الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَدْرَكَتْهُ عُقُولُنَا. (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَلِّدُوا الْأَئِمَّةَ الْمَذْكُورِينَ لِهَذَا الْوَجْهِ (مَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَهُوَ ابْنُ الصَّلَاحِ (مَنَعَ تَقْلِيدَ غَيْرِ) الْأَئِمَّةِ (الْأَرْبَعَةِ) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رحمهم الله (لِانْضِبَاطِ مَذَاهِبِهِمْ وَتَقْيِيدِ) مُطْلَقِ (مَسَائِلِهِمْ وَتَخْصِيصِ عُمُومِهَا) وَتَحْرِيرِ شُرُوطِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَمْ يُدْرَ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الشَّيْءَ (فِي غَيْرِهِمْ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (الْآنَ لِانْقِرَاضِ أَتْبَاعِهِمْ) . وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ امْتَنَعَ تَقْلِيدُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ؛ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ حَقِيقَةِ مَذْهَبِهِمْ؛ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ حَقَّ الثُّبُوتِ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَلَّدُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ ثُبُوتُ مَذْهَبٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ أَيْضًا إذَا صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَذْهَبٌ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْضَحَ مِنْ دَلِيلِهِ هَذَا وَقَدْ تَعَقَّبْ بَعْضُهُمْ أَصْلَ الْوَجْهِ لِهَذَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَبْرِ هَؤُلَاءِ كَمَا ذَكَرَ وُجُوبُ تَقْلِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ جَمَعَ وَسَبَرَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِمْ بَلْ الظَّاهِرُ فِي تَعْلِيلِهِ فِي الْعَوَامّ أَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَكَانَ فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ تَعْطِيلِ مَعَايِشِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى، وَأَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ يَتَطَرَّقُ إلَى مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ احْتِمَالَاتٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعَامِّيُّ مَعَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْإِسْنَادُ إلَى الصَّحَابِيِّ لَا عَلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةُ الْعَامِّيِّ لَيْسَتْ الْوَاقِعَةَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الصَّحَابِيُّ وَهُوَ ظَانٌّ أَنَّهَا هِيَ؛ لِأَنَّ تَنْزِيلَ الْوَقَائِعِ عَلَى الْوَقَائِعِ مِنْ أَدَقِّ وُجُوهِ الْفِقْهِ وَأَكْثَرِهَا غَلَطًا وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَتَأَهَّلُ لِتَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَهَّلُ لِلْعَمَلِ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ إمَّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِقَوْلِ الشَّارِعِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ فِي عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ يَكَادُ يَكُونُ حُجَّةً فَامْتِنَاعُ تَقْلِيدِهِ لِعُلُوِّ قَدْرِهِ لَا لِنُزُولِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ (صَحِيحٌ) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ مَذْهَبٌ مُدَوَّنٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ بِأَقْوَالِهِ كُلِّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَبْلَغَ مِنْ هَذَا.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الْقَرَافِيُّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ حَجْرٍ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم أَنَّ مَنْ اسْتَفْتَى أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ وَقَلَّدَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمَا وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَمَنْ ادَّعَى دَفْعَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. هَذَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَتْبَاعُ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْضِيلِ أَئِمَّتِهِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَأَحَقُّ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْ أُمُّ الْكَمَلَةِ عَنْ بَنِيهَا: ثَكِلْتُهُمْ إنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَيَّهُمْ أَفْضَلَ هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا فَمَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا تَجَرَّدَ النَّظَرُ إلَى خَصَائِصِهِ إلَّا وَيَفْنَى الزَّمَانُ لِنَاشِرِهَا دُونَ اسْتِيعَابِهَا، وَهَذَا سَبَبُ هُجُومِ الْمُفَضِّلِينَ عَلَى التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ لِغَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمُفَضِّلِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ فَضْلَةٌ لِتَفْضِيلِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِلَى ضِيقِ الْأَذْهَانِ عَنْ اسْتِيعَابِ خَصَائِصِ الْمُفَضَّلِينَ جَاءَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إذَا جُرِّدَ النَّظَرُ إلَيْهَا قَالَ النَّاظِرُ هِيَ أَكْبَرُ الْآيَاتِ، وَإِلَّا فَمَا يُتَصَوَّرُ فِي آيَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ الْأَفْضَلِيَّةُ وَالْمَفْضُولِيَّة.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ انْخَرَقَتْ بِهِمْ الْعَادَةُ عَلَى مَعْنَى الْكَرَامَةِ عِنَايَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ إذَا قِيسَتْ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ أَقْرَانِهِمْ ثُمَّ اشْتِهَارُ مَذَاهِبِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَاجْتِمَاعُ الْقُلُوبِ عَلَى الْأَخْذِ بِهَا دُونَ مَا سِوَاهَا إلَّا قَلِيلًا عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ مِمَّا يَشْهَدُ بِصَلَاحِ طَوِيَّتِهِمْ وَجَمِيلِ سَرِيرَتِهِمْ وَمُضَاعَفَةِ مَثُوبَتِهِمْ وَرِفْعَةِ دَرَجَتِهِمْ - تَغَمَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَعْلَى مَقَامَهُمْ فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّتِهِ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ فِي زُمْرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ وَصَحَابَتِهِ وَأَدْخَلَنَا وَصُحْبَتَهُمْ دَارَ كَرَامَتِهِ.
[خَاتِمَة]
وَقَدْ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ صَحِيحٌ تَفَاؤُلًا بِصِحَّتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى وَلَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي أَنْ يُؤْتِيَ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَيُزْكِيَهَا إنَّهُ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا إنَّهُ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا وَأَنْ يَقِيَهَا شُرُورَهَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِهَا وَوَخِيمَ هَوَاهَا وَأَنْ يُحْسِنَ لَنَا فِي الدَّارَيْنِ الْعَوَاقِبَ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا فِيهِمَا بِجَمِيلِ
الْمَوَاهِبِ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْمُلْتَمَسُ مِنْ فَضْلِ ذَوِي الْأَلْبَابِ الْوَاقِفِينَ عَلَى مَا عَانَاهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مِنْ الْعَجَبِ الْعُجَابِ فِي شَرْحِ مَقَاصِدِهِ وَتَوْضِيحِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ أَنْ لَا يَنْسَوْهُ مِنْ دُعَائِهِمْ الْمُسْتَجَابِ فِي وَقْتِهِمْ الْمُسْتَطَابِ بِمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ وَحُسْنِ الْمَآبِ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا عَانَيْتُهُ فِيهِ بِمَعُونَةِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ إلَى سُلُوكِ سَوَاءِ الطَّرِيقِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ فِي غَوَامِضَ يَحَارُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْكَارِ وَخَفَايَا يَقْصُرُ عَنْ كَشْفِ أَسْرَارِهَا ثَوَاقِبُ الْأَنْظَارِ مَعَ إيضَاحٍ لِمُبْهَمَاتِهِ وَتَبْيِينٍ لِمُشْتَبِهَاتِهِ وَتَنْقِيحٍ لِزَبَدِ مَعْقُولَاتِهِ وَتَصْحِيحٍ لِأَنْوَاعِ مَنْقُولَاتِهِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى مَقْبُولَةً لَدَى شَرِيفِ جَنَابِهِ وَجُنَّةً فِي الدَّارَيْنِ مِنْ سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ وَذَرِيعَةً إلَى رِضَاهُ وَالْخُلُودِ فِي دَارِ ثَوَابِهِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرْمِ الْعَمِيمِ لَا إلَه غَيْرُهُ وَلَا يُرْجَى إلَّا كَرَمُهُ وَخَيْرُهُ وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِمَشَايِخِنَا وَلِأَوْلَادِنَا وَلِأَصْحَابِنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ آمِينَ.
(صُورَةُ خَطِّ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ أَصْلِ أَصْلِهِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ مَا مِثَالُهُ) وَقَدْ نُجِزَ نَقْلُ هَذَا السِّفْرِ الْمُبَارَكِ مِنْ السَّوَادِ إلَى الْبَيَاضِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ذِي الْكَرَمِ الْجَزِيلِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ وَغَفَرَ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ آمِينَ وَكَانَ نِجَازُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسُ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ أَحْسَنَ اللَّهُ تَقَضِّيهَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ رَحِمَ اللَّهُ وَاقِفَهَا بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رَايَاتُ الْأَعَادِي لَهَا مَنْكُوسَةً وَلَا بَرِحَتْ رِبَاعُهَا بِالْفَضَائِلِ وَالْبَرَكَاتِ مَأْنُوسَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
(يَقُولُ الْمُتَوَسِّلُ بِجَاهِ الْمُصْطَفَى الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُودُ مُصْطَفَى خَادِمُ التَّصْحِيحِ بِدَارِ الطِّبَاعَةِ أَدَامَ اللَّهُ لَهُ سُلُوكَ سَبِيلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ثَبَّتَ فُرُوعَ دَوْحِ دِينِهِ الْمُبَرَّإِ مِنْ وَصْمَةِ الْعِوَجِ بِثَوَابِتِ الْأُصُولِ وَمَحَاسِنِ الدَّلَائِلِ وَالْحُجَجِ وَمَنَحَنَا النَّظَرَ فِي غَوَامِضِ آيَاتِهِ تَفْصِيلًا، وَإِجْمَالًا فَشَهِدْنَا وَحْدَانِيَّتَهُ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَأَفْعَالًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْأَنَامِ الْمُفَضَّلِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ مِنْ بَيْنِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مَنْ تَأَسَّسَتْ قَوَانِينُ نُبُوَّتِهِ عَلَى أَوْضَحِ الدَّلَالَاتِ وَوُضِعَتْ دَعَائِمُ مِلَّتِهِ عَلَى أَبْهَرِ الْمُعْجِزَاتِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَمُلَ بِهِمْ الدِّينُ وَدَامَ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الْجَمْعِ الْعِزُّ وَالتَّمْكِينُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ تَمَّ طَبْعُ هَذَا الْكِتَابِ النَّامِي فِي التَّحْقِيقَاتِ الْجَامِعِ لِمَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ مِنْ رَقَائِقِ التَّدْقِيقَاتِ الَّذِي عَنَتْ لَهُ وُجُوهُ الْأَسْفَارِ وَجَابَتْ فِي تَحْصِيلِهِ الْجَهَابِذَةُ الْفَيَافِيَ وَالْقِفَارَ الْمُوَضِّحُ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تَحْرِيرِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِي الْفَضَائِلِ مُشَارِكٌ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهَا مُزَاحِمٌ عَلَمِ الْأَعْلَامِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ الصَّائِدِ لِرَاغِبِيهِ شَوَارِدَهُ الْمُقَيِّدِ لِطَالِبِيهِ أَوَابِدَهُ الْمُدْنِي لِلْأَذْهَانِ مِنْ مَبَاحِثِهِ كُلَّ غَرِيبٍ الْمُنْتَخِبِ لِلْحُذَّاقِ مِنْ نَفَائِسِهِ كُلَّ عَجِيبٍ الْفَائِقِ بِلَطِيفِ إشَارَتِهِ الشَّائِقِ بِرَقِيقِ عِبَارَتِهِ حَتَّى أُعْجِبَ بِهِ النَّاقِدُ الْبَصِيرُ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ لِعَلَمِ الْعُلَمَاءِ وَوَاسِطَةِ عَقْدِ الْفُضَلَاءِ حُجَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَخَاتِمَةِ الْمُدَقِّقِينَ الْإِمَامِ الْخَطِيرِ وَالْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِ مَنْ هُوَ لِعُلَمَاءِ زَمَانِهِ كَالتَّاجِ الْمِفْضَالِ الشَّهِيرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ.
وَقَدْ
وُضِعَ بِهَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ الْآخِذِ بِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ شَرْحُ الْإِمَامِ الَّذِي لَا يُبَارَى فِي بَرَاعَتِهِ وَلَا يُجَارَى فِي فَصِيحِ عِبَارَتِهِ الْحَائِزِ قَصَبَ السَّبَقِ فِي مِضْمَارِ الْفَضْلِ الْأُخْرَوِيِّ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ الْإِسْنَوِيِّ الْمُسَمِّي هَذَا الشَّرْحَ بِنِهَايَةِ السُّولِ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ لِلْفَاضِلِ الْمُشْتَهِرِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ بِأَعْلَى الْأَوْصَافِ وَأَجْلَى الْمَنَاقِبِ مَنْ هُوَ لِرُتَبِ الْفَضَائِلِ حَاوِي الْعَلَّامَةِ الْمَعْرُوفِ بِالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَسْكَنَ اللَّهُ الْجَمِيعَ فَرَادِيسَ الْجَنَّةِ وَأَجْزَلَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الْمِنَّةَ عَلَى ذِمَّةِ الْمُلْتَزَمَيْنِ الْمُكْرَمَيْنِ الْكُرْدِيَّيْنِ الْمَاجِدَيْنِ الْأَمْجَدَيْنِ حَضْرَةَ شُكْرِ اللَّهِ أَفَنْدِي كَانَ اللَّهُ لَهُ مُعِينًا فِيمَا يُعِيدُ وَيُبْدِي وَحَضْرَةَ الْفَاضِلِ الشَّابِّ الذَّكِيِّ الشَّيْخِ الْأَجَلِّ فَرَجِ اللَّهِ زَكِيِّ جَمَعَنَا اللَّهُ جَمِيعًا فِي الْفِرْدَوْسِ بِلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ بِجَاهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ. فِي عَهْدِ الْحَضْرَةِ الْخِدِيوِيَّةِ وَظِلِّ الطَّلْعَةِ الْبَهِيَّةِ الْمَلْحُوظِ مِنْ مَوْلَاهُ بِعَيْنِ عِنَايَتِهِ الْمُؤَيَّدِ بِبَاهِرِ هَيْبَتِهِ وَسَطْوَتِهِ الْمَحْفُوظِ بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي الْخِدَيْوِي الْأَعْظَمِ عَبَّاسِ حِلْمِي بَاشًّا الثَّانِي أَدَامَ اللَّهُ لَنَا أَيَّامَهُ وَوَالَى عَلَيْنَا إنْعَامَهُ وَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِوَلِيِّ الْعَهْدِ وَجَعَلَهُ قَرِينَ الْمَجْدِ وَالسَّعْدِ وَكَانَ هَذَا الطَّبْعُ الْجَمِيلُ وَالْوَضْعُ الْبَاهِرُ الْجَلِيلُ بِالْمَطْبَعَةِ الْعَامِرَةِ بِبُولَاقِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ بِنَظَرِ مَنْ عَلَيْهِ مَكَارِمُ أَخْلَاقِهِ تُثْنَى سَعَادَةِ وَكِيلِ الْمَطْبَعَةِ مُحَمَّدٍ بِك حُسْنِي وَقَدْ بَدَرَ مِنْ هَذَا الطَّبْعِ بَدْرُهُ وَانْبَلَجَ صُبْحُهُ وَفَجْرُهُ فِي شَهْرِ جُمَادَى الثَّانِيَةِ فِي الْعَامِ الثَّامِنِ عَشَرَ مِنْ الْقَرْنِ الرَّابِعِ عَشَرَ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ الْبَشَرِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ مَا لَاحَ بَدْرُ التَّمَامِ وَفَاحَ مِسْكُ الْخِتَامِ.