الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِالتَّحْرِيمِ (لَيْسَ نَسْخًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَفْعًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَالنَّسْخُ رَفْعٌ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا أَنَّ الثَّابِتَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ حَتَّى يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَكُونَ رَفْعُهُ نَسْخًا قُلْت إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا وَلَعَلَّهُ أَنْ يُقَالَ وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتِ الْإِخْبَارِ بِهَا فَالتَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ نَسْخًا؛ لِأَنَّ انْتِهَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِهَاءِ وَقْتِهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]
(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَمُحَقَّقِي الشَّافِعِيَّةِ (وَأَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ) وَفِي الْقَوَاطِعِ وَأَمَّا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَلَوَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فَخَرَّجَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَوْلَى بِالْحَقِّ انْتَهَى. فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِفَرْضِهِ فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثْبِتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ جل جلاله وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَقَالَ وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ غَيْرَ مَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا بِمَا يُخَالِفُهَا انْتَهَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَلَانِسِيِّ وَهُمْ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا وَقِيلَ نَفْيُ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبِي الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيِّ وَأَبِي مَنْصُورٍ وَقِيلَ لَمْ يَمْنَعْ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ عَاضِدٌ لَهَا يُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ هَلْ تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ قِيلَ لَهُ لَوْ نُسِخَتْ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ بِأَنَّ سُنَّتَهُ مَنْسُوخَةٌ بِسُنَّتِهِ الْآخِرَةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّ الشَّيْءَ يُنْسَخُ بِمِثْلِهِ اهـ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّه سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(لَنَا لَا مَانِعَ) عَقْلِيَّ وَلَا شَرْعِيَّ مِنْ ذَلِكَ (وَوَقَعَ) أَيْضًا وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ (فَإِنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقُدْس) أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَنُسِخَ) التَّوَجُّهُ إلَيْهِ (بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144](وَكَذَا حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ) بَلْ الْمُفْطِرَاتُ الثَّلَاثَةُ بِالنَّوْمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ (وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ مَنْسُوخًا (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقُرْآنِ (مِنْ سُنَّةٍ أَوْ) تَجْوِيزِ كَوْنِ (الْأَصْلِ) أَيْ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ ثَابِتًا (بِتِلَاوَةٍ نُسِخَتْ وَذَلِكَ) أَيْ النَّاسِخُ السُّنِّيُّ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَالْمَنْسُوخُ الْقُرْآنِيُّ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (عَلَى الْمُوَافَقَةِ) أَيْ الْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَالثَّانِي مُوَافِقٌ لِنَصِّ السُّنَّةِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُوَافِقَ لِنَصِّ الْقُرْآنِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ (احْتِمَالٌ بِلَا دَلِيلٍ) فَلَا يُسْمَعُ (ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاسِخٌ عُلِمَ تَأَخُّرُهُ) لِنَسْخِ مَا تَقَدَّمَهُ (مَا لَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام هَذَا نَاسِخٌ) لِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ تَعَيُّنِ الْمَعْلُومِ تَأَخُّرُهُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ مَا لَمْ يَقُلْ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ (خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالُوا أَيْ الْمَانِعُونَ) أَوَّلًا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يَقْتَضِي أَنَّ شَأْنَهُ الْبَيَانُ لِلْأَحْكَامِ وَالنَّسْخُ رَفْعٌ لَا بَيَانٌ (أُجِيبُ) بِتَسْلِيمِ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ بِبَيَانٍ بَلْ
(وَالنَّسْخُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ
(قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ ثَانِيًا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (يُوجِبُ التَّنْفِيرَ) لِلنَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِمَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا لَمْ يَنْسَخْهُ وَحُصُولُ التَّنْفِيرِ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ وَهُوَ التَّأَسِّي بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَرَضِيٍّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ} [النساء: 64](أُجِيبُ) بِمَنْعِ حُصُولِ النَّفْرَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ (إذَا آمَنَّا بِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ) عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ (لَمْ يَلْزَمْ) مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ وُجُودُ النَّفْرَةِ إذْ الْجَمِيعُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(وَأَمَّا قَلْبُهُ) وَهُوَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ (فَمَنَعَهُ) الشَّافِعِيُّ (قَوْلًا وَاحِدًا) كَمَا رَأَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَطَعَ جَوَابَهُ بِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ وَعَلِمْت تَأْوِيلَ السُّبْكِيّ (وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ مِنْ ذَلِكَ (وَوُقُوعُهُ) فَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالسُّنَنِ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا لِعُمُومِهِ فِي نَفْيِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ (نَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180](وَالِاعْتِرَاضُ مُنْتَهَضٌ عَلَى الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَضْرَابِهِ (بِأَنَّهَا آحَادٌ فَلَوْ صَحَّ) نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهَا (نُسِخَ بِهَا) أَيْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ (الْقُرْآنُ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا (إلَّا أَنْ يُدَّعَى فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (الشُّهْرَةُ فَيَجُوزُ) النَّسْخُ بِهَا (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْحَنَفِيَّةِ) حَتَّى نَقَلَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِمِثْلِ خَبَرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِشُهْرَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا مَشْهُورَةً فَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهَا (الْحَقُّ) لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْمُتَوَاتِرِ إذْ الْمُتَوَاتِرُ نَوْعَانِ: مُتَوَاتِرٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَمُتَوَاتِرٌ مِنْ حَيْثُ ظُهُورِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ظُهُورَهُ يُغْنِي النَّاسَ عَنْ رِوَايَتِهِ وَهَذَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّ الْعَمَلَ ظَهَرَ بِهِ مَعَ الْقَبُولِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِلَا تَنَازُعٍ فَيَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَقِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَوَاتُرِ هَذَا وَنَحْوِهِ لِلْمُجْتَهِدِينَ الْحَاكِمِينَ بِالنَّسْخِ لِقُرْبِهِمْ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(وَإِذْ قَالَ) الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (لَمْ يُوجَدْ) فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا نُسِخَ بِالسُّنَّةِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ (فَالْوَجْهُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْوُقُوعِ أَنْ يُقَالَ (الْإِجْمَاعُ) عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ (دَلَّ عَلَى النَّاسِخِ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ (وَلَمْ يُوجَدْ) النَّاسِخُ (فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ سُنَّةٌ) هَذَا مَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مِنْ مَشَايِخِنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَأَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَبِهِ يَظْهَرُ عَدَمُ تَمَامِ دَعْوَى الزَّجَّاجِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ نَسَخَتْهُ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ نَعَمْ ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الْوَصِيَّةَ إلَى الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] . ثُمَّ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَقَصْرُ الْإِيصَاءِ عَلَى حُدُودٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِجَهْلِ الْعِبَادِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِهِ وَبِمَنْ هُوَ الْأَنْفَعُ مِنْ هَذِهِ الْوَرَثَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ بَيَانُ الْمَوَارِيثِ هُوَ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَانْتَهَى حُكْمُ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِأَقْوَى الطَّرِيقَيْنِ كَمَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
نَعَمْ الْحَدِيثُ مُقَرِّرٌ لِنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَمُشْعِرٌ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شَرْعِيَّةِ الْمِيرَاثِ حَيْثُ رَتَّبَ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ «فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» عَلَى قَوْلِهِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي مِثْلِهِ تُشْعِرُ بِسَبَبِيَّةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا كَمَا فِي زَارَنِي فَأَكْرَمْته وَدُفِعَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ هَذَا بِأَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ لَا تَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ