الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظَاهِرًا فِي حَقِّنَا فَلَيْسَ حَقِيقَتُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَوْنُهُ مُؤَقَّتًا فِي عَمَلِهِ تَعَالَى فَيَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ لَا كَوْنُهُ مُسْتَمِرَّ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ بَيَانًا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ رَفْعًا، وَالْبَيَانُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي إظْهَارِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا ابْتِدَاءً كَالْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ بَلْ هُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مُسَلَّمًا فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقِيقَةً فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ رَفْعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا بَلْ هُوَ بَيَانٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا أَيْضًا إذْ نَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ مُؤَقَّتًا، وَأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ الَّذِي تَوَسَّمْنَاهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا فِي الْوَاقِعِ وَإِذَا كَانَ الْعِبَادُ مُحْتَاجِينَ إلَى الْبَيَانِ فَجَعْلُهُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ بَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ لَهُمْ لِمَا يَجْهَلُونَهُ وَإِظْهَارُ الْمَجْهُولِ لِمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ إظْهَارًا وَبَيَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِعِ إظْهَارُ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا حَتَّى يُنَافِيَ كَوْنَ الْأَشْيَاءِ مَعْلُومَةً لَهُ انْتَهَى قُلْت.
ثُمَّ هَذَا كَمَا يُفِيدُ جَوَازُ تَعْرِيفِهِ بِكُلٍّ مِنْ جِهَتَيْ الْبَيَانِ وَالرَّفْعِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ تَعْرِيفِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَيَانِ عَلَى تَعْرِيفِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّفْعِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامَانِ الرَّازِيَّانِ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإسْفَرايِينِيّ وَنُسِبَ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَكَسَ السُّبْكِيُّ فَرَجَّحَ الرَّفْعَ لِشُمُولِهِ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَفِي هَذَا التَّرْجِيحِ تَأَمُّلٌ وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَذِكْرُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ (الِانْتِهَاءَ دُونَ الرَّفْعِ إنْ كَانَ لِظُهُورِ فَسَادِهِ) أَيْ ذِكْرُ الرَّفْعِ (إذْ لَا يَرْتَفِعُ الْقَدِيمُ لَمْ يُفِدْ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّفْعُ (لَازِمُ الِانْتِهَاءِ) فَإِنَّهُ إذَا انْتَهَى ارْتَفَعَ، وَإِذَا كَانَ الْقَدِيمُ لَا يَرْتَفِعُ فَكَذَا لَا يَنْتَهِي أَيْضًا وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِانْتِهَاءِ تَعَلُّقِهِ فَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِهِ رَفْعُ تَعَلُّقِهِ فَلَا مَحْذُورَ كَمَا سَلَفَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فِيهِ (وَإِنْ) كَانَ (لِاتِّفَاقِ اخْتِيَارِهِمْ عِبَارَةٌ أُخْرَى) تُفِيدُ الرَّفْعَ (فَلَا بَأْسَ) إذْ لَا حَجْرَ فِي ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّازِيِّ، ثُمَّ السُّبْكِيّ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا وَأَفَادَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنْ جَعَلَ ثَمَرَتَهُ جَوَازَ نَسْخِ الْخَبَرِ وَعَدَمَ جَوَازِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ الْخَبَرِ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَا خَفَاءَ فِي اتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ انْعَدَمَ تَعَلُّقُهُ لَا ذَاتُهُ وَأَنَّ الْخِطَابَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي حَقَّقَ زَوَالَ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي أَنْ يُقَالَ: الرَّافِعُ هُوَ الثَّانِي حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِئْ لَبَقِيَ الْأَوَّلُ أَوْ أَنَّ لِلْأَوَّلِ غَايَةً لَا نَعْلَمُهَا فَلَمَّا جَاءَ الدَّلِيلُ بَيَّنَ انْتِهَاءَهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِئْ كَانَ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ فَيَتَخَلَّصُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا إلَى أَنَّهُ زَالَ بِهِ أَوْ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَكِنْ لَمْ نَعْلَمْ الزَّوَالَ إلَّا بِهِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَلَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْنَوِيًّا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]
(مَسْأَلَةٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ) أَيْ النَّسْخِ عَقْلًا (وَوُقُوعِهِ) سَمْعًا (وَخَالَفَ غَيْرُ الْعِيسَوِيَّةِ مِنْ الْيَهُودِ فِي جَوَازِهِ فَفِرْقَةٌ) وَهُمْ الشَّمْعُونِيَّةُ مِنْهُمْ ذَهَبُوا إلَى امْتِنَاعِهِ (عَقْلًا) وَسَمْعًا (وَفِرْقَةٌ) وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ مِنْهُمْ ذَهَبُوا إلَى امْتِنَاعِهِ (سَمْعًا) أَيْ نَصًّا لَا عَقْلًا وَاعْتَرَفَ بِجَوَازِهِ عَقْلًا وَسَمْعًا الْعِيسَوِيَّةُ مِنْهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً وَهُمْ الْعَرَبُ لَا إلَى الْأُمَمِ كَافَّةً (وَ) خَالَفَ (أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيَّ) الْمُعْتَزِلِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْحَافِظِ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ وَقِيلَ: ابْنُ عُمَرَ وَقِيلَ: هُوَ عُمَرُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ ذُو تَأْلِيفَاتٍ كَثِيرَةٍ مَا بَيْنَ تَفْسِيرٍ وَغَيْرِهِ (فِي وُقُوعِهِ فِي شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ) وَفِي الْقُرْآنِ كَذَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ إنْكَارَهُ نَسْخَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ كِتَابَهُ بِأَنَّهُ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] فَلَوْ نُسِخَ بَعْضُهُ لَبَطَلَ وَأَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِمَجْمُوعِ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يُنْسَخُ اتِّفَاقًا.
وَأَجَابَ فِي الْمَحْصُولِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِنْ الْكُتُبِ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَأْتِي بَعْدَهُ مَا يُبْطِلُهُ وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّسْخَ إبْطَالٌ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَبْطَالٌ لَكِنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذَا الْإِبْطَالَ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ حَقٌّ مِنْ حَقٍّ {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] وَسَيُتْلَى عَلَيْك مَا يَقْطَعُ بِحَقِيقَةٍ وَيَقْطَعُ دَابِرَ الْإِنْكَارِ وَحَكَى الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنْكَارَهُ وَوُقُوعَ النَّسْخِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: لَمْ يُنْكِرْ
وُقُوعَهُ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَعْيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَفْظِيٌّ إذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ نَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ شَرِيعَتِنَا وَنَسْخُ بَعْضِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ مِنْ شَرِيعَتِنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنَازِعُ فِي الِارْتِفَاعِ وَيَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَنْسُوخٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مُغَيًّا إلَى وُرُودِ النَّاسِخِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] إلَى اللَّيْلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ صُومُوا مُطْلَقًا وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ سَيُنَزِّلُ وَلَا تَصُومُوا اللَّيْلَ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ تَسْمِيَتُهُ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُقُوعِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَنَا لَا يَلْزَمُ قَطْعًا مِنْهُ) مِنْ النَّسْخِ (مُحَالٌ عَقْلِيٌّ) أَيْ مُحَالٌ لِذَاتِهِ فَإِنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهَا حُسْنٌ لِذَاتِهِ وَلَا قُبْحٌ لِذَاتِهِ لِمَا حَسُنَ لِغَيْرِهِ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ (إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمَصَالِحُ) أَيْ رِعَايَةُ جَلْبِ نَفْعِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ ضَرِّهِمْ فِي التَّكَالِيفِ (فَظَاهِرٌ) عَدَمُ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكَالِيفِ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا الِابْتِلَاءُ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَصْلَحَةٍ فِي حُكْمِهِ.
(وَإِنْ) اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ فِيهَا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَكَذَلِكَ إذْ كَمَا قَالَ (فَلِاخْتِلَافِهَا) أَيْ الْمَصَالِحِ (بِالْأَوْقَاتِ) بِاخْتِلَافِهَا كَشُرْبِ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ (فَيَخْتَلِفُ حُسْنُ الشَّيْءِ وَقُبْحُهُ) بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي وَقْتٍ قَبِيحًا فِي آخَرَ (وَالْأَحْوَالُ) أَيْ وَبِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا فِي حَالَةٍ قَبِيحًا فِي أُخْرَى وَالْأَعْيَانُ فَرُبَّمَا قَبُحَ الشَّيْءُ مِنْ إنْسَانٍ وَحَسُنَ مِنْ إنْسَانٍ كَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ رُبَّمَا نَفَعَ إنْسَانًا وَضَرَّ لِإِنْسَانٍ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ لِلْأَدْيَانِ كَالطَّبِيبِ لَلْأَبَدَانِ (فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي جَوَازِهِ عَقْلًا (النَّهْيُ يَقْتَضِي الْقُبْحَ وَالْوُجُوبُ الْحُسْنَ فَلَوْ صَحَّ) كَوْنُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَأْمُورًا بِهِ (حَسُنَ وَقَبُحَ) وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا اجْتِمَاعَ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا اسْتِحَالَةَ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ نَسْخَ اللَّهِ تَعَالَى الْحُكْمَ (إنْ) كَانَ (لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ) لَهُ تَعَالَى (بَعْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهَا عِنْدَ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ (فَبَدَاءٌ) بِالْمَدِّ أَيْ ظُهُورٌ بَعْدَ الْخَفَاءِ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الْعِلْمَ بَعْدَ الْجَهْلِ وَهُوَ نَقْصٌ لَا يَحُومُ حَوْلَ جَنَابِهِ الْمُقَدَّسِ، وَكَيْفَ وَالْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَزَلًا وَأَبَدًا {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [يونس: 61] (أَوْ لَا) لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ مَا لَا يَكُونُ لِحِكْمَةٍ (الْعَبَثُ) إذْ هُوَ فِعْلُ الشَّيْءِ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ وَمُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
(وَإِنَّمَا يَكُونُ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَازِمًا (لَوْ نُسِخَ مَا حَسُنَ) لِنَفْسِهِ (وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا حَسُنَ وَقَبُحَ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْأَشَاعِرَةِ (أَمَّا الْأَشَاعِرَةُ فَيَمْنَعُونَ وُجُودَهُ) أَيْ مَا حَسُنَ لِنَفْسِهِ وَقَبُحَ لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِبْطَالُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ عَلَى رَأْيِهِمْ أَظْهَرُ (وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَفِي التَّوْرَاةِ أُمِرَ آدَم بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ يَعْنِي وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ بِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ، بَلْ الْعُمُومُ لَكِنْ عَنْ سَبِيلِ التَّوْزِيعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي زَمَانِهِ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي لَمْ تَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ يَنْفِيهَا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ لِكَوْنِهَا مَنْفِيَّةً عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ غُلَامٌ إلَّا وُلِدَتْ مَعَهُ جَارِيَةٌ فَكَانَ يُزَوِّجُ تَوْأَمَةَ هَذَا لِلْآخَرِ وَتَوْأَمَةَ الْآخَرِ لِهَذَا فَسَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَيْهِ قَالَ كَانَ آدَم عليه السلام نُهِيَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَتَهُ تَوْأَمَهَا وَأَنْ يُزَوِّجَ تَوْأَمَةَ هَذَا الْوَلَدِ آخَرَ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ تَوْأَمَةَ الْآخَرِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسَانِيدِ هَذِهِ
الْقِصَّةِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَعَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ قَلِيلًا وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ اتِّفَاقًا وَهَذَا هُوَ النَّسْخُ (وَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ) مِنْ التَّوْرَاةِ (قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ) عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفُلْكِ (إنِّي جَعَلْتُ كُلَّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ مَأْكَلًا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ) وَأَطْلَقْتُ ذَلِكَ أَيْ أَبَحْتُ ذَلِكَ كَنَبَاتِ الْعُشْبِ مَا خَلَا الدَّمَ فَلَا تَأْكُلُوهُ
(ثُمَّ حُرِّمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّوَابِّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ (عَلَى لِسَانِ مُوسَى كَثِيرٌ) مِنْهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ السِّفْرُ الثَّالِثُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهَذَا نَسْخٌ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) عَلَيْهِمْ (بِتَحْرِيمِ السَّبْتِ) أَيْ الْعَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ كَالِاصْطِيَادِ فِيهِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام (بَعْدَ إبَاحَتِهِ) قَبْلَ مُوسَى عليه السلام (وَوُجُوبِ الْخِتَانِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْيَهُودِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) وَقِيلَ: فِي ثَامِنِ يَوْمِهَا (بَعْدَ إبَاحَتِهِ فِي مِلَّةِ يَعْقُوبَ) أَوْ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ عليهما السلام فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَإِبَاحَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ وَتَحْرِيمِهِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ نُسِخَ (فَيُدْفَعُ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ نَسْخًا) وَإِبَاحَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ كَانَتْ بِأَصْلٍ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا (وَالْحُكْمُ بِالْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا بِتَحْقِيقِ كَلِمَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ) أَيْ كَلِمَتُهُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ (الْحُكْمُ لَكِنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ أَخَصُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ (مَا عُلِّقَ بِهِ خِطَابٌ فِي شَرِيعَةٍ) عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا تَقَرَّرَتْ تِلْكَ الْإِبَاحَاتُ فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ صَارَتْ بِحُكْمِ تَقْرِيرِ أَنْبِيَائِهَا مِنْ حُكْمِ شَرَائِعِهِمْ فَيَكُونُ رَفْعُهَا رَفْعَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيَكُونُ نَسْخًا وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْتَزَمُوهُ) أَيْ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ (نَسْخًا؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ (فِي وَقْتٍ) مِنْ الْأَوْقَاتِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُهُمْ يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ حَيْثُ قَالُوا: رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ عِنْدَنَا (فَلَا إبَاحَةَ وَلَا تَحْرِيمَ قَطُّ إلَّا بِشَرْعٍ فَمَا يُذْكَرُ مِنْ حَالِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ فَرْضٌ وَأَمَّا) النَّسْخُ (فِي شَرِيعَةٍ) وَاحِدَةٍ
(فَوُجُوبُ التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] بَعْدَ أَنْ كَانَ التَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
(وَنَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ) الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النَّاسِخِ مَا هُوَ وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (وَكَثِيرٌ) وَسَتَقِفُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ (لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ بِالْوَقَائِعِ) قَالَ (الْمَانِعُونَ سَمْعًا لَوْ نُسِخَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى لَبَطَلَ قَوْلُهُ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) قَالُوا وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (قَالَهُ) بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا وَكَوْنِهِ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ الْآنَ مِنْ التَّوْرَاةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوَّلِ كَذِبٍ انْتَحَلُوهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى رِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الِاخْتِلَاقِ إنْ مَاتَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
(وَإِلَّا) لَوْ قَالَهُ (لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِمُحَاجَّتِهِمْ) أَيْ الْيَهُودِ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَوْلِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِحِرْصِهِمْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ وَدَفْعِ دَعْوَى رِسَالَتِهِ (وَشُهْرَتِهِ) أَيْ وَلَقَضَتْ الْعَادَةُ بِشُهْرَةِ الْحِجَاجِ بِهِ لَوْ وَقَعَ الْحِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْخَطِيرَةَ لَا يَخْفَى وُقُوعُهَا وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ مُحَاجَّتُهُمْ بِهِ وَلَا اُشْتُهِرَ وُقُوعُ الْحِجَاجِ بِهِ، ثُمَّ نَمْنَعُ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا عَنْهُ وَلَوْ زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ التَّوْرَاةِ (لِأَنَّهُ لَا تَوَاتُرَ فِي نَقْلِ التَّوْرَاةِ الْكَائِنَةِ الْآنَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى إحْرَاقِ بُخْتِ نَصَّرَ أَسْفَارَهَا وَ)
أَنَّهُ (لَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُهَا. وَذَكَرَ
أَحْبَارُهُمْ أَنَّ عُزَيْرًا أُلْهِمَهَا فَكَتَبَهَا وَدَفَعَهَا إلَى تِلْمِيذِهِ لِيَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ) فَأَخَذُوهَا مِنْ التِّلْمِيذِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ التَّوَاتُرُ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ التِّلْمِيذَ زَادَ فِيهَا وَنَقَصَ فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ (وَلِذَا لَمْ تَزُلْ نُسَخُهَا الثَّلَاثُ) الَّتِي بِأَيْدِي الْعَنَانِيَّةِ وَاَلَّتِي بِأَيْدِي السَّامِرِيَّةِ وَاَلَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى (مُخْتَلِفَةً فِي أَعْمَارِ الدُّنْيَا) وَأَهْلِهَا فَفِي نُسْخَةِ السَّامِرِيَّةِ زِيَادَةُ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَسْرٍ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ الْعَنَانِيَّةِ وَفِي الَّتِي فِي أَيْدِي النَّصَارَى زِيَادَةُ أَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ وَفِيهَا الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَبِخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ وَارْتِفَاعِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا.
وَفِي تَتِمَّةِ الْمُخْتَصَرِ فِي أَخْبَارِ الْبَشَرِ لِلشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ الْوَرْدِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ نُسَخُ التَّوْرَاةِ ثَلَاثَةٌ: السَّامِرِيَّةُ وَالْعِبْرَانِيَّة وَهِيَ الَّتِي بِأَيْدِي الْيَهُودِ إلَى زَمَانِنَا وَعَلَيْهَا اعْتِمَادُهُمْ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ لِإِنْبَاءِ السَّامِرِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ هُبُوطِ آدَمَ عليه السلام إلَى الطُّوفَانِ أَلْفَيْ سَنَةٍ وَثَلَثَمِائَةٍ وَسَبْعُ سِنِينَ وَكَانَ الطُّوفَانُ لِسِتِّمِائَةٍ خَلَتْ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ عليه السلام وَعَاشَ آدَم تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً بِاتِّفَاقٍ فَيَكُونُ نُوحٌ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ أَدْرَكَ جَمِيعَ آبَائِهِ إلَى آدَمَ وَمِنْ عُمْرِ آدَمَ فَوْقَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلِإِنْبَاءِ الْعِبْرَانِيَّةِ بِأَنَّ بَيْنَ هُبُوطِ آدَمَ وَالطُّوفَانِ أَلْفَيْ سَنَةٍ وَخَمْسَمِائَةٍ وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَبَيْنَ الطُّوفَانِ وَوِلَادَةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام مِائَتَيْ سَنَةٍ وَاثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ بِاتِّفَاقٍ فَيَكُونُ نُوحٌ أَدْرَكَ مِنْ عُمْرِ إبْرَاهِيمَ ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ قَوْمَ هُودٍ أُمَّةٌ نَجَتْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ وَأُمَّةُ صَالِحٍ نَجَتْ بَعْدَ أُمَّةِ هُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَأُمَّتُهُ بَعْدَ أُمَّةِ صَالِحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: خَبَرًا عَنْ هُودٍ فِيمَا يَعِظُ بِهِ قَوْمَهُ وَهُمْ عَادٌ {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} [الأعراف: 69] وقَوْله تَعَالَى خَبَرًا عَنْ صَالِحٍ فِيمَا يَعِظُ بِهِ قَوْمَهُ وَهُمْ ثَمُودُ {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74] وَالنُّسْخَةُ الثَّالِثَةُ الْيُونَانِيَّةُ وَذَكَرَ أَنَّهَا اخْتَارَهَا مُحَقِّقُو الْمُؤَرِّخِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَى الْمَاضِي مِنْ عُمُرِ الزَّمَانِ وَهِيَ تَوْرَاةٌ نَقَلَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبْرًا قَبْلَ وِلَادَةِ الْمَسِيحِ بِقَرِيبِ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةً لِبَطْلَيْمُوسَ الْيُونَانِيِّ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِ قُلْت وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ تَوَاتُرُهَا وَلَا اشْتِمَالُهَا عَلَى هَذَا وَقَالَ الطُّوفِيُّ وَالْمُخْتَارُ فِي الْجَوَابِ إنَّ فِي التَّوْرَاةِ نُصُوصًا كَثِيرَةً وَرَدَتْ مُؤَبَّدَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّوْقِيتُ بِمُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ كَقَوْلِهِ إذَا خَرِبَتْ صُوَرٌ لَا تُعَمَّرُ أَبَدًا، ثُمَّ إنَّهَا عُمِّرَتْ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً وَمِنْهَا إذَا خَدَمَ الْعَبْدُ سَبْعَ سِنِينَ أُعْتِقَ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعِتْقَ اُسْتُخْدِمَ أَبَدًا، ثُمَّ أُمِرَ بِعِتْقِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ غَيْرَهَا وَإِذَا جَازَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الْمُؤَبَّدَةِ أَنْ يُرَادَ بِهَا التَّوْقِيتُ فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِي نَصِّ مُوسَى عَلَى تَأْبِيدِ شَرِيعَتِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ قُلْت: عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَبَدِ مَنْقُولٌ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ قَالَ فِي الْعَبْدِ يُسْتَخْدَمُ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ يُعْتَقُ فِي السَّابِعَةِ فَإِنْ أَبَى الْعِتْقَ فَلْيُثْقَبْ أُذُنُهُ وَلْيُسْتَخْدَمْ أَبَدًا مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِخْدَامِ أَبَدًا بَلْ الْعُمْرَ أَبَدًا فَأَطْلَقَ الْأَبَدَ عَلَى الْعُمْرِ فَقَطْ انْتَهَى، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ وَزَادَ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُسْتَخْدَمُ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ يُعْتَقُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ فِي التَّوْرَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْفَرْعِ أَيْضًا وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَبْدِيلِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ كَمَا صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِهِ، هَذَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَانِعِي جَوَازِهِ سَمْعًا فَرِيقَانِ: مَنْ لَا يَمْنَعُهُ عَقْلًا: وَمَنْ يَمْنَعُهُ عَقْلًا أَيْضًا فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي الْوَجْهِ السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ وَانْفَرَدَ مَانِعُوهُ سَمْعًا وَعَقْلًا بِوُجُوهٍ عَقْلِيَّةٍ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قَالُوا) أَيْ مَانِعُوا جَوَازِهِ سَمْعًا وَعَقْلًا وَإِنَّمَا لَمْ يُفْصِحْ بِهِمْ هَكَذَا لِإِرْشَادِ الْمَقُولِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ وَجْهٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ الْحُكْمُ
(الْأَوَّلُ إمَّا مُقَيَّدٌ بِغَايَةٍ) أَيْ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ مُعَيَّنٍ (فَالْمُسْتَقْبَلُ) أَيْ فَالْحُكْمُ الَّذِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كَمَنْ يَقُولُ: صُمْ إلَى الْغَدِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْغَدِ لَا تَصُمْ (لَيْسَ نَسْخًا) لِلْأَوَّلِ (إذْ لَيْسَ رَفْعًا) لِلْأَوَّلِ قَطْعًا بَلْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ انْتَهَى بِنَفْسِهِ بِانْتِهَاءِ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ (أَوْ) مُقَيَّدٌ (بِتَأْبِيدٍ فَلَا رَفْعَ) أَيْضًا فِيهِ (لِلتَّنَاقُضِ) عَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ بِتَأْبِيدِ الْحُكْمِ وَبِنَفْيِ تَأْبِيدِهِ، وَالتَّنَاقُضُ عَلَيْهِ
تَعَالَى بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْعَجْزِ عَنْ إيرَادِ مَا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِلْكَذِبِ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْعَالِمِ الْقَادِرِ الصَّادِقِ فَلَا نَسْخَ (وَلِتَأْدِيَتِهِ) أَيْ جَوَازِ نَسْخِهِ أَيْضًا (إلَى تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ بِهِ) أَيْ بِالتَّأْبِيدِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إذْ مَا مِنْ عِبَارَةٍ تُذْكَرُ لَهُ إلَّا وَيَقْبَلُ النَّسْخَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ لَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ وَكَيْفَ لَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ وَالْإِخْبَارُ بِهِ (وَ) إلَى (نَفْيِ الْوُثُوقِ) بِتَأْبِيدِ حُكْمٍ مَا أَيْضًا (فَلَا يُجْزَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّأْبِيدِ فِي أَحْكَامٍ نَطَقَ دِينُ الْإِسْلَامِ بِتَأْبِيدِهَا أَعْنِي (فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَرْضِيَّتِهَا وَفَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ (وَشَرِيعَتُكُمْ) أَيْ وَلَا نَجْزِمُ بِتَأْبِيدِهَا أَيْضًا بَلْ تَجُوزُ نَسْخُهَا إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ غَيْرُ النَّصِّ الصَّرِيحِ عِنْدَكُمْ بِتَأْبِيدِهَا وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ التَّأْبِيدُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ النَّسْخِ جَازَ نَسْخُهَا لَكِنْ جَوَازُ نَسْخِهَا بَاطِلٌ عِنْدَكُمْ
(الْجَوَابُ إنْ عُنِيَ بِالتَّأْبِيدِ إطْلَاقُهُ) أَيْ الْحُكْمِ عَنْ التَّوْقِيتِ وَالتَّأْبِيدِ (فَلَا يَمْتَنِعُ) جَوَازُ نَسْخِهِ (إذْ لَا دَلَالَةَ لَفْظِيَّةَ عَلَيْهِ) أَيْ امْتِنَاعِ جَوَازِ نَسْخِهِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ وَالتَّأْبِيدَ وَالْبَقَاءَ وَالِاسْتِمْرَارَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمُطْلَقِ وَبَقَاءُ التَّعَلُّقِ وَالْوُجُوبِ وَعَدَمُ بَقَائِهِمَا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الصِّيغَةِ (بَلْ إنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ (مَشْرُوعٌ) فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ (أَوْ) عُنِيَ بِالتَّأْبِيدِ (صَرِيحَهُ) أَيْ التَّأْبِيدِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا امْتِنَاعَ لِنَسْخِهِ (إنْ جَعَلَ) التَّأْبِيدَ (قَيْدًا لِلْفِعْلِ الْوَاجِبِ) إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَوَامِ الْفِعْلِ وَعَدَمِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ كَ صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا فَإِنَّ التَّأْبِيدَ قَيْدٌ لِلصَّوْمِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الْوَاجِبِ لَا لِإِيجَابِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِمَادَّتِهِ لَا بِهَيْئَتِهِ وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْهَيْئَةِ لَا بِالْمَادَّةِ فَيَكُونُ الرَّمَضَانَاتُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِلْوُجُوبِ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْأَبَدِ فَلَمْ يَكُنْ رَفْعُ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ اسْتِمْرَارِهِ مُنَاقِضًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي صُمْ رَمَضَانَ فَإِنَّ جَمِيعَ الرَّمَضَانَاتِ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْخِطَابِ وَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ الْوُجُوبُ قَطْعًا، وَلَمْ يَكُنْ نَفْيًا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِشَيْءٍ مِنْ الرَّمَضَانَاتِ وَتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لَهُ (لَا) إنْ جُعِلَ قَيْدًا فِي (وُجُوبِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِأَنْ يُخْبِرَ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ أَبَدًا، ثُمَّ يُنْسَخُ حَتَّى يَأْتِيَ زَمَانٌ لَا وُجُوبَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَإِنْ لَزِمَ) صَرِيحُ التَّأْبِيدِ (قَيْدًا لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فَمُخْتَلِفٌ) فِي جَوَازِ نَسْخِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، ثُمَّ كَمَا قَالَ أَيْضًا (وَلَا يُفِيدُ) هَذَا التَّرْدِيدُ مَنْعَ جَوَازِ النَّسْخِ مُطْلَقًا (لِجَوَازِهِ) أَيْ النَّسْخِ (بِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى جَوَازِهِ، ثُمَّ وُقُوعِهِ فَالتَّشْكِيكُ فِيهِ سَفْسَطَةٌ.
(وَتَسْلِيمُ كَوْنِ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ) بِالتَّأْبِيدِ (صَرِيحًا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ لَا يُفِيدُهُمْ) أَيْ مَانِعِي جَوَازِ النَّسْخِ مُطْلَقًا (النَّفْيُ الْكُلِّيُّ) لِجَوَازِ النَّسْخِ (الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُهُمْ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ قَالُوا) أَيْ مَانِعُوا جَوَازِهِ سَمْعًا وَعَقْلًا؛ وَلِمَا ذَكَرْنَا (أَيْضًا) آنِفًا (لَوْ رُفِعَ) تَعَلُّقُ الْحُكْمِ (فَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ (قَبْلَ وُجُودِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فَلَا ارْتِفَاعَ) لَهُ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَكُونُ ارْتِفَاعًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ (أَوْ) يَكُونُ رَفْعُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (أَوْ) يَكُونُ رَفْعُهُ (مَعَهُ) أَيْ الْفِعْلِ (فَيَسْتَحِيلُ) رَفْعُهُ أَيْضًا لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ مَا وُجِدَ وَانْقَضَى؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ وَلِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الشَّيْءِ حَالَ وُجُودِهِ لِلُزُومِ اجْتِمَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيُوجَدُ حِينَ لَا يُوجَدُ وَأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ (وَلِأَنَّهُ تَعَالَى: إمَّا عَالِمٌ بِاسْتِمْرَارِهِ) أَيْ بِدَوَامِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ (أَبَدًا فَظَاهِرٌ) أَنَّهُ لَا نَسْخَ وَإِلَّا يَلْزَمُ وُقُوعُ خِلَافِ عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ وَالْبَارِئُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ (أَوْ لَا) يَعْلَمُ اسْتِمْرَارَهُ أَبَدًا (فَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ (فِي عِلْمِهِ مُؤَقَّتٌ فَيَنْتَهِي) الْحُكْمُ (عِنْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتِ
(وَالْقَوْلُ الَّذِي يَنْفِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ (لَيْسَ رَفْعًا) لِحُكْمٍ ثَابِتٍ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) وَهُوَ (أَنَّهُ) لَوْ رُفِعَ فَإِمَّا قَبْلَ وُجُودِهِ إلَخْ (تَرْدِيدٌ فِي الْفِعْلِ) وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ (لَا) فِي (الْحُكْمِ) وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إذْ النَّسْخُ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ لَا الْفِعْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ ارْتِفَاعِ الْفِعْلِ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ (وَلَوْ أَجْرَى) التَّرْدِيدَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (قُلْنَا الْمُرَادُ) بِالنَّسْخِ (انْقِطَاعُ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الْحُكْمِ وَانْقِطَاعُ اسْتِمْرَارِهِ وَمَعْنَاهُ