المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة تكليف المجتهد بطلب المناط] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[مسألة تكليف المجتهد بطلب المناط]

بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَالْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ فَلَا تَحَكُّمَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَانَ السَّبَبُ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا مَظِنَّتُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا انْتَفَى الْقِيَاسُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ لِتَأَتِّي هَذَا بِعَيْنِهِ فِيهِ لَكِنْ انْتِفَاؤُهَا فِيهِ مَمْنُوعٌ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

{مَسْأَلَةٌ} قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (الْحُدُودُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْدِيرَاتٍ لَا تُعْقَلُ) كَعَدَدِ الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى (وَمَا يُعْقَلُ) مِنْهَا (كَالْقَطْعِ) لِيَدِ السَّارِقِ لِكَوْنِهَا الْجَانِيَةَ بِالسَّرِقَةِ (فَلِلشُّبْهَةِ) فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ «وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ» كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَدَرْؤُهَا فِي عَدَمِ ثُبُوتِهَا بِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ بِهِ (قَالُوا أَدِلَّةُ الْقِيَاسِ) الدَّالَّةُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ (مُعَمِّمَةٌ) لَهَا كَمَا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِمَا (قُلْنَا) عُمُومُهَا (فِي مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا) وَالْحُدُودُ لَيْسَتْ بِمُسْتَكْمِلَةٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَانْتِهَاضُ أَثَرِ عَلِيٍّ) السَّالِفِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيزُونَ (مَوْقُوفٌ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَذْفِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِهِ بَلْ (أَنَّهُ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ (عَلَى حُكْمِهِ) الَّذِي هُوَ وُجُوبُ جَلْدِ ثَمَانِينَ (بِاجْتِمَاعِ دَلَالَاتٍ سَمْعِيَّةٍ عَلَيْهِ) أَيْ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ (كَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْفِقْهِ) أَيْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ نَذْكُرْهَا هُنَا تَحَامِيًا مِنْ التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفُرُوعِ بِهَا أَلْيَقُ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى إثْبَاتِ حَدِّ الْخَمْرِ قِيَاسًا فَهَذَا إبْطَالٌ لِأَصْلِكُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ قِيَاسًا قِيلَ الَّذِي نَمْنَعُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ إيجَابُ حَدٍّ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَيُتَحَرَّى فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَاسْتِعْمَالُ اجْتِهَادِ السَّلَفِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ضَرَبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ بِنَعْلِهِ ضَرْبَتَيْنِ فَتَحَرَّوْا فِي اجْتِهَادِهِمْ مُوَافَقَةَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلُوهُ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلُوا ضَرْبَهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ إلَى السَّوْطِ كَمَا يَجْتَهِدُ الْجَلَّادُ فِي الضَّرْبِ وَكَمَا يَخْتَارُ السَّوْطَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْجِلْدِ اجْتِهَادًا

[تَنْبِيهٌ] الْكَفَّارَاتُ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ بَلْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

(مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (لِيَحْكُمَ فِي مَحَالِّهِ) أَيْ الْمَنَاطِ (بِحُكْمِهِ جَائِزٌ عَقْلًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيفُ أَوْ التَّعَبُّدُ (بِالْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حِكْمَةٍ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعَبُّدَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي أَوَائِلِ الْقِيَاسِ (وَإِيجَابُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْقِيَاسِ) أَيْ جَعْلُ هَذَا مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فِيهِ قُصُورٌ عَنْ الْمَقْصُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا إذَا تَمَّ الْقِيَاسُ فَاعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ اُنْظُرْ لِيَظْهَرَ لَك فِي الْوَاقِعِ قِيَاسٌ أَوْ لَا وَهَذَا مَحَلٌّ آخَرُ لِلْوُجُوبِ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ (لَا) أَنَّ تَكْلِيفَهُ بِذَلِكَ (وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَالْقَفَّالِ) الشَّاشِيِّ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنُّصُوصَ مَحْصُورَةٌ وَالْقِيَاسَ كَافِلٌ بِهَا فَاقْتَضَى التَّعَبُّدَ بِهِ وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعَبُّدِ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلُزُومُ خُلُوِّ وَقَائِعَ) عَنْ الْحُكْمِ (لَوْلَاهُ) أَيْ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ (مُنْتَفٍ لِانْضِبَاطِ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ وَالْأَفْعَالِ وَإِمْكَانِ إفَادَتِهَا) أَيْ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ

ص: 241

لِأَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ (الْعُمُومَاتُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ إفَادَتِهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْمَفْعُولِ فَتُعْلَمُ أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا الَّتِي لَا تَنْحَصِرُ بِانْدِرَاجِهَا تَحْتَهَا مِثْلَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ.

(وَلَوْ لَمْ تُفِدْهَا) أَيْ الْعُمُومَاتُ أَحْكَامَ أَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ (ثَبَتَ فِيهَا) أَيْ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَمْ تُفِدْهَا الْعُمُومَاتُ (حُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَلَا خُلُوَّ) لِوَاقِعَةٍ مِنْهَا عَنْ الْحُكْمِ (وَلَا مُمْتَنِعَ عَقْلًا) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّيْدِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ النَّظَّامُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرِيعَتِنَا خَاصَّةً عَلَى مَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّكْلِيفُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ (إذْ لَا يَلْزَمُ إلْزَامُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ (بِحَالٍ) لَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ (وَكَوْنُ الظَّنِّ مَمْنُوعًا عَقْلًا لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ) وَالْقِيَاسُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْخَطَأُ مَحْظُورٌ قَطْعًا وَالْعَقْلُ يُوجِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَحْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِمَنَاطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا (مَمْنُوعٌ) ثُبُوتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ الصَّوَابِ أَمَّا إذَا ظَنَّ وَكَانَ الْخَطَأُ مَرْجُوحًا فَلَا (بَلْ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ غَيْرِ مُتَيَقَّنَةٍ) إذْ مَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْحُصُولِ فَإِنَّ الزَّارِعَ لَا يَزْرَعُ وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ الرِّيعَ وَالتَّاجِرَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ جَازِمٌ بِأَنْ يَرْبَحَ وَالْمُتَعَلِّمَ لَا يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهِ وَهُوَ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُثْمِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَعَلَّمُهُ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ مَظْنُونَةٍ (ظَهَرَ إيجَابُهُ) أَيْ الْعَقْلُ (الْعَمَلُ عِنْدَ ظَنِّ الثَّوَابِ) وَإِنْ أَمِنَ الْخَطَأَ تَحْصِيلًا لِفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ.

(وَثَبَتَ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (شَرْعًا بِتَتَبُّعِ مَوَارِدِهِ) أَيْ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَكَيْفَ لَا وَالْمَظَانُّ الْأَكْثَرِيَّةُ لَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْأَقَلِّيَّةِ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدِلَّتِهَا ظَنِّيَّةٌ (وَثُبُوتُ الْجَمْعِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ عَمْدًا وَخَطَأً فِي الْفِدَاءِ وَبَيْنَ زِنَا الْمُحْصَنِ وَرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) ثُبُوتُ (الْفَرْقِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ) كَقَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَجَلْدِ مَنْ نَسَبَ الْعَفِيفَ إلَى الزِّنَا دُونَ مَنْ نَسَبَ الْمُسْلِمَ إلَى الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُحَرَّمِ إلَى الْغَيْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ التَّكْلِيفِ بِالْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحِيلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ ضِدُّ ذَلِكَ وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ كَمَا ذَكَرَ النَّظَّامُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِجَامِعٍ) اشْتَرَكَتْ فِيهِ وُجِدَ فِي الْكُلِّ يَقَعُ بِهِ (التَّمَاثُلُ) بَيْنَهَا فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَاتِ لَا يُمْنَعُ اجْتِمَاعُهَا فِي صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةٍ وَأَحْكَامٍ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ لِوُجُودِ (فَارِقٍ) بَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ (تَقْتَضِيهِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ إنَّمَا يَجِبُ اشْتِرَاكُهَا فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارِضٌ يَقْتَضِي حُكْمًا غَيْرَهُ وَلَا فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ أَقْوَى يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَكُلٌّ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَالْفَارِقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَلَا) مُمْتَنِعٍ (سَمْعًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْقَاسَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إلَى بَلْدَةٍ بِتُرْكِسْتَانَ (وَالنَّهْرَوَانِيّ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ وَالْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ إنْكَارَ وُقُوعِهِ شَرْعًا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُقُوعِهِ شَرْعًا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا ثُمَّ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ ذِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُومِي إلَيْهَا.

قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلِذَا لَا يُنْكِرُونَ قِيَاسَ الْأَوْلَى وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ إنْكَارُ وُقُوعِ الْقِيَاسِ بِجُمْلَتِهِ إلَّا عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَاسِيِّينَ إلَى أَنَّ مَا صَارَ الْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَيْسَ قَوْلًا بِالْقِيَاسِ بَلْ هُوَ يَتَتَبَّعُ النَّصَّ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي إنْكَارِهِ جُمْلَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ بِبَعْضِ الْقِيَاسِ انْتَهَى وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الْقَاسَانِيِّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَتَيْنِ كَوْنِ عِلَّةِ الْأَصْلِ مَنْصُوصَةً بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِإِيمَائِهِ وَكَوْنِ الْفَرْعِ بِالْحُكْمِ أَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ

ص: 242

وَاعْتَرَفَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ هُنَا مَدْخَلٌ لَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي عَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا الثَّانِي أَبْدَلَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَفِي الْبُرْهَانِ بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ صَبِّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ بِالْبَوْلِ فِيهِ وَجَعْلِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ هَذَا (وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ شُرُوحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لِمَانِعِيهِ عَقْلًا فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعِيهِ سَمْعًا إمَّا عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ نَقْلِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ لِلسَّمَاعِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ ثَابِتَةٌ بِالنَّقْلِ فَظَاهِرٌ وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ النَّقْلِيِّ وَالْعَقْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا كَانَتْ مُقَدِّمَتَاهُ ثَابِتَتَيْنِ بِالنَّقْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ مِنْهُ الْعَقْلَ نَعَمْ الْعِبَارَةُ مُوهِمَةٌ نَقْلَ هَذَا عَنْ الْمَانِعِينَ سَمْعًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ (بِأَنَّ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (اخْتِلَافًا) مِنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ (مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فِي الْآيَةِ مَا فِي الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ أَيْ فِي بَعْضِهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ.

(بَلْ) الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ فِيهَا (التَّنَاقُضُ) فِي الْمَعْنَى (وَالْقُصُورُ) عَنْ الْبَلَاغَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا وَقَعَ التَّحَدِّي وَالْإِلْزَامُ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَكَانَ بَعْضُ أَخْبَارِهِ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ دُونَ بَعْضٍ وَالْعَقْلُ مُوَافِقًا لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ دُونَ بَعْضٍ وَكَانَ مُتَفَاوِتًا فِي النَّظْمِ إلَى رَكِيكٍ وَفَصِيحٍ ثُمَّ إلَى فَصِيحٍ بَالِغٍ حَدَّ الْإِعْجَازِ وَقَاصِرٍ عَنْهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ لِنُقْصَانِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأُورِدَ لِمَ قُلْتُمْ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ هِيَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِإِتْقَانِ مُصَنِّفِيهَا إيَّاهَا وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ مِثْلَ الْقُرْآنِ نَظْمِهِ وَطَرِيقِ إعْجَازِهِ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَشَرًا تَكَلَّفَهُ فِي مِثْلِ حَجْمِهِ لَلَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ لِوُعُورَةِ طَرِيقِهِ عَلَى السَّالِكِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَهُ بَشَرٌ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَهِيٍّ لَأَعْجَزَهُ اللَّهُ فِيهِ بِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ الدَّالِّ عَلَى كَذِبِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ عز وجل لَا يُؤَيِّدُهُ بِالْمُعْجِزَةِ تَمْيِيزًا لِلصَّادِقِ مِنْ غَيْرِهِ (وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أَيْ وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِيهِ سَمْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89](وَنَحْوِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] أَيْ عَلَى قِرَاءَةِ رَفْعِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ كِتَابَهُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَمِيعَ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَا كُلُّ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ الْقُرْآنُ لَا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا عُزِيَ إلَى عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ عِلْمُ اللَّهِ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْعُمُومُ فِيهِمَا (مَخْصُوصٌ قَطْعًا) إذْ لَيْسَ كُلُّ الْأَشْيَاءِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ فِي الْقُرْآنِ.

(أَوْ هُوَ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (إجْمَالًا) وَلَوْ بِالْإِحَالَةِ إلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ فَيَكُونُ مُبَيِّنًا لَهُ بِطَرِيقٍ إجْمَالِيٍّ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظًا كَمَا بَعْضُ الْأَشْيَاءِ مُبَيَّنٌ فِيهِ تَفْصِيلًا (فَجَازَ فِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا (حُكْمُ الْقِيَاسِ) وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْ اعْتِبَارُهُ (فَيَعْلَمُهُ الْمُجْتَهِدُ) بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ (كَمَا جَازَ) أَنْ يَكُونَ (الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْأَحْكَامِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (وَيَعْلَمُهُ النَّبِيُّ) صلى الله عليه وسلم كَمَا قِيلَ جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ تَقَاصَرَتْ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ مُتَمَسَّكُهُمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقُرْآنِ حَجَّةً) بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ حُجِّيَّةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (أَيْضًا) فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا اللَّازِمِ لَهُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا (وَبِهِ) أَيْ وَبِانْتِفَاءِ هَذَا اللَّازِمِ عِنْدَهُمْ (يَبْعُدُ نِسْبَةُ هَذَا) الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَتَيْنِ (لَهُمْ عَلَى الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حِكَايَةِ النَّاقِلِينَ لَهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَيْ الْقُرْآنُ تِبْيَانٌ لِلْقِيَاسِ (بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ نَصًّا) أَيْ لَفْظًا.

(وَحُكْمِ

ص: 243

الْفَرْعِ دَلَالَةً) أَيْ مَعْنًى (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا فَكُلُّ قِيَاسٍ مَفْهُومٌ مُوَافَقَةً) لِأَنَّهُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْقُرْآنِ أَفَادَ الْأُصُولَ بِالنَّصِّ وَالْفُرُوعَ بِالدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ فِي) الْأَشْيَاءِ (السِّتَّةِ) الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ (أُصُولُ الرِّبَا) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَ) فِي (كَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بَلْ) بَيَانُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ إنَّمَا هُوَ (بِالسُّنَّةِ فَقَطْ وَحَدِيثُ)«لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا وَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي سَنَدِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِيهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ (لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ) وَهُوَ إظْهَارُ مَا قَدْ كَانَ وَرَدُّ مَشْرُوعٍ إلَى نَظِيرِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ فِي نَصْبِ الشَّرَائِعِ بِالْآرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا جَهْلًا مِنْهُمْ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ أَشَدُّ النَّاسِ نَكِيرًا لِذَلِكَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَهُ سَمْعًا أَيْضًا (أَرْشَدُ إلَى تَرْكِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِإِيجَابِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ (فِيمَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ) فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَكُلُّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُحَرَّمًا لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ.

(الْجَوَابُ) هَذَا (إنَّمَا يُفِيدُ مَنْعَ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِمَنْعِ إثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً بِهِ (نَقُولُ كَمَا) نَقُولُ بِامْتِنَاعِهِ فِيمَا (لَمْ يُدْرَكْ مَنَاطُهُ قَالُوا) أَيْضًا الْقِيَاسُ (ظَنِّيٌّ) فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ حَقِّ الشَّارِعِ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَالشُّبُهَاتِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِقَطْعِيٍّ (لَا) أَنَّهُ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ قَطْعِيٌّ وَإِنَّمَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِ الِانْتِقَالِ إلَيْنَا فَأَثَّرَ تَمَكُّنُهَا فِي انْتِفَاءِ الْيَقِينِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ بِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ كَالنَّصِّ الْمُؤَوَّلِ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيمِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْخَبَرِ الْحَاصِلِ الْآنَ وَهُوَ مَظْنُونٌ كَالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَنَا مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ كَمَا أَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلَ كَالرِّوَايَةِ فَكَمَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ الْغَلَطَ احْتَمَلَ التَّعْلِيلُ الْغَلَطَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ سَاقِطٌ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا لِأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَعَ ذَلِكَ أُطْلِقَ لَنَا الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ فِيهِ إمَّا التَّحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَسِعْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ بَعْدَ جَوَازِهِ) أَيْ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ مَنَاطِ الْحُكْمِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ (سَمْعًا قِيلَ ظَنًّا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ وُقُوعِهِ ظَنًّا عِنْدَهُ (عَدَلَ) فِي إثْبَاتِهِ (إلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّ السَّمْعِيَّ يُفِيدُ ظَنَّ إيجَابِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ وَإِثْبَاتُ أَصْلٍ دِينِيٍّ ثَبَتَ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ.

(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ الْأَكْثَرُ وَقَعَ (قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَصْلُ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ النَّظَائِرُ عِبْرَةً وَهَذَا يَشْمَلُ الِاتِّعَاظَ وَالْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَالشَّرْعِيَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لِلِاتِّعَاظِ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةً وَعَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ اعْتَبِرُوا (مَخْصُوصًا بِمَا انْتَفَتْ شَرَائِطُهُ) أَيْ خُصَّ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مَا انْتَفَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ (وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا (لِلنَّدْبِ وَ) احْتِمَالُ (كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا خِطَابًا (لِلْحَاضِرِينَ) فَقَطْ (وَ) احْتِمَالُ (إرَادَةِ الْمَرَّةِ) مِنْ الِاعْتِبَارِ (وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ) فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ بِكُلِّ قِيَاسٍ صَحِيحٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَوَابُهُ أَنَّ اعْتَبِرُوا فِي مَعْنَى افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ وَالتَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ (لَا يَنْفِي الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِمَا عَدَاهُ (لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ) عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ فَالْإِطْلَاقُ كَافٍ وَلَفْظُ {أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] يَعُمُّ الْمُجْتَهِدِينَ بِلَا نِزَاعٍ (وَلَيْسَ بِكُلِّ تَجْوِيزٍ عَقْلِيٍّ يَنْتَفِي الْقَطْعُ)

ص: 244

فَلَا عِبْرَةَ بِبَاقِي الِاحْتِمَالَاتِ (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقَطْعُ (عَنْ السَّمْعِيَّاتِ) لِطُرُوقِهِ لَهَا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.

(وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ) أَيْ الِاعْتِبَارِ (فِي الِاتِّعَاظِ بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ السَّبَبِ) الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ (وَلِبُعْدِ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ (فَقِيسُوا الذُّرَةَ بِالْبُرِّ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الِاسْتِدْلَالِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَظَهَرَ كَوْنُهُ فِي الِاتِّعَاظِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضًا وَهُوَ بُعْدُ تَرْتِيبِ فَاعْتَبِرُوا عَلَيْهِ (إذْ الْمُرَتَّبُ) عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ الِاعْتِبَارُ (الْأَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ (أَيْ فَاعْتَبِرُوا الشَّيْءَ بِنَظِيرِهِ فِي مَنَاطِهِ فِي الْمَثُلَاتِ) أَيْ الْعُقُوبَاتِ جَمْعُ مَثُلَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا (وَغَيْرِهَا وَهَذَا) الطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِ التَّكْلِيفِ بِالْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْ الْآيَةِ (أَيْسَرُ مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْهَا (دَلَالَةً) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ وَطَرِيقُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ هَلَاكَ قَوْمٍ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ اعْتِزَازُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ لِيَكُفَّ عَنْ مِثَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحُكْمِهَا فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَفْهُومًا بِطَرِيقِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ دَلَالَةَ نَصٍّ لَا قِيَاسًا حَتَّى لَا يَكُونَ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ بَلْ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاءَ بَلْ صَرِيحُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَقْتَضِي الْعِلَّةَ التَّامَّةَ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاتِّعَاظِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ السَّابِقَةَ غَايَةُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ وُجُودَ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْقِيقِ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَفْهَمُ مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْأَمْرَ بِالْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ) الْأَمْرِ بِ (الِاتِّعَاظِ) وَقَدْ أُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْفَاءَ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَظَاهِرٌ أَنْ لَا عِلَّةَ هُنَا لِوُجُوبِ الِاتِّعَاظِ سِوَى الْقَضِيَّةِ السَّابِقَةِ فَتَكُونُ كُلُّ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا لَهَا دَخْلٌ فِي الْعِلَّةِ تَثْبُتُ أَيْضًا أَنَّ لَهَا دَلَالَةً عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَثَانِيًا بِأَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ أَوْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشَّكَّ عِنَادًا، هَذَا وَالشَّرْطُ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُغَةً بِحَيْثُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِمَّا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَأَيْضًا قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ التَّفَاصِيلُ آحَادًا كَمَا تَقِفُ الْآنَ عَلَيْهِ عَنْ أَعْيَانٍ مِنْهُمْ.

(وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ فِي مِثْلِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (بِأَنَّهُ) إنَّمَا يَكُونُ (عَنْ قَاطِعٍ فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى التَّعْيِينِ (وَأَيْضًا شَاعَ مُبَاحَثَتُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ (وَتَرْجِيحُهُمْ) الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ (بِلَا نَكِيرٍ) لِذَلِكَ (فَكَانَ) ذَلِكَ (إجْمَاعًا مِنْهُمْ فِي حُجِّيَّتِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ حُجَّةً (فِي مِثْلِهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَا سُكُوتًا) يُفِيدُ الظَّنَّ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ) الْمُفِيدُ حُجِّيَّةَ الْقِيَاسِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (يُفِيدُ طُمَأْنِينَةً) وَهُوَ فَوْقَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ بِالْآحَادِ (فَإِنَّهُ) أَيْ حَدِيثَهُ (مَشْهُورٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) فَيَثْبُتُ بِهِ الْحُصُولُ فَإِنْ قِيلَ الِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْصُوصُ الْعِلَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ مُعَاذٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِيَاجِهَا إلَى الِاجْتِهَادِ هِيَ مَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْصُوصَ الْعِلَّةِ فَقَطْ لَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ لِبَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَى قِيَاسٍ غَيْرِ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَنْصُوصِ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ) أَيْ مُعَاذٍ

ص: 245

أَقْضِي بِمَا فِي (كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) ثَابِتٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَ مِنْهُمَا مَوْجُودٌ فِيهِمَا (فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِيَاسُ) مُطْلَقًا.

(وَالْقَطْعُ بِأَنَّ إطْلَاقَهُ) أَيْ إطْلَاقَ جَوَازِهِ لِمُعَاذٍ (لَيْسَ إلَّا لِاجْتِهَادِهِ لَا لِخُصُوصِهِ) فَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ) رضي الله عنهم (مِنْ ذَمِّهِ) أَيْ الْقِيَاسِ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ قَالَ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه اتَّقُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ إيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ اتَّهَمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَعَنْهُ أَيْضًا إيَّاكُمْ وَأَرَأَيْت وَأَرَأَيْت فَتَزَلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَرَوَى هُوَ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ يُحَدِّثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْثَلِمُ فَبَعْدَ صِحَّتِهِ عَنْهُمْ (فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الذَّمَّ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرِّجًا بَلْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ رَأَيْت فِي الْكَلَالَةِ رَأْيًا فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ قِبَلِي وَالشَّيْطَانِ الْكَلَالَةُ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي إلَخْ وَفِي مُسْنَدِ الطَّبَرَانِيِّ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ وَفِيمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ تَكَلَّمَ فِيهِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مُرَادُ الذَّامِّينَ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ (إذْ قَاسَ كَثِيرٌ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصَّحَابَةُ (حَرَامٌ عَلَى طَالِقٍ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجٍ فِيهِ بَلْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ وَالْخِلْيَةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَتَّةِ هِيَ ثَلَاثٌ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الَّذِي يُحَرِّمُ أَهْلَهُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَلِيٍّ وَالثَّانِيَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ قَالَ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ اهـ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ رَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ.

ثُمَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِطَالِقٍ عِنْدَهُمْ سِوَى وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَ وَاحِدَةٍ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا فِي تَمْشِيَتِهِ قِيَاسٌ عَلَى طَالِقٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ بِهِ فَهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهَا بَائِنَةً وَالْوَاقِعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْحَرَامِ إذَا نَوَاهَا لَا بِطَالِقٍ (وَ) قَاسَ (عَلِيٌّ) رضي الله عنه (الشَّارِبَ) لِلْخَمْرِ (عَلَى الْقَاذِفِ) فِي الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَبَعِيدًا (وَ) قَاسَ (الصِّدِّيقُ) رضي الله عنه (الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وُجُوبِ الْقِتَالِ) فِي التَّرْكِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ فَسَاقَهُ وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَن مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمِنْ قَوْلِ عُمَرَ فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ (وَفِيهِ) أَيْ قِيَاسِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا) فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ (وَوَرَّثَ) أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه (أُمَّ الْأُمِّ لَا أُمَّ الْأَبِ) لَمَّا اجْتَمَعَتَا (فَقِيلَ لَهُ) وَالْقَائِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ كَمَا أَفَادَتْهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مَا مَعْنَاهُ (تَرَكْت الَّتِي لَوْ كَانَتْ الْمَيِّتَةَ) وَهُوَ حَيٌّ (وَرِثَ الْكُلَّ) مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ (أَيْ هِيَ) أَيْ أُمُّ الْأَبِ (أَقْرَبُ) مِنْ أُمِّ الْأُمِّ (فَشَرَكَ) أَبُو بَكْرٍ (بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ) عَلَى السَّوَاءِ أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

(وَ) وَرَّثَ (عُمَرُ الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ) فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ عُثْمَانَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (وَابْنُ مَسْعُودٍ) قَاسَ (مَوْتَ زَوْجِ الْمُفَوَّضَةِ) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ جَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى مَوْتِ زَوْجِ غَيْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ

ص: 246