الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّدَقَةِ (بِالْعَامِّ النَّادِبِ لِلصَّدَقَةِ) كِتَابًا وَسُنَّةً (بِثُبُوتِ إبَاحَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِبَاشِرُوهُنَّ) وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِعَضُدِ الدِّينِ فِي تَمْثِيلِهِ لِوُقُوعِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ بِهَذَا (قَالُوا) أَيْ مَانِعُو النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ} [البقرة: 106] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ، وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْمَأْتِيِّ بِهِ خَيْرًا مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْهُ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْرِيفُ الْمِثْلَيْنِ وَهُوَ الشَّيْئَانِ اللَّذَانِ يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَ الْآخَرِ (أُجِيبُ بِالْخَيْرِيَّةِ لَفْظًا عَلَى إرَادَةِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ الْخَيْرِيَّةُ لَفْظًا هُوَ (الظَّاهِرُ) ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِلنَّظْمِ الْخَاصِّ وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ قَدْ يَكُونُ لَفْظًا وَمَدْلُولُ الْآيَةِ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مُنْقَطِعٌ مَعْنًى مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى إنْ نَنْسَخْ لَفْظًا مُسْتَعْمَلًا مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ نَأْتِ بِلَفْظٍ آخَرَ خَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ لَفْظًا وَكَذَا الْخَيْرُ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ إذَا نُسِخَ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُهُ لَفْظٌ آخَرُ أَوْ لَمْ يَجُزْ بَلْ فِي أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُسِخَ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ أَوْ لَا وَهَذَا لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَيْهِ
(وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ حُكْمًا (عَلَى التَّنَزُّلِ) إلَيْهِ (تَرْكُ الْبَدَلِ) فَيُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ نَأْتِ بِحُكْمٍ خَيْرٍ مِنْهَا لَكِنَّهُ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَلَعَلَّهُ خُصِّصَ بِمَا نُسِخَ لَا إلَى بَدَلٍ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِهِ وَبَيْنَ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (فَلَيْسَ) بِذَاكَ (إذْ لَيْسَ) تَرْكُ الْبَدَلِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا وَصَرَّحَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهِ الْأَبْهَرِيُّ ثُمَّ قَرَّرَ التَّنَزُّلَ إلَى هَذَا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ
(وَتَجْوِيزُ التَّخْصِيصِ لَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ بِمَا إذَا أُبْدِلَ لَا مُطْلَقًا لَكِنْ إنَّمَا يُفِيدُ وُقُوعَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِهِ لَا جَوَازِهِ (وَالتَّنَزُّلُ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (إلَى أَنَّهَا) أَيْ الْآيَةَ (لَا تُفِيدُ نَفْيَ الْوُقُوعِ) لِلنَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عَقْلًا (وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْجَوَازِ تَسْلِيمٌ لَهُمْ) أَيْ لِلنَّافِينَ نَفْيَهُمْ الْجَوَازَ سَمْعًا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ (نَفْيَهُ) أَيْ الْوُقُوعِ (سَمْعًا لَا عَقْلًا بِاسْتِدْلَالِهِمْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَيَكُونُ مُحَالًا عَقْلِيًّا وَإِذَا لَمْ يُحِيلُوهُ عَقْلًا كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ فِي الْعَقْلِ فَإِذَا قِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْفَرْضُ جَوَازُهُ عَقْلًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى قَوْلِهِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَقَعُ النَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ لِلسَّمْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَالنَّظَرُ إلَى اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ بِنَحْوِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا وَنَسَبْنَاهُ إلَيْهِمْ.
[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]
(مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ اتِّفَاقًا نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ النَّوْمِ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ وَبِتَكْلِيفٍ مُسَاوٍ كَنَسْخِ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهَلْ يَجُوزُ بِتَكْلِيفٍ أَثْقَلَ قَالَ (الْجُمْهُورُ يَجُوزُ بِأَثْقَلَ وَنَفَاهُ) أَيْ جَوَازَهُ بِأَثْقَلَ (شُذُوذُ) بَعْضِهِمْ عَقْلًا وَبَعْضُهُمْ سَمْعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاوُد (لَنَا أَنْ اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ وُجُوبًا أَوْ تَفَضُّلًا) فِي التَّكْلِيفِ (فَلَعَلَّهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِ (فِيهِ) أَيْ فِي النَّسْخِ بِأَثْقَلَ كَمَا يَنْقُلُهُ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى السَّقَمِ وَمِنْ الشَّبَابِ إلَى الْهَرَمِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ (فَأَظْهَرُ) أَيْ فَالْجَوَازُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَالَى أَنْ يَحْكُمَ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلَ مَا يُرِيدُ (وَيَلْزَمُ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْأَثْقَلِ لِكَوْنِهِ أَثْقَلَ (نَفْيُ ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ) فَإِنَّهُ نَقْلٌ مِنْ سَعَةِ الْإِبَاحَةِ إلَى مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا الْتَزَمُوا الْمَشَقَّةَ الزَّائِدَةَ وَإِنْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ اسْتَضَرُّوا بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا خَرَجَ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ الْقَاعِدَةِ لَا يَرُدُّ نَقْضًا.
(وَوَقَعَ) النَّسْخُ بِأَثْقَلَ (بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ) أَيْ صَوْمِ رَمَضَانَ لِلْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ (بَعْدَ التَّخْيِيرِ) لِلْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (بَيْنَهُ) أَيْ الصَّوْمِ (وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ) عَنْ كُلِّ صَوْمِ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمُدَّ طَعَامٍ بُرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَدَّ بُرٍّ أَوْ مُدَّيْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَى
التَّعْيِينِ أَشَقُّ مِنْ التَّخْيِيرِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا» ، وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم «نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ» لَكِنْ يُعَارِضُهُمَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ يُطَوَّقُونَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ وَإِنَّهَا كَانَتْ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ ثُمَّ خُصَّتْ بِالْعَاجِزِ انْتَهَى
قُلْت وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْجَمْعِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ مَنْطُوقَ اللَّفْظِ لَا يُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَ مَفْهُومَيْ مَنْ يُطِيقُ وَمَنْ لَا يُطِيقُ فَلَا يَشْمَلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا عَلَى مَا فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ مُفِيدَةً هَذِهِ الرُّخْصَةَ لِلْمُطِيقِينَ مَنْطُوقًا وَلِغَيْرِهِمْ مَفْهُومًا ثُمَّ نُسِخَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَفْهُومِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهَا وَإِنَّمَا قُلْت عَلَى مَا فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِيَّةِ هَذِهِ الرُّخْصَةِ لِلْمُطِيقِينَ شَرْعِيَّتُهَا لِغَيْرِهِمْ لَا بِطَرِيقِ أَوْلَى وَلَا بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ إذْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُطِيقِينَ لِلصَّوْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ تَخْيِيرُ الْعَاجِزِينَ عَنْ الصَّوْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ وَلَا تَعَيُّنُ لُزُومِ الْفِدْيَةِ لَهُمْ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ طَاقَتِهِمْ لَهُ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ عَلَى الْمُطِيقِينَ إنَّمَا كَانَ لِوُجُودِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ وَحَيْثُ انْتَفَتْ فِي الْعَاجِزِينَ انْتَفَى وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا.
وَمَشَى شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَقْدِيمِ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ مِنْ سَمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعْلُهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا لِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَؤُ، وَفِيهِ:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] . أَيْ لَا تَضِلُّوا، {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: 10] . وَقَالَ شَاعِر
فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا
…
وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي
أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ
تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ
أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِافْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ انْتَهَى (قُلْت) وَلِلْبَحْثِ فِي هَذَا مَجَالٌ أَيْضًا فَإِنَّ فِي الْآيَةِ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ وَخَمْسَ قِرَاءَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ الْقِرَاءَتَانِ السَّالِفَتَانِ وَيَتَطَوَّقُونَهُ وَيُطَوِّقُونَهُ وَيُطِيقُونَهُ، وَلِلْكُلِّ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لَا مَعَ جَهْدٍ وَعُسْرٍ وَعِبَارَةُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَيْ يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّوْمِ بِأَنْ لَا يَكُونُوا مَرْضَى أَوْ مُسَافِرِينَ.
ثَانِيهِمَا: فِي الْمَجْهُولِ يُكَلَّفُونَهُ عَلَى جَهْدٍ مِنْهُمْ وَمَشَقَّةٍ، وَفِي الْمَعْلُومِ يَتَكَلَّفُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ الْكُلْفَةِ بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ وَبُلُوغِ الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ، فَالْآيَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْسُوخَةُ الْحُكْمِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَقْدِيرٍ لَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَقْدِيرُهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَعَمْ ذَكَرَ النَّسَفِيُّ فِي قِرَاءَةِ حَفْصَةَ رضي الله عنها وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ وَعَلَى الثَّانِي ثَابِتَةُ الْحُكْمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مَالِكٌ رحمه الله، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِنَفْيِ النَّسْخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلُّ تَوَارُدِ قَوْلَيْ النَّسْخِ وَنَفْيِهِ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ مَعَ تَقْدِيرِ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ قَوْلُ النَّسْخِ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِ نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّسْخِ مُثْبِتٌ وَقَوْلُ نَافِيهِ نَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِيهِ وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ لَا لِاحْتِيَاجِ ثُبُوتِ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ إلَيْهَا مَعَ كَثْرَةِ إضْمَارِهَا بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمَاعٍ وَخُصُوصًا فِي السِّيَاقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِابْنِ الْأَكْوَعِ