِ فِي إنْكَاحِهَا عَلَى) ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا فِي (مَالِهَا) فَإِنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مِنْ جِنْسِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِسَبَبِ نَفَادِ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ عَيْنُهَا لِاخْتِلَافِ التَّصَرُّفَيْنِ كَذَا قَالُوا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا مَعْنَى لِلتَّقْسِيمِ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ (أَمَّا فِي الْعِلَّةِ فَلَا نَعْنِي بِالْعَيْنِ إلَّا مَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَكَوْنُهُ) أَيْ مَا عُلِّلَ بِهِ (جِنْسًا لِشَيْءٍ لَا يُوجِبُ أَنَّ الْعِلَّةَ جِنْسُ الْوَصْفِ فَالْجِنَايَةُ عَلَى الذَّاتِ عَيْنُ مَا عُلِّلَ بِهِ) حُكْمُ الْأَصْلِ (لَا جِنْسُ مَا عُلِّلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ) أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى الذَّاتِ (جِنْسَ جِنَايَةِ الْقَتْلِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَيْسَ الْمُعْدَى قَطُّ جِنْسَ حُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ عَيْنَهُ)
أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فَالْمَالُ الْأَصْلُ وَالنَّفْسُ الْفَرْعُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فَيُعْدَى) ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ بِعَيْنِهِ (إلَى النَّفْسِ وَقَوْلُهُ) أَيْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ لِعَضُدِ الدِّينِ (وَهِيَ بِعَيْنِهَا إلَخْ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمِثْلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ كَمَا سَلَف ذِكْرُهُ وَرَدُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ فَلَعَلَّهُ (رَجَعَ إلَى الصَّوَابِ) .
(وَإِنْ لَا بِتَغَيُّرٍ فِيهِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْفَرْعِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ (حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَظِهَارِ الذِّمِّيِّ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى) ظِهَارِ (الْمُسْلِمِ فِي الْحُرْمَةِ فَإِنَّ الْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ) أَعْنِي ظِهَارَ الْمُسْلِمِ (وَهِيَ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَهُوَ (الْحُرْمَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ بِالْكَفَّارَةِ إذْ لَا عِبَادَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ مُطَهَّرَةٌ (فَالْحُرْمَةُ فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ (مُؤَبَّدَةٌ) لِعَدَمِ انْتِهَائِهَا بِالْكَفَّارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغْيِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ ظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَى ظِهَارِ الْحُرِّ فِي الصِّحَّةِ اللَّازِمَةِ الَّذِي هُوَ التَّعْبِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ
فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ كُلُّ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ كَمَا يَتَأَتَّى مِنْ الْحُرِّ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قُلْنَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ ظِهَارَ الذِّمِّيِّ إنَّمَا لَمْ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى ظِهَارِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) فَإِنَّهُ (أَهْلٌ) لِلْكَفَّارَةِ لَا أَنَّهُ (عَاجِزٌ) عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ (كَالْفَقِيرِ) أَيْ كَالْحُرِّ الْعَاجِزِ عَنْ ذَلِكَ فَكَمَا صَحَّ ظِهَارُ الْحُرِّ الْفَقِيرِ صَحَّ ظِهَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ وَأَصَابَ مَالًا كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا كَالْفَقِيرِ الْحُرِّ إذَا اسْتَغْنَى وَقَوْلُهُ (أَوْ عَلَى غَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ (فَبَطَلَ قِيَاسُ تَمْلِيكِ الطَّعَامِ عَلَى) تَمْلِيكِ (الْكِسْوَةِ) فِي وُجُوبِهِ عَيْنًا (فِي الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ (فَإِنَّهُ) أَيْ
التَّمْكِينَ مِنْ الطَّعَامِ (فِي الْفَرْعِ) وَهُوَ الطَّعَامُ (أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ) إذْ هُوَ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لَازَمَهُ طَعْمٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَجُعِلَ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ وَاجِبًا عَيْنًا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ نَصِّ الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَالسَّلَمُ الْحَالُ) أَيْ وَبَطَلَ قِيَاسُهُ (بِالْمُؤَجَّلِ) فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ اشْتَمَلَ عَلَى جَعْلِ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُتَعَلِّقَ وِلَايَتِهِ لِبَيْعِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمَّا رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي السَّلَمِ بِصِفَةِ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقَامَ الْأَجَلَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ مَقَامَهَا وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهَا وَفَوَاتُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ.
(وَإِنْ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى) فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لِلشُّرْبِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ (وَالْإِقْدَامُ) عَلَى الْإِسْلَامِ (دَلِيلُهُ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَبَاعَهُ فِي الْحَالِ بِأَوْفَرِ ثَمَنٍ وَلَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ مُتَوَفِّرَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِرْبَاح، وَكَوْنُ الْإِقْدَامِ دَلِيلَهُ ثَابِتٌ (بِدَلِيلِ النَّصِّ عَلَى الْأَجَلِ) أَيْ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (وَهُوَ) أَيْ جَعْلُ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ مِنْ) السَّلَمِ (الْحَالِّ) إذْ لَا أَجَلَ فِيهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّقْرِيرُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ لَا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ «نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ وَلَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ سِوَى السَّلَمِ الْحَالِّ فَلَوْ جَازَ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ لَبَطَلَ هَذَا النَّصُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَى تَحْتَهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يُقَالُ بَلْ تَحْتَهُ غَيْرُهُمَا كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَانِ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ صُوَرِ السَّلَمِ الْحَالِّ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى إذْ لَيْسَ الْمَعْنَى بِالسَّلَمِ إلَّا بَيْعُ غَائِبٍ بِثَمَنِ حَاضِرٍ وَالسَّلَمُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ نَظَرًا إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إعْلَامًا بِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرَ مَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ بَاطِلًا بِاعْتِبَارَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَدْ يُورَدُ فِي كُلٍّ مِنْ أَمْثِلَةٍ اعْتِبَارٌ مِنْ تِلْكَ الِاعْتِبَارَاتِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ إلَخْ إنَّمَا هُوَ (بِالذَّاتِ شَرْطُ التَّعْلِيلِ لَا) شَرْطُ (حُكْمِ الْفَرْعِ وَيَسْتَلْزِمُ) انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ لِلتَّعْلِيلِ (التَّغَيُّرَ فِي الْفَرْعِ) فَإِنْ قِيلَ جَوَّزْتُمْ دَفَعَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ وَصَرَفَ الزَّكَاةَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْكُلِّ بِعِلَّةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحَاجَةُ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ عَيْنِ الشَّاةِ وَالنَّصُّ الدَّالُ عَلَى كَوْنِ الزَّكَاةِ حَقًّا لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ قُلْنَا كَوْنُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُغَيِّرًا لِحُكْمَيْ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ بِدَفْعِ الْقِيَمِ) .
وَكَذَا تَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِصِنْفٍ فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ وَأَوْرَدَ ثَبْتَ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِتَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ» وَقَدْ جَوَّزْتُمْ إزَالَتَهَا عَنْ الثَّوْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ مُزِيلٍ سِوَى الْمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ قَالِعًا مُزِيلًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَأُجِيبُ بِأَنْ لَيْسَ فِي تَجْوِيزِ إزَالَتِهَا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
بِقَوْلِهِ (وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ) أَيْ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ) لِلشَّارِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الثَّوْبِ بِهِ (الْإِزَالَةُ) لِلنَّجَاسَةِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) لِلْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَإِنْ نَصَّ) الشَّارِعُ (عَلَى الْمَاءِ فِي قَوْلِهِ وَاغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ (لِلِاكْتِفَاءِ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ (بِقَطْعِ مَحِلِّهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ فِي إسْقَاطِ هَذَا الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا لَعَيَّنَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ (فَيَتَعَدَّى) هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّاهِرِ (إلَى كُلِّ مُزِيلٍ) قَالِعٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْيُسْرِ لِسُهُولَتِهِ وَكَثْرَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إزَالَةُ الْحَدَثِ أَيْضًا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْمَاءِ لَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَالْجَوَابُ لَا لِكَوْنِ إزَالَتِهِ الْخَبَثَ بِالْمَاءِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى (بِخِلَافِ) إزَالَةِ (الْحَدَثِ) بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى إذْ (لَيْسَ) الْحَدَثُ (أَمْرًا مُحَقَّقًا) عَلَى الْأَعْضَاءِ (يُزَالُ) بِالْمَاءِ (بَلْ) هُوَ (اعْتِبَارٌ) شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ثُمَّ (وُضِعَ الْمَاءُ لِقَطْعِهِ) بِأَنَّ تَعَبُّدَهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْأَجْرَامَ الْحِسِّيَّةَ لَا الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ (فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا عُلِمَ قَطْعُ الشَّارِعِ اعْتِبَارَهُ) أَيْ الْحَدَثِ (عِنْدَهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا يُقَالُ لَا يُقَاسُ الْمَائِعُ الطَّاهِرُ الْقَالِعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَتَخْلُفُ النَّجَاسَةُ الْبِلَّةَ النَّجِسَةَ.
وَكَذَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ هَذَا لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذْ سَقَطَ التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ سَقَطَ) التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ الْقَالِعَةِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّطْهِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهَا وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ (وَمَا يُقَالُ) سَقَطَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ (فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ إنْ أُرِيدَ ضَرُورَةُ الْإِزَالَةِ فَكَذَا) سَقَطَ مُقْتَضَاهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاءِ ضَرُورَةَ الْإِزَالَةِ (أَوْ) أُرِيدَ (أَنَّهُ لَا يُزِيلُ سِوَاهُ) أَيْ الْمَاءِ حِسًّا (فَلَيْسَ) هَذَا الْمُرَادُ (وَاقِعًا) كَمَا يَقْطَعُ بِهِ الْوِجْدَانُ (أَوْ) أُرِيدَ أَنَّهُ (لَا يُزِيلُ) غَيْرُ الْمَاءِ (شَرْعًا فَمَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ) حُكْمُ الْفَرْعِ بِالشَّرْعِيَّةِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا (كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ) فِيهِ (عَلَى التَّيَمُّمِ) بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالشَّرْعِيَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّيَمُّمِ إذْ شَرْعِيَّةُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَهَا فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ (لِثُبُوتِهِ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ حِينَئِذٍ (قَبْلَ عِلَّتِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِلَّةِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْقِيَاسِ قَبْلَهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ثَابِتًا بِدُونِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ ثَابِتًا بِدُونِهِ وَهُوَ مُحَالٌ اللَّهُمَّ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (إلْزَامًا بِمَعْنَى لَا فَارِقَ) بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَقَدْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ فَكَذَا فِي الْوُضُوءِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي انْتِفَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا (وَأَبْدَلَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ هَذَا) الشَّرْطَ (بِأَنْ يَكُونَ) الْفَرْعُ (نَظِيرَهُ) أَيْ مِثْلَ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يُوجَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ لَا فِي كُلِّ وَصْفٍ.
وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْعُ مِثْلًا لَهُ فِي الْعِلَّةِ لَمَّا صَحَّ تَسْوِيَتُهُ مَعَ الْأَصْلِ فِيهِ (وَلَيْسَ الْوُضُوءُ نَظِيرَهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوُضُوءَ (مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ أَيْ مُنَظِّفٌ) وَفَسَّرَهُ بِهِ لِيَتَّضِحَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ الْمَعْنَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ مِنْ الْأَخْبَاثِ وَالْأَوْسَاخِ (وَالتَّيَمُّمُ مُلَوِّثٌ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ قَصْدُ أَدَائِهَا (النِّيَّةُ) الْوَاجِبَةُ فِيهِ (فَلَا يَلْزَمُ فِيمَا هُوَ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ مُنَظِّفٌ قَصْرُ طَهَارَتِهِ شَرْعًا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ) أَيْ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تُسْتَبَاحَ بِهِ إلَّا مَعَهَا (وَحَاصِلُهُ)
أَيْ مَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ (فَرْقٌ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ (مِنْ جِهَةِ الْآلَةِ الَّتِي يُقَامُ بِهَا الْفِعْلَانِ) الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَهِيَ فِي الْوُضُوءِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الطَّهُورُ وَفِي التَّيَمُّمِ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ (وَتَجُوزُ بِالْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ) وَبِالتَّيَمُّمِ فِي الصَّعِيدِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ أَثَرِهِ (كَمَا يُفِيدُهُ) أَيْ كَوْنُهُ قِيَاسًا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ (التَّعْلِيلُ) أَيْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِمْ الْمَاءُ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ وَالتُّرَابُ مُغَبِّرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّعْدِيَةَ) هُنَا (لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِثُبُوتِ التَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ) ثُمَّ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ إيضَاحًا لَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ رَفْعُ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْقَائِمَةِ بِالْأَعْضَاءِ (لَا) أَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا (لِوَصْفٍ طَبِيعِيٍّ) لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ (وَالْمَاءُ كَالتُّرَابِ فِي ذَلِكَ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَقَدْ شَرَطَ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (النِّيَّةَ) فِي التُّرَابِ (فَكَذَا الْمَاءُ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَاءِ (لَهُ وَصْفٌ اُخْتُصَّ بِهِ طَبِيعِيٌّ هُوَ إزَالَةُ الْقَذِرِ وَالتَّنْظِيفُ لَا دَخْلَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْوَصْفِ (فِي الْحُكْمِ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَلَا الْجَامِعُ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَهُمْ عِنْدَ قَصْدِ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا الَّتِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَقَالَ (وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ قَصْدِ) أَدَاءِ (الصَّلَاةِ تَجَوُّزٌ) بِالصَّلَاةِ (عَنْ قُرْبَةِ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا) أَيْ مَشْرُوعَةٍ ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ (لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ) فَدَخَلَ التَّيَمُّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالتَّيَمُّمُ لِلْإِسْلَامِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَالشَّأْنُ فِي الْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِهَذَا التَّجَوُّزِ (وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ الْمُفْضِي إلَى الْمِثْلِيَّةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ كُلًّا مِنْهُمَا رَافِعًا لِلْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (يَمْنَعُ الْمِثْلِيَّةَ فِيهِ) أَيْ فِي رَفْعِهَا (بَلْ جُعِلَ) الْمَاءُ (مُزِيلًا بِنَفْسِهِ) أَيْ بِطَبْعِهِ (شَرْعًا) لِلْمَانِعِيَّةِ (كَالْخَبَثِ) أَيْ كَإِزَالَتِهِ الْحِسِّيَّةِ لِلْخَبَثِ عَمَلًا (بِإِطْلَاقِ {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رَافِعًا لِتِلْكَ الْمَانِعِيَّةِ شَرْعًا إلَّا بِالْقَصْدِ إذْ طَبْعُهُ مُلَوَّثُ وَمُغَبَّرُ فَلَا مِثْلِيَّةَ (وَإِذَنْ يَبْطُلُ لَا فَارِقَ) بَيْنَهُمَا هَذَا وَإِطْلَاقُ مَنْعُ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ الْمَذْكُورُ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحُكْمِ الْفَرْعِ دَلِيلٌ سِوَى الْقِيَاسِ لِمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَلِيلٌ سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ قَبْلَ حُكْمِ الْأَصْلِ يَكُونُ ثَابِتًا بِذَلِكَ الدَّلِيلِ وَبَعْدَهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِهِ وَبِالْقِيَاسِ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَوَارَدَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ الْمُعْجِزَةِ الْمُقَارِنَةِ لِابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَيْسَ الْفَرْعُ حِينَئِذٍ فَرْعًا لِلْأَصْلِ الَّذِي فِيهِ يَتَكَلَّمُ وَغَايَةُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفَرُّعُهُ عَنْ أَصْلٍ مُتَأَخِّرٍ وَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَلِيلٌ آخَرُ يُثْبِتُ حُكْمَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ (وَأَنْ لَا يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (مُوَافِقًا) لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا أَيْضًا عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَبِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيّ (إذْ لَا حَاجَةَ) حِينَئِذٍ لِلْقِيَاسِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ وُجُودَهُ) أَيْ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ (لَا يُنَافِي صِحَّتَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ.
(وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ (لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطَ (مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ) بَلْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْقِيَاسُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ فِي الْفَرْعِ قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَأْكِيدَ النَّصِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ حُكْمُ النَّصِّ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ وَلَا مَانِعَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَأَكُّدِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ الشَّرْعَ بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ مَلَأ السَّلَفُ كُتُبَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٌ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ نَكِيرٌ فَكَانَ
إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِهِ (وَكَثِيرٌ) بَلْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ جَوَازَهُ سَوَاءً لَمْ يُثْبِتْ زِيَادَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَثْبَتَ لِاحْتِمَالِ النَّصِّ زِيَادَةَ الْبَيَانِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَحْصِيلِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِيرُ بَعْضُهُ وَالنَّسْخُ بِالرَّأْيِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَنُصُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلنَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَالْمُسَاوِي فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (لِعِلَّةِ الْأَصْلِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَارِضُ بِزِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَاشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ مَا بِهِ الْمُعَارَضَةُ قَوْلُهُ (بِثُبُوتِ وَصْفٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (إلْحَاقًا بِأَصْلٍ آخَرَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ (ثَبَتَ حُكْمُ الْمَرْجُوحِ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ) فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْقِيَاسِ إلَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (أَوْ) ثَبَتَ (التَّحَكُّمُ) فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَارِضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مَرْجُوحٌ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَيُفِيدُ الْقِيَاسُ.
وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا عِلَّةً لِأَنَّ وُجُودَهُ) أَيْ الْمُعَارِضِ (لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ إذْ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَزُولُ بِالْمُعَارَضَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ مُقْتَضَاهَا كَالشَّهَادَةِ إذَا عُورِضَتْ بِشَهَادَةٍ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تُبْطِلُ الْأُخْرَى حَتَّى إذَا تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْأُخْرَى.
(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْفَرْعِ (لِأَبِي هَاشِمٍ كَوْنُ حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (ثَابِتًا بِالنَّصِّ جُمْلَةً وَالْقِيَاسُ لِتَفْصِيلِهِ كَثُبُوتِ حَدِّ الْخَمْرِ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُفِيدُهُ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (فَيَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ) ثَمَانِينَ (بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْأَلَةٍ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ (وَرُدَّ) اشْتِرَاطُ هَذَا (بِأَنَّهُمْ قَاسُوا) قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ تَارَةً عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَتَارَةً عَلَى الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْيَمِينِ فَإِيلَاءٌ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (وَلَا نَصَّ فِي الْفَرْعِ أَصْلًا) لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِسِينَ الْأَئِمَّةُ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَالثَّانِي أَبْلَغُ لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْقِيَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْهُ نَعَمْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَفْظُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْحَرَامُ ثَلَاثٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفِي هَذَا مَا تَرَى مِنْ تَعَارُضٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَلَعَلَّ عَنْ كُلٍّ قَوْلَيْنِ وَسَاقَ فِيهِمَا أَقْوَالًا أُخَرَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ قُلْت وَابْنُ أَبِي شَيْبَةٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ