الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِيمَانِهِ أَيْ كَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَدَّلَ بِالْآخَرِ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّانِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى الْمُعَظَّمِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ إنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا جَازَ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا (بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا يَتَبَدَّلُ قَطْعًا لِعَدَمِ إمْكَانِ احْتِمَالِهِ لِلتَّبْدِيلِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ فَإِنَّ اتِّصَافَ الْعَالَمِ بِالْحُدُوثِ لَا يَتَبَدَّلُ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْقِدَمُ قَطْعًا هَذَا (وَلَازِمُ تَرَاخِي الْمُخَصَّصِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ) كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (غَيْرُ لَازِمٍ هُنَا) أَيْ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْإِخْبَارِ لِمَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ (بَلْ غَايَتُهُ) أَيْ جَوَازِ نَسْخِ هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُ (اعْتِقَادُ أَنَّهُ) أَيْ حُكْمَ الْإِخْبَارِ (لَا يُرْفَعُ) فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ غَيْبٌ لَا يُوقِفُ عَنْ الْعَمَلِ
(وَهُوَ) اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (غَيْرُ ضَائِرٍ) فِي الْعَمَلِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَلَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فِي الِاسْتِقْبَالِ إذَا ظَهَرَ الرَّافِعُ لَهُ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِقْبَالِ (فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِنَسْخِ الْحُكْمِ الْإِنْشَائِيِّ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (كَصُمْ غَدًا ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ جَوَازَ نَسْخِهِ (اتِّفَاقٌ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ الْتِزَامًا فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ غَدًا قَبْلَ مَجِيئِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ أَبَدًا عُسْرٌ.
(وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ عَضُدُ الدِّينِ (لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ مُقَيَّدٍ بِالْأَبَدِ وَعَدَمِ أَبَدِيَّةِ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَبَدِيًّا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ إيجَابُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الدَّوَامِ إنَّمَا يُنَاقِضُهُ عَدَمُ إيجَابِ الدَّوَامِ لَا عَدَمُ دَوَامِ الْإِيجَابِ (بَعْدَ مَا قَرَّرَ) هَذَا الْقَائِلُ (فِي النِّزَاعِ مِنْ أَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ (عَلَى جَعْلِهِ) أَيْ التَّأْبِيدِ (قَيْدًا لِلْحُكْمِ مَعْنَاهُ بِالنَّسْخِ يَظْهَرُ خِلَافُهُ) أَيْ أَنَّ التَّأْبِيدَ لَيْسَ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (وَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا (أَنْ لَا يَجْعَلَ) مَا التَّأْبِيدُ فِيهِ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (النِّزَاعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ) الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ (بَلْ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (مَا) أَيْ التَّأْبِيدُ الَّذِي (هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ الْحُكْمِ) لَا الَّذِي هُوَ نَصٌّ فِيهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّزَاعُ فِيمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ بَلْ فِيمَا هُوَ نَصٌّ فِيهِ (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ (عَلَى خِلَافِ الْمَفْرُوضِ) وَهُوَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (وَحِينَئِذٍ فَقَدْ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ) لِنَسْخِهِ بَلْ وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ نَسْخُ مِثْلِ صُومُوا أَبَدًا يَجُوزُ نَسْخُ وَاجِبٍ مُسْتَمِرًّا أَبَدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا غَيْرَ أَنَّ عَضُدَ الدِّينِ الْقَائِلِ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ لَمْ يَجْعَلْ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ بَلْ فِي الْفِعْلِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ الْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِالتَّأْبِيدِ إنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا فِي الْفِعْلِ مِثْلُ صُومُوا أَبَدًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَبَيَانًا لِمُدَّةِ بَقَاءِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَإِنْ كَانَ نَصًّا مِثْلَ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا لَمْ يُقْبَلْ خِلَافُهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ انْتَهَى.
نَعَمْ أُورِدَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ إلَى كَوْنِهِ قَيْدًا لِلْفِعْلِ وَقَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْإِيجَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ الْمُشْتَمِلُ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يُفِيدُ تَأْبِيدَ الْوَاجِبِ أَوْ الْوُجُوبِ هَذَا وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَا طَائِلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَحْكَامِ حُكْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ التَّوْقِيتِ قَدْ نُسِخَ شَرْعِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ (الْجُمْهُورُ لَا يَجْرِي) النَّسْخُ (فِي الْأَخْبَارِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَاضِيَةً أَوْ مُسْتَقْبَلَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ فِيهَا هُوَ (الْكَذِبُ) وَالشَّارِعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَجْرِي فِي وَاجِبَاتِ الْعُقُولِ بَلْ فِي جَائِزَاتِهَا وَتَحَقُّقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ
وَالْخُلْفُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالنَّسْخُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ (وَقِيلَ نَعَمْ) يَجْرِي فِيهَا مُطْلَقًا أَيْ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً وَعْدًا وَوَعِيدًا وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ إذَا كَانَ مَدْلُولُهَا مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ وَعَزَاهُ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ إلَى بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ إذَا كَانَ مَدْلُولُهُ مُتَكَرِّرًا وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ عَامًّا كَمَا لَوْ قَالَ: عَمَّرْت زَيْدًا أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ تِسْعَمِائَةٍ أَوْ لَأُعَذِّبَنَّ الزَّانِيَ أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ أَرَدْت أَلْفَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الْمَدْلُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَكَرِّرًا نَحْوَ أَهْلَكَ اللَّهُ زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ مَا أَهْلَكَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ أَخْبَرَ عَنْ إعْدَامِهِ وَبَقَائِهِ جَمِيعًا كَانَ تَنَاقُضًا وَمِنْهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ مَنْ مَنَعَهُ فِي الْمَاضِي وَجَوَّزَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] إنَّ لَك أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الصِّلَةَ مُضَارِعٌ فَيَتَعَلَّقُ الْمِحْوَرُ بِمَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ وَالْإِخْبَارُ يَتْبَعُهُ وَأَيْضًا الْوُجُودُ الْمُحَقَّقُ فِي الْمَاضِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ الثُّبُوتِ قِيلَ؛ وَلِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَاضِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمَفْهُومُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَجْلِهِ قَالَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَيُسَمَّى مِنْ لَا يَفِي بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ «إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْإِخْلَافُ كَذِبًا دَخَلَ تَحْتَ «وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ» وَالْأَوْجَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَالْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَعَلِّقَ بِالِاسْتِقْبَالِ كَ سَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ يَصِحُّ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ، وَالْوَعْدُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ وَالْإِخْلَافُ أَيْضًا كَذِبٌ وَلِلِاهْتِمَامِ بِهِ خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ، وَتَخْصِيصُهُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا يُنَافِيهِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى، ثُمَّ تَقُولُ إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ الْكَذِبُ لَا يَكُونُ خَبَرًا فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُلَقَّبَةِ بِنَسْخِ الْأَخْبَارِ، ثُمَّ مِنْهُمْ كَابْنِ السَّمْعَانِيِّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ فِي الْوَعْدِ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْإِنْعَامِ عَلَى اللَّهِ مُسْتَحِيلٌ وَجَوَّزَهُ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خُلْفًا بَلْ عَفْوًا وَكَرَمًا وَعِبَارَةُ الْخَطَّابِيِّ: النَّسْخُ يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ ابْنُ عُمَرَ النَّسْخَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] فَإِنَّهُ نَسَخَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ حَدِيثِ النَّفْسِ وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّخْفِيفِ وَالْعَفْوِ عَنْ عِبَادِهِ وَهُوَ كَرْمٌ وَفَضْلٌ وَلَيْسَ بِخُلْفٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ سَوَاءٌ فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَهُ بِالْحُرْمَةِ بِنَسْخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا مُؤَبَّدًا لَا يُنْسَخُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ كَإِخْبَارِهِ أَنَّهُ يُدْخِلُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ الْكُفَّارَ النَّارَ فَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأُصُولِ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي الْخَبَرِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ كَرْمٌ لَا فِي الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِأَنَّهُ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَلَدٌ يَوْمَ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ إذْ خِلَافُهُ كَذِبٌ فَلَا يَجُوزُ فِي وَصْفِ اللَّهِ وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيِّ الْخَبَرُ الْوَارِدُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعِبَادَةُ بِاعْتِقَادِ مُخْبِرِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَلَا التَّعَبُّدُ فِيهِ بِغَيْرِ الِاعْتِقَادِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ حِفْظُهُ وَتِلَاوَتُهُ وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَإِنْ أُمِرْنَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَرْكِ تِلَاوَتِهِ حَتَّى يَنْدَرِسَ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمَانِ فَيُنْسَى كَمَا نُسِخَ تِلَاوَةُ سَائِرِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ، ثُمَّ قَدْ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَيْسَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَمَّا إذَا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ بَلْ الْخِلَافُ يَجْرِي فِيهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ، وَجَوَازُ نَسْخِهِ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِينَ خِلَافًا لِلدَّقَّاقِ وَلَا وَجْهَ ظَاهِرٌ لَهُ قِيلَ: إلَّا أَنْ يُقَالَ لِكَوْنِهِ عَلَى صُورَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ سَاقِطٌ هَذَا وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ فَإِنْ قُلْنَا رَفْعٌ لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْخَبَرِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّاسِخُ الرَّافِعُ لِبَعْضِ مَدْلُولِهِ كَاذِبًا ضَرُورَةً أَنَّهُ صَادِقٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ وَإِنْ قُلْنَا بَيَانُ الْمُرَادِ اُتُّجِهَ أَنْ يُقَالَ: الْخِطَابُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ اللَّفْظِ فَلَمْ يُفْضِ نَسْخُ الْخَبَرِ حِينَئِذٍ إلَى الْكَذِبِ وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ