المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المرصد الثاني في شروط العلة] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[المرصد الثاني في شروط العلة]

صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَمَا أُقِيمَ مِنْ دَلِيلٍ مُقَامَ مَدْلُولِهِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ) فِي إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لِوُجُودِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إخْبَارِهَا عَنْ حُبِّهَا لَهُ مَعَ انْتِفَاءِ وَضْعِهِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ مُقَامَ الْمَدْلُولِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ ثُمَّ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَكِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَتْ عَنْ الْمَحَبَّةِ خَارِجَ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّخْيِيرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى إخْبَارِهَا وَالتَّخْيِيرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْأَخْبَارِ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَصَارَ الشَّرْطُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعِلَّةِ حُكْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

(الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (اسْتَلْزَمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا اشْتِرَاطَ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ) أَيْ كَوْنِهَا وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ (وَمَظِنِّيَّةَ الْحِكْمَةِ) أَيْ وَكَوْنِهَا مَظِنَّةً لِلْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا (أَوَّلًا أَوْ بِوَاسِطَةِ مَظِنَّةٍ أُخْرَى فَلَزِمَتْ الْمُنَاسَبَةُ) أَيْ كَوْنُهَا مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ (وَعَدَمُ الطَّرْدِ) أَيْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ لِطَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ (وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى الْجُمْهُورِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ مَذْهَبُهُمْ (الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ كَوْنِهَا عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ كَقَلْبِهِ اتِّفَاقًا (قِيلَ وَجَوَازُ) تَعْلِيلِ (الْعَدَمِيِّ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِيِّ كَعَدَمِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ (النَّافِي) لِتَعْلِيلِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ (الْعِلَّةُ) هِيَ الْأَمْرُ (الْمُنَاسِبُ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (أَوْ مَظِنَّتِهِ) أَيْ الْمُنَاسِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ بِحَسَبِ أَنْ يَكُونَ بَاعِثًا بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ وَأَنَّ الْبَاعِثَ مُنْحَصِرٌ فِي الْمُنَاسِبِ وَمَظِنَّتِهِ وَهُوَ مَا يُلَازِمُهُ (وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مَظِنَّتُهُ بَلْ نِسْبَتُهُ إلَى جَمِيعِ الْمُحَالِ وَالْأَحْكَامِ سَوَاءٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً.

(وَ) الْعَدَمُ (الْمُضَافُ إمَّا) مُضَافٌ (إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ إلَى شَيْءٍ فِي شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ (مَصْلَحَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ (مَانِعٌ) مِنْ الْحُكْمِ لِعَدَمِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمُ الْمَصْلَحَةِ مَانِعٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ وَلَا مَظِنَّتُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ فَإِنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لَهُ (أَوْ) مُضَافٌ إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ مَعَهُ (مَفْسَدَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ إلَيْهِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مَظِنَّةً مُنَاسِبٌ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضٍ يُقَالُ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ أَوْ لِفَقْرِهِ وَلَوْ قِيلَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عُدَّ سُخْفًا لَكِنْ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ مُنْشِئًا لِمَصْلَحَةٍ وَدَافِعًا لِمَفْسَدَةٍ تَنْشَأُ مِنْ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُقْتَضِيًا وَعَدَمًا لِلْمَانِعِ وَمِثْلُهُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ (أَوْ) إلَى (مُنَافٍ مُنَاسِبٍ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ الْمُنَاسِبَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (الْمُنَاسِبَ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْعَدَمِ الْحِكْمَةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَكُونُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ (ثُمَّ لَا يَصْلُحُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ مَظِنَّةً لِلْمُنَاسِبِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الْمُنَاسِبَ الَّذِي (هُوَ) أَيْ الْعَدَمُ (مَظِنَّةٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُنَاسِبِ (إنْ كَانَ) وَصْفًا مُنْضَبِطًا (ظَاهِرًا) بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (أَغْنَى) بِنَفْسِهِ عَنْ الْمَظِنَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَدَمُ فَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ (أَوْ) كَانَ (خَفِيًّا فَنَقِيضُهُ وَهُوَ مَا عَدَمُهُ مَظِنَّةٌ خَفِيٌّ) أَيْضًا (لِاسْتِوَاءِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً) وَالْخَفِيُّ لَا يَصْلُحُ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يَعْرِفُ الْخَفِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَ هَذَا بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً لِتَكْرَارٍ وَإِلْفٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَيْفَ وَالْمَلَكَاتُ أَجْلَى مِنْ الْإِعْدَامِ.

(أَوْ)

ص: 167

مُضَافٌ إلَى (غَيْرِ مُنَافٍ) لِلْمُنَاسِبِ (فَوُجُودُهُ) أَيْ غَيْرِ الْمُنَافِي (وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ) فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ (فَلَيْسَ عَدَمُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً فَلَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَقَدْ فَرَضْنَاهُ عِلَّةً هَذَا خُلْفٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى إيضَاحِهِ بِمِثَالٍ وَهُوَ (كَمَا لَوْ قِيلَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ لِعَدَمِ إسْلَامِهِ فَلَوْ كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ مَصْلَحَةٌ فَاتَتْ) فَيَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ) كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ (مَفْسَدَةٌ فَعَدَمُ مَانِعٍ) أَيْ فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ فَمَا الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ (يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ ظَاهِرًا وَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ الظَّاهِرُ لِلْقَتْلِ (الْكُفْرُ فَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ الْعِلَّةُ فَلْيُقَلْ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ (خَفِيًّا) وَهُوَ الْكُفْرُ مَثَلًا (فَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ) أَيْ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ نَقِيضُهُ وَالنَّقِيضَانِ مِثْلَانِ (فَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (كَذَلِكَ) أَيْ خَفِيٌّ فَلَا فَرْقَ ضَرُورَةً بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْكُفْرِ وَمَعْرِفَةِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ فِي الْخَفَاءِ (أَوْ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ (لَا) يُنَافِي مُنَاسِبًا إذْ لَيْسَ الْكُفْرُ هُوَ الْمُنَاسِبُ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ يَقْتُلُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ (فَالْمُنَاسِبُ) شَيْءٌ (آخَرُ يُجَامِعُ كُلًّا مِنْ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَالْإِسْلَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً مَظِنَّةَ الْحِلِّ.

(وَدُفِعَ) هَذَا الدَّلِيلُ (مِنْ الْأَكْثَرِ بِاخْتِيَارِ أَنَّهُ) أَيْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (يُنَافِيهِ) أَيْ الْمُنَاسِبَ (وَجَازَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُنَافِيهِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (الْعَدَمَ نَفْسَهُ لَا) كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ وَالْمُسْتَدِلُّ إنَّمَا أَبْطَلَ هَذَا.

وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ هُوَ عَيْنُ الْمُنَاسِبِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَجُوزُ (لِاشْتِمَالِهِ) أَيْ الْعَدَمِ (عَلَى الْمَصْلَحَةِ كَعَدَمِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ (عَلَى مَصْلَحَةِ الْتِزَامِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (بِالْقَتْلِ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الْقَتْلِ (وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الْعَدَمَ مُطْلَقًا) أَيْ الْمُطْلَقَ وَالْمُضَافَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ (فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ السَّابِقُ) أَيْ نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ (وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ) لِلنَّافِينَ لِلْوُجُودِيِّ خَاصَّةً (يَصْلُحُ لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ النَّافِينَ لَهُ مُطْلَقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (يُبْطِلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا) أَيْ كَوْنَهُ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَمَظِنَّتِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَعَدَمُ الْحُكْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ لَهُ لَا لِلْعَدَمِ وَلَا لِلْوُجُودِ (وَيَرُدُّ) عَدَمَ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِلْعَدَمِيِّ (نَقْضًا مِنْ الْأَكْثَرِ عَلَى) دَلِيلِ (الطَّائِفَةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ وَجَوَازِ كَوْنِهِ عِلَّةً لِعَدَمِيٍّ (وَكَوْنُ الْعَدَمِ نَفْسِهِ الْمُنَاسِبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْمُنَاسِبُ فِي الْمِثَالِ) الْمَذْكُورِ (الْكُفْرُ وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (اعْتِقَادٌ قَائِمٌ وُجُودِيٌّ ضِدُّ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَلْزِمُ) الْكُفْرُ (عَدَمَهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (كَمَا هُوَ شَأْنُ الضِّدَّيْنِ فِي اسْتِلْزَامِ كُلٍّ عَدَمَ الْآخَرِ فَالْإِضَافَةُ) لِلْقَتْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمِثَالِ (إلَى الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ (لَفْظًا) وَإِلَّا فَفِي التَّحْقِيقِ مَا هُوَ مُضَافًا إلَّا إلَى الْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ غَيْرَ أَنَّهُ تَجُوزُ بِالْإِضَافَةِ إلَى لَازِمِهِ (وَيَطَّرِدُ) مَا قُلْنَا مِنْ كَوْنِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا فَقَطْ (فِي عَدَمِ عِلَّةٍ ثَبَتَ اتِّحَادُهَا لِعَدَمِ حُكْمِهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْصَبُ) فَإِنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ مُعَيِّنٌ لِلضَّمَانِ وَالْخِلَافُ لَمْ يَقَعْ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ بَلْ فِي ضَمَانِ الْغَصْبِ هَلْ يَجِبُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ أَمْ لَا فَصَحَّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ بِعَدَمِ الْغَصْبِ إذْ لَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ هُنَا إلَّا هُوَ فَعَدَمُهُ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ الْغَصْبِ ضَرُورَةً (وَأَبِي حَنِيفَةَ) وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا (فِي نَفْسِ خُمُسِ الْعَنْبَرِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُسْلِمُونَ خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْإِيجَافُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا أَخْذٌ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ لَيْسَ فِي يَدِهِمْ فَإِنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَلَا يُخَمَّسُ.

(وَالْوَجْهُ)

ص: 168

فِيهِمَا (مَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا إذْ مِنْ الظَّاهِرِ (أَنَّهُ) أَيْ تَعْلِيلَهُمَا (لَيْسَ حَقِيقِيًّا وَإِضَافَتَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَ الْخُمُسِ وَمُحَمَّدٍ عَدَمَ الضَّمَانِ (إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ) ذَلِكَ (مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعِلَّةِ) بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ (عُلِّلَ الضَّرْبُ بِعَدَمِ الِامْتِثَالِ) وَهُوَ عَدَمِيٌّ (وَالضَّرْبُ ثُبُوتِيٌّ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَضَرَبَهُ السَّيِّدُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ لَمَا صَحَّ هَذَا (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلَ إنَّمَا هُوَ (بِالْكَفِّ) أَيْ كَفِّ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ (قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا (مَعْرِفَةُ الْمُعْجِزِ) أَيْ كَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا أَمْرٌ (ثُبُوتِيٌّ مُعَلَّلٌ بِالتَّحَدِّي) بِالْمُعْجِزَةِ (مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ) لَهَا بِمِثْلِهَا (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ (جُزْءُ الْعِلَّةِ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا الْإِتْيَانُ بِخَارِقٍ لِلْعَادَةِ مَعَ التَّحَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ.

(وَكَذَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَدَارِ عِلَّةً) لِلدَّائِرِ (بِالدَّوَرَانِ) وَعَلَيْهِ الْمَدَارُ لِلدَّائِرِ وُجُودِيَّةً (وَجُزْؤُهُ) أَيْ الدَّوْرَانِ (عَدَمٌ) لِأَنَّ الدَّوَرَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَالْعَكْسُ عَدَمِيٌّ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ مَعَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعَ الْعَدَمِ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ وَقَدْ عُلِّلَ بِهِ وُجُودِيٌّ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ أَيْضًا (أُجِيبَ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْعَدَمِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ وَعَلَيْهِ الدَّوَرَانُ (شَرْطًا) لَا جُزْءًا وَكَوْنُ الْعَكْسِ مُعْتَبَرًا فِي الدَّوْرَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مَاهِيَّتِه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ وَهُوَ الطَّرْدُ عِلَّةً وَالْآخَرُ وَهُوَ الْعَكْسُ شَرْطًا فَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الطَّرْدُ بِمُجَرَّدِهِ وَيُؤَثِّرُ مَعَهُ وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ شَرْطِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمِيًّا (وَلَوْ سُلِّمَ كَوْنُ التَّحَدِّي لَا يَسْتَقِلُّ) عِلَّةً لِمَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ مُدْخَلٌ مَعَهُ فِي التَّعْرِيفِ (فَمُعَرِّفٌ) أَيْ فَهُوَ مُعَرِّفٌ لَهَا (وَالْكَلَامُ فِي الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ (عَلَى مَا لِجَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَبِي زَيْدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمَا بَلْ حَكَاهُ فِي الْمِيزَانِ عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْعِلَّةُ (قَاصِرَةً) عَلَى الْأَصْلِ مُسْتَنْبَطَةً وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَشَايِخُنَا السَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَنَا) فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا (ظَنُّ كَوْنِ الْحُكْمِ لِأَجْلِهَا) أَيْ الْقَاصِرَةِ (لَا يَنْدَفِعُ) عَنْ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الظَّنُّ (التَّعْلِيلُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى) صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (الْمَنْصُوصَةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَعَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا الظَّنَّ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا وَنَقْلُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخِلَافَ فِيهِمَا أَيْضًا غَرِيبٌ ثُمَّ مِثَالُ الْقَاصِرَةِ (كَجَوْهَرِيَّةِ النَّقْدَيْنِ) أَيْ كَوْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَوْهَرَيْنِ مُتَعَيِّنَيْنِ لِثَمَنِيَّةِ الْأَشْيَاءِ فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيهِمَا فَإِنَّهُ وَصْفٌ قَاصِرٌ عَلَيْهِمَا (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِلْمُخْتَارِ (لَوْ تَوَقَّفَ صِحَّتُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (عَلَى تَعَدِّيهَا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِتَوَقُّفِ تَعَدِّيهَا عَلَى صِحَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّوْرُ بَاطِلٌ (فَدَوْرُ مَعِيَّةٍ) كَتَوَقُّفِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَاطِلُ إنَّمَا هُوَ دَوْرُ التَّقَدُّمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَعَدِّيَةً لَا أَنَّ كَوْنَهَا مُتَعَدِّيَةً يَثْبُتُ أَوَّلًا ثُمَّ تَكُونُ عِلَّةً وَالْمُتَعَدِّيَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِلَّةً لَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ عِلَّةً ثُمَّ عِلَّةً مُتَعَدِّيَةً.

(قَالُوا) أَيْ مَانِعُو صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (لَا فَائِدَةَ) فِيهَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْعِلَّةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِثُبُوتِهِ فِيهِ بِغَيْرِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.

وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ فَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لَا فَرْعَ وَإِثْبَاتُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَصِحُّ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ حَصْرِهَا) أَيْ الْفَائِدَةِ (فِي التَّعْدِيَةِ بَلْ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الشَّرْعِيَّةِ) لِلْحُكْمِ (لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى لَهَا (أَيْضًا

ص: 169

لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لَهَا (شَرْحٌ لِلصَّدْرِ بِالْحُكْمِ لِلِاطِّلَاعِ) عَلَى الْمُنَاسِبِ الْبَاعِثِ لَهُ فَإِنَّ الْقُلُوبَ إلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ أَمْيَلُ مِنْهَا إلَى قَهْرِ التَّحَكُّمِ وَمَرَارَةِ التَّعَبُّدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (لَفْظِيٌّ فَقِيلَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ) لِلْحَنَفِيَّةِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ فَالنَّافِي لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ يُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَحَدٍ بِدُونِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْمُثْبِتُ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا يُرِيدُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِيَاسًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ أَيْضًا فَلَمْ يَتَوَارَدْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُفِيدُ أَنَّ مَوْرِدَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّعْلِيلُ الْكَائِنُ فِي الْقِيَاسِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عِلَّةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَأَرْكَانِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الَّتِي مِنْهَا الْعِلَّةُ فَيَنْصَرِفُ إطْلَاقُ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمِهِ إلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْقِعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَفْظِيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ بَلْ هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ.

فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَصْلُحُ ذَلِكَ قَرِينَةً لِهَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مُمْكِنًا مَعَ الْقَاصِرَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ عَدَمُ إمْكَانِهِ مَعَهَا صَارِفًا عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِلْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ.

قُلْت فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ الْمُفِيدِ لَهَا بَلْ يَجِبُ سُقُوطُهُ وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَهُمْ كَثِيرٌ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَنْعُ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِ الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا فِي الْحَجِّ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ وَكَأَنَّ سَبَبَهُ إظْهَارُ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حَتَّى قَالُوا أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِمَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ إلَى مِثْلِ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا إذَا حَدَثَ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَاصِرٌ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِهَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَنْهُمَا أَيْضًا (لَكِنْ رُبَّمَا سَمُّوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ (أَبَدًا حِكْمَةً لَا تَعْلِيلًا) كَأَنَّهُ تَمْيِيزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّيَةِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ يَعْنِي وَحَمْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ النُّبَلَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّنَاقُضِ مَا أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى التَّنَاقُضِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَا فَيَتَعَيَّنُ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي شَرْحِ هَذَا الْكَلَامِ وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ بِاصْطِلَاحٍ وَأَعَمُّ مِنْهُ بِآخَرَ فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِهِمَا وَالْإِثْبَاتُ عَلَى كَوْنِ التَّعْلِيلِ أَعَمَّ حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ مَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهَذَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا تَفِي الْعِبَارَةُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ ثَانِيًا أَفَادَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لَفْظِيًّا بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ لَفْظِيًّا وَأَنَّهُ ثَالِثًا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْقِيَاسَ لَمْ يَسْتَقِمْ لِمَانِعِيهِ بِالْقَاصِرَةِ مِنْهُمْ التَّعْلِيلُ بِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ حَقُّ التَّحْرِيرِ أَنْ يُقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَالنَّافِي يُرِيدُ الْقِيَاسَ وَالْمُجِيزُ يُرِيدُ مَا لَيْسَ مِنْهُ بِقِيَاسٍ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ إذْ لَا قِيَاسَ بِدُونِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إبْدَاءِ الْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ مَوَاقِعَ الْحُكْمِ كُلَّهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَجَعْلُهُ) أَيْ الْخِلَافِ (حَقِيقِيًّا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ) فِي التَّعْلِيلِ (أَوْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِخَالَةِ) فِيهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّأْثِيرِ فِيهِ كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ (تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ) وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِخَالَةِ كَمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا تَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ وَطَوَاهُ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ وَخَصَّهُ بِالطَّيِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ لِإِفَادَةِ تَعَقُّبِهِ وَالْجَاعِلُ: صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (غَلِطَ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ (وُجُودُ عَيْنِ عِلَّةٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي) مَحَلٍّ (آخَرَ يَكُونُ فَرْعًا لِلِاكْتِفَاءِ بِجِنْسِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عِلَّةً (فِي)

ص: 170

مَحَلٍّ (آخَرَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِلَا قِيَاسٍ) وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ اللَّازِمَ فِي التَّأْثِيرِ كَوْنُ الْعَيْنِ الْمُعَلَّلِ بِهَا الْحُكْمُ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِهَا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعَيْنِ الَّذِي عُلِّلَ بِهَا ثَابِتًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ بَلْ جَازَ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْحُكْمُ غَيْرَ ثَابِتٍ بِعَيْنِهِ فِي غَيْرِهِ وَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ ثُبُوتُ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ (بِذَلِكَ) أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِالْجِنْسِ فِي آخَرَ (إنَّمَا تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْجِنْسِ) وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ مَحَلِّ ذَلِكَ الْعَيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي فَرْدٍ آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ الْعَيْنِ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ مَحَلُّ مَا جُعِلَ عِلَّةً (وَلَيْسَ) الْجِنْسُ هُوَ (الْمُعَلَّلُ بِهِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ هُوَ الْمُعَلَّلَ بِهِ (لَكَانَ الْأَخَصُّ عَيْنَ الْأَعَمِّ وَكَانَتْ الْعِلَّةُ جِنْسَهُ) أَيْ جِنْسَ الْعَيْنِ (لَا هُوَ) أَيْ الْعَيْنَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهَا جِنْسَهُ (غَيْرُ الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ وُجُودُ عَيْنِ الْمُدَّعَى عِلَّةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ فِي آخَرَ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ التَّأْثِيرُ تَعَدِّيَ مَا عُلِّلَ بِهِ) بِعَيْنِهِ إلَى آخَرَ (وَجُعِلَ ثَمَرَتُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (مَنْعُ تَعْدِيَةِ حُكْمِ أَصْلٍ فِيهِ) وَصْفَانِ (مُتَعَدٍّ وَقَاصِرٍ لِلْمُجِيزِ) لِلتَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (لَا الْمَانِعِ) لِلتَّعْلِيلِ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (كَذَلِكَ) أَيْ غَلَطُ أَيْضًا (بَلْ الْوَجْهُ إنْ ظَهَرَ اسْتِقْلَالُ) الْوَصْفِ (الْمُتَعَدِّي) فِي الْعِلِّيَّةِ (لَا يُمْنَعُ اتِّفَاقًا أَوْ) ظَهَرَ (التَّرْكِيبُ) لِلْعِلَّةِ مِنْ الْمُتَعَدِّي وَالْقَاصِرِ (مُنِعَ اتِّفَاقًا) وَفِي التَّلْوِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْغَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْجَزْمِ بِذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الظَّنِّ فَبَعْدَ مَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْقَاصِرُ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِأَمَارَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ الظَّنِّ ذَهَابًا إلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ.

وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ رُجْحَانِ ذَلِكَ أَوْ عِنْدَ تَعَارُضِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّي وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ وَعَدَمِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلنِّزَاعِ مَعْنًى ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ التَّأْثِيرَ فِي التَّعْلِيلِ لَا يَغْلِبُ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ كَوْنُ الْقَاصِرَةِ عِلَّةً بِخِلَافِ مَنْ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْإِخَالَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَحْصُلُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ انْتَهَى وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْقَاصِرَةُ وَالْمُتَعَدِّيَةُ وَتَعَارَضَتَا فَالْجُمْهُورُ رَجَّحَ الْمُتَعَدِّيَةَ.

وَقِيلَ الْقَاصِرَةَ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ ثُمَّ أَفَادَ إنَّمَا تُرَجَّحُ الْمُتَعَدِّيَةُ عَلَى الْقَاصِرَةِ إذَا تَسَاوَتَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا وَجْهَيْ التَّصَوُّرِ وَالتَّعَدِّي أَمَّا لَوْ رَجَحَتْ الْقَاصِرَةُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَرْجَحُ وَقَدْ تَتَرَجَّحُ الْقَاصِرَةُ بِوَجْهٍ يُقَابِلُ وَجْهَ التَّعَدِّي فَيَتَعَادَلَانِ فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ الْوَقْفَ وَمَنْعَ التَّعْدِيَةِ مِنْ الْمُتَعَدِّي (وَمَا أُورِدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ (مِنْ التَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ لِلزَّكَاةِ) فِي الْمَضْرُوبِ (عَلَى ظَنِّ الْخِلَافِ) الْمَعْنَوِيِّ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِالثَّمَنِيَّةِ لَهَا وَصْفٌ (قَاصِرٌ مُنِعَ) وُرُودُهُ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ (إلَى الْحُلِيِّ) فَهُوَ تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُتَعَدٍّ (وَلَقَدْ كَانَ الْأَوْجَهُ جَعْلَ الْخِلَافِ عَلَى عَكْسِهِ) أَيْ عَكْسِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ (مِنْ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ مَحَلٍّ غَيْرِ مَنْصُوصٍ) فَيُنْسَبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ وَإِلَى الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُهُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْجَهَ (لِمَا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ (مِنْ قَبُولِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (التَّعْلِيلَ بِلَا قِيَاسٍ بِمَا ثَبَتَ لِجِنْسِهَا إلَخْ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي ثَبَتَ لِجِنْسِهَا أَوْ لَعَيْنِهَا اعْتِبَارٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ.

(وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ أَوْ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ تَعْلِيلٌ (بِقَاصِرَةٍ إذْ لَمْ تُوجَدْ) تِلْكَ الْعِلَّةُ (بِعَيْنِهَا فِي مَحَلَّيْنِ) وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ (فَالْحَنَفِيَّةُ نَعَمْ) يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ مَحَلٍّ غَيْرِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ (إذَا ثَبَتَ الِاعْتِبَارُ) لَهَا (بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ تَأْثِيرِ جِنْسِهَا فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ وَتَأْثِيرِ عَيْنِهَا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ (وَالشَّافِعِيَّةُ لَا) يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفَ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (مِنْ الْمُرْسَلِ) الْمُلَائِمِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَنَّ الْآمِدِيَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ مِنْ جِنْسِ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ وَأَنَّهُ مَقْبُولٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ

ص: 171

الْعِلَّةِ (عَلَى) قَوْلِ (مَنْ قَدَّمَ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ) عَلَى الْقِيَاسِ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْعِلَّةُ (مُعَدِّيَةً) مِنْ الْأَصْلِ (إلَى الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (بِشَرْطِهِ) أَيْ تَقْدِيمِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ (السَّابِقِ فِي وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ) الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةٍ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي التَّعَارُضِ (وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي الْفَرْعِ وَاقِعًا (عَنْ) عِلَّةٍ (مُسْتَنْبَطَةٍ) مِنْ أَصْلٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً قَوْلَهُ دَافِعَةً لِلظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ مَا جُعِلَ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ الَّذِي قُصِدَ تَعَدِّيَةُ حُكْمِهِ إلَى ذَلِكَ الْفَرْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُجَوِّزُونَ (وَذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّهُ الْحَقُّ)(عِنْدَ هَؤُلَاءِ) الْقَائِلِينَ بِتَقْدِيمِ قَوْلِهِ عَلَى الْقِيَاسِ (احْتِمَالٌ مُقَابِلٌ لِظُهُورِ كَوْنِهِ) أَيْ قَوْلِهِ وَاقِعًا (عَنْ نَصٍّ) فِيهِ (كَمَا سَبَقَ) ثَمَّةَ حَيْثُ قَالَ بَلْ يَفُوتُ فِيهِ احْتِمَالُ السَّمَاعِ وَلَوْ انْتَفَى فَإِصَابَتُهُ أَقْرَبُ إلَخْ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْحُجِّيَّةِ ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ قَوْلًا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ أَمَّا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ فَيُشْتَرَطُ خُلُوُّهُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ (عَدَمُ نَقْضِ) الْعِلَّةِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فِي مَحَلٍّ) وَلَوْ بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ (لِمَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ (إلَّا أَبَا زَيْدٍ) مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَإِنَّهُ وَأَكْثَرَ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا وَمِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ وَعَامَّةَ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ الشَّارِطُونَ عَدَمَ النَّقْضِ فِي صِحَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (فِي الْمَنْصُوصِيَّةِ فَمَانِعٌ أَيْضًا) عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ الْإسْفَرايِينِيّ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ.

وَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَمُجَوِّزٌ) وَهُمْ أَكْثَرُهُمْ (وَالْأَكْثَرُ وَمِنْهُمْ عِرَاقِيُّو الْحَنَفِيَّةِ كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ (يَجُوزُ) التَّخَلُّفُ فِي مَحَلٍّ (بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ فِيهِمَا) أَيْ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْمَنْصُوصَةِ فَقِيلَ يَقْدَحُ مُطْلَقًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَيَعُدُّهُ أَصْحَابُنَا فِي جُمْلَةِ مُرَجَّحَاتِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقُولُونَ عِلَلُهُ سَلِيمَةٌ عَنْ الِانْتِقَاضِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا لَا يَصُدُّهَا صَادٌّ ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَقِّقِينَ (وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ) كَابْنِ الْحَاجِبِ (الْجَوَازَ) لِلنَّقْضِ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إذَا تَعَيَّنَ الْمَانِعُ) مِنْ الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَلَوْ عُدِمَ شَرْطٌ فَإِنَّهُ مَانِعٌ أَيْضًا (وَفِي الْمَنْصُوصَةِ بِنَصٍّ عَامٍّ) يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَيُعَارِضُهُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ فِيهِ (لَكِنْ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمَانِعُ مِنْ الْعِلِّيَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (قُدِّرَ) وُجُودُهُ فِيهِ مِثَالُهُ أَنْ يَرِدَ الْخَارِجُ النَّجَسَ نَاقِضٌ وَيَثْبُتَ أَنَّ الْفَصْدَ لَا يَنْقُضُ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْفَصْدِ وَوَجَبَ تَقْدِيرُ مَانِعٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً (بِقَاطِعٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فَيَلْزَمُ الثُّبُوتُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ الْقَطْعِيِّ (أَوْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ (فَقَطْ فَلَا تَعَارُضَ) لِأَنَّ النَّصَّ الْقَاطِعَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ. وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَلَا تَعَارُضَ عِنْدَ تَغَايُرِ الْمَحَلَّيْنِ فَلَا نَقْضَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِيهِ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّتِهِ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ (قِيلَ وَلَا فَائِدَةَ فِي قَيْدِ الْقَاطِعِ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ كَذَلِكَ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعِلِّيَّةُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ خَاصَّةً بِظَنِّيٍّ فَلَا تَعَارُضَ أَيْضًا انْتَهَى لِتَغَايُرِ الْمَحَلَّيْنِ وَيَزْدَادُ انْتِفَاءً إنْ كَانَ حُكْمُ مَحَلِّ النَّقْضِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ (وَهَذَا) التَّفْصِيلُ (مُرَادُ الْأَكْثَرِ) بِقَوْلِهِمْ يَجُوزُ بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَيَبْعُدُ مِنْهُمْ مُخَالَفَتُهُ (وَلَيْسَ) هَذَا مَذْهَبًا (آخَرَ) غَيْرَهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.

(وَنُقِلَ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ النَّقْضِ (فِيهِمَا) أَيْ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْمَنْصُوصَةِ (بِلَا مَانِعٍ) وَعَبَّرَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِلَا يُقْدَحُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَ) جَوَازِ النَّقْضِ (كَذَلِكَ) أَيْ بِلَا مَانِعٍ (فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ فَقَطْ) نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (وَالْحَقُّ نَقْلُ بَعْضِهِمْ) وَهُوَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ

ص: 172

(الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ (بِلَا مَانِعٍ) لِأَنَّ الْمَنْقُوضَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ يَجُوزُ فِيهِمَا أَوْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا مَانِعٍ (الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ بِالْمَانِعِ (إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمَانِعُ (لِدَلِيلِهِمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا مَانِعٍ (الْقَائِلِ الْمُسْتَنْبَطَةُ عِلَّةٌ) بِمَا يُوجِبُ الظَّنَّ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ مِنْ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلَّةِ تُوجِبُ ظَنَّهَا (وَالتَّخَلُّفُ مُشَكِّكٌ) أَيْ مُوجِبٌ لِلشَّكِّ (فِي عَدَمِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (فَلَا يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِهَا) بَلْ إنَّمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِيهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ التَّخَلُّفَ (إنْ) كَانَ (بِلَا مَانِعٍ فَلَا عِلَّةَ) لِاسْتِنَادِ التَّخَلُّفِ حِينَئِذٍ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي (وَ) إنْ كَانَ (مَعَهُ) أَيْ الْمَانِعِ فَالْعِلَّةُ (ثَابِتَةٌ) لِأَنَّ الظَّنَّ كَمَا هُوَ (وَجَوَازُهُمَا) أَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ (عَلَى السَّوَاءِ) وَالظَّنُّ لَا يَرْفَعُ الشَّكَّ فَالتَّخَلُّفُ لَا يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُ دَلَالَةِ دَلِيلِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَنَّ بِلَا مَانِعٍ لَا عِلَّةَ وَمَعَ الْمَانِعِ الْعِلِّيَّةُ ثَابِتَةٌ فَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْوَاقِعُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَدَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ الْقَائِمُ أَوْجَبَ ظَنَّهَا لَزِمَ اعْتِبَارُ عِلِّيَّتِهَا فَلُزُومُ اعْتِبَارِ عِلِّيَّتِهَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ يُوجِبُ مِنْهُمْ تَقْدِيرَهُ مَعَ حُكْمِهِمْ بِقِيَامِ الْعِلِّيَّةِ مَعَ التَّخَلُّفِ بِالضَّرُورَةِ انْتَهَى وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمَنْصُوصَةِ (وَأُجِيبَ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ التَّخَلُّفَ (إنْ) كَانَ (أَوْجَبَ الشَّكَّ فِي عَدَمِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (أَوْجَبَ فِي نَقِيضِهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ يُوجِبُهُ فِي الْآخَرِ إذْ حَقِيقَةُ احْتِمَالِ الْمُتَقَابِلَيْنِ سَوَاءٌ (فَنَاقَضَ قَوْلَكُمْ) الْعِلَّةُ (مَظْنُونَةٌ) قَوْلَكُمْ الْعِلَّةُ (مَشْكُوكَةٌ) لِأَنَّ الْمَظْنُونَ مَحَلُّ الظَّنِّ وَلَا يَجْتَمِعُ الظَّنُّ مَعَ الشَّكِّ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لِتَضَادِّهِمَا وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَكُمْ مَفْعُولُ نَاقَضَ وَ " مَشْكُوكَةٌ " فَاعِلُهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ خَبَرُ جُمْلَةِ مَقُولِ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ كَمَا رَأَيْت وَالْكَلَامُ الْمُتَنَاقِضُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُرْفَعُ الظَّنُّ بِالشَّكِّ أَيْ حُكْمُهُ) أَيْ الظَّنُّ (السَّابِقُ لَا يُرْفَعُ شَرْعًا لِطُرُوِّ الشَّكِّ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَقَاءِ) لِجَوَازِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ حُكْمَ الضِّدِّ الزَّائِلِ بَاقِيًا بِأَنْ يُجَوِّزَ الصَّلَاةُ مَعَ زَوَالِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ الظَّنِّ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ الشَّكِّ فَإِنَّ زَوَالَ الضِّدِّ عِنْدَ طُرُوِّ الضِّدِّ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ اجْتِمَاعُ الظَّنِّ وَالشَّكِّ فِي مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ (وَلَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا الْمُرَادِ (هُنَا) أَيْ فِي مَظْنُونِيَّةِ الْعِلَّةِ وَمَشْكُوكِيَّةِ عَدَمِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ (فِي ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ لَا حُكْمِهَا) فَإِذَا زَالَ بِالشَّكِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَكَمْنَا بِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ مِنْ الشَّارِعِ جَوَازُ الْقِيَاسِ مَعَ زَوَالِ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ بِالشَّكِّ لَتَابَعْنَاهُ وَقُلْنَا فِيهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا لَزِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ) إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ (كَفَاهُمْ) فِي الْجَوَابِ (التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ يُوجِبُ نَفْيَ ظَنِّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (وَالدَّلِيلُ أَوْجَبَهُ) أَيْ ظَنَّهَا (وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا (بِتَقْدِيرِهِ) أَيْ الْمَانِعِ فِي التَّخَلُّفِ إذْ يُعْمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِظَنِّيِّهَا فِي غَيْرِ صُورَةِ النَّقْضِ وَبِالْمُوجِبِ لِلْإِهْدَارِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ ثَانِيًا (لَوْ تَوَقَّفَ الثُّبُوتُ) لِلْحُكْمِ (بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِلْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ (بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (انْعَكَسَ) أَيْ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ عَلَيْهِ بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (فَدَارَ أَوْ لَا) يَنْعَكِسُ (فَتَحَكُّمٌ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَلْبُ هَذَا وَهَذَا أَوْجَهُ (أُجِيبَ) بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَلَا ضَيْرَ فِي لُزُومِ الدَّوْرِ الْمَذْكُورِ إذْ هُوَ (دَوْرُ مَعِيَّةٍ) لَا دَوْرُ تَقَدُّمٍ (وَهَذَا) الْجَوَابُ (صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ تَوَقُّفُ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ) كَوْنَهَا عِلَّةً (لَكِنَّ الْكَلَامَ) لَيْسَ فِيهِ بَلْ (فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عِلِّيَّتِهَا (أَيْ لَوْ تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِالثُّبُوتِ بِهَا أَيْ بِعِلِّيَّتِهَا) تَفْسِيرٌ لِلثُّبُوتِ بِهَا (إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ عَلَيْهِ بِهَا فِيهِ انْعَكَسَ فَدَارَ (وَإِذَنْ فَتَرَتُّبٌ) أَيْ فَهُوَ دَوْرُ تَرَتُّبٍ (لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهَا) أَيْ عِلِّيَّتَهَا (إلَّا بِالثُّبُوتِ) أَيْ بِالْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِهَا إذْ كَاسِبُ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ إلَّا عَالِمًا وَلِذَا قَالَ (فَلَوْ عَلِمَ بِهَا) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ (الثُّبُوتَ) لِلْحُكْمِ (تَقَدَّمَ

ص: 173

كُلٌّ) مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (لِأَنَّ مَا بِهِ الْعِلْمُ) بِالشَّيْءِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُ الْعِلْمِ بِعِلِّيَّتِهَا عَلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا عَلَى الْعِلْمِ بِعِلِّيَّتِهَا.؛

(وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (الْجَوَابُ مَنْعُ لُزُومُ الِانْعِكَاسِ وَالتَّحَكُّمِ إذْ ابْتِدَاءُ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ) إنَّمَا هُوَ (بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ) لِلْعِلَّةِ مِنْ مُنَاسَبَةٍ وَغَيْرِهَا (فَإِذَا اسْتَقْرَأْت الْمُحَالَّ) لِلْعِلَّةِ (لِاسْتِعْلَامِ مُعَارَضَةِ مِنْ التَّخَلُّفِ لَا لِمَانِعٍ فَلَمْ يُوجَدْ) التَّخَلُّفُ لَا لِمَانِعٍ فِي مَحَلٍّ مِنْهُمَا (اسْتَمَرَّ) ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ (فَاسْتِمْرَارُهُ) أَيْ ظَنِّهَا هُوَ (الْمَوْقُوفُ عَلَى الثُّبُوتِ) لِلْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمَحَالَّ (أَوْ) عَلَى (عَدَمِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ فِي بَعْضِ الْمُحَالَّ (مَعَ الْمَانِعِ وَالْحُكْمُ بِالثُّبُوتِ بِهِ) أَيْ بِالْوَصْفِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ (عَلَى ابْتِدَاءِ ظَنِّهَا) أَيْ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (فِي الْجُمْلَةِ) فَلَا دَوْرَ (وَاسْتُشْكِلَ) هَذَا (بِمَا إذَا قَارَنَ) ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ (الْعِلْمَ بِالتَّخَلُّفِ) إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا (كَمَا لَوْ سَأَلَهُ فَقِيرَانِ) غَيْرُ فَاسِقٍ وَفَاسِقٌ (فَأَعْطَى أَحَدَهُمَا) وَهُوَ غَيْرُ الْفَاسِقِ (وَمَنَعَ الْفَاسِقَ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِعِلِّيَّةِ الْفَقْرِ) لِإِعْطَائِهِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمَانِعِيَّةِ الْفِسْقِ) لِلْإِعْطَاءِ (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ وَالْعِلْمُ بِمَانِعِيَّةِ الْفِسْقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعِلِّيَّةِ الْفَقْرِ (فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَالْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ بِالْقُوَّةِ (كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ بَاعِثًا مَنَعَهُ) أَيْ الْبَاعِثُ (مُقْتَضَاهُ) وَالْفِسْقُ لِلْإِعْطَاءِ كَذَلِكَ إذْ الْفِسْقُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْفَقْرَ مَنَعَهُ مُقْتَضَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِعْطَاءُ وُجِدَ الْفَقْرُ أَوْ لَا لَا أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمَانِعِيَّةُ بِالْفِعْلِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ مَعَ جَوَابِهِ (مُشْتَرَكُ الْقَوْلَيْنِ) اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا يُجَوِّزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة وَالْآخَرُ يُجَوِّزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ فَقَطْ (وَيَزِيدُ الْمَانِعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ النَّقْضِ فِيهَا (بُطْلَانَ النَّصِّ الْمُقْتَضِي الثُّبُوتَ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِتَنَاوُلِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَحَلَّ التَّخَلُّفِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَنْبَطَةِ) فَإِنَّ دَلِيلَهَا تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا عِنْدَ خُلُوِّهَا عَنْ الْمَانِعِ وَلَا تَخَلُّفَ لِلْحُكْمِ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ.

(أُجِيبَ) عَنْ هَذَا (إنْ) كَانَ النَّصُّ (قَطْعِيًّا بِالثُّبُوتِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ لَمْ يُقْبَلْ التَّخْصِيصُ) كَغَيْرِهِ مِنْ التَّخْصِيصَاتِ الَّتِي تُتَصَوَّرُ لِلْقَوَاطِعِ فَإِنَّ الْقَاطِعَ لَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْهَا (أَوْ) كَانَ (ظَنِّيًّا وَجَبَ قَبُولُهُ وَتَقْدِيرُ الْمَانِعِ جَمْعًا) بَيْنَ دَلِيلَيْ الِاعْتِبَارِ وَالْإِهْدَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا (وَأَنْتَ عَلِمْت مَا يَكْفِيهِمْ) فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا مِنْ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا لِمَانِعٍ يُوجِبُ نَفْيَ ظَنِّهَا وَالدَّلِيلُ أَوْجَبَهُ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِتَقْدِيرِهِ فَوَجَبَ كَمَا فِي غَيْرِهِ فَلْيُقْتَصَرْ عَلَيْهِ (فَإِنَّمَا هَذَا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُولَعِينَ بِنَقْلِ الْخِلَافِ دُونَ تَحْرِيرٍ وَلِلْعَاكِسِ) لِلْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا الْمَنْصُوصَةِ وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ (نَحْوُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ لِلْجَوَازِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ وَهُوَ (لَوْ صَحَّتْ الْمُسْتَنْبَطَةُ مَعَ نَقْضِهَا كَانَ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً (لِلْمَانِعِ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (فَتَوَقَّفَتْ صِحَّتُهَا) حَالَ كَوْنِهَا (مَنْقُوضَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْمَانِعِ (وَإِلَّا) لَوْ تَخَلَّفَتْ بِلَا مَانِعٍ (فَلَا اقْتِضَاءَ وَتَحَقُّقُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (فَرْعُ صِحَّةِ عِلِّيَّتِهَا) إذْ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْعِلِّيَّةُ لَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَلَا أَثَرَ لِمَا يُتَصَوَّرُ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ مَانِعًا فَتَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى الْمَانِعِ وَالْمَانِعُ عَلَى الصِّحَّةِ (فَدَارَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّوْرَ دَوْرُ (مَعِيَّةٍ) إذْ غَايَتُهُ امْتِنَاعُ انْفِكَاكِ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ.

وَأَمَّا عَدَمُ الِانْفِكَاكِ بِصَفِّهِ التَّقَدُّمِ فَلَا (وَدُفِعَ) هَذَا الْجَوَابُ (بِأَنَّ حَقِيَةَ الْمُرَادِ) مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (الْعِلْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَانِعِيَّةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ هُوَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِيَتَأَتَّى تَرْتِيبُ الْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (تَرَتُّبٌ) أَيْ دَوْرٌ مُرَتَّبٌ لِظُهُورِ تَقَدُّمِ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ إذْ لَا تُعْلَمُ الْمَانِعِيَّةُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَا يُعْلَمُ الِاقْتِضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَانِعِيَّةِ (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّا نَظُنُّ صِحَّتَهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (أَوَّلًا بِمُوجَبِهِ) أَيْ الظَّنِّ (ثُمَّ نَسْتَقْرِئُ إلَخْ) أَيْ الْمَحَالَّ لِاسْتِعْلَامِ مُعَارِضِهِ مِنْ التَّخَلُّفِ لَا لِمَانِعٍ.

فَإِنْ لَمْ نَجِدْ اسْتَمَرَّ الظَّنُّ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ وَجَدْنَا التَّخَلُّفَ فِي

ص: 174

بَعْضِ الْمُحَالِ.

فَإِنْ وَجَدْنَا أَمْرًا يَصْلُحُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ حَكَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ وَاسْتَمَرَّ ظَنُّ الصِّحَّةِ وَإِلَّا زَالَ فَإِذًا اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ بِصِحَّتِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَكَوْنُهُ مَانِعًا بِالْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ وَظَنِّهَا لَا عَلَى اسْتِمْرَارِهِ فَزَالَ الدَّوْرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ وَالْمُتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْسُ الظَّنِّ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى فَقِيرًا يَظُنُّ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِ آخَرَ تَوَقَّفَ الظَّنُّ لِجَوَازِ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ.

فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ كَفِسْقِهِ اسْتَمَرَّ ظَنٌّ أَنَّهُ كَانَ لِلْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْآخَرَ مَعَ وُجُودِ الْبَاعِثِ لِفِسْقِهِ وَإِلَّا زَالَ ظَنُّ كَوْنِهِ لِلْفَقْرِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ بِنَاءً عَلَى الْمُقْتَضِي وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفِسْقَ كَانَ مَانِعًا وَإِلَّا لَكَانَ التَّخَلُّفُ قَاطِعًا فِي عَدَمِ الْمُقْتَضِي (وَيَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْجَوَابِ (إشْكَالُ الْمُقَارَنَةِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّخَلُّفِ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْعِلِّيَّةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ إشْكَالِهَا بِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْبَاعِثَ مَنَعَ مُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا آنِفًا (وَجْهُ الْمُخْتَارِ) وَأَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا (أَنَّهُ) أَيْ التَّخَلُّفَ (تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ دَلِيلِ حُكْمٍ) وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً (فَوَجَبَ قَبُولُهُ كَاللَّفْظِ) أَيْ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا فَرْقَ مُؤَثِّرٌ بَيْنَهُمَا.

(وَمَا قِيلَ الْخِلَافُ) فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ (مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْمَعَانِي الْعُمُومَ فَالْمَانِعُ) أَنَّ لَهَا عُمُومًا (إذْ) الْمَعْنَى وَاحِدٌ (لَا تَعَدُّدَ إلَّا فِي مَحَالَّهُ) فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (مَانِعٌ هُنَا) أَيْ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا مَعْنًى وَالْقَائِلُ بِأَنَّ لَهَا عُمُومًا يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لِعُمُومِهَا ثُمَّ الْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ لَازِمٍ لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَتْ حُجَّةُ الْمَانِعِ هَذَا (عَلَى تَعَدُّدِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (وَالْكَلَامُ هُنَا) أَيْ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ مَحَالِّهَا (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَالَّهُ إلَّا مَحَلَّ الْمَانِعِ) مِنْ الْحُكْمِ (وَالْمَانِعُ هُوَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ (انْدَفَعَ قَوْلُ الْمَانِعِينَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصُهَا (تَنَاقُضٌ لَا تَخْصِيصٌ) قَالُوا (لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ قَوْلَهُ) أَيْ الْمُعَلَّلِ (هَذَا الْوَصْفُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ) أَيْ الْوَصْفَ (أَمَارَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَيْنَمَا وُجِدَ) أَيْ الْوَصْفُ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ أَيْنَمَا وُجِدَ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ غَيْرَ أَنَّا إذَا قَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مَعَ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَصِحُّ إضَافَةُ التَّخَلُّفِ إلَيْهِ قَدَّرْنَا مَانِعًا) مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) دَلِيلِ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ فِي مَحَلِّهِ.

(وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِي الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ إذْ (التَّخْصِيصُ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ الْمَلْزُومِ اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمَجَازَ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصُ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ (مُنِعَ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ لِلْمَجَازِ مِنْهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (تَخْصِيصُ اللَّفْظِ لَا) التَّخْصِيصُ (مُطْلَقًا بَلْ هُوَ) أَيْ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا (أَعَمُّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لِلْمَجَازِ أَوْ لَا وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ بِهِ اللَّفْظُ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَبَعْدَ إصْلَاحِهِ إلَى وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُهُ فِي صُوَرِ الْفَرْعِ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْعِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ لَا مِثْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي إثْبَاتِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قِيَاسًا عَلَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَامِعِ الْمُفِيدِ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ

ص: 175

هُنَا بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْمُخَصِّصِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَامِّ صَارَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَذَلِكَ الْعَدَمُ لَا يَجُوزُ ضَمُّهُ إلَى الْعِلَّةِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْقَيْدِ الْعَدَمِيِّ جُزْءًا مِنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِ فَلِاشْتِرَاطِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (إذْ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمَانِعِ) وَالْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ فَسَقَطَ لَفْظُ عَدَمٍ مِنْ الْقَلَمِ (وَوُجُودِ الشَّرْطِ فَعَدَمُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (وَوُجُودُهُ) أَيْ الشَّرْطِ (جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ) مِنْهُمَا وَمِنْ الْوَصْفِ هُوَ (الْمُسْتَلْزِمُ) لِلْحُكْمِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ الْعِلَّةِ (قُلْنَا فَرَجَعَ) الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ خِلَافًا (لَفْظِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِهَا أَهِيَ الْبَاعِثُ) عَلَى الْحُكْمِ (أَوْ) هِيَ (جُمْلَةُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) الْحُكْمُ.

فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ فَجَازَ النَّقْضُ وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْمُسْتَلْزِمِ فَوُجُودُهُ وُجُودُ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْضُ (لَكِنَّ الْحَقَّ خَطَؤُكُمْ) فِي دَعَوَاكُمْ عَدَمَ جَوَازِ النَّقْضِ (لِتَفْسِيرِكُمْ) الْعِلَّةَ (بِالْمُؤَثِّرِ وَالشَّرْطُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي التَّأْثِيرِ بِمُوَافَقَتِكُمْ) .

(وَأَمَّا إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادُهُ وَخَطَؤُهُ بِانْتِقَاضِهِ فَإِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ أَمْكَنَ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّقْضُ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يَقُولَ امْتَنَعَ حُكْمُ عِلَّتِي ثَمَّةَ لِمَانِعٍ وَفِي تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدِ قَوْلٍ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ إذْ الْأَصْلَحُ فِي كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ كَذَلِكَ (فَمُنْتَفٍ لِأَنَّ ادِّعَاءَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَوَّلًا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَعَ التَّخَلُّفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ) كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ وَصْفُ كَذَا لَكِنْ امْتَنَعَ حُكْمُهَا فِي مَحَلِّ كَذَا الْمَانِعِ (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مَانِعًا) صَالِحًا لِلتَّخْصِيصِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَى عِلَّتِهِ بَيَانُ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ، عَلَى أَنَّ لِلْمُجِيزِينَ أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا عَلَى الْمَانِعِينَ بِأَنْ يَقُولُوا لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَكُمْ فِي صُورَةِ التَّخْصِيصِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ بِتَغَيُّرِ مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ نَقْضٌ أَنْ يَقُولَ عَدِمْت عِلَّتِي فِي صُورَتَيْ النَّقْضِ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِيهَا أَوْ نُقْصَانِهِ عَنْهَا وَيَتَخَلَّصُ عَنْ النَّقْضِ فَتَبْقَى عِلَّتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَيَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا.

(وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ (لَازِمٌ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (مَعَ إجَازَتِهِ) أَيْ النَّقْضِ (بِلَا تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ (كَمَا حَرَّرْنَاهُ أَوْ بِلَا مَانِعٍ كَمَا قِيلَ أَوْ دَلِيلٍ) وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَصْوِيبُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ إبْطَالِ عِلَّتِهِ بِسَائِرِ الطُّرُقِ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالْقَلْبِ وَغَيْرِهَا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ ذَلِكَ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّصْوِيبُ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الثَّابِتِ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَهَذَا لَا يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ غَايَتُهُ وُقُوعُ الْأَصْلَحِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ لَا بِوُقُوعِهِ مِنْهُ تَعَالَى لِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَحْكَامَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَمَا تُنَادِي بِهِ تَعْلِيلَاتُهُمْ فِي شَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (صِحَّةُ الْعِلِّيَّةِ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا لُزُومُ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ بَعْد مَا ذَكَرْنَا) آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثُ وَالْمُؤَثِّرُ لَا لُزُومُ الْحُكْمِ لَهَا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لُزُومُهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَا مِنْ الْبَاعِثِ وَالْمُؤَثِّرِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ أَيْضًا (تَعَارُضُ دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ) لِلْعِلَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ (وَ) دَلِيلُ (الْإِهْدَارِ) وَهُوَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ فَتَسَاقَطَا (فَلَا اعْتِبَارَ) بِدَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (مَمْنُوعٌ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ دَلِيلَ الْإِهْدَارِ إلَّا) إذَا كَانَ (بِلَا مَانِعٍ) لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ فَبَطَلَ الِاقْتِضَاءُ لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ

ص: 176