المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة لا ينسخ الإجماع ولا ينسخ به] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[مسألة لا ينسخ الإجماع ولا ينسخ به]

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَهُمَا) أَيْ نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ (مَعًا قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ) مَعْلُومَاتٍ (يُحَرِّمْنَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ أَوَّلًا (التِّلَاوَةُ مَعَ مُفَادِهَا) مِنْ الْحُكْمِ فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَيْهِ (كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ) وَكَمَا لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَنْفَكُّ الْحُكْمُ عَنْ التِّلَاوَةِ وَلَا التِّلَاوَةُ عَنْ الْحُكْمِ.

وَلَمَّا أَجَابَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْعَالَمِيَّةَ مِنْ الْأَحْوَالِ يَعْنِي الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ قَائِمَةٌ بِمَوْجُودٍ وَتَمَامُ هَذَا فَرْعُ ثُبُوتِ الْحَالِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا نَفْيُ الْحَالِ وَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِهِ بَعْضٌ مِنَّا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمِثَالِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّ التِّلَاوَةَ وَهِيَ اللَّفْظُ مَلْزُومٌ لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ بِلَا لَازِمِهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ ضَرَبُوا ذَلِكَ مَثَلًا فَبُطْلَانُهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ إلَى هَذَا وَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَقَالَ (وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَتْلُوَّ (مَلْزُومٌ) لِمَعْنَاهُ (فَلَا يَضُرُّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (مَنْعُ ثُبُوتِ الْأَحْوَالِ وَالْجَوَابُ إنْ قُلْت) الْمَتْلُوُّ (مَلْزُومُ الثُّبُوتِ) أَيْ ثُبُوتِ مَعْنَاهُ (ابْتِدَاءً سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ (أَوْ) مَلْزُومُ الثُّبُوتِ (بَقَاءُ مَعْنَاهُ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الثُّبُوتِ ابْتِدَاءُ الثُّبُوتِ بَقَاءً (وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهِ بَقَاءً (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ ثَانِيًا (بَقَاءُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ يُوهِمُ بَقَاءَهُ) أَيْ الْحُكْمِ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ دَلِيلَهُ وَبَقَاءُ الدَّلِيلِ مُوهِمٌ بَقَاءَ الْمَدْلُولِ (فَيُوقَعُ) بَقَاؤُهَا دُونَ الْمُكَلَّفِ (فِي الْجَهْلِ) لِظَنِّهِ بَقَاءَ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِبَاقٍ فِي الْحَالِ وَالْإِيقَاعُ فِي الْجَهْلِ قَبِيحٌ فَلَا يَقَعُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.

(وَأَيْضًا فَائِدَةُ إنْزَالِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (إفَادَتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي دَلَّتْ التِّلَاوَةُ عَلَيْهِ (وَتَنْتَفِي) إفَادَتُهَا الْحُكْمَ (بِبَقَائِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (دُونَهَا) أَيْ التِّلَاوَةِ، وَالْكَلَامُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ الْقُرْآنُ عَنْهُ (أُجِيبُ مَبْنَاهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ (عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ) الْعَقْلِيَّيْنِ وَقَدْ نَفَاهُمَا الْأَشَاعِرَةُ (وَلَوْ سُلِّمَ) الْقَوْلُ بِهِمَا (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِيقَاعُ) فِي الْجَهْلِ عَلَى تَقْدِيرِ نَسْخِ الْحُكْمِ لَا التِّلَاوَةِ (لَوْ لَمْ يُنْصَبُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ بَقَاءِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ نُصِبَ عَلَيْهِ فَالْمُجْتَهِدُ يَعْلَمُهُ بِالدَّلِيلِ، وَالْمُقَلِّدُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ فَيَنْتَفِي التَّجْهِيلُ (وَيُمْنَعُ حَصْرُ فَائِدَتِهِ) فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ (بَلْ) إنْزَالُهُ لِفَوَائِدَ لِمَا ذَكَرْتُمْ وَأَيْضًا (لِلْإِعْجَازِ وَلِثَوَابِ التِّلَاوَةِ أَيْضًا وَقَدْ حَصَلَتَا) أَيْ هَاتَانِ الْفَائِدَتَانِ؛ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ لَا يَنْتَفِي بِنَسْخِ تَعَلُّقِ حُكْمِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ وَالْأَعْجَازُ تَابِعٌ لِوُجُودِهِ لَا لِمُجَرَّدِ قُرْآنِيَّتِهِ وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِتِلَاوَتِهِ كَمَا قَبْلَ النَّسْخِ (كَالْفَائِدَةِ الَّتِي عَيَّنْتُمُوهَا) أَيْ كَمَا حَصَلَتْ إفَادَةُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَيَسْتَتْبِعُ بَقَاءَهُ لَفْظًا أَيْضًا حُرْمَةُ ذِكْرِهِ عَلَى الْجُنُبِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ رَسْمِهِ لِلْمُحْدِثِ كَالْمُتَشَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ فَائِدَةِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا (وَإِلَّا انْتَفَى النَّسْخُ بَعْدَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ تَكَرُّرُهُ) لِعَدَمِ بَقَاءِ فَائِدَتِهِ الَّتِي هِيَ وُجُوبُ تَكَرُّرِهِ دَائِمًا وَهُوَ بَاطِلٌ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

(مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ) الْقَطْعِيُّ أَيْ لَا يُدْفَعُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (وَلَا يُنْسَخُ بِهِ) غَيْرُهُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ (فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ رَفْعُ حُكْمِهِ (فَبِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ إجْمَاعٍ) قَاطِعٍ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ (يَسْتَلْزِمُ خَطَأَ قَاطِعِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ حِينَئِذٍ (خِلَافُ الْقَاطِعِ) الَّذِي هُوَ النَّصُّ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ قَطْعًا وَعَدَمِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الْقَاطِعِ

(وَالثَّانِي) أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ يَسْتَلْزِمُ (بُطْلَانَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْإِجْمَاعَيْنِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعٍ آخَرَ فَأَحَدُ الْإِجْمَاعَيْنِ سَاقِطٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَمَّا امْتَنَعَ بُطْلَانُ الْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ كَانَ الْإِجْمَاعُ الْآخَرُ وَهُوَ مَا فُرِضَ نَسْخُهُ غَيْرَ قَاطِعٍ وَبَاطِلٍ، وَعَلَى الْخَطَأِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ (بِشَيْءٍ) مَانِعٍ مِنْ نَسْخِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُوجِبُ خَطَأَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا) لَوْ كَانَ النَّسْخُ يُوجِبُ خَطَأَ الْمَنْسُوخِ (امْتَنَعَ)

ص: 67

النَّسْخُ (مُطْلَقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْقَاطِعِ الْمُتَأَخِّرِ خَطَأُ الْقَاطِعِ الْمُتَقَدِّمِ لَزِمَ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ إلَى ظُهُورِ النَّصِّ الْقَاطِعِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ كَقَطْعِيِّ الْكِتَابِ بَعْدَ مِثْلِهِ (بَلْ) إنَّمَا لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ بِنَصٍّ مُتَأَخِّرٍ (لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ مَشْرُوطَةٌ (بِقَيْدِ بُعْدِيَّتِهِ عليه السلام فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأَخُّرُ النَّصِّ عَنْهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِغَيْرِهِ تَظْهَرُ (فِيمَا إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِجْمَاعُ (عَلَى أَحَدِهِمَا) بِعَيْنِهِ (فَإِذَا وَقَعَ) الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا عَيْنًا (ارْتَفَعَ جَوَازُ الْأَخْذِ بِالْآخَرِ) لِتَعَيُّنِ الْأَخْذِ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ وَبُطْلَانِ الْأَخْذِ بِمُخَالِفِهِ (فَالْمُجِيزُ) لِجَوَازِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ يَقُولُ ارْتِفَاعُ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْآخَرِ (نَسْخٌ) لِجَوَازِ الْأَخْذِ بِهِ

(وَالْجُمْهُورُ) يَقُولُونَ (لَا) يَنْسَخُ جَوَازَ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا اجْتِهَادٌ أَوْ تَقْلِيدٌ (لِمَنْعِ) جَوَازِ (الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا) عَيْنًا بَعْدَ خِلَافِهِمْ الْمُسْتَقِرِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَيْنًا حِينَئِذٍ (مُخْتَلَفٌ) فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ سُلِّمَ) جَوَازُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ فَلَا نَسْخَ لِلْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ كَمَا قَالَ (فَمَشْرُوطٌ بِعَدَمِ قَاطِعٍ يَمْنَعُهُ) أَيْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَصِيرَ قَطْعِيَّةً بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي فَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي انْتَفَى شَرْطُ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً فَانْتَفَى شَرْطُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ لَا لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا) عَيْنًا بَعْدَ ذَلِكَ (مَانِعٌ) مِنْ ذَلِكَ (وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ غَيْرُهُ (فَالْأَكْثَرُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُنْسَخُ بِهِ غَيْرُهُ (خِلَافًا لِابْنِ أَبَانَ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا إنْ) كَانَ الْإِجْمَاعُ (عَنْ نَصٍّ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (فَهُوَ) أَيْ النَّصُّ (النَّاسِخُ يَعْنِي لِمَا بِحَيْثُ يُنْسَخُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَدِلَّ بَيَّنَ فِيمَا زَعَمَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ إذَا اُعْتُبِرَ نَاسِخًا أَنْ يَنْسَخَ مَا بِحَيْثُ يَجُوزُ نَسْخُهُ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ عَنْ نَصٍّ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْمَنْسُوخُ (إنْ) كَانَ (قَطْعِيًّا لَزِمَ خَطَأُ الثَّانِي) الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ النَّاسِخُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ حِينَئِذٍ (عَلَى خِلَافِ) النَّصِّ (الْقَاطِعِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْقَاطِعِ خَطَأٌ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ظَنِّيًّا (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (أَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْأَوَّلَ (لَيْسَ دَلِيلًا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِهِ رُجْحَانُهُ وَقَدْ انْتَفَى بِمُعَارَضَةِ قَاطِعٍ لَهُ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ (فَلَا حُكْمَ) ثَابِتٌ لَهُ (فَلَا رَفْعَ) ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ فَرْعُ الثُّبُوتِ

(وَعَلَيْهِ) أَيْ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا (مَنْعُ خَطَأِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ (قَطْعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ) نَصٍّ (قَطْعِيٍّ) مُتَقَدِّمٍ كَمَا هُوَ التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ وَالنَّسْخُ لَا يُوجِبُ خَطَأَ الْمَنْسُوخِ وَإِلَّا امْتَنَعَ النَّسْخُ مُطْلَقًا (وَإِنْ) كَانَ الْأَوَّلُ (عَنْ ظَنِّيٍّ) كَمَا هُوَ التَّقْدِيرُ الثَّانِي (فَيَرْفَعُهُ) الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ يَرْفَعُ مَا دُونَهُ (كَالْكِتَابِ لِلْكِتَابِ) أَيْ كَنَسْخِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ لِقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ وَظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ (وَإِذَنْ فَلِلْخَصْمِ مَنْعُ الْأَخِيرِ) وَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ أَظْهَرَ أَنَّ الظَّنِّيَّ لَيْسَ دَلِيلًا (بَلْ يَنْسَخُ) الْإِجْمَاعُ الثَّانِي الْقَطْعِيُّ الْأَوَّلَ (الظَّنِّيَّ لَا أَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ (يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (فَالْوَجْهُ) فِي بَيَانِ دَلِيلِ مَنْعِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ (مَا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ (لَا مَدْخَلَ لِلْآرَاءِ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى) بَلْ إنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ وَلَا وَحْيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ (وَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ (بِقَوْلِ عُثْمَانَ) لَمَّا قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَيْفَ تَحْجُبُ الْأُمَّ بِالْأَخَوَيْنِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا إخْوَةً (حَجَبَهَا قَوْمُك) يَا غُلَامُ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَدَّمْته بِلَفْظٍ آخَرَ فِي الْبَحْثِ الثَّالِثِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ النَّسْخُ

(وَبِسُقُوطِ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ) قُلُوبُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه الدَّالُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ

ص: 68

قَالَ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَعْنِي الْيَوْمَ لَيْسَ مُؤَلَّفَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى إفَادَةِ الْآيَةِ) أَيْ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11](عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً قَطْعًا) لَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُفِدْ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَجْبُهُمْ إيَّاهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى حَجْبِهَا بِهِمَا (وَ) عَلَى (أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا إخْوَةٌ لَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ حَجَبَهَا قَوْمُك اللُّغَةُ تُجِيزُ لَفْظَ الْإِخْوَةِ لِلْأَخَوَيْنِ كَمَا تُجِيزُهُ لِلثَّلَاثَةِ (لَكِنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ إفَادَةَ الْآيَةِ عَدَمَ حَجْبِ مَا لَيْسَ إخْوَةً ثَابِتٌ (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ (الْمُخْتَلَفِ) فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ لَا يَكُونُ لِأُمِّهِ السُّدُسُ (وَالثَّانِي) أَيْ إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً قَطْعًا (فَرْعٌ إنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَا) حَقِيقَةً (وَلَا مَجَازًا قَطْعًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِمَا مَجَازًا لَا يُنْكَرُ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ حَجَبَهَا الْإِجْمَاعُ (وَجَبَ تَقْدِيرُ نَصٍّ) حَدَثَ قَطْعًا يَكُونُ النَّسْخُ بِهِ وَإِلَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْمَفْهُومُ الْمَفْرُوضُ قَطْعِيَّتُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَسُقُوطُ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْمُفْرَدَةِ) الْغَائِبَةِ وَهِيَ الْإِعْزَازُ لِلْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهُمْ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَسْخٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

(وَلَيْسَ) انْتِهَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ (نَسْخًا وَلَوْ ادَّعَوْا) أَيْ الْقَائِلُونَ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ (مِثْلُهُ) أَيْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ مُبَيِّنًا رَفْعَ الْحُكْمِ وَانْتِهَاءَ مُدَّتِهِ (نَسْخًا فَلَفْظِيٌّ) أَيْ فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَكُونُ نَاسِخًا أَوْ لَا حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ (مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِقْلَالِ دَلِيلِهِ) أَيْ النَّسْخِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ فِيهِ وَهُوَ الْجُمْهُورُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ بَلْ اعْتِبَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَالْإِجْمَاعُ كَاشِفٌ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا لَفْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فِيهِ جَعَلَهُ نَاسِخًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ الْمُخَالِفِينَ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلُ وُجُودِ النَّاسِخِ أَيْ يُعْلَمُ بِهِ النَّسْخُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ دَلِيلِهِ لَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخٌ، وَعِبَارَةُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ قَالَ إذَا رُوِيَ خَبَرَانِ مُتَضَادَّانِ وَالنَّاسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ النَّاسِخُ لِلْآخَرِ انْتَهَى صَرِيحُهُ فِي هَذَا كَمَا تَرَى نَعَمْ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ تَنْبُو عَنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِطَرِيقِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوجِبٌ عِلْمَ الْيَقِينِ كَالنَّصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسْخُ بِهِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَجَوَازُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الْآرَاءِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ نِهَايَةِ وَقْتِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوَانُ النَّسْخِ حَالَ حَيَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَفِي حَالِ حَيَاتِهِ مَا كَانَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِ رَأْيِهِ وَكَانَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فَرْضًا، وَإِذَا وُجِدَ الْبَيَانُ مِنْهُ فَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا هُوَ الْبَيَانُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بَعْدَهُ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّسْخَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ.

(وَصَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَنْسُوخِيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (أَيْضًا) وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِنَسْخِ الْإِجْمَاعِ وَالنَّسْخِ بِهِ (قَالَ وَالنَّسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ مِثْلِهِ (جَائِزٌ حَتَّى إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِإِجْمَاعٍ فِي عَصْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ أُولَئِكَ عَلَى خِلَافِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْأَوَّلُ وَكَذَا فِي عَصْرَيْنِ) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ وَتَعَقُّبٍ نَذْكُرُهُمَا قَرِيبًا

(وَوَجْهُ) قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي كَشْفِهِ

ص: 69