المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة لا يرجع المقلد فيما قلد المجتهد] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[مسألة لا يرجع المقلد فيما قلد المجتهد]

الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ بِقَوْلِهِ أَكْثَرَ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْوَرَعِ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَوْرَعِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ التَّسَاوِيَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُرَجَّحًا فَيَتَخَيَّرُ وَلَوْ تَسَاوَيَا عِلْمًا وَوَرَعًا فَفِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ قُدِّمَ الْأَسَنُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ بِطُولِ الْمُمَارَسَةِ اهـ. قُلْت وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ التَّقْدِيمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ التَّخْيِيرَ فِي اسْتِوَائِهِمْ، وَفِي الْمَحْصُولِ، وَإِنْ ظَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُطْلَقًا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِتَعَارُضِ أَمَارَتَيْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِهِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

(مَسْأَلَةٌ: لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ) الْمُجْتَهِدَ (فِيهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا) ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَا فَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ. لَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُكَلَّفٍ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ حَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْ أَمَارَةٍ إلَى أَمَارَةٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: التَّقْلِيدُ بَعْدَ الْعَمَلِ إنْ كَانَ مِنْ الْوُجُوبِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِيَتْرُكَ كَالْحَنَفِيِّ يُقَلِّدُ فِي الْوِتْرِ أَوْ مِنْ الْحَظْرِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِيَتْرُكَ كَالشَّافِعِيِّ يُقَلِّدُ فِي أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ، وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ لَا يُنَافِي الْإِبَاحَةَ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ خَارِجٌ عَنْ الْعَمَلِ، وَحَاصِلٌ قَبْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ يُقَلِّدُ فِي الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ، فَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ أَبْعَدُ وَلَيْسَ فِي الْعَامِّيِّ إلَّا هَذِهِ الْأَقْسَامُ نَعَمْ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ إذَا أَفْتَى بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْضُ تَشَهِّي كَذَا اهـ. قُلْت: وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ سَاقِطٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَمَا يُفْصِحُ بِهِ لَفْظُ الْآمِدِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا عَلَى أَنَّ الِالْتِزَامَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَتَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ: ثُمَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخَصَّصًا بِحَالَةِ الْوَرَعِ وَالِاحْتِيَاطِ إذْ لَا يُمْنَعُ فَقِيهٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.

قُلْت: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا فِي الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَاحْتِيجَ إلَى الْعَمَلِ: يَجِبُ التَّحَرِّي فِيهِمَا فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَهُ بِالْآخَرِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خَطَأُ الْأَوَّلِ وَصَوَابُ الْآخَرِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِالثَّانِي أَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ بِهِ وَصَحَّ الْعَمَلُ حُكِمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ ظَاهِرٌ أَوْ بِبُطْلَانِ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مَعَهُ ظَاهِرًا مِمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ سِوَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْعَمَلِ بِالْآخَرِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إذَا تَعَارَضَ قَوْلَا مُجْتَهِدَيْنِ يَجِبُ التَّحَرِّي فِيهِمَا فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِذَا عَمِلَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ إلَّا إذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَعَارُضَ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقَلِّدِ كَتَعَارُضِ الْأَقْيِسَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَسَتَسْمَعُ عَنْهُمْ أَيْضًا مَا يَشُدُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَهَلْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَنْ قَلَّدَهُ أَوَّلًا فِي شَيْءٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ؟ . كَأَنْ يَعْمَلَ أَوَّلًا فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَانِيًا فِي أُخْرَى بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ (الْمُخْتَارُ) كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (نَعَمْ لِلْقَطْعِ) بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الْمُسْتَفْتِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا (كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا) وَشَاعَ وَتَكَرَّرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا. (فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الشَّافِعِيِّ) فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ (فَقِيلَ يَلْزَمُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ يَصِيرُ مُلْزَمًا بِهِ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ. (وَقِيلَ لَا) يَلْزَمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ إذْ لَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ الْأُمَّةِ فَيُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْتِي وَيَذَرَ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا مُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ فَلَا يَحْكُمُ وَلَا

ص: 350

يُفْتِي إلَّا بِقَوْلِهِ اهـ.

وَقَدْ انْطَوَتْ الْقُرُونُ الْفَاضِلَةُ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ لِلْعَامِّيِّ مَذْهَبٌ وَلَوْ تَمَذْهَبَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٌ وَبَصَرٌ بِالْمَذَاهِبِ عَلَى حَسَبِهِ أَوْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي فُرُوعِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَعَرَفَ فَتَاوَى إمَامِهِ وَأَقْوَالَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ بَلْ قَالَ أَنَا حَنَفِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا فَقِيهٌ أَوْ نَحْوِيٌّ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَائِلَهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِذَلِكَ الْإِمَامِ سَالِكٌ طَرِيقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَأَمَّا مَعَ جَهْلِهِ وَبُعْدِهِ جِدًّا عَنْ سِيرَةِ الْإِمَامِ وَعِلْمِهِ بِطَرِيقِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لَهُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِ إلَّا بِالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ وَالْقَوْلِ الْفَارِغِ مِنْ الْمَعْنَى كَذَا ذَكَرَهُ فَاضِلٌ مُتَأَخِّرٌ قُلْت وَلَوْ شَاحَحَهُ مُشَاحِحٌ فِي أَنَّ قَائِلَ أَنَا حَنَفِيٌّ مَثَلًا لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ هَذَا الْمَذْكُورِ بَلْ مُتَّبِعُهُ فِي الْمُوَافَقَةِ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا فَسَيَظْهَرُ جَوَابُهُ مِمَّا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ: وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْهُورِ كُتُبِهِمْ جَوَازُ الِانْتِقَالِ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ وَالْعَمَلِ فِيهَا بِخِلَافِ مَذْهَبِ إمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُ مَذْهَبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّتَبُّعِ لِلرُّخَصِ وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالْأَعْمَى الَّذِي اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوَانِي مَاءٍ وَثِيَابٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا إذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهَا بَلْ يُقَلِّدُ بَصِيرًا يَجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي الْأَوَانِي وَاحِدًا وَفِي الثِّيَابِ آخَرَ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ (وَقِيلَ كَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ إنْ عَمِلَ بِحُكْمٍ تَقْلِيدًا) لِمُجْتَهِدٍ (لَا يَرْجِعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ (لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْأَعْدَلُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ اتِّبَاعُهُ فِيمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ (شَرْعًا) بَلْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَتَقْلِيدَهُ فِيهِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحِينَئِذٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَمَلُهُ بِهِ وَالْتِزَامُهُ لَمْ يَثْبُت مِنْ السَّمْعِ اعْتِبَارُهُ مُلْزِمًا كَمَنْ الْتَزَمَ كَذَا لِفُلَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّذْرِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي النَّذْرِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَعَزْمِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ مَثَلًا قَلَّدْت فُلَانًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ تَعْلِيقُ التَّقْلِيدِ أَوْ الْوَعْدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ (وَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ كَمِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ (جَوَازُ اتِّبَاعِهِ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ) أَيْ أَخْذِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ (وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ إذْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْلُكَ الْأَخَفَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِآخِرِ فِيهِ) .

وَقَالَ أَيْضًا: وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخْصِ، وَإِلَّا أَخَذَ الْعَامِّيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَوْلُهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتَّبِعُ مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ مُسَوَّغٌ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَا عَلِمْت مِنْ الشَّرْعِ ذَمُّهُ عَلَيْهِ (وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مَا خُفِّفَ عَلَيْهِمْ) كَمَا قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظٍ عَنْهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ أَيْ أُمَّتِهِ، وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ قُلْت لَكِنْ مَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ إجْمَاعًا إنْ صَحَّ احْتَاجَ إلَى جَوَابٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ إذْ فِي تَفْسِيقِ الْمُتَتَبِّعِ لِلرُّخَصِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَحَمَلَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الرِّوَايَةَ الْمُفَسِّقَةَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَذَكَر بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنْ قَوِيَ دَلِيلٌ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْسُقُ، وَفِي رَوْضَةِ النَّوَوِيِّ وَأَصْلُهَا عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِهِ ثُمَّ لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا يَجْتَمِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْ بِمَجْمُوعِهِ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَيَّدَهُ) أَيْ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ (مُتَأَخِّرٌ) وَهُوَ الْعَلَّامَةُ الْقَرَافِيُّ (بِأَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ) أَيْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ (مَا يَمْنَعَانِهِ) أَيْ يَجْتَمِعُ عَلَى بُطْلَانِهِ كِلَاهُمَا (فَمَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ فِي عَدَمِ) فَرْضِيَّةِ (الدَّلْكِ) لِلْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (وَمَالِكًا فِي عَدَمِ نَقْضِ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ) لِلْوُضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَلَمَسَ بِلَا شَهْوَةٍ (وَصَلَّى إنْ كَانَ الْوُضُوءُ بِدَلْكٍ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ

ص: 351

(وَإِلَّا) إنْ كَانَ بِلَا دَلْكٍ (بَطَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ وَالِانْتِقَالُ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى صُورَةٍ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ وَأَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ الْفَضْلَ بِوُصُولِ أَخْبَارِهِ إلَيْهِ وَلَا يُقَلِّدُ أُمِّيًّا فِي عَمَايَةٍ وَأَلَّا يَتَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ، وَتَعَقَّبَ الْقَرَافِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالرُّخَصِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ مَا لَا نُقِرُّهُ مَعَ تَأَكُّدِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِالرُّخَصِ مَا فِيهِ سُهُولَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَيْفَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي الْمِيَاهِ وَالْأَرْوَاثِ وَتَرْكِ الْأَلْفَاظِ فِي الْعُقُودِ مُخَالِفًا لِتَقْوَى اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَتَعَقُّبُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِضَائِرٍ فَإِنَّ مَالِكًا مَثَلًا لَمْ يَقُلْ إنَّ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ فِي عَدَمِ الصَّدَاقِ أَنَّ نِكَاحَهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَنْكِحَةُ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَهُ بَاطِلَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ إنَّ مِنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي عَدَمِ الشُّهُودِ أَنَّ نِكَاحَهُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَنْكِحَةُ الْمَالِكِيَّةِ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَهُ بَاطِلَةٌ.

قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ نَظَرٌ غَيْرُ خَافٍ وَوَافَقَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الرُّويَانِيَّ عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي صُورَةٍ يَقَعُ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَأَبْدَلَ الشَّرْطَ الثَّالِثَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَا قَلَّدَ فِيهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ لَوْ وَقَعَ وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَا وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمَأْخَذَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمُ اعْتِقَادِهِ لِكَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ مُتَسَاهِلًا فِيهِ وَدَلِيلُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ فَفِعْلُهُ إثْمٌ اهـ.

قُلْت: أَمَّا عَدَمُ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ مُتَسَاهِلًا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا أَنَّ الْحَدِيثَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بِلَفْظِ «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبِلَفْظِ «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُشِيرًا إلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِثْمَ مَا أَثَّرَ فِي الصَّدْرِ حَرَجًا وَضِيقًا وَقَلَقًا وَاضْطِرَابًا فَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَنْكَرٌ بِحَيْثُ يُنْكِرُونَهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ وَهَذَا أَعْلَى مَرَاتِبِ مَعْرِفَةِ الْإِثْمِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مَا اسْتَنْكَرَهُ النَّاسُ فَاعِلُهُ وَغَيْرُ فَاعِلِهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَمُشِيرًا إلَيْهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي يَعْنِي مَا حَاكَ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ إثْمٌ، وَإِنْ أَفْتَاهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِثْمٍ فَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُسْتَنْكَرًا عِنْدَ فَاعِلِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ جَعَلَهُ أَيْضًا إثْمًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ مِمَّنْ شُرِحَ صَدْرُهُ بِالْإِيمَانِ وَكَانَ الْمُفْتِي لَهُ يُفْتِي بِمُجَرَّدِ ظَنٍّ أَوْ مَيْلٍ إلَى هَوًى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.

فَأَمَّا مَا كَانَ مَعَ الْمُفْتَى بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْتَفْتِي الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ صَدْرُهُ وَهَذَا كَالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُ كَثِيرٍ مِنْ الْجُهَّالِ فَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْيَانَا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِمَا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُ بَعْضِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ فِعْلِهِ فَيَغْضَبُ مِنْ ذَلِكَ» كَمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ فَكَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ مِنْهُمْ وَكَمَا أَمَرَهُمْ بِنَحْرِ هَدْيِهِمْ وَالتَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَرِهُوهُ وَكَرِهُوا مُقَاضَاتَهُ لِقُرَيْشٍ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَامِهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ يَرُدُّهُ إلَيْهِمْ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَقَّى ذَلِكَ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَالرِّضَا فَإِنَّ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ الرِّضَا وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا عَمَّنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ فَإِذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ

ص: 352