المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تنبيه قسم المصححون لتخصيص العلة مع المانع إلى خمسة] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[تنبيه قسم المصححون لتخصيص العلة مع المانع إلى خمسة]

أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ نَصٌّ فِيهِ وَادَّعَى قَوْمٌ مِنْ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْقَاضِي خَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّجَرِيِّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِمَسَائِلَ.

وَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَعَدَّهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ تَخْصِيصُ أَحْكَامِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَبَاهُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ وَالشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ أَخَذْنَاهُ عَمَّنْ شَاهَدْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ كَانُوا أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ يَعْزُونَهُ إلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَيَحْكُونَ عَنْ شُيُوخِهِمْ الَّذِينَ شَاهَدُوهُمْ وَمَسَائِلُ أَصْحَابِنَا وَمَا عَرَفْنَا مِنْ مَقَالَتِهِمْ فِيهَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَشُيُوخِنَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ إلَّا بَعْضَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ فِي عَصْرِنَا مِنْ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَلَهُ مَنَاكِيرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِمْ انْتَهَى وَفِي التَّحْقِيقِ ثُمَّ مَنْ أَجَازَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ مِنْ مَشَايِخِنَا زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِالِاسْتِحْسَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ وَالِاسْتِحْسَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ امْتَنَعَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِمَانِعٍ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَنَسَبَهُ فِي الْكَشْفِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالُوا هُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بَلْ الْحُكْمُ إنَّمَا انْعَدَمَ فِيهِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا عَارِضَهُ اسْتِحْسَانٌ لَمْ يَبْقَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِأَنَّ دَلِيلَ الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ نَصًّا فَلَا اعْتِبَارَ لِعِلَّةِ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ عَدَمُ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِثْلُ النَّصِّ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْعِلَّةِ وَالضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ مَعْدُومٌ حُكْمًا.

وَكَذَا إنْ كَانَ ضَرُورَةً لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ بِسَبَبِ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعٍ مَعَ قِيَامِهَا وَقَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَالْحَقُّ عِنْدِي هُوَ التَّفْضِيلُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْفَسَادُ وَالتَّنَاقُضُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ التَّخْصِيصُ بَاطِلٌ وَقَوْلِهِمْ شَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْفَ يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَرُخِّصَ فِي السَّلَمِ مَعْنًى لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ لَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحْذُورَاتِ أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا كَانَ يَتَرَاءَى عِلَّةً لَمْ يَكُنْ عِلَّةً حَقِيقَةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ بَلْ الْعِلَّةُ كَانَتْ غَيْرَهُ لِمَا قُلْنَا فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ظَهَرَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَيْسَتْ عِلَّةً لِنَجَاسَةِ سُؤْرَ سِبَاعِ الْوَحْشِ مِنْ الْبَهَائِمِ بَلْ الرُّطُوبَةَ النَّجِسَةَ فِي الْآلَةِ الَّتِي تُشْرَبُ بِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَمْ يَتَنَجَّسُ سُؤْرُهَا لِعَدَمِ عِلَّةٍ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ إنَّ الْمُسْتَحْسَنَ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ انْتَهَى.

[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

(تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ) لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (مَعَ الْمَانِعِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَوَانِعَ إلَى خَمْسَةٍ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَبَيْعِ الْحُرِّ) إذْ الْبَيْعُ عِلَّةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَكِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِذَلِكَ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهَا فِيهِ (انْتِفَاءُ مَحَلِّهَا) وَهُوَ الْمَالُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِالتَّرَاضِي وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ (وَلَا عِلَّةَ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ) فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْأَوَّلُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (تَمَامَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ (كَبَيْعِ عَبْدِ الْغَيْرِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ عِلَّةٌ (تَامَّةٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ) حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِهِ (لَا) فِي حَقِّ (الْمَالِكِ) لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا

ص: 177

يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ نَعَمْ أَصْلُ الِانْعِقَادِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِ (فَجَازَ بِإِجَازَتِهِ وَبَطَلَ بِإِبْطَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي (وَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ) فِي الْمَبِيعِ (لِلْمُشْتَرِي) وَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّالِثُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (تَمَامَهُ) أَيْ الْحُكْمِ لَا أَصْلِهِ (كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْنَعُهُ) أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ (لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ مَعَهُ) أَيْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (وَيَتَمَكَّنُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ وَ) لَا (رِضَاءٍ) فَكَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لِعَدَمِ التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الرَّابِعُ (وَ) مَا يَمْنَعُ (لُزُومَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَثْبُتُ) الْحُكْمُ (مَعَهُ تَامًّا) حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ (وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا بِتَرَاضٍ أَوْ قَضَاءٍ) .

وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْخَامِسُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ صَدَرَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنْ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بَاتًّا لِتَمَامِ الرِّضَا لِوُجُودِ الرُّؤْيَةِ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مُطْلَقًا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْمُدَّعَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدُونِ الرِّضَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ مُطْلَقًا ثُمَّ كَوْنُ الْمَوَانِعِ خَمْسَةً هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُوَافِقِيهِمَا قَالُوا وَالْحَصْرُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهَا وَلِلْأَوَّلِ مَانِعَانِ وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّامِيَ إذَا قَصَدَ الرَّمْيَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصْدِرَ السَّهْمَ مِنْ قَوْسِهِ رَمْيًا أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَرْمَى أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَالْمَقْصِدِ حَائِلٌ فَالْحَائِلُ مَانِعٌ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَمَّ عِلَّةٌ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي الْعِلَلِ بَلْ فِي الْمَوَانِعِ ثُمَّ إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْمَرْمَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الَّذِي مَنَعَ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بِدَفْعِهِ بِقَوْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَزُولَ الْجُرْحُ بِالِانْدِمَالِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي مَنَعَ تَمَامَ الْحُكْمِ وَالثَّانِي هُوَ الثَّالِثُ الَّذِي يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَهَذِهِ قِسْمَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَتُفِيدُ الْجَزْمَ وَلَا مَحَالَةَ.

وَالْمَذْكُورُ فِي تَقْوِيمِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْعِقَادِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّمَامِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ وَوَافَقَهُ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي عَلَى هَذَا فَقَالَ وَلَوْ جَعَلَ أَقْسَامَ الْمَوَانِعِ أَرْبَعَةً وَجَعَلَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ مِمَّا يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ لَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ فِيهِمَا كَمَا جَعَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ لَكَانَ أَوْجَهَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (فَرْعًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ) أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ الصَّائِمُ (النَّائِمُ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فَسَدَ) صَوْمُهُ (عِنْدَهُمْ لِفَوَاتِ رُكْنِهِ) أَيْ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ (فَهُوَ) أَيْ فَوَاتُ رُكْنِهِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ (عِلَّةُ الْفَسَادِ) لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ فِيهِ الْفَسَادُ وَقَدْ (تَخَلَّفَ) الْفَسَادُ (عَنْهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَوْمِ الشَّارِبِ (النَّاسِي) لِصَوْمِهِ لِأَنَّ بِشُرْبِهِ نَاسِيًا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ (فَالْمُجِيزُ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ (لِمَانِعٍ هُوَ الْحَدِيثُ) وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا فِي شَرْطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ مِنْ سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك» (مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ) وَهُوَ فَوْتُ

ص: 178

الرُّكْنِ.

(وَالْمَانِعُ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِيهِ (حُكْمًا لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِي نُسِبَ إلَى مُسْتَحِقِّ الصَّوْمِ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» فَكَانَ أَكْلُهُ كَلَا أَكْلٍ فَبَقِيَ الرُّكْنُ حُكْمًا وَ) الصَّائِمُ النَّائِمُ (الْمَصْبُوبُ فِي فِيهِ) الْمَاءُ (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الصَّائِمِ النَّاسِي (إذْ لَيْسَ) فِعْلُهُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّكْنِ (مُضَافًا إلَى الْمُسْتَحِقِّ) لِلصَّوْمِ (فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (نَائِمًا) مَاءُ (مَطَرٍ) لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ (كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ شُرْبِ النَّاسِي لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِ الْمُسْتَيْقِظِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا نَعَمْ آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذِهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ فَيَنْقَدِحُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِيمَا نَحْنُ فِيهَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَامَ مَسْتُورًا بِمَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْتَوْضِحِ بِهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا فِي فَلَاةٍ وَلَا خَيْمَةَ وَلَا سَقْفَ أَوْ ثَمَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ الْمَاضِينَ ثُمَّ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ لَا يَفْسُدُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِشَيْءٍ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ إثَارَةُ الْغُبَارِ مِنْ تَعَاطِيهِ أَوْ بِدُنُوِّهِ.

فَإِنْ تَمَّ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِ مَعَ هَذَا تَمَّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ النَّائِمِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ مَاءُ مَطَرٍ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ انْتَهَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْضَ الْمَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ عَنْهُ بُدٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ) أَيْ مَا يُسَمَّى عِلَّةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَإِنَّ عَدَمَ الرُّكْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ (فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَانِعِ) مِنْ فَسَادِ صَوْمِ النَّاسِي (الْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ) وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِ الشَّارِبِ نَائِمًا بِالشَّارِبِ نَاسِيًا فَإِنَّ فِي الْمُنْتَقَى يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِبَارَةِ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّخَلُّفِ الْحُكْمُ مَعْدُومٌ بِلَا شُبْهَةٍ إلَّا أَنَّ الْعَدَمَ مُضَافٌ إلَى الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَلَا وَنُسِبَ إلَى السَّهْوِ وَفِي هَذَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْكَلَامُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَثَانِيًا الْخِلَافُ فِي انْقِطَاعِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّ النَّقْضَ مِنْ عَظَائِمِ أَبْوَابِ الْجَدَلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ انْقِطَاعُ الْخَصْمِ فَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ يَقُولُونَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت الْعِلِّيَّةَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّخَلُّفُ أَوْ هَذِهِ مِنْ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَلْزَمُنِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ هَذَا مِنْك فَإِنَّ كَلَامَك مُطْلَقٌ وَأَنْتَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاحْتِرَازِ فَلِمَ لَا احْتَرَزْت.

وَثَالِثًا الْخِلَافُ فِي انْخِرَامِ الْمُنَاسِبَةِ بِمُفْسِدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَيَحْصُلُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِينَ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِينَ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (وَأَمَّا نَقْضُ الْحِكْمَةِ فَقَطْ بِأَنْ تُوجَدَ الْحِكْمَةُ دُونَ الْعِلَّةِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ (فِي مَحَلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ وَيُسَمَّى كَسْرًا بِاصْطِلَاحٍ فَشُرِطَ عَدَمُهُ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَعَزَاهُ إلَى الْأَكْثَرِينَ (نَفْيُهُ) أَيْ شَرْطِ عَدَمِهِ (فَلَوْ قَالَ) قَائِلٌ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هِيَ السَّفَرُ (لَا تَصِحُّ عِلِّيَّة السَّفَرِ) لِلتَّرَخُّصِ الْمَذْكُورِ (لِانْتِقَاضِ حِكْمَتِهَا الْمَشَقَّةِ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ) كَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَضَرْبِ الْمَعَاوِلِ وَمَا يُوجِبُ قُرْبَ النَّارِ فِي ظَهِيرَةِ الْقَيْظِ فِي الْقُطْرِ الْحَارِّ (فِي الْحَضَرِ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ الشَّاقَّةُ بِدُونِ عِلَّتِهَا الَّتِي هِيَ السَّفَرُ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ وَهُوَ رُخْصَةُ الْقَصْرِ (لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكْمَةَ

ص: 179

(غَيْرُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ هِيَ (الْمَقْصُودَةُ) مِنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَسَرَ ضَبْطُهَا لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كُلُّ قَدْرٍ مِنْهَا يُوجِبُ التَّرَخُّصَ وَتَعْيِينُ الْقَدْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ ضُبِطَتْ بِالْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ السَّفَرُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ (فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَفَاعِلُ يَبْطُلُ (مَا لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا لَهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ عِلِّيَّةُ السَّفَرِ (إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُطْلَقُهَا) أَيْ الْمَشَقَّةُ.

(وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ مُطْلَقِهَا (مُنْتَفٍ بِالصَّنْعَةِ) الشَّاقَّةِ لِأَنَّ غَيْرَ السَّفَرِ مِنْ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ مَعْلُومٌ فِيهَا انْتِفَاءُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ (فَالْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ مُسَاوَاتُهَا) الْعِلَّةَ (الْمَنْقُوضَةَ) وَهِيَ مَشَقَّةُ الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ (وَلَوْ فُرِضَ الْعِلْمُ بِرُجْحَانِ الْمَنْقُوضَةِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ) آخَرَ هُوَ (أَلْيَقُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْبُطْلَانُ فِي صُورَةٍ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعِلِّيَّةِ وَصَلَاحِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مَقِيسًا عَلَيْهِ (كَالْقَطْعِ بِالْقَطْعِ) أَيْ كَقَطْعِ الْيَدِ بِقَطْعِ الْيَدِ شُرِعَ (لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ) لِلْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (تَخَلَّفَ) الْقَطْعُ (فِي الْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَزْيَدُ مِمَّا لَوْ قُطِعَ (لِشَرْعِ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (وَهُوَ) أَيْ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ مِنْ الْقَطْعِ (الْقَتْلُ) إذْ الْقَتْلُ أَكْثَرُ عُدْوَانًا مِنْ الْقَطْعِ فَيَلِيقُ بِالزَّجْرِ عَنْهُ حُكْمٌ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ أَكْثَرُ مِنْ زَجْرِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ أَمْرٌ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَشُرِعَ الْقَتْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِيَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْقَطْعِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ سِوَى إبْطَالِ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ أَقْوَى افْتَقَرَ إلَى زَجْرٍ أَقْوَى فَشُرِعَ زَاجِرٌ أَقْوَى وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ بَلْ قُوَّةُ اعْتِبَارِهِ.

(وَأَنْتَ إذْ عَلِمْت أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ) لِعُسْرِ ضَبْطِهَا وَتَعَذُّرِ تَعَيُّنِ الْقَدْرِ الَّذِي تُوجِبُهُ (ضُبِطَتْ شَرْعًا) بِمَظِنَّةٍ خَاصَّةٍ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ (لَمْ تَكَدْ تَقِفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ التَّخَلُّفَ) لِلْحُكْمِ (عَنْ مِثْلِهَا أَوْ أَكْبَرَ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ ضَابِطِهَا) وَلَوْ كَانَ عَدَمُ دُخُولِهِ (بِلَا مَانِعٍ) لَا يَنْقُضُ عِلِّيَّتَهَا خُصُوصًا إذَا (كَانَتْ مُومًى إلَيْهَا) أَيْضًا مِثْلُ {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 184] لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا مِثْلًا مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِخُصُوصِهِ (أَلَّا يُرَى أَنَّ الْبَكَارَةَ عِلِّيَّةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْإِذْنِ) أَيْ فِي إذْنِ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ لِوَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ فِي نِكَاحِهَا (بِالسُّكُوتِ) فِي النِّكَاحِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهَا (لِحِكْمَةِ الْحَيَاءِ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَسْنَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ نَعَمْ قُلْت إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي فَتَسْكُتُ قَالَ سُكُوتُهَا إذْنُهَا» (وَلَوْ فُرِضَ ثَيِّبٌ أَوْفَرُ حَيَاءً) مِنْهَا (أَوْ سَبَبٌ اقْتَضَاهُ) أَيْ حَيَاءً أَوْفَرَ مِنْ حَيَائِهَا (كَزِنًا اُشْتُهِرَ لَمْ يُكْتَفَ بِسُكُوتِهَا إجْمَاعًا) وَإِنْ ثَبَتَ قَدْرٌ مِنْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ الْحَيَاءُ فِي هَاتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَكَارَةِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا (فَتَخَلَّفَ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْإِذْنِ بِالسُّكُوتِ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ حِكْمَةٍ تَفُوقُ حِكْمَةَ الْبَكَارَةِ (وَلَمْ تَبْطُلْ عِلِّيَّةُ الْبَكَارَةِ) لِلِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ (وَمَا ذَاكَ) أَيْ عَدَمُ بُطْلَانِ عِلِّيَّتِهَا (إلَّا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حَيْثُ ضُبِطَتْ بِالْبَكَارَةِ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ حَيَاءَ الْبِكْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي حَيَاءٍ فَوْقَهُ) أَيْ حَيَاءِ الْبِكْرِ (ثُبُوتُ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ فِي ذَلِكَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ حَيَاءٍ فَوْقَهُ (لِعَدَمِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (بِخُصُوصِهِ) وَهُوَ الْمَجْعُولُ ضَابِطًا (فَلَا تُنْتَقَضُ الْعِلَّةُ بِنَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ. وَأَمَّا النَّقْضُ الْمَكْسُورُ وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ)

الْعِلَّةِ (الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ (بِالْحِكْمَةِ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ الْحِكْمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ تَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وَهُوَ نَقْضٌ لِمَا ادَّعَاهُ عِلِّيَّةً بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ (كَمَا لَوْ قَالَ) الشَّافِعِيُّ (فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ) هُوَ بَيْعٌ (مَجْهُولُ الصِّفَةِ) عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ)(كَبَيْعِ عَبْدٍ بِلَا تَعْيِينٍ) لَهُ وَالْجَامِعُ الْجَهْلُ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ (فَنَقَضَ) الْمُعْتَرِضُ (الْمَجْهُولِيَّةَ بِتَزَوُّجِ مَنْ لَمْ يَرَهَا) فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (مَعَ الصِّحَّةِ) لِتَزَوُّجِهَا إجْمَاعًا (وَحَذْفِ الْمَبِيعِ) فَاخْتُلِفَ فِي إبْطَالِهِ لِلْعِلِّيَّةِ قِيلَ يُبْطِلُهَا (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ (لَا يَمْنَعُ) الْعِلِّيَّةَ (لِأَنَّهَا)

ص: 180

أَيْ الْعِلِّيَّةَ (الْمَجْمُوعُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ) الْمَجْمُوعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْبَعْضِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمِيعِ مَا لَيْسَ لِلْجُزْءِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَقْضِ الْبَعْضِ (فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ (إلْغَاءَ) الْوَصْفِ (الْمَتْرُوكِ) وَأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ بِأَنْ بَيَّنَ عَدَمَ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا (بِأَنْ قَالَ الْجَهَالَةُ) لِلصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ (مُسْتَقِلَّةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا) فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ (صَحَّ) النَّقْضُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْمُسْتَدِلِّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُعْتَرِضُ رَافِعًا لِلنَّقْضِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِ لَا يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ لِلْمُعْتَرِضِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا وَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِصُلُوحِ الْعِلِّيَّةِ فَيُبْطِلُهُ بِالنَّقْضِ إذْ النَّقْضُ عَلَى الْعِلَّةِ لَا عَلَى مَانِعِهَا فَظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِوَاهُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ دَافِعًا لِلنَّقْضِ.

(وَحَاصِلُهُ) أَيْ النَّقْضِ الْمَكْسُورِ سُؤَالُ تَرْدِيدٍ وَهُوَ (إنْ عَيَّنَ الْمَجْمُوعَ) الْعِلَّةُ (لَمْ يَصِحَّ) تَعَيُّنُهُ لَهَا (لِإِلْغَاءِ الْمَلْغِيِّ أَوْ) عَيَّنَتْ (مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَلْغِيِّ الْعِلَّةِ (فَكَذَا) لَا يَصِحُّ (لِلنَّقْضِ) هَذَا وَكَوْنُ الْكَسْرِ وَالنَّقْضِ الْمَكْسُورِ مَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَكَانَ إلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِاصْطِلَاحٍ وَعَرَّفَ الْكَسْرَ الْبَيْضَاوِيُّ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَنَقْضِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ هِيَ صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا لَمْ تُفْعَلْ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَصَلَاةِ الْآمِنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ خُصُوصُ كَوْنِهَا صَلَاةً مَلْغِيٌّ لِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبُ الْأَدَاءِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عِلَّةً إلَّا قَوْلُك يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى فَإِنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ الْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالْإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ انْتَهَى وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ النَّقْضُ الْمَكْسُورُ.

(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (انْعِكَاسُهَا عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ) أَيْ انْعِكَاسُهَا (انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا لِمَنْعِ تَعَدُّدِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَقِلَّةِ فَيَنْتَفِي) الْحُكْمُ (لِانْتِفَاءِ خُصُوصِ هَذَا الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ) الَّتِي لَمْ تَنْعَكِسْ (إذْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِلَا بَاعِثٍ تَفَضُّلًا) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُوبًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ ثُمَّ مِنْ مُشْتَرَطِي الْعَكْسِ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الِاطِّرَادِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُكْتَفَى بِهِ وَلَوْ فِي صُورَةٍ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فَمَنْ سَعِدَ بِالْوَجْهِ فِيهِ سَعِدَ بِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ اشْتَغَلَ بِهِ فَقَالَ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّقْرِيبِ (جَوَازُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا) أَيْ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً (وَالْوُقُوعِ فَلَا يُشْتَرَطُ انْعِكَاسُهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِوَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَفْرُوضِ عِلَّةً وَقَالَ (الْقَاضِي) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ بُرْهَانُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ (فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ) وَهُوَ رَأْيُ ابْنُ فُورَكٍ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا الْمَنْصُوصَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ (الْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (يَجُوزُ) عَقْلًا (وَلَمْ يَقَعْ) لَا أَنَّ مَذْهَبَهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَحْنُ نَقُولُ تَعْلِيلُ حُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا نَظَرًا إلَى الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا.

وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ (أَنَّ الْبَوْلَ وَالْمَذْيَ وَالرُّعَافَ) أُمُورٌ مُخْتَلِفَةُ الْحَقِيقَةِ (ثُمَّ كُلٌّ) مِنْهَا وَحْدَهُ (يُوجِبُ الْحَدَثَ وَهُوَ) أَيْ وَإِيجَابُ كُلٍّ مِنْهَا الْحَدَثَ هُوَ (الِاسْتِقْلَالُ وَكَذَا الْقَتْلُ) الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ (وَالرِّدَّةُ) كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (تُحِلُّهُ) أَيْ الْقَتْلَ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَيَاةُ الْوَاحِدِ بِوَاحِدٍ (فَإِنَّ مَنْعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ بَلْ وُجُوبَ الْقَتْلِ قِصَاصًا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ وُجُوبِهِ

ص: 181

(بِالرِّدَّةِ وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ الْآخَرِ (انْتَفَى) قَتْلُ الْقِصَاصِ (بِالْعَفْوِ) مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ طَلَبِ الْقِصَاصِ (أَوْ الْإِسْلَامِ) أَيْ انْتَفَى قَتْلُ الرِّدَّةِ بِالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ (وَبَقِيَ الْآخَرُ) أَيْ قَتْلُ الرِّدَّةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْقِصَاصِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (عُورِضَ لَوْ تَعَدَّدَتْ) الْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ (كَانَ) تَعَدُّدُهَا (بِالْإِضَافَاتِ) إلَى أَدِلَّتِهَا (إذْ لَيْسَ مَا بِهِ الِاخْتِلَافُ) أَيْ اخْتِلَافُهَا (سِوَاهُ) أَيْ إضَافَتِهَا إلَى أَدِلَّتِهَا (وَاللَّازِمُ) أَيْ تَعَدُّدُهَا بِالْإِضَافَاتِ (بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِضَافَاتِ لَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا فِي ذَاتِ الْمُضَافِ) وَهُوَ الْحُكْمُ كَالْحَدَثِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) لَوْ أَوْجَبْته (لَوَجَبَ) فِيهِ (لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ وَكَانَ يَرْتَفِعُ أَحَدُهَا) أَيْ الْأَحْدَاثِ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ (وَيَبْقَى الْآخَرُ) .

هَذَا (ثُمَّ الْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبَ الْوُضُوءِ لِكُلٍّ وَارْتِفَاعَ أَحَدِهَا بِهِ مَرَّةً دُونَ الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ (إلَى الشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّلَازُمُ بَيْنَ مُسَبَّبَاتٍ فِي الِارْتِفَاعِ) كَالْحَدَثِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالرُّعَافِ مَثَلًا فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْقَى الْآخَرُ (وَلَا يُعْتَبَرُ) التَّلَازُمُ فِي الِارْتِفَاعِ (فِي) مُسَبَّبَاتٍ (أُخْرَى) كَالْقَتْلِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الرِّدَّةِ وَعَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَعَنْ الزِّنَا إذْ يَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْآخَرُ ثُمَّ الْجَوَابُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كَلَامٌ عَلَى السَّنَدِ) أَيْ قَوْلِهِ وَإِلَّا وَجَبَ لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ إلَى آخِرِهِ (وَالْمَطْلُوبُ) وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ الْمَذْكُورَةُ (ثَابِتٌ دُونَهُ) أَيْ ذِكْرِ السَّنَدِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَعَدُّدَ الْإِضَافَةِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَدُّدَ (فِي ذَاتِهِ) أَيْ الْمُضَافِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعَدُّدُ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إذَا عَرَضَتْ لَهُ الْإِضَافَاتُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ضَرُورِيُّ الْبُطْلَانِ (وَثُبُوتُ ارْتِفَاعِ بَعْضِهِمَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (دُونَ بَعْضٍ فِي صُورَةٍ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا وَرِدَّةً (إنَّمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى التَّعَدُّدِ) لِلْأَحْكَامِ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِسَبَبِ خَصِّهَا (لَا فِي غَيْرِهَا كَمَا فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْقَتْلَيْنِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا الْبَدَلُ (وَالْآخَرَ) وَهُوَ الْقَتْلُ قِصَاصًا (حَقُّ الْعَبْدِ) يَجُوزُ لَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَالْبَدَلُ.

(وَمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ ثُمَّ رَعَفَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ لَا يُشْكِلُ مَعَ قَوْلِهِ بِاتِّحَادِ الْحُكْمِ لَا الْعُرْفِ فِي مِثْلِهِ) إذْ الْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ (تَوَضَّأَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ) وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ (قِيلَ) أَيْ قَالَ الْآمِدِيُّ (وَالْخِلَافُ فِي) الْحُكْمِ (الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْمُخَالِفُ) فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ (يَمْنَعُهُ) أَيْ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ (فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ) بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا وَهُوَ الْحَدَثُ وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ (وَالظَّاهِرُ بَعْدَهُ) أَيْ الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ (مِنْ الشَّرْعِ وَشَخْصِيَّةِ مُتَعَلِّقِهِ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَزَّ مَثَلًا (لَا تُوجِبُهُ) أَيْ تَشَخُّصَ الْحُكْمِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ انْدِرَاجِهِ فِي كُلِّيٍّ كَالزَّانِي مَثَلًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ شَخْصِيَّةَ الْحُكْمِ (مَا) يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمُتَعَلِّقٍ خَاصٍّ بِعَيْنِهِ شَرْعًا (كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ) فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَحْدَهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقُهَا (وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ هَذَا (عِلَلٌ) .

قَالَ الْمُصَنِّفُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاحِدَ الشَّخْصِيَّ بَعِيدٌ وَالْحَقِيقِيَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ فِي الْوَاحِدِ النَّوْعِيِّ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَوْ امْتَنَعَ) تَعَدُّدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ (امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ) لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ لَا مُؤَثِّرَاتٌ (فَقَدْ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ) وَأُسْنِدَ الْمَنْعُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْبَاعِثَةَ أَخَصُّ) مِنْ مُطْلَقِ الْأَدِلَّةِ.

وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ بَاعِثَةٌ لَا مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْمُلَازَمَةِ لَوْ امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ الْبَاعِثَةِ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ فَيَلْحَقُهَا الْمَنْعُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَوَّلِ امْتِنَاعُ الثَّانِي إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَخَصِّ امْتِنَاعُ الْأَعَمِّ فَلَا يَصِحُّ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ مُطْلَقًا (الْمَانِعُونَ) تَعَدُّدَ الْعِلَلِ قَالُوا (لَوْ تَعَدَّدَتْ) الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ (لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَهُوَ) أَيْ التَّنَاقُضُ اللَّازِمُ (الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ اسْتِقْلَالُهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ وَعَدَمُ اسْتِقْلَالِهَا (لِلثُّبُوتِ) أَيْ لِفَرْضِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ (بِكُلٍّ) مِنْهَا (بِلَا حَاجَةٍ إلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْبَاقِيَةِ (وَهُوَ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أُخْرَى هُوَ (الِاسْتِقْلَالُ وَعَدَمُهُ) أَيْ وَالْفَرْضُ عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (لِاسْتِقْلَالِ غَيْرِهِ) أَيْ لِفَرْضِ اسْتِقْلَالِ غَيْرِ مَا ثَبَتَ بِهِ

ص: 182

ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ (وَاسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الثُّبُوتِ (فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ وَعَدَمِهِ) أَيْ وَلِعَدَمِ اسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَرَتَّبَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ وُجِدْت مَعًا وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ فِي الْمَحَلِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ (وَ) لَزِمَ (الثُّبُوتُ) لِلْحُكْمِ (بِهِمَا) أَيْ بِالْعِلَّتَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ (لَا بِهِمَا) لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِكُلٍّ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ بِالْآخَرِ (فِي الْمَعِيَّةِ) وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى.

(وَ) لَزِمَ (تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي التَّرْتِيبِ) أَيْ فِي حُصُولِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ مَا كَانَ حَاصِلًا بِالْأُولَى وَهَذَا لَازِمٌ آخَرُ فَوْقَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَالْجَوَابُ الِاسْتِقْلَالُ) أَيْ مَعْنَاهُ فِيهَا (كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ ثَبَتَ بِهَا أَيْ عِنْدَهَا) الْحُكْمُ (وَالْحَيْثِيَّةُ) أَيْ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ (لَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ) كَمَا فِي الِانْفِرَادِ (لَا) أَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِيهَا (بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تُفِيدُ الْوُجُودَ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تُفِيدُهُ عِلَّةٌ أَصْلًا بَلْ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ جَلَّ وَعَلَا وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ تَفْسِيرٍ بِهَا بِعِنْدِهَا (فَانْتَفَى الْكُلُّ) أَيْ لُزُومُ التَّنَاقُضِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ تَعَدُّدَ الْعِلَلِ مُطْلَقًا (أَيْضًا أَجْمَعُوا) أَيْ الْأَئِمَّةُ (عَلَى التَّرْجِيحِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا) أَهِيَ (الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا (أَوْ الطَّعْمُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ (أَوْ الِاقْتِيَاتُ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ (وَهُوَ) أَيْ التَّرْجِيحُ (فَرْعُ صِحَّةِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ) مِنْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَ مَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ (وَ) فَرْعُ (لُزُومِ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ) أَيْ لَوْ جَازَ التَّعَدُّدُ لَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالتَّرْجِيحِ لِتَعْيِينِ وَاحِدَةٍ وَنَفْيِ مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَبَثًا بَلْ بَاطِلًا.

(وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّرْجِيحِ (لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (هُنَا) أَيْ فِي الرِّبَا (إحْدَاهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (وَإِلَّا) لَوْ انْتَفَى الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا (جَعَلُوهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (الْكُلَّ) أَيْ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ صَلَاحِيَّةَ كُلٍّ لِلْعِلِّيَّةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى إلْغَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا جَمِيعًا وَذَلِكَ قَوْلٌ بِجُزْئِيَّةِ كُلٍّ لِلْعِلَّةِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ دَخْلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَقَالَ (الْقَاضِي) حَالَ كَوْنِهِ مُجَوِّزًا فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ (إذَا نَصَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ مُتَعَدِّدٍ) مِنْ الْأَوْصَافِ بِالْعِلِّيَّةِ (فِي مَحَلٍّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ) أَيْ التَّعَدُّدِ (ارْتَفَعَ احْتِمَالُ التَّرْكِيبِ) لِمُنَافَاتِهِ الِاسْتِقْلَالَ وَالْفَرْضُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصَةِ فَجَازَ التَّعَدُّدُ فِيهَا (وَمَا لَمْ يَنُصَّ) فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي مَحَلٍّ (مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ (بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) بِخُصُوصِهِ (مِنْ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ (أَوْ الِاسْتِقْلَالِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً (فَتَعْيِينُ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ (تَحَكُّمٌ) لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ عَلَى السَّوَاءِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ وَفَرْضِ انْتِفَاءِ النَّصِّ عَلَى أَحَدِهِمَا (فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِقَادَهُ) أَيْ الْقَاضِي (جَوَازَ التَّعَدُّدِ فِيهِمَا) أَيْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ فِي الْمَنْصُوصَةِ لِلنَّصِّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَدُّدِ (فَإِذَا اجْتَمَعَتْ) الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ (يَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ) مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ لَا بِنَاءً عَلَى الْجُزْئِيَّةِ عَيْنًا.

(وَالْجَوَابُ مَنْعُهُ) أَيْ لُزُومِ التَّحَكُّمِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا لِجَوَازِ اسْتِنْبَاطِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ (بِالْعِلْمِ بِالْحُكْمِ) أَيْ بِثُبُوتِهِ (مَعَ إحْدَاهُمَا فِي مَحَلٍّ كَمَا) يَعْلَمُ ثُبُوتَهُ (مَعَ) عِلَّةٍ (أُخْرَى فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ فَيُحْكَمُ بِهِ) أَيْ الِاسْتِقْلَالِ (لِكُلٍّ) مِنْهَا (فِي مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ وَعَاكَسَهُ) أَيْ مَذْهَبُ الْقَاضِي يَقُولُ (يُقْطَعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِأَنَّهَا الْبَاعِثُ) لِلشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ لِتَعْيِينِهِ إيَّاهَا لَهُ (فَانْتَفَى احْتِمَالُ غَيْرِهَا) لِلْعِلِّيَّةِ كُلًّا وَجُزْءًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا (وَالْمُسْتَنْبَطَة وَهْمِيَّةٌ) بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ (لَا يَنْتَفِي فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ احْتِمَالُ غَيْرِهَا لِلْعِلِّيَّةِ جُزْءًا وَكُلًّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ الْمَجْمُوعَ مِنْهُمَا وَأَنْ يَكُونَ

ص: 183

هَذَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ كُلٌّ بِدَلِيلِهِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِعِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ) أَيْ الْقَطْعِ بِالْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَلْفُوظَةُ السَّمْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهَا ظَنِّيَّةً أَوْ إسْنَادُهَا ظَنِّيًّا وَانْتِفَاءُ احْتِمَالِ غَيْرِهَا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْبَوَاعِثِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِمَصَالِحَ مُتَعَدِّدَةٍ وَدَافِعًا لِمَفَاسِدَ مُخْتَلِفَةٍ.

وَقَالَ (الْإِمَامُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ) التَّعَدُّدُ (شَرْعًا وَقَعَ عَادَةً وَلَوْ) كَانَ الْوُقُوعُ (نَادِرًا) لِأَنَّ النَّادِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَلَمْ يَقَعْ (وَالثَّابِتُ بِأَسْبَابِ الْحَدَثِ مُتَعَدِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ) حَتَّى قِيلَ إذَا نَوَى رَفْعَ أَحَدِ أَحْدَاثِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْآخَرُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الْوُقُوفِ بَلْ مَا ذَكَرَ) مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْقَتْلِ يُفِيدُ الْوُقُوعَ (وَكَوْنُ الثَّابِتِ بِكُلٍّ) مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الثَّابِتِ (بِالْآخَرِ إنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ كَوْنَ غَيْرِهِ (بِالِانْفِكَاكِ نَفْيًا) أَيْ بِأَنْ يَنْتَفِيَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ (فَتَقَدَّمَ اقْتِصَارُهُ) فِي الْقَتْلِ لِتَحَقُّقِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَحْكَامِ (وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ الِانْفِكَاكِ (فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ) وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ (وَتَجْوِيزُهُ) أَيْ تَعَدُّدِ الْحُكْمِ لِتَعَدُّدِ الْعِلَلِ (لَا يَكْفِيهِ) أَيْ الْإِمَامَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُثَبِّتِ لَهُ (لِأَنَّهُ مُسْتَدِلٌّ) لَا مُعْتَرِضٌ (ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُعَدِّدُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ يَثْبُتُ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ الْعِلَلُ إذَا اجْتَمَعَتْ (فِي التَّرَتُّبِ) أَيْ إذَا وُجِدَتْ مُتَرَتِّبَةً (وَفِي الْمَعِيَّةِ) اخْتَلَفُوا (قِيلَ بِالْمَجْمُوعِ) مِنْهَا (فَكُلٌّ) مِنْهَا (جُزْءٌ) مِنْ الْعِلَّةِ.

(وَقِيلَ) الْعِلَّةُ (وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ كُلٍّ مِنْهَا عِلَّةً (لَوْ امْتَنَعَ كَانَ) الِامْتِنَاعُ (لِاجْتِمَاعِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ) وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ وَاجْتِمَاعُهَا عَلَيْهِ (حَقٌّ اتِّفَاقًا) فَلَا امْتِنَاعَ وَقَالَ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ (الْمَجْمُوعُ لَوْ اسْتَقَلَّ) كُلٌّ مِنْهَا (فِي الْمَعِيَّةِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ) إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (بِلُزُومِ الثُّبُوتِ بِكُلٍّ وَ) بِلُزُومِ (عَدَمِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَرَّ جَوَابُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ لَهَا كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ يَثْبُتُ عِنْدَهَا الْحُكْمُ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَ) لَزِمَ (التَّحَكُّمُ) إنْ ثَبَتَ بِوَاحِدٍ فَقَطْ (قُلْنَا) إنَّمَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ (وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ) الْحُكْمُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِكُلٍّ مِنْهَا (كَالشَّاهِدِ فِي) الْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ عَلَى حُكْمٍ) فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَقَالَ (غَيْرُ الْمُعَيِّنِ) أَيْ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَعِيَّةِ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ (لَوْلَاهُ) أَيْ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ (لَزِمَ التَّحَكُّمُ فِي التَّعْيِينِ) أَيْ فِي كَوْنِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) لَزِمَ (خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ الْعِلَّةِ حَتَّى كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ (لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ) مِنْهَا وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا.

(الْجَوَابُ اخْتِيَارٌ ثَالِثٌ كَمَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ بِكُلٍّ وَلَا يُنَافِي الِاسْتِقْلَالَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا أَمَارَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ فَلَا مَانِعَ كَمَا فِي السَّمْعِيَّةِ وَأَنَّهُ حَيْثِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ وَاجْتِمَاعُهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَلَنَا فِي عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ ثُبُوتُ أَحْكَامٍ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ (تَعَدُّدُ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ) أَيْ مَحْضُ التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِ (كَالْغُرُوبِ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ) ثَابِتٌ (بِلَا خِلَافٍ وَتَسْمِيَةُ هَذَا) الْمُعَرَّفِ (عِلَّةً اصْطِلَاحٌ وَبِمَعْنَى الْبَاعِثِ فِي الْمُخْتَارِ لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمَيْنِ كَالزِّنَا لِلْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِهَذَا (فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ (بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْوَصْفِ) الْوَاحِدِ (مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَصْلَحَةُ (الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِهِمَا) أَيْ بِالْحُكْمَيْنِ أَمَّا إذَا حَصَلَ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِالْحُكْمَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ.

وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ) الْعِلَّةُ (عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَإِلَّا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (ثَبَتَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (بِلَا بَاعِثٍ) وَهُوَ مُحَالٌ (وَأَيْضًا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (يَثْبُتُ بِذَلِكَ) أَيْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (لَمْ يُشْرَعْ لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ (وَمِثْلُ) هَذَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ (بِتَعْلِيلِ نَجَاسَةِ مُصَابِ عَرَقِ

ص: 184

الْخِنْزِيرِ بِأَنَّهُ) أَيْ عَرَقَهُ (مُسْتَقْذَرٌ) كَاللُّعَابِ فَيَكُونُ نَجِسًا مِثْلَهُ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ (تَعْلِيلُ نَجَاسَةِ اللُّعَابِ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِقْذَارِ (وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ نَجَاسَةِ الْعَرَقِ (قِيَاسٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ اللُّعَابِ نَجِسًا (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ (مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (وَهُوَ) أَيْ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا (غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْمُقَارَنَةِ) أَيْ أَنْ يَثْبُتَا مَعًا (وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ) مِثَالًا لِهَذَا (تَعْلِيلُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ بِالْجُنُونِ) لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (لِأَنَّ وِلَايَتَهُ) أَيْ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ ثَابِتَةٌ (قَبْلَهُ) أَيْ عُرُوضِ الْجُنُونِ لَهُ بِالصِّغَرِ (وَأَمَّا سَلْبُهَا) أَيْ وَأَمَّا التَّمْثِيلُ لَهُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ بِتَعْلِيلِ سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْ الصِّغَرِ (بِعُرُوضِهِ) أَيْ الْجُنُونِ (لِلْوَلِيِّ فَعَكْسُ الْمُرَادِ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا سَلَبَهَا عَنْهُ عُرُوضُ جُنُونِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَأَخُّرُ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِلَا تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ سَلْبُ وِلَايَتِهِ عَنْ الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ بِعِلَّةِ جُنُونِهِ نَفْسِهِ قِيَاسًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَيْ الَّذِي هُوَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى سَلْبَ الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ.

وَحُكْمُ الْأَصْلِ سَلْبُ الْوِلَايَةِ وَالْعِلَّةُ الْجُنُونُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّلْبِ إذْ السَّلْبُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْجُنُونِ بِعِلَّةِ الصِّغَرِ مَثَلًا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُجْعَلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الْوَلِيِّ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ كَالْأَبِ مَثَلًا فَرْعًا وَعَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ أَصْلًا وَالْجُنُونُ عِلَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ قَبْلَهُ لِعِلَّةِ الصِّغَرِ وَالْمَعْنَى كَأَنْ يُعَلَّلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ بِالْجُنُونِ الَّذِي هُوَ عَارِضٌ فِي الْوَلِيِّ الْبَالِغِ الْمَقِيسِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّبَا وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ يَسْلُبُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا وَيَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ وَالْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ لَا تَسْلُبُ الْوِلَايَةَ وَلَا تَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ وَالسُّلْطَانُ يَنُوبُ عَنْهُ فَقَاسَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ثُبُوتَهَا لَهُ عَلَى سَلْبِهَا عَنْ الصَّغِيرِ وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْعَقْلِ وَفِي الْفَرْعِ الْعَقْلُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ.

فَإِنْ عُلِّلَ حُكْمُ الْأَصْلِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَسْلُوبَةٌ عَنْ الصَّغِيرِ قَبْلَ الْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ (وَأَمَّا مَنْعُهُ) أَيْ تَأَخُّرِ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ (إذَا قُدِّرَ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ (أَمَارَةً) عَلَى الْحُكْمِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ حِينَئِذٍ (تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ) فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ قَبْلَ هَذَا (فَلَا) يَصِحُّ (لِاجْتِمَاعِ الْأَمَارَاتِ) أَيْ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا (وَلَيْسَ تَعَاقُبُهَا) أَيْ الْأَمَارَاتِ (مَانِعًا) مِنْ اجْتِمَاعِهَا بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّلِيلِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَرَّفَاتِ إذَا تَرَتَّبَتْ تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الثَّانِي مَعْرِفَةَ جِهَةِ دَلَالَتِهِ لَا مَعْرِفَةَ الْمَدْلُولِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ حَاصِلٌ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهَا بُطْلَانُ حُكْمِ الْقِيَاسِ أَعْنِي حُكْمَ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُعَلَّلُ بِهَا فَأَرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا الْحُكْمَ كَمَا هُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَاتِهِ (فَتَبْطُلُ هِيَ) أَيْ تِلْكَ الْعِلَّةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَصْلُهَا وَالْفَرْعُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ أَصْلِهِ (مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ تَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ) مَا سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ) مَعَ أَنَّهُ (يَعُمُّ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً) لِعُمُومِ لَفْظِ الطَّعَامِ فَيَكُونُ مِنْ حُكْمِهِ حُرْمَةُ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا (بِالْكَيْلِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَلَّلُ بِهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيلٍ (فَخَرَجَ) بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ حُرْمَةِ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا فَيَبْطُلُ عُمُومُ حُكْمِ الْأَصْلِ «وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» ) أَيْ وَتَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا النَّصَّ النَّبَوِيَّ السَّابِقَ تَخْرِيجُهُ فِي التَّأْوِيلَاتِ الْمَحْكِيَّةِ لِلشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَيْلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ الْمُفِيدَةِ ظَاهِرُهُ تَعْيِينُ الشَّاةِ (بِسَدِّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَانْتَفَى وُجُوبُهَا) أَيْ عَيْنِ الشَّاةِ (إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا) حِينَئِذٍ لِأَنَّ سَدَّ خُلَّتِهِ كَمَا يَكُونُ بِعَيْنِهَا يَكُونُ بِقِيمَتِهَا فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ تَعْيِينُ عَيْنِهَا (وَتَقَدَّمَ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا (فِي التَّأْوِيلَاتِ وَ) دَفْعُ (الْأَوَّلِ

ص: 185

فِي الِاسْتِثْنَاءِ) فَرَاجَعَهُمَا مِنْهُمَا (ثُمَّ الْمُرَادُ) مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْكَيْلِ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُتَفَاضِلًا مِمَّا يُكَالُ (عَدَمُ الْكَيْلِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ) فَلَيْسَ هُوَ حِينَئِذٍ بِمِثَالٍ مُطَابِقٍ.

(وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلُ نَصِّ السَّلَمِ) السَّابِقِ فِي أَوَّلِ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ حَالًّا أَيْضًا (يَخْرُجُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ) مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَنَحْوُهُ (الْمُبْطِلُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ (وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ بِنَحْوِ اللَّهُ أَعْظَمُ) أَوْ أَجَلُّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله (فَبِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3](إذْ التَّكْبِيرُ التَّعْظِيمُ) لَا بِتَعْلِيلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ تَوَهَّمَهُ وَقَوْلُهُ (وَتَقَدَّمَ) سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا) أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ النَّصَّ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مِثَالِهِ بِقَوْلِهِ (تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ الْكَفَّارَةِ كَالْكِسْوَةِ) أَيْ قِيَاسُهُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيهَا (وَشَرْطُ الْأَيْمَانِ) فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةٌ (فِي الْيَمِينِ كَالْقَتْلِ) أَيْ: قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةً فِي الْقَتْلِ (يَبْطُلُ إطْلَاقُ نَصِّ الْإِطْعَامِ وَالرَّقَبَةِ) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَمُطْلَقُ الرَّقَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ لَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الثَّانِي سَهْوٌ (أَوْ) أَنْ لَا تُخَالِفَ (إجْمَاعًا) أَيْ وَأَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ.

وَمِثَالُهُ (مَا مَرَّ مِنْ مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ) فَلَا تُقَاسُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ السَّفَرِ الْمُوجِبِ لِلْمَشَقَّةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ بِمُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً أَنْ لَا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ (أَيْ وَصْفٍ) مَوْجُودٍ فِيهِ (يَصِحُّ) لِلْعِلِّيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْفَرْعِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا بِنَاءً (عَلَى عَدَمِ) جَوَازِ (تَعَدُّدِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَقِلَّةِ لَا مَعَ جَوَازِهِ) أَيْ تَعَدُّدِهَا (إلَّا مَعَ عَدَمِ تَرْجِيحِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (عَلَى التَّرْكِيبِ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ التَّرَكُّبُ فِيهِ رَاجِحًا.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا فَلَا رَيْبَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِهِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا بِمُرَجِّحٍ لَهَا عَلَى الْمُعَارِضِ (وَمَا قِيلَ وَلَا) بِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ أَوْ مُسَاوٍ (فِي الْفَرْعِ تَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا وَرَاجَعَ ثَمَّةَ (وَأَنْ لَا تُوجِبَ) الْمُسْتَنْبَطَةُ (زِيَادَةً فِي حُكْمِ الْأَصْلِ) لَمْ يُثْبِتْهَا النَّصُّ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً هَذَا وَذَلِكَ (كَتَعْلِيلِ) حُرْمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ (حَدِيثِ الطَّعَامِ) الْمَذْكُورِ آنِفًا (بِأَنَّهُ رِبًا) فِيمَا يُوزَنُ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ (فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ) فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ النَّقْدَانِ فَكَذَا فِي الْفَرْعِ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ لِمَا فِي النَّقْدِ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى السُّنَّةِ (وَلَيْسَ) لُزُومُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ مَذْكُورًا (فِي نَصِّ الْأَصْلِ) الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ الْعِلَّةُ (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (مُنَافِيَةً لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ اُشْتُرِطَ عَدَمُ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْوَجْهُ) وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَيَرْجِعُ) هَذَا الشَّرْطُ حِينَئِذٍ (إلَى مَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ) أَيْ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي تَكْرَارِهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً (لَا مُوجِبَ) لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِاتِّجَاهِ الْإِطْلَاقِ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ نَسْخًا بِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَإِنَّهَا بِالنَّصِّ فَتَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالنَّصِّ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ بِعُمُومِهِ أَوْ بِخُصُوصِهِ (مُتَنَاوِلًا حُكْمَ الْفَرْعِ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ هَذَا أَيْضًا

ص: 186

لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهِ فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْعِلَّةِ ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَأَيْضًا رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا بِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ.

وَالرُّجُوعُ عَنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ) وَالْغَرَضُ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا مُوجِبَ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) تَنَاوُلُ الدَّلِيلِ حُكْمَ الْفَرْعِ (الرُّجُوعَ عَنْ الْقِيَاسِ بَلْ) يَسْتَلْزِمُ (الْإِفَادَةَ) لِلْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (غَيْرَ مُلَاحَظٍ غَيْرَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ النَّصُّ أَيْضًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ إنْ وَضَحَ فِي التَّطْوِيلِ مَقْصِدٌ فِقْهِيٌّ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَكِنَّ الطَّرِيقَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْتَقِلًّا وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَيُلْغَى الثَّانِي فَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ طَرِيقٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ إلَى آخَرَ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَنَازُعٌ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ.

(أَمَّا لَوْ تُنُوزِعَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمُعَلَّلُ لَا يَرَى عُمُومَهُ (فَجَوَازُهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (اتِّفَاقٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (يُثْبِتُ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِهَا (الْعِلِّيَّةَ) لَهَا (ثُمَّ يُعَمِّمُ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ وُجُودِهَا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَسَمَّيْنَا ثَمَّةَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَدْ كَانَ فِي إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ وَذِكْرِ مَا عَدَاهُ فِيمَا سَلَفَ أَوْ هُنَا كِفَايَةٌ (وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا مِثَالُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ) مَا رَوَوْا «عَنْ الْخَثْعَمِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَهَذَا السِّيَاقُ لِحَدِيثِهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَيُجْزِي عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَحُجَّ عَنْهُ» وَلَوْلَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ لَقُلْنَا هَذَا الْمَذْكُورُ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا مِثَالٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم (قَاسَ) إجْزَاءَ الْحَجِّ عَنْهُ بِإِجْزَاءِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ (بِعِلَّةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَقْضِيِّ (دَيْنًا) فَإِنَّهُ فِي قُوَّةٍ يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْعِبَادِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ لُزُومُ أَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قُلْت لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُدَبَّرِ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يُبَاعُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا مَمْلُوكَيْنِ تَعَلَّقَ عِتْقُهُمَا بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ.

(وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (لِلُزُومِ النَّقْضِ فِي التَّقَدُّمِ) أَيْ تَخَلُّفِ مَا فُرِضَ مَعْلُولًا عَمَّا فُرِضَ عِلَّةً إذَا كَانَ مَا فُرِضَ عِلَّةً مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِلَا بَاعِثٍ فِي التَّأَخُّرِ) لِمَا فُرِضَ عِلَّةً عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ) أَيْ تَقَارُنِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالْعِلِّيَّةِ مِنْ الْآخَرِ (وَمُنِعَ الْأَخِيرُ) أَيْ لُزُومُ التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ (لِتَمْيِيزِ الْمُنَاسَبَةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ عِلِّيَّةَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَنْتَفِي لُزُومُ التَّحَكُّمِ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِلَا بَاعِثٍ وَلُزُومُ النَّقْضِ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيهَا التَّقَدُّمُ أَوْ التَّخَلُّفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لَا بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي جَوَابِ

ص: 187

الْمَانِعِينَ لِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ اُخْتِيرَ) أَيْ اخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (تَعَيُّنُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالنَّجَاسَةِ) الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِمُنَاسَبَتِهَا الْمَنْعَ مِنْ الْمُلَابَسَةِ تَكْمِيلًا لِمَقْصُودِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ (لَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (لِأَنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مَفْسَدَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ ابْتِدَاءً.

(وَحَقَّقَ) الْمُحَقِّقُ عَضُدُ الدِّينِ (جَوَازَهَا) أَيْ جَوَازَ كَوْنِ الْعِلَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا عَلَى مَفْسَدَةٍ (لِجَوَازِ اشْتِمَالِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ (عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ) مَرْجُوحَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ (تُدْفَعُ بِحُكْمٍ آخَرَ) شَرْعِيٍّ (كَوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ عَلَى الْإِمَامِ) فَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ هِيَ حِفْظُ النَّسَبِ وَهُوَ حَدٌّ (ثَقِيلٌ يُؤَدِّي) تَكْرَارُ وُقُوعِهِ كَثِيرًا (إلَى مَفْسَدَةِ إتْلَافِ النُّفُوسِ) وَإِيلَامِهَا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ رَجْمٍ كَمَا فِي الْمُحْصَنِ وَجَلْدٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ (فَعُلِّلَ) وُجُوبُ الْحَدِّ (بِوُجُوبِ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ) مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ بِأَنَّ الزَّانِيَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْكَثِيرِ الَّتِي هِيَ الْإِتْلَافُ وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ لِتَبْقَى مَصْلَحَةُ حِفْظِ النَّسَبِ خَالِصَةً (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مَجْمُوعَ صِفَاتٍ وَهِيَ الْمُرَكَّبَةُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَوَازِهِ (فِي الْعَقْلِ وَوَقَعَ) كَوْنُهَا كَذَلِكَ (كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ) لِلْقِصَاصِ.

(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ صِفَاتٍ (لَوْ كَانَ) أَيْ لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (وَالْعِلِّيَّةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ) عَلَى ذَاتِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (فَقِيَامُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (إنْ) كَانَ (بِجُزْءٍ) وَاحِدٍ مِنْهَا (أَوْ بِكُلِّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَى حِدَةٍ (فَهُوَ) أَيْ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (الْعِلَّةُ) .

وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِسَائِرِ الْأَجْزَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ قِيَامُ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِمَحَالَّ كَثِيرَةٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (أَوْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) بِهَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَجْمُوعًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ (لَمْ تَقُمْ) الْكُلِّيَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا تَكُونُ الْعِلِّيَّةُ قَائِمَةً بِشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَيَعُودُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ جِهَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْمَجْمُوعِ (الْكَلَامُ) فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ (بِقِيَامِهَا) أَيْ بِسَبَبِ قِيَامِهَا بِمَا تَقُومُ بِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ فَنَقُولُ هِيَ قَائِمَةٌ (إمَّا بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ أَوْ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ فَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَحْدَةٍ (فَتَتَحَقَّقُ وَحْدَةٌ أُخْرَى وَيَتَسَلْسَلُ قُلْنَا تَشْكِيكٌ فِي ضَرُورِيٍّ لِلْقَطْعِ بِنَحْوِ خَبَرِيَّةِ الْكَلَامِ) أَيْ بِأَنَّهُ خَبَرٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ أَوْ تَعَجُّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْكَلَامُ (مُتَعَدِّدٌ) لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَكَوْنُهُ خَبَرًا أَوْ غَيْرَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قَامَ كَوْنُهُ خَبَرًا مَثَلًا بِكُلِّ حَرْفٍ فَكُلُّ حَرْفٍ خَبَرٌ أَوْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَهُوَ الْخَبَرُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ لِلْمَانِعِينَ (مُغَلِّطَةٌ يَطْرُدُهَا) الْإِمَامُ (الرَّازِيّ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ التَّرْكِيبِ) فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ مَنْشَؤُهَا عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ حَيْثُ تَرْكُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ.

(وَالْحَلُّ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ قَائِمَةٌ (بِالْمَجْمُوعِ) الَّذِي صَارَ وَاحِدًا (بِاعْتِبَارِ جِهَةِ وَحْدَتِهِ الْمُعَيِّنَةِ هَيْئَتَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْدِيدُ ثَانِيًا) فِي تِلْكَ الْوَحْدَةِ (وَلَا وَحْدَةٍ أُخْرَى مَعَ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ صِفَةٌ (اعْتِبَارِيَّةٌ، كَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهَا وَالْمُسْتَدْعِي مَحَلًّا) مَوْجُودًا يَقُومُ بِهِ هِيَ الصِّفَةُ (الْحَقِيقِيَّةُ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ تَكُنْ اعْتِبَارِيَّةً بَلْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً (بَطَلَتْ عِلِّيَّةُ الْوَاحِدِ لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ مَعْنًى وَالْعِلِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ مَعْنًى فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى فَيَتَلَخَّصُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّدِ لِلُزُومِ الْمُحَالِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ صِفَةً زَائِدَةً وُجُودِيَّةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ لِمُحَالٍ لَازِمٍ لِلْمُحَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَبَطَلَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّدِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ مَنْعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّرْعَةَ وَالْبُطْءَ عَرَضَانِ قَائِمَانِ بِالْحَرَكَةِ وَهِيَ عَرَضٌ أَيْضًا (وَجَعْلُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (صِفَةً لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ (تَعَالَى بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ) أَيْ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً (يَضْعُفُ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ (كَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ

ص: 188