الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْفِيَ وَصِيَّةَ الْمُوصِي وَلَا نَهَاهُ عَنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ حَتَّى لَا يُنْسَخَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا تَنْصِيصَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَسْخِهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ فَالْحُكْمُ بِنَسْخِهِ لِضَرُورَةِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَهَاهُنَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُصْرَفَ الْأُولَى إلَى ثُلُثِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ إلَى الْبَاقِي كَمَا فِي الْأَجَانِبِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَقِيَتْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ بَعْدَ شَرْعِ الْمَوَارِيثِ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] جَعَلَ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ فَدَلَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَخْرِيجُ الْآيَتَيْنِ عَلَى التَّوَافُقِ فَلَا يَجِبُ التَّخْرِيجُ عَلَى التَّنَاسُخِ انْتَهَى. قُلْتُ يَعْنِي فَقَدْ كَانَ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بَاقِيًا لَكِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَجْتَمِعَ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَعْضِ الْأَقْرَبِينَ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِمَا يُضَادُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ تَضَادٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الدَّيْنُ وَالْمِيرَاثُ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ لَوْلَا هَذَا الْخَبَرُ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي جَوَازُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ نَسَخَتْ جَوَازَهَا لِلْوَارِثِ مِنْهُمْ نَعَمْ يَبْقَى عَلَى هَذَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الَّذِي نَسَخَ آيَةَ الْوَصِيَّةِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي النَّسْخِ وَإِنَّمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى.
قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي النَّسْخِ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّ النَّسْخَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ قَالَ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] الْآيَةَ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ (وَلَا مِثْلًا) لِلْقُرْآنِ (وَنَأْتِ يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ الْآتِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلُهُ (هُوَ تَعَالَى) وَمَا يَأْتِي بِهِ تَعَالَى هُوَ الْقُرْآنُ (أُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ (وَعَدَمُ تَفَاضُلِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (بِالْخَيْرِيَّةِ أَيْ الْبَلَاغَةِ مَمْنُوعٌ) إذْ فِي الْقُرْآنِ الْفَصِيحُ وَالْأَفْصَحُ وَالْبَلِيغُ وَالْأَبْلَغُ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ كَوْنُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ (فَالْمُرَادُ بِخَيْرٍ مِنْ حُكْمِهَا) لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ مُسَاوٍ لِحُكْمِهَا الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُكَلَّفِينَ (وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ جَازَ كَوْنُهُ أَصْلَحَ لِلْمُكَلَّفِ) مِمَّا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ (مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ مُبَلِّغَةٌ وَوَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ بَاطِنٌ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]{إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: 15] فَلَا يَصِحُّ التَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا بَلْ وَفِي جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَعَكْسِهِ إعْلَاءُ مَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَعْظِيمِ سُنَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوَّضَ بَيَانَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ فِي الْأَصْلِ إلَيْهِ لِيُبَيِّنَّهُ بِعِبَارَتِهِ وَجَعَلَ لِعِبَارَتِهِ مِنْ الدَّرَجَةِ مَا يَثْبُتُ بِهِ انْتِهَاءُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ بِوَحْيٍ مَتْلُوٍّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بِهِ انْتِسَاخُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ سُنَّتَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ مِثْلَ كَلَامِهِ وَتَوَلَّى بَيَانَ مُدَّتِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا تَوَلَّى بَيَانَ مُدَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ بِكَلَامِهِ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ مَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا نُسِخَ بِالسُّنَّةِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَكَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَنْسَخُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا سُنَّتُهُ وَلَا سِيَّمَا فِي نَسْخِ صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى رَدِّ نِسَائِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]
(مَسْأَلَةٌ) نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَنَسْخُ بَعْضِهِ جَائِزٌ وَهُوَ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (يُنْسَخُ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا أَوْ حُكْمًا لَا تِلَاوَةً (وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرَ الْأَوَّلِ) أَيْ نَسْخَ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَائِزٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ النَّسْخِ (لَنَا جَوَازُ تِلَاوَةٍ وَحُكْمٍ) وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (وَمُفَادُهُ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِمَا حُكْمٌ (آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ حُكْمٍ آخَرَ) لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهُمَا هَذَا التَّلَازُمُ
(وَوَقَعَ) نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلَكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا» وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ، نَعَمْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ قَالَ قُلْت ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ كَانَتْ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَكُنَّا نَقْرَأُ فِيهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ (ثَابِتٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ وَهُمَا إذَا زَنَيَا رُجِمَا إجْمَاعًا (وَلَقَدْ اُسْتُبْعِدَ) هَذَا (مِنْ طُلَاوَةِ الْقُرْآنِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ حُسْنِهِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَثْبُتَ قُرْآنٌ بِالْآحَادِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ قُرْآنٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْقُرْآنِ الْمُثْبَتِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ أَمَّا الْمَنْسُوخُ فَلَا سَلَّمْنَا لَكِنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلُهُ كَالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّ أَحَدَ الْمُتَوَاتِرَيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّوَاتُرُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَنْقَطِعَ فَيَصِيرَ آحَادًا فَمَا رُوِيَ لَنَا بِالْآحَادِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَمَّا كَانَ مَوْجُودًا بِشَرَائِطِهِ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ ثَبَتَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَعُمَرَ وَأُبَيُّ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ اخْتَرَعُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يُتْلَى ثُمَّ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ بِصَرْفِ اللَّهِ الْقُلُوبَ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قُلُوبَ هَؤُلَاءِ وَسَمَاعُهُمْ كَافٍ لِكَوْنِهِ قُرْآنًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فِي حَقِّهِمْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِالظَّنِّ وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مَشْرُوطٌ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا فِيمَا نُسِخَ
(وَمِنْهُ) أَيْ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةُ فَقَطْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ لِابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (مُتَتَابِعَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ كَمَا حَفِظَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثُمَّ انْتَسَخَتْ تِلَاوَتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَرْفِ الْقُلُوبِ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قَلْبَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بَاقِيًا بِنَقْلِهِ فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ الْعَمَلُ بِهِ وَقِرَاءَتُهُ لَا تَكُونُ دُونَ رِوَايَتِهِ فَكَانَ بَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَابْنِ عَبَّاسٍ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ) مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَإِنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَوَجْهُهَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقُرْآنِ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قِيلَ إنَّهُ كَانَ مِنْ سُورَةِ " ص " وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ رَعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةٌ وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ شَهْرًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا فِيهَا قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَلْبُهُ) أَيْ نَسْخُ الْحُكْمِ لَا التِّلَاوَةِ (آيَةَ الِاعْتِدَادِ حَوْلًا مَتْلُوَّةً وَارْتَفَعَ مُفَادُهَا) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى