المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء]

الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ حَيَاتِهِ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ (لَا عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ بَابِ الْإِثْبَاتِ وَحَيَاتَهُ بِالِاسْتِصْحَابِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ.

(وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْإِرْثِ (دَفْعٌ) لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ (وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا عَدَمُهُ أَصْلِيٌّ) مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا وَأَنَّ الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ إنَّمَا لَا يُورَثُ (لِعَدَمِ سَبَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (إذْ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَلَا صُلْحَ عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (لِإِثْبَاتِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي (كَالْيَمِينِ وَصَحَّ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تَكُونُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَيَصِحُّ الصُّلْحُ (وَلَمْ تَجِبْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّفِيعِ) عَلَى الْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِهِ لِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ الْمَشْفُوعَ بِهِ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ جَمِيعًا عِنْدَهُ (وَوَجَبَتْ) الْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَمَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَشْخِيصِهِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ

الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ

وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت مَوَارِدَ اسْتَفْعَلَ فِي اللُّغَةِ.

وَعِنْدِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّخَاذُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَابُ مَا اتَّخَذُوهُ دَلِيلًا وَالسِّرُّ فِي جَعْلِ هَذَا الْبَابِ مُتَّخَذًا دُونَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ مَنَالُهَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ صُنْعِهِمْ لِاجْتِهَادِهِمْ بَلْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا عُقِدَ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ قَالَهُ كُلُّ إمَامٍ بِمُقْتَضَى تَأْدِيَةِ اجْتِهَادِهِ فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَهُ دَلِيلًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَدَلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ وَمَالِكُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ دَلِيلًا كَمَا يَقُولُ يُحْتَجُّ بِكَذَا وَهَذَا مَعْنًى مَلِيحٌ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

(الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ)

مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ (هُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ) أَيْ مَشَقَّةٌ يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الصَّخْرَةِ وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ النَّوَاةِ وَالْمُرَادُ بِبَذْلِ الْوُسْعِ اسْتِفْرَاغُ الْقُوَّةُ بِحَيْثُ يَحْسُنُ الْعَجْزُ عَنْ الْمَزِيدِ (وَاصْطِلَاحًا ذَلِكَ) أَيْ بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ) فَبَذْلُ الطَّاقَةِ جِنْسٌ يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِ اجْتِهَادِ الْمُقَصِّرِ وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ السَّعْيِ فَإِنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ لَا يُعَدُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا وَمِنْ الْفَقِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِ الطَّاقَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ اصْطِلَاحِيٍّ. وَفِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِهَا مِنْهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ حِسِّيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَظَنِّيٍّ قِيلَ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ وَسَيَأْتِي مَنْعُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْأَحْكَامِ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَمَدَارِكِهَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ وُسْعِ الْبَشَرِ (وَنَفْيُ الْحَاجَةِ إلَى قَيْدِ الْفَقِيهِ) كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُ) أَيْ الْفَقِيهِ (وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ) فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فَقِيهًا إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفِقْهِ التَّهَيُّؤَ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (سَهْوٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ) جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ (بَذْلُ الطَّاقَةِ لَا الِاجْتِهَادُ وَيُتَصَوَّرُ) بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَقِيهِ (فِي طَلَبِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَقِيهٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ وَلَا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ فَقِيهٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ ذُو مَلَكَةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْتَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَأْخَذِهَا. (وَشُيُوعُ الْفَقِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مِمَّنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ) إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ

ص: 291

لَيْسَ تَعْرِيفًا لِلِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا بَلْ (تَعْرِيفٌ لِنَوْعٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الِاجْتِهَادَ (فِي الْعَقْلِيَّاتِ اجْتِهَادٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصِيبَ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْمِيمُهُ) أَيْ التَّعْرِيفِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ظَنِّيًّا كَانَ أَوْ قَطْعِيًّا (بِحَذْفِ ظَنِّيٍّ) فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ يَكُونُ فِي الْقَطْعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَا بَيْنَ أَصْلِيٍّ وَفَرْعِيٍّ غَايَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخَالِفَ فِيهِ مُخْطِئٌ آثِمٌ فِي نَوْعٍ مِنْهُ غَيْرَ آثِمٍ فِي نَوْعٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ إنْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِثْمِ الْمُخْطِئِ فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى قَيْدٍ مُخْرِجٍ لِمَا يَكُونُ الْمُخْطِئُ آثِمًا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَالرَّازِيِّ وَمُوَافِقِهِمَا الْمُجْتَهَدُ فِيهِ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ.

(ثُمَّ يَنْقَسِمُ) الِاجْتِهَادُ (مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) الْمُتَعَلِّقُ بِهِ (إلَى وَاجِبٍ عَيْنًا عَلَى الْمَسْئُولِ) عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ) عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَتْ الْحَادِثَةُ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَكِفَايَةً) أَيْ وَإِلَى وَاجِبٍ كِفَايَةً عَلَى الْمَسْئُولِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (لَوْ لَمْ يَخَفْ) فَوَاتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ (وَثَمَّ غَيْرُهُ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَأَخَصُّهُمْ بِوُجُوبِهِ مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ حَتَّى لَوْ أَمْسَكُوا مَعَ ظُهُورِ الْجَوَابِ وَالصَّوَابِ لَهُمْ أَثِمُوا وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ الْتِبَاسِهِ عَلَيْهِمْ عُذِرُوا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الطَّلَبُ وَكَانَ فَرْضُ الْجَوَابِ بَاقِيًا عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ (وَيَسْقُطُ) الْوُجُوبُ عَنْ الْكُلِّ (بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَعَلَى هَذَا) أَيْ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ لَوْ أَنَّ مُجْتَهِدًا ظَنَّ خَطَأَ الْمُفْتِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ (لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ) أَيْ الْجَوَابَ (خَطَأً) الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالرَّدِّ إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَسْئُولِ وَأَصَحُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِبَعْضِهِمْ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ إذَا طُلِبَ الْأَدَاءُ مِنْ الْبَعْضِ قَالَ وَفِي الْفَرْقِ غُمُوضٌ انْتَهَى قِيلَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْفَتْوَى تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَفِكْرٍ وَالْمُشَوَّشَاتُ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ (وَكَذَلِكَ حُكْمٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ) مُجْتَهِدَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ فِيهِ يَكُونُ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ (أَيُّهُمَا حَكَمَ بِشَرْطِهِ) الْمُعْتَبَرِ فِيهِ شَرْعًا (سَقَطَ) الْوُجُوبُ عَنْهُمَا وَإِنْ تَرَكَاهُ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَا (وَ) إلَى (مَنْدُوبٍ) وَهُوَ مَا (قَبْلَهُمَا) أَيْ وُجُوبِهِ عَيْنًا وَوُجُوبِهِ كِفَايَةً كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمِ شَيْءٍ بِلَا سُؤَالٍ عَنْهُ وَلَا نُزُولِهِ لِيَطَّلِعَ عَلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ (وَمَعَ سُؤَالٍ فَقَطْ) أَيْ وَفِيمَا يُسْتَفْتَى عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ (وَ) إلَى (حَرَامٍ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ (فِي مُقَابَلَةِ) دَلِيلٍ (قَاطِعٍ) مِنْ (نَصٍّ)(أَوْ إجْمَاعٍ)

(وَشَرْطُ مُطْلَقِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ (بَعْدَ صِحَّةِ إيمَانِهِ) بِمَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمُعْجِزَاتِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّدْقِيقَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْكَلَامِ وَبُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ (مَعْرِفَةُ مَحَالِّ جُزْئِيَّاتِ مَفَاهِيمِ الْأَلْقَابِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمَتْنِ مِنْ شَخْصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الظُّهُورِ كَالظَّاهِرِ) وَالنَّصِّ وَالْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ (وَالْعَامِّ) وَالْخَاصِّ (وَالْخَفَاءِ كَالْخَفِيِّ وَالْمُجْمَلِ) وَالْمُشْكِلِ وَالْمُتَشَابِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي انْقِسَامَاتِ الْمُفْرَدِ السَّابِقَةِ فِي فُصُولِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ الْحُكْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ الْكِتَابِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قِيلَ: وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا مُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ أَوَّلَ مَنْ أَفْرَدَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِالتَّصْنِيفِ ذَكَرَهَا خَمْسَمِائَةٍ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الظَّاهِرَةَ لَا الْحَصْرَ، وَمِنْ السُّنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَحُمِلَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالتَّغْلِيظِ فِي الْفُتْيَا، أَوْ أَرَادَ وَصْفَ أَكْمَلِ الْفُقَهَاءِ، فَأَمَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ: الْأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ لَا مَعْرِفَةُ الْجَمِيعِ، وَهُوَ فِي السُّنَّةِ ظَاهِرٌ لِتَعَذُّرِهِ لِسَعَتِهَا

ص: 292

وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الِاجْتِهَادِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُهُ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَضَرَ ذِهْنَهُ عِنْد الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ اجْتَهَدَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ لَمْ يَسْتَحْضِرُوا فِيهَا النُّصُوصَ حَتَّى رُوِيَتْ لَهُمْ فَرَجَعُوا إلَيْهَا.

وَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَقِيلَ: مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ بِالضَّرُورَةِ، وَتَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مُتَفَاوِتُونَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَحْكَامِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ وَالْأَذْهَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَلَعَلَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْأَحْكَامِ بِالْمُطَابَقَةِ لَا بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ إذْ غَالِبُ الْقُرْآنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (وَهِيَ) أَيْ جُزْئِيَّاتُ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ (أَقْسَامُ اللُّغَةِ مَتْنًا وَاسْتِعْمَالًا لَا حِفْظُهَا) أَيْ الْمَحَالِّ الْمَذْكُورَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ حِفْظُ مَا اخْتَصَّ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْقُرْآنِ وَنُقِلَ فِي الْقَوَاطِعِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحَافِظَ أَضْبَطُ لِمَعَانِيهِ مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ وَنَقَلَهُ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ نَعَمْ الْحِفْظُ أَحْسَنُ كَمَا تَعْلِيلُ اللُّزُومِ يُفِيدُهُ (وَلِلسَّنَدِ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَالضَّعِيفِ وَالْعَدْلِ وَالْمَسْتُورِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) قَالُوا: وَالْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ كَالْمُتَعَذِّرِ فَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِ صِحَّةُ مَذْهَبِهِمْ فِي التَّعْدِيلِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ (وَعَدَمُ الْقَاطِعِ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَعْرِفَةُ "(وَ) عَدَمُ (النَّسْخِ) وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ خَافٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ. وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْبَاطِ وَفَهْمُ الْمُرَادِ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَاعْتِبَارُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْقَاطِعِ وَلَا مَنْسُوخٍ وَلَا مُجْمَعٍ عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَى هَذَا يُزَادُ وَمَعْرِفَتُهُ بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ، وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ مَذْهَبَ ذِي مَذْهَبٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لَا خَوْضَ فِيهَا لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ جَمِيعِ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ.

(وَ) شَرْطُ (الْخَاصِّ مِنْهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ مَعْرِفَةُ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِ (فِيمَا فِيهِ) الِاجْتِهَادُ (كَذَا لِكَثِيرٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (بِلَا حِكَايَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ) أَيْ أَنْ يُقَالَ شَخْصُ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا هُوَ مَنَاطُ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا (كَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا) أَيْ حِكَايَةَ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّيهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ جَوَازِ تَجَزِّيهِ

(فَرْعٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ (اجْتِهَادُ الْفَرَضِيِّ فِي) عِلْمِ (الْفَرَائِضِ) بِأَنْ يَعْلَمَ أَدِلَّتَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُجْتَهِدٍ كَامِلٍ وَيَنْظُرُ فِيهَا (دُونَ غَيْرِهِ) مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (وَقَدْ حُكِيَتْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهَا وَذُكِرَ فِيهَا جَوَازُهُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُسْتِيُّ مِنْ مَشَايِخِنَا وَمُخْتَارُ الْغَزَالِيِّ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَكْثَرِ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْحَقُّ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّوَقُّفُ (وَاخْتَارَ طَائِفَةٌ نَفْيَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ (وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا) أَيْ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا (احْتَمَلَ غَيْبَةَ بَعْضِهِ) أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي ظَنِّ الْحُكْمِ (عَنْهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ) الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ (كَذَلِكَ لِلْمُطْلَقِ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ ظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمَا حُصُولَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ (يَضْعُفُ) أَوْ يَنْعَدِمُ (فِي حَقِّهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ (لِسِعَتِهِ) أَيْ نَظَرِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَيَبْقَى ظَنُّهُ بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ (وَيَقْوَى فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا يَبْقَى بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِي الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ وَقَدَحَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ.

(وَقَدْ يَمْنَعُ التَّفَاوُتُ)

ص: 293