الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ثُبُوتِ صِدْقِ الرَّسُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَى وُجُودِ الْبَارِئِ وَإِرْسَالِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
وَإِلَى هُنَا انْتَهَى تَحْرِيرُ أُصُولِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبَلَغَتْ قَوَاعِدُهَا فِي سَمَاءِ الْبَيَانِ غَايَةَ الِارْتِفَاعِ فَبَرَزَتْ خَرَائِدُهَا سَافِرَةً لِلِّثَامِ فِي أَحْسَنِ حُلَّةٍ وَأَكْمَلِ قَوَامٍ سَهْلَةَ الِانْقِيَادِ لِذَوِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلِيمِ الْعَلَّامِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ شَامِخَةَ الْأَنْفِ أَبِيَّةَ الزِّمَامِ، وَمِنْ هُنَا يَقَعُ الشُّرُوعُ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ الْفُحُولِ وَمِيزَانُ الْعُقُولِ وَلِلظَّفَرِ بِدَقَائِقِهِ وَرَقَائِقِهِ عَلَى اخْتِلَافِ حَدَائِقِهِ وَحَقَائِقِهِ تُشَدُّ الرِّحَالُ وَلِلِاحْتِبَاءِ بِمَطَارِفِ أَزْهَارِهِ وَالِاجْتِنَاءِ لِأَصْنَافِ ثِمَارِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِبَهْجَةِ أَنْوَارِهِ وَالِاجْتِلَاءِ لِسَاطِعِ أَنْوَارِهِ تَسِيرُ الرِّجَالُ وَفِي مُنَازَلَةٍ تَتَمَايَزُ الْأَقْدَارُ بِحَسَبِ مَا نَالَتْهُ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَنْظَارِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي سُلُوكِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْهِدَايَة إلَى مَقْصِدِهِ الْأَسْنَى مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ تَعَالَى ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ)(الْقِيَاسُ قِيلَ هُوَ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا (أَيْ يُقَالُ إذَا قَصَدَ الدَّلَالَةَ عَلَى مَجْمُوعِ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ عَقِيبَ التَّقْدِيرِ؛ قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ) أَيْ قَدَّرْتهَا بِهَا فَسَاوَتْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ (وَلَمْ يَزِدْ الْأَكْثَرُ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَحَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى) أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً (التَّقْدِيرُ وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ) أَيْ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ نَحْوُ (قِسْت الثَّوْبَ بِالذِّرَاعِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي مِقْدَارٍ) نَحْوُ (قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ وَلَوْ) كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَمْرًا (مَعْنَوِيًّا) نَحْوُ (أَيْ فُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ، لَا يَقْدِرُ أَيْ لَا يُسَاوِي) وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
خِفْ يَا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ
…
مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا
وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةُ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَرْدًا مَفْهُومُهُ) أَيْ التَّقْدِيرِ (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ) يُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْلَامِ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ لَهُمَا وَصِدْقُهُ عَلَيْهِمَا (لَا) مُشْتَرَكٌ (لَفْظِيٌّ) فِيهِمَا فَقَطْ أَوْ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْهُمَا (وَلَا) حَقِيقَةَ فِي التَّقْدِيرِ (مَجَازٌ فِي الْمُسَاوَاةِ كَمَا قِيلَ) فِي الْبَدِيعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّقْدِيرَ يَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ شَائِعٌ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ.
(وَفِي الِاصْطِلَاحِ) عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ الْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ (مُسَاوَاةُ مَحَلٍّ لِآخَرَ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (شَرْعِيٍّ لَا تُدْرَكُ) تِلْكَ الْعِلَّةُ (مِنْ نَصِّهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ (بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ) فَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالشَّرْعِيِّ الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ عَقْلِيٍّ صِرْفٍ وَالْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُخَيَّلَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ لُغَوِيٍّ (فَلَا يُقَاسُ فِي اللُّغَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَإِطْلَاقُ حُكْمِهِ) بِأَنْ لَا يُوصَفَ بِشَرْعِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ (يَدْخُلُهُ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعَقْلِيِّ الصِّرْفِ فِي الْحَدِّ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ لَهُمَا كَمَا لِلشَّرْعِيِّ فَيَصِيرُ الْحَدُّ مَدْخُولًا (وَالِاقْتِصَارُ) فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ (عَلَى مُسَاوَاةِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (يُفِيدُ طَرْدَهُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَاسْمُ الْقِيَاسِ) أَيْ إطْلَاقُهُ (مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (مَجَازٌ لِلُزُومِ التَّقْيِيدِ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (بِالْجَلِيِّ) أَيْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ (وَإِلَّا فَعَلَى) إطْلَاقَ الْقِيَاسِ عَلَى الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَعَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى سَبِيلِ (التَّوَاطُؤِ) حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ قِسْمًا مِنْ الْقِيَاسِ (بَطَلَ
اشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ كَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ دَلِيلَ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَامِلٌ لِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُخْرِجًا لَهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ مِنْهُ (وَ) بَطَلَ (إطْبَاقُهُمْ عَلَى تَقْسِيمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ) لِأَنَّ الْقِيَاس لَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَلَوْ) كَانَ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكًا (لَفْظِيًّا) بَيْنَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَبَيْنَ مَفْهُومِهَا (فَالتَّعْرِيفُ) الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ (لِخُصُوصِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (الدَّوْرَ فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْعُ تَعَقُّلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَالْفَرْعَ هُوَ الْمَقِيسُ فَمَعْرِفَتُهُمَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا.
(وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ وَهُوَ) أَيْ مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ (مَحَلٌّ) مَنْصُوصٌ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَغَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَرْعُ أَيْ الذَّاتَانِ اللَّتَانِ تَعْرِضُهُمَا الْفَرْعِيَّةُ وَالْأَصْلِيَّةُ لَا الذَّاتَانِ مَعَ الْوَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ (خِلَافُ) مُقْتَضَى (اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْوَصْفِ إرَادَةُ الذَّاتِ مَعَ مَا قَامَ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِرَادَةُ الذَّاتِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنَايَةً يَنْبُو عَنْهَا التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ (وَقُلْنَا) الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (رُكْنٌ وَيُسْتَغْنَى) بِهَذَا الْمُرَادِ (عَنْ الدَّفْعِ) الْمَذْكُورِ (الْمَنْظُورِ) فِيهِ بِهَذَا (ثُمَّ إنْ عُمِّمَ) كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ وَتَعْرِيفِنَا (فِي) الْقِيَاسِ (الْفَاسِدِ) وَالصَّحِيحِ (زِيدَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ لِتَبَادُرِ) الْمُسَاوَاةِ (الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) إلَى الْفَهْمِ (مِنْ الْمُسَاوَاةِ) الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقَيُّدِ بَقِيَ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَا الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ فَإِنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُطَابِقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يُطَابِقَ (وَعَنْهُ) أَيْ وَعَنْ تَبَادُرِ الْمُسَاوَاةِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ (لَزِمَ الْمُصَوِّبَةَ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ (زِيَادَتُهَا) أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ (لَمَّا لَمْ تَكُنْ إلَّا) الْمُسَاوَاةَ (فِي نَظَرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (كَانَ الْإِطْلَاقُ) لَهَا (كَقَيْدٍ مُخْرِجٍ لِلْإِفْرَادِ يُفِيدُ) الْإِطْلَاقُ (التَّقْيِيدَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ وَافَقَ نَظَرَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (أَوْ لَا) حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ مُسَاوَاةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا بَلْ فِي نَظَرِهِ فَكَانَ قَيْدًا مُخْرِجًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا يَخْطُرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَإِطْلَاقُهَا مُنْصَرِفٌ إلَى إرَادَتِهَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِيضَاحِ دَفْعِهِ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ النَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الظَّفَرِ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: كُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ صَوَابٌ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُهُ.
وَلَوْ اعْتَرَفُوا بِوُجُودِ مُسَاوَاةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَالُوا بِخَطَأِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا أَنَّهُ صَوَابٌ مَنْسُوخٌ بِالثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي سُوِّغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ اسْتِنْبَاطُهُ الْحُكْمَ مِنْهُ فَهُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ نَظَرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ أَوَّلًا كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ مَا يُفِيدُ مُنَاقَضَتَهُ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُونَ عَلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ نَفَى كَوْنَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فِعْلَ مُجْتَهِدٍ بِاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ) فِي تَعْرِيفِهِ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ (فَأَبْطَلَ التَّعْرِيفَ) الْمَنْقُولَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لِلْقِيَاسِ (بِبَذْلِ الْجَهْدِ إلَخْ) أَيْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ (بِأَنَّهُ) أَيْ بَذْلَ الْجَهْدِ (حَالُ الْقَائِسِ مَعَ أَعَمِّيَّتِهِ) فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ جِنْسِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ (ثُمَّ اخْتَارَ فِي قَصْدِ التَّعْمِيمِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (تَشْبِيهَ) فَرْعٍ بِأَصْلٍ عَلَى الْمُخَطِّئَةِ وَبِزِيَادَةٍ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُصَوِّبَةِ (نَاقَضَ) نَفْسَهُ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ فِعْلَ الشَّارِعِ فَيَفْسُدُ تَعْرِيفُهُ بِمَا أَفْسَدَ بِهِ تَعْرِيفَ أُولَئِكَ (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا التَّنَاقُضَ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِتَشْبِيهِ فَرْعٍ بِأَصْلٍ (تَشْبِيهُ الشَّارِعِ) وَهُوَ فِعْلُ الشَّارِعِ (قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ شَرْعَهُ تَعَالَى) الْحُكْمَ (فِي كُلِّ الْمَحَالِّ) إنَّمَا هُوَ (ابْتِدَاءٌ) أَيْ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ (لَا بِنَاءٌ عَلَى
التَّشْبِيهِ) أَيْ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي بَعْضِهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ شِبْهِ هَذَا الْمَحَلِّ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ (وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ) التَّشْرِيعِ الدَّفْعِيِّ فِي الْجَمِيعِ (الشَّبَهُ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الْحَالِ (وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ تُفِيدُ) كَوْنَ الْقِيَاسِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا (فَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْهَا (إلَى فِعْلِهِ) تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَسُوغُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (فَهُوَ) أَيْ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ (مُخَلِّصٌ) مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا لَا فَلَا (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ نَظَرَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ أَوْ لَا كَالنَّصِّ) .
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلًا لِلْمُجْتَهِدِ وَكَوْنُ النَّصِّ كَذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ مَنَاطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ النَّاسِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا (فَمِنْ الثَّانِي) أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى كَوْنِهِ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ (تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ لَا تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ (لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِكَوْنِهِ مُعَدِّيًا حُكْمَ أَصْلٍ إلَى فَرْعٍ بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ (ثُمَّ فَسَّرَهَا) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ التَّعْدِيَةَ (بِإِثْبَاتِ حُكْمِ مِثْلِ الْأَصْلِ) فِي الْفَرْعِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (مَا سَنَذْكُرُهُ) قَرِيبًا فِي حُكْمِ الْقِيَاسِ (فَأَفَادَ أَنَّهَا) أَيْ التَّعْدِيَةَ (فِعْلُ مُجْتَهِدٍ وَلَيْسَتْ) التَّعْدِيَةُ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُجْتَهِدِ (إذْ لَا فِعْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ (سِوَى النَّظَرِ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا) فِي الْفَرْعِ (ثُمَّ يَلْزَمُهُ) أَيْ النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ إذَا أَدَّى نَظَرُهُ إلَى وُجُودِهَا فِيهِ (ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى عَادَةً فَلَيْسَتْ التَّعْدِيَةُ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى ظَنِّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَظَنُّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ اصْطِلَاحًا فَإِنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ لَا الْفِعْلِ (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ فِي الْفَرْعِ (ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ) فِي نَفْسِهِ (لَا نَفْسُ الْقِيَاسِ) فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تُصَدَّقُ عَلَى مَا لَهُ الثَّمَرَةُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ تَعْرِيفِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لَا الْقِيَاسُ (قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْجُمْهُورُ (حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا إلَخْ) أَيْ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ.
وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْقَاضِي فَهُوَ مَعْنَاهُ إذْ لَفْظُهُ فِي التَّعْرِيفِ حَمْلُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي إيجَابِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَهُمَا أَوْ إسْقَاطِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَيْ أَمْرٍ كَانَ مِنْ إثْبَاتِ صِفَةٍ وَحُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُمَا انْتَهَى لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ثَمَرَةِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ (وَفِيهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا (زِيَادَةُ إشْعَارٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ) ثَابِتٌ (بِالْقِيَاسِ) كَحُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّ هَذَا يُنْبِئُ عَنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ حُكْمَ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْقِيَاسِ هُوَ (الظَّاهِرُ فَظَهَرَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِإِظْهَارٍ فِي الْقِيَاسِ الْفَرْعَ إيَّاهُ) وَالظَّاهِرُ بِإِظْهَارِ الْقِيَاسِ فِي الْفَرْعِ إيَّاهُ أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا بَيَانُ أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ مَعًا إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ لَا أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ وَيُصَدَّقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا جَمِيعًا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إذْ ظَاهِرٌ أَنَّ افْتِقَارَ الْمَجْمُوعِ إلَى شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي افْتِقَارُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ افْتِقَارُ أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ عِنَايَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ لَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِإِفَادَةِ إخْرَاجِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَنْطُوقِ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِيهِ قَبْلَ مُلَاحَظَةِ الْقِيَاسِ بَلْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثَابِتَةً لِلْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْإِشْعَارَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ جَامِعٍ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ.
أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ عَلَى
مَا هُوَ الْحَقُّ فَلَا انْتَهَى قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الْإِشْعَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ التَّشْرِيكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ قَصْدِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ وَالتَّسْوِيَةُ مِمَّا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْت لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَجَازًا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ يُجْتَنَبُ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ إلْحَاقُهُ بِهِ وَعَبَّرَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْيَقِينِ وَالظَّنِّ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُسْتَحِيلٍ وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ لَاخْتَصَّ بِالْمَوْجُودِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَيْ الْمَعْلُومَيْنِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا لِيَتَنَاوَلَ الْقِيَاسَ فِي الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمَحْدُودِ وَفِي الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ أَيْضًا قَتْلٌ تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ وَقَالَ بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْحَمْلِ بِلَا جَامِعٍ ثُمَّ السُّبْكِيُّ مَشَى عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا آخِرُ الْحَدِّ وَأَنَّ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ جَرَى مَجْرَى تَفْسِيرِ الْأَمْرِ الَّذِي يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَعَمُّ مِنْ الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ الْحَدُّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ بِجَامِعٍ كَافٍ فِي التَّمْيِيزِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ الْجَامِعِ فِي الْحَدِّ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْجَزَ أَوْلَى قُلْنَا الْأَوْلَوِيَّةُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ غَيْرُ التَّمْيِيزِ مَقْصُودٌ وَهَا هُنَا يُفِيدُ تَفْصِيلَ الْأَقْسَامِ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّ الْجَامِعَ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِ الْقَتْلِ عُدْوَانًا أَوْ لَيْسَ بِعُدْوَانٍ وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَإِيرَادُ الْحُكْمِ إنْ تَنَاوَلَ الصِّفَةَ كَأَنْ ذَكَرَهَا مُسْتَدْرِكًا أَوَّلًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ صِفَةٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ إلَّا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِ الْجَامِعِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ تَصَوُّرًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَحَقُّقَهُ فِي الْوَاقِعِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِ دَوْرًا وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَصَوُّرَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِدُونِ تَصَوُّرِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلدَّوْرِ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نَفْيَهُ حَشْوٌ وَقَوْلُهُ لِيَنْدَرِجَ الْإِلْحَاقُ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْإِلْحَاقَ فِي النَّفْيِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لَا فِي نَفْسِ الْعَدَمِ وَالْحُكْمُ بِالْعَدَمِ ثُبُوتِيٌّ لَا عَدَمِيٌّ كَالْحُكْمِ بِالْوُجُودِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحِلِّ وَالْعَدَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ فِي نَفْسِ الْعِبَارَةِ كَقَوْلِنَا لَا يَحْرُمُ وَمَعْنَاهُ يَحِلُّ فَإِنْ قُلْت عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحِلِّ.
قُلْت نَعَمْ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الَّذِي لَا حِلَّ مَعَهُ هُوَ الْعَدَمُ الْعَقْلِيُّ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ الْمُسْتَنِدُ إلَى الشَّرْعِ هُوَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ انْتَهَى قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَوْ نَقُولُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا أَوْ سَلْبًا فَهَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لَهُ
(وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ تَعْرِيفُ الْمُنَازَلَةِ بِقَوْلِهِ (تَقْدِيرُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ فَإِنَّك عَمِلْتَ أَنَّ التَّقْدِيرَ يُقَالُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فَرَجَعَ) هَذَا (إلَى تَسْوِيَتِهِ تَعَالَى مَحَلًّا بِآخَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ) آنِفًا مِنْ (أَنَّهُمَا) أَيْ الْمَحَلَّيْنِ هُمَا (الْمُرَادُ بِهِمَا) أَيْ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ (وَيَقْرَبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ (قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيِّ (إبَانَةُ مِثْلِ
حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَتَصْحِيحُهُ بِإِبَانَةِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْإِبَانَةَ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا (أَنَّهُ) أَيْ اخْتِيَارَهَا (لِإِفَادَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ بَلْ الْمُثْبِتُ هُوَ سُبْحَانَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ حَمْلُ الْإِبَانَةِ عَلَى إبَانَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ (لِأَنَّ) الْأَدِلَّةَ (السَّمْعِيَّةَ) مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرًا لِلْحُكْمِ لَا أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهُ (كُلَّهَا كَذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ لِأَنَّهَا (إنَّمَا تُظْهِرُ الثَّابِتَ مِنْ حُكْمِهِ وَهُوَ) الْمَعْنَى (النَّفْسِيُّ ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنْ يُقَالَ (إنَّ إبَانَتَهُ) أَيْ الشَّارِعِ (الْحُكْمَ لَيْسَ) ذَلِكَ (نَفْسَ الدَّلِيلِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (بَلْ) ذَلِكَ أَمْرٌ (مُرَتَّبٌ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ عَادَةً وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (وَيَجِبُ حَذْفُ " مِثْلِ " فِي مِثْلِ حُكْمٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (نُصَّ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ) وَهُوَ الْأَصْلُ (وَالْقِيَاسُ يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفَرْعُ (أَيْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدٌ لَهُ إضَافَتَانِ إلَى الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْأَصْلِ وَإِلَى الْفَرْعِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْفَرْعِ فَلَا يَتَعَدَّدُ فِي ذَاتِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ أَصْلًا بَلْ هُوَ وَاحِدٌ لَهُ تَعَلَّقَ بِكَثِيرِينَ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقْدُورَاتِ وَبِهِ لَا تَصِيرُ الْقُدْرَةُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً.
(وَكَذَا) يَجِبُ حَذْفُ (مِثْلٍ فِي بِمِثْلِ عِلَّتِهِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَمَا سَتَعْلَمُ (وَمَبْنَى هَذَا الْوَهْمِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِثْلٍ فِي كِلَا هَذَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ (حَتَّى قَالَ مُحَقِّقٌ) وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِهِ (لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتَ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا) فِي الْفَرْعِ (لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ وَبِذَلِكَ) أَيْ وَبِالْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ (يَحْصُلُ ظَنُّ مِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ) وَبَيَانُ وَهْمِهِمْ (أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخِطَابَ (وَصْفٌ مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ وَاحِدٌ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا ذَكَرَ) مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ (إنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَةِ قِيَامِ الْعَرْضِ الشَّخْصِيِّ بِالْمَحَلِّ كَالْبَيَاضِ الشَّخْصِيِّ الْقَائِمِ بِالثَّوْبِ الشَّخْصِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِعَيْنِهِ بِغَيْرِهِ وَالْكَائِنُ هُنَا مُجَرَّدُ إضَافَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِوَاحِدٍ شَخْصِيٍّ وَكَذَلِكَ) أَيْ تَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ لَهُ (لَا يَمْنَعُهُ الشَّخْصِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْخَمْرِ) هُوَ (بِعَيْنِهِ لَهُ إضَافَةٌ أُخْرَى إلَى النَّبِيذِ وَمِثْلُهُ مِمَّا لَا يُحْصَى كَالْقُدْرَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ لَيْسَتْ) الْقُدْرَةُ (قَائِمَةً بِهَا) أَيْ بِالْمَقْدُورَاتِ (بَلْ بِهِ تَعَالَى وَلَهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ (إلَى كُلِّ مَقْدُورٍ إضَافَةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ) وَكَمَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَجْعَلُوا نَحْوَ الْخَالِقِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِأَنَّهَا إضَافَةٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورِ.
(وَكَذَا الْوَصْفُ) الْمُعَدَّى الصَّالِحُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قِيَامُ شَخْصٍ بِمَحَلَّيْنِ (إذْ لَيْسَ) الْوَصْفُ (الْمَنُوطُ بِهِ) الْحُكْمُ (الْوَصْفَ الْجُزْئِيَّ بَلْ) الْوَصْفُ الْمَنُوطُ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ الْوَصْفُ (الْكُلِّيُّ وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ الْكُلِّيُّ (بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي) كُلِّ (الْمَحَالِّ) أَصْلًا وَفَرْعًا (فَمَنَاطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ) مُطْلَقًا لَا إسْكَارُ الْخَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ إسْكَارَ الْخَمْرِ (قَاصِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَمْرِ وَذِكْرُهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ أَوْ كَمَا هُوَ لُغَةً فِيهَا (فَتَمْتَنِعُ التَّعْدِيَةُ) لِامْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمَنَاطِ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ لَا أَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ (الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَفَاسِدِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُ الْإِنْسَانِ مِنْهَا (وَاشْتِمَالُهُ) عَلَيْهِ (لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ إسْكَارٌ كَذَا بَلْ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ (إسْكَارٌ) مُطْلَقٌ (وَهُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْمَحَالِّ) كُلِّهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ فِي الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ.
(وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ) قَالَ رحمه الله وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ خِلَافُ كَلَامِ النَّاسِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي
الْأَصْلِ وَالْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا فِي الْفَرْعِ (ظَنٌّ) لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا) لِلْحُكْمِ فِيهِ (وَ) خُصُوصِ (الْفَرْعِ مَانِعًا) مِنْهُ (وَأُورِدَ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قِيَاسُ الْعَكْسِ) وَهُوَ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الشَّيْءِ فِي شَيْءٍ آخَرَ بِنَقِيضِ عِلَّتِهِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ (فَإِنَّهُ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ) لِإِثْبَاتِ مَطْلُوبَهُ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ الثَّابِتُ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَوْ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ لِيَشْتَمِل الْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكِيٍّ لِإِثْبَاتِهِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا، بَلْ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا شَافِعِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ لِأَنَّ جَدِيدَ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ (لَمَّا وَجَبَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ) أَيْ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا نَذَرْت الِاعْتِكَافَ صَائِمًا (وَجَبَ) الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ (بِلَا نَذْرٍ) لِلصَّوْمِ مَعَهُ (كَالصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ شَرْطًا لَهُ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ (بِالنَّذْرِ) كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا (لَمْ تَجِبْ) فِي الِاعْتِكَافِ (بِغَيْرِ نَذْرٍ وَمَضْمُونُ الشَّرْطِ فِي الْأَصْلِ الصَّلَاةُ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ.
(وَ) فِي (الْفَرْعِ الصَّوْمُ) وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ (عِلَّةٌ لِمَضْمُونِ الْجَزَاءِ) وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرِهِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِذَنْ أَثْبَتْنَا وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ بِعِلَّةِ وُجُوبِهِ فِيهِ بِنَذْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ قِيَاسًا عَلَى إثْبَاتِنَا عَدَمَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِهَا بِعِلَّةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ بِنَذْرِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِنَقِيضِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ (أُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ) أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا (مَجَازٌ وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ مَجَازًا (لَزِمَ تَقْيِيدُهُ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ إذَا أُرِيدَ بِهِ (أَوْ) الِاسْمِ فِيهِ (حَقِيقَةً) وَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَلْ نَقُولُ (وَالْمُسَاوَاةُ) فِيهِ (حَاصِلَةٌ ضِمْنًا) وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِ الصَّوْمِ لَهُ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ (بِنَذْرِهِ) أَيْ الصَّوْمِ لَهُ (فِي حُكْمٍ هُوَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ) أَيْ إِمَّا بِطَرِيقِ إلْغَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ وَهُوَ النَّذْرُ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فَتَبْقَى الْعِلَّةُ الِاعْتِكَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ قَدْ اقْتَضَى وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي فِيهَا نَذْرُهُ فَكَذَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَذْرُهُ وَهَذَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ بِالسَّبْرِ عِنْدَ قَائِلِهِ) بِالْمُوَحَّدَةِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَيْ هِيَ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ فِي صُورَةِ نَذْرِهِ مَعَهُ.
(أَمَّا الِاعْتِكَافُ أَوْ هُوَ) أَيْ الِاعْتِكَافُ (بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُجَرَّدِ عَنْ نَذْرِ الصَّوْمِ مَعَهُ وَالِاعْتِكَافُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ غَيْرِهِمَا (وَالنَّذْرُ مَلْغِيٌّ) حَالَ كَوْنِهِ (فَارِقًا) بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ (أَوْ وَصْفًا لِلسَّبْرِ) أَيْ لِأَحَدِ أَقْسَامِهِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ بِنَذْرِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ (فَهِيَ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُقْتَرِنِ بِنَذْرِهِ إنَّمَا هِيَ (الِاعْتِكَافُ) فَقَطْ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَصْلٌ وَبِغَيْرِ نَذْرِهِ فَرْعٌ، وَاشْتِرَاطَ الصَّوْمِ فِيهِمَا حُكْمٌ وَالِاعْتِكَافَ عِلَّةٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُذْكَرْ لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا بَلْ لِبَيَانِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْفَارِقِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُقْتَرِنَةً بِالنَّذْرِ أَوْ أَحَدِ أَوْصَافِ السَّبْرِ فَلَا تَجِبُ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ لَهَا فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ إذْ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ نَذْرِ الصَّوْمِ مُسَاوٍ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِيهِمَا وَفِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الِاعْتِكَافُ الْمُطْلَقُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا، ثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ الصَّوْمِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ أَيْ أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ (مَعَ نَذْرِهِ) فِي الِاعْتِكَافِ (بِالصَّلَاةِ بِالنَّذْرِ) أَيْ مَعَ نَذْرِهَا فِيهِ (فِي حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ
إيجَابِ النَّذْرِ) لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ أَيْ كَمَا أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِهَا فِيهِ فَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِيهِ فَالْأَصْلُ الصَّلَاةُ بِالنَّذْرِ وَالْفَرْعُ الصِّيَامُ بِهِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا عِبَادَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِي التَّحْقِيقِ عَدَمُ تَأْثِيرِ النَّذْرِ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَقْصُودُ إضَافَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ إلَى نَفْسِ الِاعْتِكَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ قِيَاسُ الْعَكْسِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (مَلْزُومُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ) أَيْ الْمَطْلُوبُ (أَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ الصَّوْمِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ النَّذْرِ وَهُوَ الِاعْتِكَافُ (وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ) أَيْ قِيَاسِ الْعَكْسِ (مُلَازَمَةً) شَرْعِيَّةً (وَقِيَاسًا) لِبَيَانِهَا كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هَكَذَا (وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الصَّوْمَ لِلِاعْتِكَافِ) بِلَا نَذْرٍ (لَمْ يُشْتَرَطْ) الصَّوْمُ لَهُ (بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ) لِلِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرٍ (فَلَمْ تُشْرَطْ) لِلِاعْتِكَافِ (بِهِ) أَيْ بِالنَّذْرِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْجَهَ (لِعُمُومِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ لِهَذَا وَلِغَيْرِهِ أَعْنِي (قَوْلَ شَافِعِيٌّ فِي تَزْوِيجِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ (نَفْسَهَا يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ) لِلْأَوْلِيَاءِ (عَلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ) تَزْوِيجُ نَفْسِهِ (لَمْ يَثْبُتْ) الِاعْتِرَاضُ لَهُمْ (عَلَيْهِ فَمَضْمُونُ الْجَزَاءِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الرَّجُلُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ الْحُكْمِ حَالَ كَوْنِهِ مَضْمُونَ الشَّرْطِ (قَلَبَ الْأَصْلِ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرَّجُلِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَذْكُورًا فِي نُسَخِ شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَانَ غَيْرَ مُتَّجَهٍ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مُلَازَمَةٌ وَقِيَاسٌ لِبَيَانِهَا نَبَّهَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِهِ (وَالْوَجْهُ قَلْبُهُ) أَيْ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ (وَالْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ حَاصِلَةُ (فِي هَذَا) الْقَلْبِ (عَلَى تَقْدِيرِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ فِي الْمِثَالِ لَوْ صَحَّ) مِنْهَا (لَمَا ثَبَتَ الِاعْتِرَاضُ) عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ (فَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ تَسَاوَى بِهِ الرَّجُلُ عَلَى التَّقْدِيرِ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا (وَالْمُسَاوَاةُ فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ تَبَادَرَ مِنْهُ) أَيْ فِي إطْلَاقِهَا (مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ) آنِفًا (هِيَ أَعَمُّ مِمَّا) أَنْ يَكُونَ (عَلَى التَّقْدِيرِ) أَوْ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَبْهَرِيَّ دَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ " لَمَّا " تَدُلُّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُقُوعِ الْمَلْزُومِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى كَوْنِ الْمَلْزُومِ عِلَّةً لِلَّازِمِ بَلْ الْمَلْزُومُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلَّازِمِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لَهُ وَأَنْ يَكُونَا مَعْلُولَيْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَضَايِفَيْنِ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً يُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ وَيُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَلْزَمُ بِمَا صَحَّحَهُ ثُبُوتُ الْمُلَازَمَةِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهَا مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا عَلَامَاتٍ أَوْ بَوَاعِثَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قُلْت فَمَا جَوَابُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ.
قُلْت هُوَ أَنْ يُقَالَ إنْ عَنَيْت أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسِهَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَهُوَ الْمُفِيدُ لَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ عَلَيْهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ ذَاكَ لِحَقِّ الْوَلِيِّ فِي إلْزَامِهَا إيَّاهُ بِنِسْبَةِ غَيْرِ كُفْءٍ إلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَيْسَ لَهُ اعْتِرَاضٌ عَلَيْهَا (الثَّانِي) مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمُورَدَيْنِ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ (قِيَاسُ الدَّلَالَةِ) وَهُوَ (مَا) أَيْ الْقِيَاسُ الَّذِي (لَمْ تُذْكَرْ) الْعِلَّةُ (فِيهِ بَلْ) ذُكِرَ فِيهِ (مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) مِنْ وَصْفٍ مُلَازِمٍ لَهَا (كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي الْمَسْرُوقِ يَجِبُ) عَلَى السَّارِقِ (رَدُّهُ) حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ (فَيَجِبُ ضَمَانُهُ) عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (هَالِكًا) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ أَيْضًا (كَالْمَغْصُوبِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ عِلَّةَ الضَّمَانِ بَلْ هِيَ الْيَدُ الْعَادِيَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ قَصَدَ الشَّارِعُ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَهُمَا أَعْنِي وُجُوبَ الرَّدِّ فِي الْمَسْرُوقِ وَوُجُوبَهُ فِي الْمَغْصُوبِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّافِعِيَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ وَالْمَالِكِيَّ لَا يَقُولَانِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِ (وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (مَجَازٌ لِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ (الْعِلَّةَ)