الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] قَالَ وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ ظِهَارٌ فَجَاءَ عَنْ ابْنِ قِلَابَةَ أَحَدِ التَّابِعِينَ وَنَسَبَهُ ابْنُ حَزْمٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى إسْمَاعِيلِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ ثُمَّ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا ظِهَارًا نَظَرًا فَإِنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ سَلَّمْنَا لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَّقَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ كَلَامًا مُخْتَلِفًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ لَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ نِهَايَةُ التَّحْرِيمِ فَصَرَفَ مُطْلَقَهُ إلَيْهَا وَالثَّانِي ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ آنِفًا الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي الْحُرْمَةِ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ هُنَا كِفَايَةٌ (وَلَيْسَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْفَرْعِ (مَقْطُوعًا بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ) بَلْ ظَنُّ وُجُودِهَا كَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا مَظْنُونَةً مُوجِبٌ شَرْعًا) الْعَمَلُ (لَا مَانِعَ) مِنْهُ شَرْعًا فَلَا يَلِيقُ جَعْلُ انْتِفَائِهِ شَرْطًا لَهُ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]
(فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ) هِيَ (مَا) أَيْ وَصْفٌ (شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِهِ (لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ جَلْبُ مَصْلَحَةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهَا (أَوْ تَكْمِيلُهَا أَوْ دَفْعُ مَفْسَدَةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ أَلَمًا أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهِ (أَوْ تَقْلِيلُهَا) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ نَفْسِيًّا أَوْ بَدَنِيًّا دُنْيَوِيًّا أَوْ أُخْرَوِيًّا وَحَاصِلُهُ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ إذْ الْعَاقِلُ إذَا خُيِّرَ اخْتَارَ حُصُولَ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَصْلُحُ مَقْصُودًا قَطْعًا (فَلَزِمَ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي شُرِعَ الْحُكْمُ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِلْحُكْمِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُزُومًا عَقْلِيًّا بِوَاسِطَةِ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ (فَلَزِمَ) كَوْنُهُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (ظُهُورُهُ وَانْضِبَاطُهُ) أَيْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ أَيْضًا (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُضْطَرِبًا (لَا تَعْرِيفَ) أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (وَ) لَزِمَ (كَوْنُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ (مَظِنَّتَهَا) أَيْ الْحِكْمَةِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَظِنَّةَ مَظِنَّةِ أَمْرِ تَحْصِيلِ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْأَمْرِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَظِنَّةَ أَمْرٍ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ تَحَصُّلَ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ (فَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ وَشَرْعُ الْقَصْرِ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ مَعَ السَّفَرِ (يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ دَفْعِهَا) أَيْ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا مِثَالُ الْأَوَّلِ (وَصِيَغُ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ مَظِنَّةُ الرِّضَا بِخُرُوجِ مَمْلُوكِيهِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (إلَى الْبَدَلِ) بِأَنْ صَارَ الْمَمْلُوكُ لِكُلٍّ هُوَ الْبَدَلُ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ (أَوْ) بِخُرُوجِ مَمْلُوكِ (أَحَدِهِمَا) لَا إلَى بَدَلٍ (وَتُحْمَلُ الْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ) أَيْ الرِّضَا الْمَذْكُورُ (مَظِنَّةُ حَاجَتِهِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى كُلٍّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ (فَشُرِعَ الرِّضَا سَبَبًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ وَ) شُرِعَ (حِلُّهُ) أَيْ الْبَدَلِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الرِّضَا (لِمَصْلَحَةِ دَفْعِهَا) أَيْ الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ مَا شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ مَظِنَّةَ الْحِكْمَةِ إلَخْ (مَعْنَى اشْتِمَالِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْوَصْفِ لَا يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى ذَلِكَ إذْ الْإِسْكَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا لَيْسَ بِمُشْتَمِلٍ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الْعُقُولِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ بَلْ عَلَى ذَهَابِ الْعَقْلِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ يُحَصِّلُ الْحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ مَعَهُ (فَحَقِيقَةُ الْعِلَّةِ) فِي الْعُقُودِ (الرِّضَا) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ هُوَ الْحَاجَةُ وَتَحْصُلُ الْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ (وَإِذْ خَفِيَ عَلِقَ الْحُكْمُ) وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ (بِالصِّيغَةِ فَهِيَ)
أَيْ الصِّيغَةُ (الْعِلَّةُ اصْطِلَاحًا) لَا حَقِيقَةً (وَهِيَ) أَيْ الصِّيغَةُ (دَلِيلُ مَظِنَّةِ مَا تَحْصُلُ الْحِكْمَةُ مَعَهُ بِالْحُكْمِ) إذْ هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ الَّتِي شَرَعَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْلَحَةُ (فَظَهَرَ أَنَّ الرِّضَا لَيْسَ الْحِكْمَةَ) فِي التِّجَارَةِ (كَمَا قِيلَ) قَالَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّالِثِ (وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مَظِنَّةُ انْتِشَارِهِ) أَيْ الْعُدْوَانِ (إنْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ) الْقِصَاصُ (دَفْعًا لَهُ) أَيْ لِانْتِشَارِ الْعُدْوَانِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِي فَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِي الْمِثْلِ مُشَوَّشٌ (وَكَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ شُرِعَ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا إلَخْ (مُنَاسَبَتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (كَذَلِكَ) أَيْ شَرْعُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ إلَخْ (الْمُنَاسِبُ فَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ مَا) أَيْ وَصْفٌ (لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِحُكْمٍ (تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ مُنَاسِبٌ لِكَذَا أَيْ مُلَائِمٌ لَهُ (وَكَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (لِلْحِكْمَةِ اعْتِبَارُهُ) أَيْ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (وَمَعْرِفَتُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) أَيْ طُرُقُهَا (وَشَرْطُهَا) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ شَرْطًا لِلْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (تَفَضُّلٌ) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ (لَا وُجُوبٌ) عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.
(وَهَذَا) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ تَفَضُّلًا (مَا يُقَالُ الْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ دُنْيَوِيَّةً كَمَا ذُكِرَ) مِنْ التَّرْخِيصِ بِالرُّخَصِ لِلْمُسَافِرِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْفَسَادِ (وَأُخْرَوِيَّةً لِلْعِبَادَاتِ) وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ الْجَوَّادِ الْوَهَّابِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ (وِفَاقٌ بَيْنَ النَّافِينَ لِلطَّرْدِ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً إلَّا بِالْمُنَاسَبَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُ) أَيْ التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا إذْ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّارِعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِح الْعِبَادِ أَوْ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ قِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ جَازَ (وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ) ذَلِكَ (لِظَنِّهِمْ لُزُومَ اسْتِكْمَالِهِ فِي ذَاتِهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ) حَاصِلًا لَهُ قَبْلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (ذُهُولٌ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَكُونُ (لَوْ رَجَعَتْ) الْمَصَالِحُ وَالْحُكْمُ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْأَغْرَاضِ (إلَيْهِ) تَعَالَى.
(أَمَّا) إذَا رَجَعَتْ (إلَى غَيْرِهِ فَمَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهَا إلَى الْعِبَادِ أَيْضًا الْتَزَمُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ رَاجَعَهَا إلَى الْعِبَادِ يَسْتَلْزِمُ كَمَالًا لَهُ فَأَجَابَ بِمَنْعِ ذَلِكَ (بَلْ هُوَ) أَيْ رَجْعُ الْمَصَالِحِ إلَى الْفُقَرَاءِ (أَثَرُ كَمَالِهِ الْقَدِيمِ) أَيْ الْمُتَّصِفِ بِهِ أَزَلًا لَا كَمَالَ حَادِثٍ لَهُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْمُتَجَدِّدِ) مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ (بِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ) أَيْ بِسَبَبِ تَعَلُّقِهَا بِهِمْ (لَازِمٌ فِي فَوَاضِلِهِ) وَإِنْعَامَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْحَاءِ (الْمُتَجَدِّدَةِ) الذَّوَاتِ وَالِاقْتِضَاءِ الْمُسْتَمِرَّةِ (فِي مَمَرِّ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَنَامِ) إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ الْعِبَادِ فَقَدْ {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ كَمَالٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْمَصَالِحِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ شَرْعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إنْزَالَ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الشَّجَرِ وَالْأَقْوَاتِ وَإِيصَالَاتِ الرَّاحَاتِ وَمَا لَا يُحْصَى إلَى مَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُوجِدَهَا (فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِيهِ) أَيْ الْمَانِعِينَ عَنْ كَوْنِ إفَاضَةِ هَذَا الْجُودِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَهُوَ (جَوَابُنَا) عَنْ كَوْنِ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَّا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَتَعْرِيفُهُمْ مَظَاهِرَ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ وَكَرْمِهِ الْعَمِيمِ وَبِهِ نَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَقَدْ كَثُرَتْ لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ لِكَلَامِهِمْ) كَمَا يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْكَلَامِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ تَعْلِيلَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ سِيَّمَا شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ بِالْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ ظَاهِرٌ كَإِيجَابِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالنُّصُوصُ أَيْضًا شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] الْآيَةُ