الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا أَوْ لَا (ضَرُورَةً) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَسُّرِ الرُّجُوعِ أَوْ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ فَيَحْسُنُ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ بِهَا لِسُهُولَةِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ قِصَّةُ مُعَاذٍ الشَّهِيرَةُ فِي إرْسَالِهِ إلَى الْيَمَنِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَقَصْرُ الْجَوَازِ عَلَى الْقُضَاةِ، وَالْوُلَاةِ لِحِفْظِ مَنْصِبِهِمْ عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ تَكَلُّفِ كِتَابَتِهِ بِلَا تَعَقُّبِهِ بِالرَّدِّ (وَالْحَاضِرُ بِشَرْطِ أَمْنِ الْخَطَإِ هُوَ) أَيْ أَمْنُهُ (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ حَضْرَتِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه (أَوْ إذْنِهِ) فِي ذَلِكَ (كَتَحْكِيمِهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا حَكَمَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ وَقَسْمِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، وَالنِّسَاءِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ «الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» وَكِلَاهُمَا يُرَجِّحَانِ كَسْرَ اللَّامِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ بِحُكْمِ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]
(مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَوُجُودِ مُوجِدِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ وَبَعْثِهِ الرُّسُلَ، وَالْمُصِيبُ مِنْ مُجْتَهِدِيهَا) أَيْ الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ اتِّفَاقًا) ، وَهُوَ الَّذِي طَابَقَ اجْتِهَادُهُ الْوَاقِعَ فَأَصَابَ الْحَقَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِ النَّقِيضَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالْمُخْطِئُ) مِنْهُمْ (إنْ) أَخْطَأَ (فِيمَا يَنْفِي مِلَّةَ الْإِسْلَامِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (فَكَافِرٌ آثِمٌ مُطْلَقًا) أَيْ اجْتَهَدَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ (عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ) أَيْضًا (بَعْدَ تَأَهُّلِهِ لِلنَّظَرِ وَبِشَرْطِ الْبُلُوغِ عِنْدَ مَنْ أَسْلَفْنَا) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ) وَقَدْرُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَلَفَ ثَمَّةَ (إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ سَمْعٌ وَمُطْلَقًا) أَيْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ أَمْ لَا (إنْ بَلَغَهُ) السَّمْعُ (وَبِشَرْطِ بُلُوغِهِ) أَيْ السَّمْعِ إيَّاهُ (لِلْأَشْعَرِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ) ثَمَّةَ (عَنْ بُخَارِيِّ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَبْيَنُ مِنْ النَّهَارِ لَا مَجَالَ لِنَفْيِهَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ الِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ وَغُمُوضٌ، وَالْمُعَانِدُ مُكَابِرٌ فِيهَا
(وَإِنْ) كَانَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ (غَيْرَهَا) أَيْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ (كَخَلْقِ الْقُرْآنِ) أَيْ الْقَوْلِ بِخَلْقِهِ (وَإِرَادَةِ الشَّرِّ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّرَّ فَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ إرَادَةِ الشَّرِّ (فَمُبْتَدِعٌ آثِمٌ لَا كَافِرٌ وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (زِيَادَةٌ) فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ كَوُجُوبِ تَرْكِيبِ الْأَجْسَامِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ وَنَحْوِهِ فَلَا الْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ وَلَا الْمُصِيبُ فِيهِ مَأْجُورٌ إذْ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا مَجْرَى الْخَطَإِ فِي أَنَّ مَكَّةَ أَكْبَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ أَصْغَرُ كَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِيَّةِ (وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَمُنْكِرُ الضَّرُورِيِّ) مِنْهَا (كَالْأَرْكَانِ) أَيْ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ الَّتِي هِيَ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَحُرْمَةِ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالرِّبَا (وَالسَّرِقَةِ كَذَلِكَ) أَيْ كَافِرٌ آثِمٌ لِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ) ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ نَظَرِيًّا (فَهُوَ إنْكَارٌ لِلْمَعْلُومِ ابْتِدَاءً عِنَادًا أَوْ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَالْخَبَرُ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةً (وَالْقِيَاسُ) حُجَّةً فَهُوَ مُخْطِئٌ (آثِمٌ)
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ، وَقَدْ خَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ ضَعِيفَةِ الْمَدَارِكِ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحُرُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي تَأْثِيمُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا أَنَّا فِي أُصُولِ الدِّينِ لَا نُؤَثِّمُ مَنْ يَقُولُ: الْعَرَضُ يَبْقَى زَمَانَيْنِ، أَوْ يَقُولُ بِنَفْيِ الْخَلَاءِ وَإِثْبَاتِ الْمَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ) إنْكَارِ (حُجِّيَّةِ الْقُرْآنِ) ، وَالسُّنَّةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ إنْكَارَهَا (كُفْرٌ وَ) مُنْكِرُ (غَيْرِهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ (الْفَرْعِيَّةِ) الِاجْتِهَادِيَّةِ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ (فَالْقَطْعُ لَا إثْمَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْقَطْعُ بِنَفْيِ الْإِثْمِ (مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ شَرْطِ حِلِّهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ قَاطِعِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ وَلَا يُعْبَأُ) أَيْ لَا يُعْتَدُّ (بِتَأْثِيمِ بِشْرٍ) الْمَرِيسِيِّ (وَالْأَصَمِّ) أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَالْإِمَامِيَّةِ الْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَّا، وَالْحَقُّ فِيهَا
مُتَعَيِّنٌ وَعَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَمَنْ أَخْطَأَهُ فَهُوَ آثِمٌ غَيْرُ كَافِرٍ وَيَفْسُقُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَلَا يَفْسُقُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا لَا يُعْبَأُ بِهِ (لِدَلَالَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ فِيهَا (إذْ شَاعَ اخْتِلَافُهُمْ) فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مَعَ الْجَمِيعِ (وَلَمْ يُنْقَلْ تَأْثِيمٌ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مُعَيَّنٌ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ: الْآخَرُ آثِمٌ وَلَا مُبْهَمٌ بِأَنْ يَقُولُوا: أَحَدُنَا آثِمٌ (وَلَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ الْإِثْمُ لِلْمُخْطِئِ (لَوَقَعَ) ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَطِيرٌ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ ذُكِرَ لَنُقِلَ وَاشْتُهِرَ وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ تَأْثِيمٌ عُلِمَ قَطْعًا عَدَمُ الْإِثْمِ.
(وَلَوْ اُسْتُؤْنِسَ لَهُمَا) أَيْ بِشْرٍ وَالْأَصَمِّ (بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا) ذَكَرَهُ فِي التَّقْوِيمِ (أَمْكَنَ) الْقَدْحُ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ التَّأْثِيمِ بِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا اُتُّبِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِثْلِهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ ابْنَ عَبَّاسٍ (لَمْ يُتَّبَعْ عَلَى مِثْلِهِ إذْ وَقَائِعُ الْخِلَافِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَلَا تَأْثِيمَ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِيهَا مَنْقُولٌ عَنْهُمْ، وَقَالَ (الْجَاحِظُ: لَا إثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَلَوْ) كَانَ الِاجْتِهَادُ (فِي نَفْيِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ) كَانَ نَفْيُهُ اجْتِهَادًا (مِمَّنْ لَيْسَ مُسْلِمًا وَتَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ النَّافِي فِي الدُّنْيَا (أَحْكَامُ الْكُفَّارِ، وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ الْإِثْمِ (مُرَادُ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَاضِي الْبَصْرَةِ الْمُعْتَزِلِيِّ (الْعَنْبَرِيِّ بِقَوْلِهِ: الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مُصِيبٌ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ هَذَا بَلْ أَرَادَ وُقُوعَ مُعْتَقَدِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ) فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِتَقْدِيرِ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ كَالْقِدَمِ، وَالْحُدُوثِ فِي اعْتِقَادِ قَدِمَ الْعَالَمِ وَحُدُوثِهِ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَخَرَجَ عَنْ الْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَكُونَانِ حَقَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَفَى السُّبْكِيُّ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَفْيَ الْإِثْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْجَاحِظِ بِلَا زِيَادَةٍ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا وَوَافَقَهُ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى هَذَا وَتَعَقَّبَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي لَا دَخْلَ فِيهَا الْوَضْعُ الشَّارِعُ كَكَوْنِ الْعَالَمِ قَدِيمًا وَكَوْنِ الصَّانِعِ مُمْكِنَ الرُّؤْيَةِ، أَوْ مُمْتَنِعَهَا
ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ عُمِّمَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ حَتَّى يَشْمَلَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ وَإِنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسَ عَلَى صَوَابٍ، وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُونَ فِيهَا إلَى آيَاتٍ وَآثَارٍ مُحْتَمَلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ كَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ.
وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس فَإِنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّا لَا نَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا يَقْطَعُ بِتَضْلِيلِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس وَأَنَّ قَوْلَهُمْ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَامَتْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي بُطْلَانِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ، وَالدَّلَائِلُ الْقَطْعِيَّةُ تُوجِبُ الِاعْتِقَادَ الْقَطْعِيَّ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ ضَالُّونَ مُخْطِئُونَ قَطْعًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا يُخَالِفُنَا فِيهِ أَهْلُ الْمِلَلِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يُخَالِفُنَا فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُجَسِّمَةُ، وَالْجَهْمِيَّةُ، وَالرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ وَسَائِرُ مَنْ يُخَالِفُ أَهْلَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى مَا يُوَافِقُ عَقَائِدَهُمْ فَيَثْبُتُ مَا اعْتَقَدُوهُ قَطْعًا، وَإِذَا ثَبَتَ مَا اعْتَقَدُوهُ قَطْعًا حُكِمَ بِبُطْلَانِ مَا يُخَالِفُهُ قَطْعًا، وَإِذَا حُكِمَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ قَطْعًا ثَبَتَ أَنَّهُمْ ضُلَّالٌ وَمُبْتَدِعَةٌ انْتَهَى.
وَمَشَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِمَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ الْكَرْمَانِيُّ وَالتَّفْتَازَانِي وَاسْتَشْهَدَ السُّبْكِيُّ لَهُ بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مُثْبِتِي الْقَدْرِ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَفِي نَافِيهِ: هَؤُلَاءِ نَزَّهُوا اللَّهَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى وَأَمْثَالِهِمْ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ مَذْهَبِ الْجَاحِظِ أَيْضًا وَلَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي التَّقْرِيبِ بِخِلَافِهِ فَانْتَفَى مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْكَافِرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِاسْتِبْعَادِ الْخِلَافِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي كَوْنِ الْيَهُودِيِّ مُخْطِئًا فِي نَفْيِهِ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْيَهُودِيَّ غَيْرُ مُخْطِئٍ فِي نَفْيِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُجَسِّمَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرُ مُخْطِئَةٍ فِي أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَفِي جِهَةٍ انْتَهَى.
(لَنَا إجْمَاعُ