الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُخَالِفِ) إذْ لَا نَسْخَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زَوَالِ الْحُكْمِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ (لَنَا نَسْخُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (يُرْفَعُ اعْتِبَارُ كُلِّ عِلَّةٍ لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَبِهَا) أَيْ وَبِعِلَّةِ الْأَصْلِ (ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فَيَنْتَفِي) بِانْتِفَائِهَا وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ، (فَقَوْلُ الْمُبْقِينَ) لِحُكْمِ الْفَرْعِ (الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْحُكْمِ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَابِعًا لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ (انْتِفَاؤُهُ) أَيْ حُكْمِهِ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُبْقِينَ أَيْضًا (هَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ لَا يَبْقَى مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الْأَصْلِ (حُكْمٌ يَرْفَعُ حُكْمَ الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ قِيَاسٌ (بِلَا جَامِعٍ) بَيْنَهُمَا مُوجِبٌ لِلرَّفْعِ (بَعْدَ عَظِيمٍ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْفَحْوَى نَاسِخًا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَحْوَى قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَيَجُوزُ نَسْخُهُ مَعَ الْأَصْلِ وَبِدُونِهِ، وَأَمَّا نَسْخُ الْأَصْلِ بِدُونِهِ فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنْ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ وَتَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَهَلْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَابْنُ السَّمْعَانِيُّ لَا لِضَعْفِهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]
(مَسْأَلَةٌ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ) فِي حَقِّ الْأُمَّةِ (بَعْدَ تَبْلِيغِهِ) أَيْ جِبْرِيلِ النَّبِيَّ (عليه السلام قَبْلَ تَبْلِيغِهِ هُوَ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَثْبُتُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْخِلَافُ إذَا بَلَّغَ جِبْرِيلُ وَأَلْقَاهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَوَرَاءَهُ صُوَرٌ إحْدَاهَا: أَنْ لَا يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْلُغَ جِنْسَ الْبَشَرِ كَمَا إذَا أَوْحَى اللَّهُ إلَى جِبْرِيلَ وَلَمْ يَنْزِلْ.
الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَكِنْ لَمْ يُلْقِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا خِلَافَ فِي هَاتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
الثَّالِثَةُ أَنْ يُبَلِّغَ جِنْسَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْبَشَرِ وَلَكِنْ فِي غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ كَالسَّمَاءِ ثُمَّ يَرْتَفِعَ كَفَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رُفِعَ فَهَلْ يَكُونُ نَسْخًا؟ فِيهِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِثُبُوتِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ اهـ قُلْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ.
الرَّابِعَةُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَرْضِ وَلَا يُبَلِّغَ الْأُمَّةَ فَإِنْ تَمَكَّنُوا مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَا بِمَعْنَى وُجُوبِ الِامْتِثَالِ وَلَا بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَالنَّائِمِ وَلَا نَحْفَظُ أَحَدًا قَالَ بِثُبُوتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ) أَيْ ثُبُوتَهُ (يُوجِبُ تَحْرِيمَ شَيْءٍ وَوُجُوبَهُ فِي وَقْتٍ) وَاحِدٍ لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَنْسُوخُ وَاجِبًا قَبْلَ نَسْخِهِ إذْ وُجُوبُهُ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُصُولِ النَّاسِخِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَنْسُوخَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ عِلْمِهِ) بِالنَّاسِخِ (أَثِمَ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ (لَازِمُ الْوُجُوبِ) فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا (وَالْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ (حُرِّمَ) بِالنَّاسِخِ فَكَانَ وَاجِبًا حَرَامًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ (وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الثَّانِي (غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَرْعِيَّتَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ) بِكَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ (أَثِمَ) بِعِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ (فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ) أَيْ النَّاسِخِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ بِالْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْمَ بِالْعَمَلِ بِالْوَاجِبِ (وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأُمَّةَ (ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (لِاتِّحَادِهِمَا) أَيْ هَذَيْنِ (فِي وُجُودِ النَّاسِخِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (الْمُوجِبِ لِحُكْمِهِ) أَيْ النَّاسِخِ (مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ النَّاسِخَ (وَقَدْ يُقَال) عَلَى الْوَجْهَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ (الْإِثْمُ) إنَّمَا هُوَ (لِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ) لِلْمَشْرُوعِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) لِلْمُخَالَفَةِ لِلْمَشْرُوعِ (فِيهِمَا لَا لِنَفْسِ الْفِعْلِ) فِي الثَّانِي كَمَا فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْوَطْءِ بَلْ بِالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِ (وَلَا نُؤَثِّمُهُ) بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالنَّاسِخِ (قَبْلَ تَمَكُّنِ الْعِلْمِ) النَّاسِخِ لِعَدَمِ لُزُومِ امْتِثَالِهِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ بَلْ
(إنَّمَا يُوجَبُ) التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ إذَا فَاتَ مُقْتَضَى النَّاسِخِ (التَّدَارُكُ) لِمُقْتَضَاهُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ لَهُ بِذَلِكَ (كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَثَلًا (وَخُرُوجِهِ) إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرِ مُسْقِطٍ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيُقَالُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ (أَنَّ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِيَ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ (قَبْلَ التَّعَلُّقِ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ (أَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ (أَنْ يُبَلِّغَ وَاحِدًا) فَصَاعِدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ فَإِنَّهُ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ بَعْدَ تَعَلُّقِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا فَلَا تَسَاوِيَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ فَسَائِرُ الْمُكَلَّفِينَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِحْصَالِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَلِّغْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الِاسْتِحْصَالَ مِنْ جِبْرِيلَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إذَا بُلِّغَ النَّبِيُّ وَلَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ حُكْمَ النَّاسِخِ (حُكْمٌ تَجَدَّدَ) أَيْ ظَهَرَ تَعَلُّقُهُ (فَلَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ) لِلْمُكَلَّفِ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهِ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ (فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاحِدًا) مِنْهُمْ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إذَا وَصَلَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ
(قُلْنَا) قَوْلُكُمْ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ وَرَاءَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ أَيْضًا، وَهَذَا الَّذِي نَمْنَعُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ لَا مَنْ لَيْسَ عَالِمًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكُفَّارُ مُكَلَّفِينَ وَمَنْ لَمْ يُبَلَّغْ التَّكْلِيفُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ غَافِلًا، وَالثَّانِي التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصُّورَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّ (بِبُلُوغِهِ وَاحِدًا حَصَلَ التَّمَكُّنُ وَلِذَا) أَيْ وَلِحُصُولِ التَّمَكُّنِ بِبُلُوغِ وَاحِدٍ (شَرَطْنَاهُ) أَيْ بُلُوغَ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ آنِفًا (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ مَا إذَا بَلَّغَ النَّبِيُّ لَا الْأُمَّةَ (فَافْتَرَقَا) وَلَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَمْكَنَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ اسْتِحْصَالُهُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يُقَالُ النَّبِيُّ) صلى الله عليه وسلم (ذَلِكَ) الْوَاحِدُ (فِيهِ) أَيْ بِبُلُوغِهِ (يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ) لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَأُورِدَ أَيْضًا إنْ أُرِيدَ بِنَفْيِ الثُّبُوتِ نَفْيُ وُجُوبِ الِامْتِثَالِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ يَسْتَقِرُّ الشَّيْءُ فِي ذِمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ
(فَالْوَجْهُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِنَفْيِ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَلَّغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ وَبَعْضُ الْأُمَّةِ (السَّمْعُ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) بِنَاءً (عَلَى) قَوْلِ (أَبِي حَنِيفَةَ) تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ شَرْعًا مُرَتَّبَيْنِ وَاجِبٌ يُوجِبُ الْإِخْلَالُ بِهِ الدَّمَ عَمَلًا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا فِي حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الدَّمُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ لَمْ أُشْعِرْ فَفَعَلْت كَذَا أَيْ لَمْ أَعْلَمْ وُجُوبَ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ الْفِعْلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَا قَدَّمَ اعْتِذَارَهُ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْأَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ وَعَذَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ مَنَاسِكَهُمْ وَأَيْضًا وَاقِعَةُ أَهْلِ قُبَاءَ فَإِنَّهُمْ أَتَاهُمْ الْخَبَرُ بِنَسْخِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ.
هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ كَمَا