الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوَّلِ عِنْدَهَا (وَاحْتِمَالُ الْخَطَإِ فِيهِ لَمْ يَقْدَحْ) فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَا يَجِبُ) الِاجْتِهَادُ (الْآخَرُ إلَّا بِمِثْلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ، وَالشَّرْطِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَنَّ تَكْرَارَهَا هَلْ هُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلنَّظَرِ ثَانِيًا فِيهَا مُسْتَجْمِعٌ لِشَرْطِ وُجُوبِهِ لَمْ يُفْصِحْ الْمُصَنِّفُ بِهِ وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا لُزُومُ التَّجْدِيدِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا، وَإِنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لَزِمَهُ قَطْعًا انْتَهَى.
(قُلْت) : وَسَبَقَهُ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَمَّا ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَحَذَفَهُ لِقَرِينَةٍ مُقَابِلَةٍ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَزِمَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي لُزُومِهِ مَعَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ مُتَأَخِّرٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَاجِحًا عَلَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عُمِلَ بِالْأَوَّلِ وَلَا يُعَدُّ الِاجْتِهَادُ وَإِلَّا أَعَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهُ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ يَكُونُ أَخْذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ إذْ لَا ثِقَةَ بِبَقَاءِ الظَّنِّ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَأَمُّلٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ حُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّنَّ السَّابِقَ قَوِيٌّ فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رُجْحَانِ غَيْرِهِ وَقَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ اجْتَهَدَ لِنَازِلَةٍ فَحَكَمَ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ إذَا كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا لَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الِاجْتِهَادُ لَا يَسْتَأْنِفُهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا فِي الْعَامِّيِّ يَسْتَفْتِي الْمُجْتَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ تَقَعُ لَهُ ثَانِيًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ كَانَ قَدْ يَتَحَرَّى فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَأَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ الْفَتْوَى الْأُولَى يَجُوزُ تَغَيُّرُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا غَالِبًا، فَإِنْ قَرُبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِفْتَاءُ ثَانِيًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وُقُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَامِّيِّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ قَطْعًا وَخَصَّ ابْنُ الصَّلَاحِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا قَلَّدَ حَيًّا وَقَطَعَ فِيمَا إذَا كَانَ خَبَرًا عَنْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِّيَّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّافِعِيِّ وَأَفَادَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ مُخَالَفَةِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: (لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ) بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (قَوْلَانِ) مُتَنَاقِضَانِ (لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنْ عُرِفَ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا (تَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (رُجُوعًا) عَنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُتَأَخِّرُ (وَجَبَ تَرْجِيحُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ لِأَحَدِهِمَا (بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ) كَمَا فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ (وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُخَيَّرُ مُتَّبِعُهُ الْمُقَلِّدُ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ) الْمَذْكُورِ الْمُجْتَهِدُ (فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَتَرْجِيحُ) الْمُجْتَهِدِ (الْمُطْلَقِ بِشَهَادَتِهِ) أَيْ قَلْبِهِ (فِيمَا عَنَّ) أَيْ ظَهَرَ (لَهُ) نَفْسُهُ (وَالتَّرْجِيحُ هُنَا) لِأَحَدِهِمَا إنَّمَا هُوَ (عَلَى أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ) عَلَيْهِ (لِصَاحِبِهِمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ (وَقَوْلُ الْبَعْضِ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (يُخَيَّرُ الْمُتَّبِعُ فِي الْعَمَلِ) بِأَيِّهِمَا شَاءَ (لَيْسَ خِلَافًا) لِمَا قَبْلَهُ (بَلْ) هُوَ (مَحِلٌّ آخَرُ ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ (إنْ لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخٌ) لِلْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ نُقِلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مَا يُقَوِّيهِ فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُقَوَّى هُوَ (الصَّحِيحُ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مَا يُقَوِّي أَحَدَهُمَا (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (مُتَّبِعٌ بَلَغَ الِاجْتِهَادَ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ (رَجَّحَ بِمَا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ (يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا اتَّبَعَ فَتْوَى الْمُفْتِي فِيهِ الْأَتْقَى الْأَعْلَمِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنْ) كَانَ (مُتَفَقِّهًا
تَبِعَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَمِلَ بِمَا هُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ عِنْدَهُ) .
وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ أَنَّهُ إنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَهُ حَالَانِ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ عَقِبَ أَحَدِهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْوِيَتِهِ كَهَذَا أَشْبَهُ، أَوْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلَيْنِ احْتِمَالَهُمَا لِوُجُودِ دَلِيلِينَ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَوْ مَذْهَبُهُمْ لِمُجْتَهِدَيْنِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِأَنْ يَنُصَّ فِي كِتَابٍ عَلَى إبَاحَةِ شَيْءٍ وَفِي آخَرَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا، وَإِلَّا حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالرُّجُوعِ.
(وَإِذْ نُقِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِيهَا قَوْلَانِ) كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، أَوْ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ سِتَّ عَشَرَةَ، أَوْ سَبْعَ عَشَرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَوْ فِي سِتَّ عَشَرَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ فِيمَا لَا يَبْلُغُ عَشْرًا كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ (حُمِلَ عَلَى أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ) فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِذَا، وَبَعْضُهُمْ بِذَا فَيُحْكَى قَوْلُهُمْ وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَتَوَهَّمَ مِنْ أَرَادَ مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ الذَّهَابَ إلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُمَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ فَيَطْلُبُ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا (أَوْ يَحْتَمِلُهُمَا) لِوُجُودِ تَعَادُلِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ: يَجِبُ اعْتِقَادُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، وَرُجُوعُهُ عَنْ الْآخَرِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ دُونَ نِسْبَتِهِمَا جَمِيعًا وَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَالنَّصَّيْنِ إذَا عَلِمْنَا نَسْخَ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْآمِدِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَمَلِ الْفُقَهَاءِ (أَوْلَى فِيهَا) قَوْلَانِ (عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ عِنْدَ التَّعَادُلِ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَتَعَقَّبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدَيْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ مِنْهُ بِالتَّخْيِيرِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ بِتَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ وَيَسْتَحِيلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا (أَوْ تَقَدَّمَا) أَيْ الْقَوْلَانِ (لِي) فَيَحْكِي قَوْلَيْهِ الْمُرَتَّبِينَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ حَيْثُ نَصَّ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَذْهَبٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِيَتَرَوَّى فِيهِمَا وَعَدَمُ اخْتِيَارِهِ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَةِ الرَّجُلِ وَتَوَسُّعِهِ فِي الْعِلْمِ وَعِلْمِهِ بِطَرِيقِ الْأَشْبَاهِ، فَإِنْ قِيلَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ وَلَا قَوْلَانِ عَلَى هَذَا قُلْنَا: هَكَذَا نَقُولُ وَلَا نَتَحَاشَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ ذِكْرُهُ لَهُمَا وَاسْتِقْصَاؤُهُ وُجُوهَ الْأَشْبَاهِ فِيهِمَا وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَوْلَيْنِ لِلْقَطْعِ فِيهِمَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ لَا النَّاقِلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِالْعَكْسِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلِيغِيُّ فِي الْغُرَرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَلَطُ فِي السَّمَاعِ كَانَ يُجِيبُ بِحَرْفِ النَّفْيِ إذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ فَيَشْتَبِهُ عَلَى الرَّاوِي فَيَنْقُلُ مَا سَمِعَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَيَعْلَمُ بَعْضُ مَنْ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ رُجُوعَهُ فَيَرْوِي الثَّانِيَ، وَالْآخَرُ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَرْوِي الْأَوَّلَ.
(قُلْت) : وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَالَ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ (قُلْت) وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ تَعْيِينَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ غَالِبًا هُوَ الْأَوَّلَ غَالِبًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَالْقِيَاسُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَسْمَعُ كُلٌّ كُلًّا فَيَنْقُلُهُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ كِلَاهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي إحْدَاهُمَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ هِيَ مَاشِيَةٌ