المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان الاعتراضات الواردة على القياس] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ٣

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[مَسْأَلَة لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة وَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَالْقَوْلِ]

- ‌[مَسْأَلَة جَوَازِهِ أَيْ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ حُكْمِ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ السُّقُوطَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ التَّكْلِيفِ بِتَكْلِيفٍ أَخَفَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا رُجِّحَ قِيَاسٌ مُتَأَخِّرٌ لِتَأَخُّرِ شَرْعِيَّةِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَنْ نَصٍّ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَحَوَى مَنْطُوقٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا زَادَ فِي مَشْرُوعٍ جُزْءًا أَوْ شَرْطًا لَهُ مُتَأَخِّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهِ وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ وَلَا لِحُجَّتِهِ]

- ‌[لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُمْ أَيْ الْمُجْمِعِينَ الصَّحَابَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاع بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَفْتَى بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَوْ قَضَى بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى دَلِيلٍ لِحُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ دَلِيلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَرْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ]

- ‌[فِي الشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

- ‌[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

- ‌[تَتِمَّةٌ تَقْسِيمَ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ الْمَجَازِ]

- ‌[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَانِعِ إلَى خَمْسَةٍ]

- ‌[لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]

- ‌[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّهُ عليه السلام مَأْمُورٌ فِي حَادِثَةٍ لَا وَحْيَ فِيهَا بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَقْلِيَّاتُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعٍ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَةٍ لِمُجْتَهِدٍ بَلْ لِعَاقِلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ التَّعْرِيضِ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَة التَّقْلِيد الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ الْأَرْبَعِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَة غَيْر الْمُجْتَهِدِ المطلق يَلْزَمهُ التَّقْلِيد وَإِنَّ كَانَ مجتهدا فِي بَعْض مَسَائِل الْفِقْه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُقَلِّدُ فِيمَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ]

- ‌[إجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ الْعَوَامّ مِنْ تَقْلِيدِ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَاتِمَة]

الفصل: ‌[فصل في بيان الاعتراضات الواردة على القياس]

إسْكَارُ الْخَمْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَيْدُ الْإِضَافَةِ إلَى الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلَّةِ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ إسْكَارِهَا بِتَرَتُّبِ مَفْسَدَةٍ عَلَيْهِ دُونَ إسْكَارِ غَيْرِهَا لَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِسْكَارُ مُطْلَقًا احْتِمَالٌ (لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ كَاحْتِمَالِ خُصُوصِ الْعَامِّ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (حِينَئِذٍ) أَيْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ) فَإِنَّ الظُّهُورَ لَا يَدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ الْغَيْرَ الظَّاهِرَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمُهُ (فَبَطَلَ مَنْعُهُ) أَيْ كَوْنُ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا (بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ (لِتُعْقَلَ فَائِدَةُ شَرْعِيَّتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَعَ قَصْرِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَأَبْعَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ (تَعْلِيلُ كَوْنِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (بِإِسْكَارِهَا بِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لَا تُعَلَّلُ بِكُلِّ إسْكَارٍ) بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ (لِأَنَّ الْمُدَّعَى ظُهُورُ) نَحْوِ (حُرْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ الدَّائِرِ فِي كُلِّ إسْكَارٍ دُونَ الْإِسْكَارِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِضَافَةِ الْخَاصَّةِ) وَهِيَ الْإِضَافَةُ إلَى الْخَمْرِ (لِتَبَادُرِ الْغَايَةِ) أَيْ خُصُوصِ الْإِضَافَةِ (إلَى عَقْلِ كُلِّ مَنْ فَهِمَ مَعْنَى السُّكْرِ وَاعْتَرَفَ هَذَا الْقَائِلُ) يَعْنِي عَضُدَ الدِّينِ (بِإِفَادَةِ قَوْلِ الطَّبِيبِ لَا تَأْكُلْهُ لِبَرْدِهِ التَّعْمِيمَ) أَيْ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ كُلِّ بَارِدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ.

(وَهُوَ) أَيْ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ (مِثْلُهُ) فَيَكُونُ مُفِيدًا مَنْعَ شُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ (دُونَ) أَنْ يَقُولَ (إنَّ الْمَنْعَ) فِيهِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ ذَلِكَ الْبَارِدِ) بِخُصُوصِهِ (وَلَا يُعَلَّلُ) الْمَنْعُ مِنْهُ (بِكُلِّ بُرُودَةٍ) كَمَا قَالَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ لِإِسْكَارِهَا لَا تَعْلِيلَ بِكُلِّ إسْكَارٍ بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا (وَفَرَّقَ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُوجِبٌ ضَرَرًا) لِأَنَّ النَّهْيَ الشَّرْعِيَّ الْمُفِيدُ لِلتَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ مُضِرٍّ (فَيُفِيدُ) النَّهْيُ عَنْهُ (الْعُمُومَ) فِي عِلَّتِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ أَكْلِ شَيْءٍ لِأَذَاهُ دَالٌّ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ أَكْلِ كُلِّ مُؤْذٍ كَقَوْلِ الطَّبِيبِ الْمَذْكُورِ (وَالْفِعْلُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ) كَالتَّصَدُّقِ عَلَى فَقِيرٍ لِلْمَثُوبَةِ (لَا يُوجِبُ كُلَّ تَحْصِيلٍ) لِكُلِّ مَثُوبَةٍ (لَا يُفِيدُ) مَطْلُوبَهُ (بَعْدَ ظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ (مِنْ الشَّارِعِ يُفِيدُ إيجَابَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (وَيَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِاعْتِبَارِهِ وَمُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (لَزِمَتْ مُخَالَفَةُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ اعْتِبَارِهِ (مُضِرٌّ كَالنَّهْيِ وَهَذَا) الْجَوَابُ (تَفْصِيلُ رَدِّ دَلِيلِهِمْ) أَيْ الْجُمْهُورِ وَالظَّاهِرُ رَدُّ تَفْصِيلِ دَلِيلِهِمْ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ انْتِفَاءُ الْأَمْرِ بِالتَّعَدِّيَةِ وَالْإِخْبَارِ بِوُجُوبِهَا بِهَا فَإِنَّ إفَادَةَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجِبُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إخْبَارُ مَعْنَى بِوُجُوبِهَا.

(وَأَمَّا مَا ذُكِرَ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ) فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ (فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) بِمَعْنَى أَنَّ ثَمَّ قَائِلًا بِجَرَيَانِهِ فِي جَمِيعِهَا وَقَائِلًا بِامْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِهَا (فَمَعْلُومَةٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهُ لِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَكَوْنِ الْفَرْعِ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ حُكْمُ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا لِشُذُوذِ الْمُرَادِ وَاحِدٌ (وَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْإِطْلَاقِ) فِي هَذَا (بِالْخَطَأِ) إذْ لَا خِلَافَ يُنْقَلُ بَلْ وَلَا يُعْقَلُ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي حُكْمٍ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَلَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِهِ فِي بَعْضِهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَمَا حَكَى مِنْ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَمَاثِلَةٌ لِشُمُولِ حَدِّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَهَا وَقَدْ جَرَى الْقِيَاسُ فِي الْبَعْضِ فَلْيَجْرِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ بِحَسَبِ اشْتِرَاكِهَا فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهَا فَسَاقِطٌ لِأَنَّ شُمُولَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ تَمَاثُلَهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُوجِبًا التَّمَاثُلَ لَكَانَ مُسَوِّغًا لِقِيَاسِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ ثُمَّ هَذَا.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ]

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ) وَنَذْكُرُ فِي طَيِّهَا مَا يَرِدُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ أَسْئِلَةٌ مَرْجِعُ مَا سِوَى الِاسْتِفْسَارِ إلَى الْمَنْعِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ) لَا جَمِيعِهَا كَمَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجَدَلِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ

ص: 248

بِدَلِيلِهِ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهِ بِهِ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْهُ أَوْ بِمُعَارَضَتِهِ بِمَا يُقَاوِمُهَا وَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ وَحْدَهُ مُوَافَقَةً لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ مَنْعُ الْعِلَّةِ عَنْ الْجَرَيَانِ (أَوَّلُهَا) أَيْ الْأَسْئِلَةِ وَطَلِيعَتُهَا (الِاسْتِفْسَارُ) وَهُوَ طَلَبُ بَيَانِ مَعْنَى اللَّفْظِ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْقِيَاسُ (بِهِ) بَلْ هُوَ جَارٍ فِي كُلِّ خَفِيِّ الْمُرَادِ وَهُوَ (مُتَّفَقٌ) عَلَيْهِ (وَلَمْ تَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ لِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ) إذْ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ يُسْتَفْسَرُ عَنْهُ.

(وَإِنَّمَا يَسْمَعُ فِي لَفْظٍ يُخْفَى مُرَادُهُ) وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَا تَمَكَّنَ فِيهِ الِاسْتِبْهَامُ حَسُنَ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرًا (فَتَعَنُّتٌ) أَيْ فَالِاسْتِفْسَارُ تَعَنُّتٌ (مَرْدُودٌ) لِتَفْوِيتِهِ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ وَيَتَسَلْسَلُ وَفِي الصِّحَاحِ جَاءَنِي فُلَانٌ مُتَعَنِّتًا إذَا جَاءَ بِطَلَبِ زَلَّتِك (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (أَنْ لَا يَقْبَلَهُ) أَيْ اسْتِفْسَارَ الْمُعْتَرِضِ (حَتَّى يُبَيِّنَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ خَفَاءَ الْمُرَادِ مِنْهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَفَاءَ (خِلَافُ الْأَصْلِ) إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي خِلَافِ الْأَصْلِ (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ فِي بَيَانِ الْخَفَاءِ (صِحَّةُ إطْلَاقِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمُتَعَدِّدٍ وَلَوْ) كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ (بِلَا تَسَاوٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (يُخْبِرُ بِالِاسْتِبْهَامِ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِمُتَعَدِّدٍ فَيَكْفِيهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ظَنَّ التَّعَنُّتِ فِي حَقِّهِ وَيَصْدُقُ لِعَدَالَتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ.

(وَجَوَابُهُ) أَيْ الِاسْتِفْسَارُ (بَيَانُ ظُهُورِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي مُرَادِهِ) مِنْهُ (بِالْوَضْعِ) أَيْ بِبَيَانِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمُرَادِ كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِانْتِهَاءِ حُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِوَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ شَرْعًا إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فِي جَوَابِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ مَا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ شَرْعًا عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُرَادُ الْوَطْءُ لِوَضْعِهِ لَهُ مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ (أَوْ الْقَرِينَةِ) الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ فِي جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ الْمَذْكُورِ الْمُرَادُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ الْإِسْنَادِ إلَى الْمَرْأَةِ (أَوْ ذِكْرِ مَا أَرَادَ) بِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ ظُهُورِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ (بِلَا مُشَاحَّةِ تَكَلُّفِ نَقْلِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ فِيهِ) نَعَمْ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ كَتَفْسِيرِ يُخْرِجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الثَّوْرَ لِقَائِلٍ مَا الثَّوْرُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَقِطِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ فَيَخْرُجُ عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُ وَقِيلَ يَسْمَعُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَاظَرَهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ.

قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَشْهُورًا فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَالْجَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ وَفِي مِثْلِهِ مَرَّ فَتَعَلَّمْ ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التَّوْقَادِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَفْعِ خَفَاءِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِ لِلْمُعْتَرِضِ (يَلْزَمُ ظُهُورُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا (فَالْإِجْمَالُ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِجْمَالُ (خِلَافُ الْأَصْلِ أَوْ) يَلْزَمُ ظُهُورُهُ (فِيمَا قَصَدْتَ إذْ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْآخَرِ) بِمُوَافَقَتِكَ إيَّايَ عَلَى ذَلِكَ (فَالْحَقُّ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ نَفْيَهُ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ وُرُودِهِ (فَاتَ الْغَرَضُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (ذَكَرَ عَدَمَ فَهْمِهِ) مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ (فَلَمْ يُبَيَّنْ) لَهُ مُرَادُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِالْقِيَاسِ (سُؤَالُ التَّقْسِيمِ) فَإِنَّهُ جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِهِ وَهُوَ (مَنْعُ أَحَدِ مَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ) بِعَيْنِهِ (مَعَ تَسْلِيمِ الْآخَرِ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ الْمَنْعَ (مُقْتَصِرًا) إنْ لَمْ يَقْرُنْ بِذِكْرِ تَسْلِيمِ الْآخَرِ بِأَنْ سَكَتَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا (أَوْ) قَرَنَ (بِذِكْرِهِ) أَيْ التَّسْلِيمِ لَهُ (كَفَى الصَّحِيحَ الْمُقِيمَ)

ص: 249

أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي إجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ (فَقْدُ الْمَاءِ فَوُجِدَ سَبَبُ التَّيَمُّمِ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ (فَيَجُوزُ) التَّيَمُّمُ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ (سَبَبِيَّةُ الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ فَقْدُهُ (مُطْلَقًا أَوْ) فَقْدُهُ (فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ إذْ الْكَلَامُ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ.

(وَفِي الْمُلْتَجِئِ) أَيْ وَكَمَا يُقَالُ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا إذَا لَاذَ بِالْحَرَمِ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذْ (الْقَتْلُ) الْعَمْدُ (الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ) أَيْ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ (فَيُقْتَصُّ فَيُقَالُ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ الِالْتِجَاءِ وَبِدُونِهِ (أَوْ) هُوَ سَبَبُهُ (مَا لَمْ يَلْتَجِ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَا يُلْزِمُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُلْتَجِئِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا السُّؤَالِ (فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَمْنُوعِ مُرَادًا) لِلْمُعْتَرِضِ وَلَا يَبْطُلُ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ الْمَمْنُوعُ مُرَادَهُ (وَلِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (ادِّعَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَانِعًا) لِلْحُكْمِ (وَبَيَانُهُ) أَيْ الْمَانِعُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ لِدَعْوَاهُ أَمْرًا عَارِضًا (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ (لِجَوَازِ عَجْزِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (عَنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمَمْنُوعِ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِي هَدْمِ الدَّلِيلِ (وَاللَّفْظُ) لِلسَّائِلِ (يُفِيدُ نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لَا وُجُودَ الْمَانِعِ مَعَ السَّبَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (بِهِ) أَيْ بِالْإِبْطَالِ (يَتَبَيَّنُ مُرَادُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَرُبَّمَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَتْمِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ الْإِبْطَالِ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِ هَذَا (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ قِيَاسُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (يُفِيدُهُ) أَيْ تَبْيِينُ مُرَادِهِ (إذْ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ (عَلَى الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ مُطْلَقًا (وَالْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (مُطْلَقًا فَهُوَ) أَيْ مُرَادُهُ (مَعْلُومٌ) بِهَذَا.

(وَتَرْدِيدُ السَّائِلِ تَجَاهُلٌ أَوْ تَحْرِيرُ التَّرْتِيبِ عَلَى الْفَقْدِ الْمُقَيَّدِ) بِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ (مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِيضَاحِ وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ) وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَا لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ بِلَا الْتِفَاتِ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ أَفَادَ الظَّنَّ وَإِنَّمَا بَيَانُ كَوْنِهِ مَانِعًا عَلَى الْمُعْتَرِضِ (هَذَا وَيُقْبَلُ) هَذَا السُّؤَالُ (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا (فِي التَّسْلِيمِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ) الْأَسْئِلَةِ (الْفَوَادِحِ) فِيهِمَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا وَالْآخَرُ مُسَلَّمًا هَذَا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ هَذَا سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ وَاحِدًا مُسْتَقِلًّا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ.

(ثُمَّ) قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ الْعِلَلُ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ) وَعَلِمْتُ أَنَّ (مِنْهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ الْعِلَّةَ (الْمُلَائِمَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ فِيهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ (إلَّا الْمَانِعَةُ) أَيْ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ مَعَ السَّنَدِ أَيْ مَا الْمَنْعُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَوَّلًا مَعَهُ وَهِيَ مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ أَوْ مَنْعُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ (وَالْمُعَارَضَةُ) وَهِيَ لُغَةً الْمُقَابَلَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ وَاصْطِلَاحًا تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ دُونَ مَدْلُولِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ (لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي الدَّلِيلِ) كَمَا عَلِمْت (بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ (وَ) فَسَادِ (الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا سَنَذْكُرُ (وَالْمُنَاقَضَةُ) أَيْ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ (أَيْ النَّقْضُ) لِئَلَّا يَتَبَادَرَ بِمَعْنَى مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْجَدَلِيِّينَ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (إذْ يُوجِبُ) كُلٌّ مِنْهَا (تَنَاقُضَ الشَّرْعِ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا التَّأْثِيرُ الثَّابِتُ بِهَا لِأَنَّ فِي مُنَاقَضَتِهِ مُنَاقَضَتُهَا (وَهَذَا) أَيْ هَذَا النَّقْضُ إنَّمَا لَا يَكُونُ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (عَلَى مَنْعِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ) .

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ أَيْضًا فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْمُعَارَضَةُ حَقِيقَةً تَحْتَمِلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِلْجَهْلِ بِالنَّاسِخِ بِخِلَافِ الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهَا أَصْلًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ إلَى الشَّارِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَافْتَرَقَا (وَأَمَّا وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَهُوَ الْعَكْسُ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ) عَنْ

ص: 250

الْمُؤَثِّرَةِ وَالطَّرْدِيَّةِ عِنْدَ شَارِطِي انْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِهَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ (وَكَذَا الْمُفَارَقَةُ) أَيْ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ وَإِبْدَاءُ وَصْفٍ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَهُ أَوْ مَنْعُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْعِلَّةِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ عَنْهُمَا أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ وُجِدَتْ صُورَةُ النَّقْضِ) فِي الْمُؤَثِّرَةِ (دُفِعَ بِأَرْبَعٍ) مِنْ الطُّرُقِ (نَذْكُرُهَا وَعَلَى الطَّرْدِ تَرِدُ) هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُنَاقَضَةِ (مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ) أَيْ الْتِزَامِ السَّائِلِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ (وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا) أَيْ الطَّرْدِيَّةِ (بِهِ) أَيْ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا بَلْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْعِلَلُ قِسْمَانِ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ وَعَلَى كُلٍّ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّفْعِ أَمَّا الْمُؤَثِّرَةُ فَبِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ فَاسِدٍ أَمَّا الْفَاسِدُ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْمُنَاقَضَةُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ وَقِيَامُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَوَجْهَانِ الْمُعَارَضَةُ وَالْمُمَانَعَةُ وَوُجُوهُ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ أَرْبَعَةٌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ بَيَانُ فَسَادِ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى هَذَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِمَا ذُكِرَ لَهَا مِنْ وُجُوهِ الدَّفْعِ وَمِنْ ثَمَّةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ فِي دَفْعِ الْمُؤَثِّرَةِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَوَّلُهَا الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ الْمُبْطِلُ ثُمَّ الْعَكْسُ الْكَاسِرُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَوَّعَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَاَلَّتِي ذُكِرَتْ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَاَلَّتِي لَا تَدَاخُلَ فِيهَا لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا بَلْ تَجْرِي فِيهَا فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هُنَا وَتِلْكَ الْأَرْبَعَةِ هُنَالِكَ لَا يَخْلُو عَنْ تَحَكُّمٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي تَرْتِيبِ وُجُوهِ دَفْعِ الطَّرْدِيَّةِ مَا هُوَ الْمُتَدَاوَلُ مِنْ أَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ بِتَسْلِيمِ مُوجِبِ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إذْ الْمَصِيرُ إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْمُوَافَقَةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْهُمَا ثُمَّ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ إذْ الْمُنَاقَضَةُ خَجَلُ مَجْلِسٍ وَهَذَا انْقِطَاعٌ كُلِّيٌّ.

قَالَ وَلَمْ أَدْرِ مَا دَعَاهُمْ إلَى تَرْكِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّرْدِيَّةَ قَدْ تُدْفَعُ كَمَا تُدْفَعُ بِهَا الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الطَّرْدِيَّةَ تَنْدَفِعُ لَا مَحَالَةَ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ السَّائِلُ إلَى الِاشْتِغَالِ بِهَا هَذَا وَقَدْ وَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى فَسَادِ الِاعْتِرَاضِ بِالْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا فَسَادَهَا قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِالْمُمَانَعَةِ لَمَّا صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ مُؤَثِّرًا صَحَّ الِاعْتِرَاضُ بِهِمَا أَيْضًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَإِنْ أَرَادُوا بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَانِعَةِ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلُّ الْمُمَانَعَةِ كَمَا لَمْ يَبْقَ مَحَلُّهَا وَأُجِيبُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بُطْلَانُ دَفْعِ السَّائِلِ بِهِمَا بَعْد ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ عِنْدَ الْمُجِيبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا يَحْتَمِلُهُمَا وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْمُمَانَعَةَ لِأَنَّ السَّائِلَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ حَتَّى تَظْهَرَ صِحَّتُهُ وَأَثَرُهُ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا ظَهَرَ عِنْدَ الْمُجِيبِ فَتَنْفَعُهُ الْمُمَانَعَةُ وَجَوَّزَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وُرُودَ النَّقْضِ وَفَسَادَ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَرِدَانِ عَلَى عِلَّةِ الشَّارِعِ بَلْ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ الْمُجِيبُ عِلَّةً مُؤَثِّرَةً وَذَا فِي الْحَقِيقَةِ يَثْبُتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَدُفِعَ) التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا (بِأَنَّ الْإِيرَادَ) لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (لِلْعِلِّيَّةِ إنْكَارِ ظَنِّهِ) أَيْ إنْكَارِ السَّائِلِ مُطَابَقَةَ ظَنِّ الْمُسْتَدِلِّ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَا عَلَى) الْعِلَلِ (الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا) إذَا كَانَ الْإِيرَادُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَجِبُ نَفْيُ) إيرَادِ (الْمُعَارَضَةِ أَيْضًا) عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ (إذْ بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ) يَلْزَمُ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْمُنَاقَضَةُ) لِلشَّرْعِ (خُصُوصًا بِطَرِيقِ الْقَلْبِ) وَمُنَاقَضَتُهُ بَاطِلَةٌ فَالْمُعَارَضَةُ بَاطِلَةٌ بَلْ وَعَزَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ كَوْنَ النَّقِيضِ سُؤَالًا صَحِيحًا تَبْطُلُ بِهِ الْعِلَّةُ خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَهَا إلَى غَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ

ص: 251

فَسَادَهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مُمَانَعَتُهُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فِي التَّحْقِيقِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَالِاعْتِرَاضَاتُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْعِلَلِ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضَاتُ الْفَاسِدَةُ عَلَى الْعِلَلِ وَالطَّرْدِيَّاتِ الْفَاسِدَةِ فَلَا نِهَايَةَ لَهَا لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَاسِدُ الْخَاطِرِ يَعْتَرِضُ بِأَلْفِ أَلْفِ اعْتِرَاضَاتٍ فَاسِدَةٍ وَيَأْتِي بِأَلْفِ أَلْفِ طَرْدِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى حَصْرِهَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَإِذْ لَا تَخْصِيصَ) لِبَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ بِالْمُؤَثِّرَةِ دُونَ الطَّرْدِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ (نَذْكُرُهَا) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ (بِلَا تَفْصِيلٍ وَتَعَرُّضٍ لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا (الْأَوَّلُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ كَوْنُ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا وُجُودَ لَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ لَهُ (حِينَئِذٍ لِيَنْظُرَ فِي مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ وَتَرْكِيبُهُ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَتَخَلُّصِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (بِالطَّعْنِ فِي السَّنَدِ) لِلنَّصِّ (إنْ أَمْكَنَ) بِأَنْ لَا يَكُونَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً بِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ أَوْ كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ (أَوْ) فِي (دَلَالَتِهِ) عَلَى مَطْلُوبِ الْمُعْتَرِضِ بِأَنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لَهُ أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهِ (أَوْ أَنَّهُ) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَا ذَكَرْتُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ بَلْ هُوَ (مَا دَلَّ بِدَلِيلِهِ) أَيْ التَّأْوِيلِ الْمُفِيدِ يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ (أَوْ) أَنَّهُ (خَصَّ مِنْهُ حُكْمَ الْقِيَاسِ) مَعَ بَيَانِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إضْمَارٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(وَمُعَارَضَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ نَصُّ الْمُعْتَرِضِ (بِمُسَاوٍ فِي النَّوْعِ) لَهُ كَالْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالسَّنَةِ (وَالتَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ التَّسَاوِي (بِالْخُصُوصِيَّةِ) الْمُمْتَازِ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْمُحْكَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْخُصُوصِيَّةُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَتَسَاقَطَ النَّصَّانِ سَلِمَ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ (فَلَوْ عَارَضَ الْآخَرَ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (بِآخَرَ) أَيْ بِنَصٍّ آخَرَ مَعَ الْأَوَّلِ (مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ) أَيْ نَوْعِ الْأَوَّلِ (وَجَبَ أَنْ يَبْنِيَ) تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ) وَالْوَجْهُ الرُّوَاةُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (وَعَلَى) الْقَوْلِ بِأَنْ (لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ) الرُّوَاةِ (لَا يُعَارِضُ النَّصُّ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ لِيَقِفَ الْقِيَاسُ لِلْعِلْمِ بِسُقُوطِ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الصَّحَابَةِ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ إلَى الْقِيَاسِ فَمَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ أَخَذُوا بِهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاظَرُ تِلْوَ الْمُنَاظَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَصْدِ إلَى إظْهَارِ الصَّوَابِ (وَمِنْ نَوْعِهِ) أَيْ لَوْ عَارَضَ الْمُعْتَرِضَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ بِنَصٍّ آخَرَ مِنْ نَوْعِ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مَعَ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ (لَا يَرْجَحُ) دَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ الْأَوَّلِ بِهِ (اتِّفَاقًا) بَلْ كِلَاهُمَا يُعَارِضُهُمَا نَصُّ الْمُسْتَدِلِّ الْوَاحِدِ كَمَا يُعَارِضُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ شَهَادَةَ الْأَرْبَعِ (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ) لِلْمُعْتَرِضِ (عَارَضَ نَصُّك قِيَاسِي فَسَلِمَ نَصِّي فَبَعُدَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ (الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُثْبَتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْإِثْبَاتِ بِالْقِيَاسِ (مُعْتَرِفٌ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ عَلَى قِيَاسِهِ) لِاعْتِرَافِهِ بِمُعَارَضَةِ قِيَاسِهِ النَّصَّ مِثَالُهُ (نَحْوَ) أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ فِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ الْمَتْرُوكَةِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا (ذَبْحِ التَّارِكِ) لَهَا ذَبْحٌ (مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا (فِي مَحَلِّهِ) أَيْ فِيمَا جَازَ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا (فَيَحِلُّهَا كَالنَّاسِي) أَيْ كَذَبْحِ نَاسِي التَّسْمِيَةِ.

(فَيُقَالُ) فِي جَوَابِهِ هَذَا قِيَاسٌ (فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُعَارَضَةِ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] الْآيَةَ) أَيْ {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121](فَالْمُسْتَدِلُّ) الشَّافِعِيُّ يَقُولُ هَذَا (مُؤَوَّلٌ بِذَبْحِ الْوَثَنِيِّ بِقَوْلِهِ) صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» ) وَيَتَمَشَّى لَهُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا أَثْبَتَ هَذَا وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ الصَّلْتِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ إنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا اسْمَ اللَّهِ» وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا

ص: 252

يَضُرُّ حِينَئِذٍ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ (وَمَا قِيلَ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (خَصَّ) مَذْبُوحَ (النَّاسِي) مِنْ نَصِّ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] الْآيَةَ (بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ) أَيْ النَّاسِي (الْعَامِدُ أَوْجَبَ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ (كَوْنَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (نَاسِخًا) لِلنَّصِّ (لَا مُخَصِّصًا إذَا لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ) يَعْنِي مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ (شَيْءٌ) لِأَنَّ تَحْتَهُ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ وَقَدْ خَرَجَا (إنَّمَا يَنْتَهِضُ) دَافِعًا لَهُ (إذَا لَمْ يَلْزَمْ) أَنْ يَكُونَ النَّصُّ (مُؤَوَّلًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ الْحَاصِلُ أَنَّ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إفْسَادِ هَذَا الْقِيَاسِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى فَسَادُ الِاعْتِبَارِ فَإِذَا أَثْبَتَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّصَّ مُؤَوَّلٌ انْدَفَعَ الثَّانِي إفْسَادُهُ بِإِلْزَامِ أَنَّ قِيَاسَهُ حِينَئِذٍ نَاسِخٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ أَيْضًا مُنْدَفِعٌ بِالتَّأْوِيلِ يَعْنِي بِمَا إذَا ذَبَحَ لِلنَّصِّ وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْعَامِدِ فَالْعَامِدُ يَنْقَسِمُ إلَى تَارِكٍ فَقَطْ وَتَارِكٍ مَعَ الذَّبْحِ لِلنُّصُبِ وَإِذَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ هَذَا الثَّانِي فَيَلْزَمُ إمَّا أَنْ يَبْقَى تَحْتَ الْعَامِّ هَذَا الْعَامِدُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ بَلْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي قِسْمًا مِنْ التَّارِكِ الْعَامِدِ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ مِنْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

(فَلَوْ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ لَمَّا أَلْزَمَهُ الْمُعْتَرِضُ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ (قِيَاسِي أَرْجَحُ مِنْ نَصِّكَ) فَلَا يَلْزَمُنِي فَسَادُ الِاعْتِبَارِ (فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ) أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ قِيَاسِهِ بِالْفَارِقِ لِيَنْدَفِعَ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ قِيَاسَهُ أَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ فَيَثْبُتُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي (بِأَنَّهُ) أَيْ الْعَامِدَ (صَدَفَ) أَيْ أَعْرَضَ (عَنْ الذِّكْرِ مَعَ اسْتِحْضَارِ مَطْلُوبِيَّتِهِ) أَيْ الذِّكْرِ مِنْهُ (شَرْعًا) فَكَانَ مُقَصِّرًا (بِخِلَافِ النَّاسِي) فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فَكَانَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ ذَبْحٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ بَيَانَ الْفَارِقِ مُسْتَقِلٌّ بِفَسَادِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إفْسَادِهِ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ فَهُوَ كَمَا قَالَ (انْتِقَالٌ عَنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ) أَيْ إفْسَادِ الْقِيَاسِ بِهِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْبَحُ فِي الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الِانْتِقَالِ.

(وَلِلْمُعْتَرِضِ مَنْعُ مُعَارَضَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِعَامِّ الْكِتَابِ) أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ (فَلَا يَتِمُّ) أَنْ يَكُونَ (مُؤَوَّلًا وَلِلْمُجِيبِ إثْبَاتُهُ) أَيْ كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِعَامِّ الْكِتَابِ (إنْ قَدَرَ) عَلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ) إثْبَاتُهُ (انْقِطَاعًا وَإِنْ كَانَ مُنْتَقِلًا إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ انْقِطَاعًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُجِيبَ (يُعَدُّ سَاعٍ فِي إثْبَاتِ نَفْسِ مُدَّعَاهُ كَمَنْ احْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فَمَنَعَ جَوَازَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فَاحْتَجَّ) الْمُحْتَجُّ بِهِ (بِقَوْلِ عُمَر لِأَبِي مُوسَى اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا (فَمَنَعَ) مَانِعٌ جَوَازَهُ (حُجِّيَّةَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَأَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُحْتَجُّ حُجِّيَّتَهُ (بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْإِجْمَاعِ (فَمَنَعَ) الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ (حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَأَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُحْتَجُّ كَوْنُهُ حُجَّةً بِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَّةِ.

(وَإِذْ يَتَرَدَّدُ فِي الْأَجْوِبَةِ) شَيْءٌ (مِنْ هَذَا) أَيْ الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ (فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ فِي الِانْتِقَالِ) مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُسْتَدِلُّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ هُوَ (إمَّا مِنْ عِلَّةٍ إلَى) عِلَّةٍ (أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (أَوْ) مِنْ حُكْمٍ (إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ) الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ (بِتِلْكَ الْعِلَّةِ) الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (أَوْ) إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ (بِأُخْرَى) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ الْتَزَمَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ ثُبُوتَهَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فَمَا دَامَ سَعْيُهُ فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْعِلَّةِ يَكُونُ وَفَاءً مِنْهُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُمَانَعَةِ فَإِنَّ السَّائِلَ لَمَّا مَنَعَ وَصْفَ الْمُعَلَّلِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لَزِمَهُ إثْبَاتُ عِلِّيَّتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ضَرُورَةً فَلَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا هُوَ وَظِيفَتُهُ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْخَصْمِ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ

ص: 253

فِي الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا سَلَّمَ الْحُكْمَ الَّذِي رَتَّبَهُ الْمُجِيبُ عَلَى الْعِلَّةِ وَادَّعَى النِّزَاعَ فِي حُكْمٍ آخَرَ لَمْ يَتِمَّ غَرَضُ الْمُجِيبِ فَيَنْتَقِلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ آيَةُ كَمَالِ فِقْهِهِ حَيْثُ عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَدَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ وَصْفِهِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِهِ (أَوْ) مِنْ عِلَّةٍ (إلَى) عِلَّةٍ (أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ) لَا لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَالْمُنَاقَضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمَا بِبَيَانِ الْمُلَائَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ وَالطَّرْدِ (وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا) الرَّابِعِ (فَقِيلَ يُقْبَلُ لِمُحَاجَّةِ الْخَلِيلِ عليه السلام) نُمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] فَانْتَقَلَ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُجَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَدُّحِ فَهُوَ إذًا صَحِيحٌ.

(وَدُفِعَ) هَذَا (بِأَنَّ حُجَّتَهُ) أَيْ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام الْأُولَى (مُلْزِمَةٌ) لِلَّعِينِ مُفْحِمَةٌ لَهُ (وَمُعَارَضَةُ اللَّعِينِ) لَهُ بِمَنْعِ دَلِيلِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَا أُحْيِيَ وَأُمِيتُ ثُمَّ بَيَانُ مُسْتَنِدِ مَنْعِهِ بِإِحْضَارِهِ شَخْصَيْنِ مِنْ السِّجْنِ وَجَبَ قَتْلُهُمَا فَأَطْلَقَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ قَدْ أَحْيَيْتُهُ وَقَتَلَ الْآخَرَ وَقَالَ قَدْ أَمَتُّهُ (بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ فِي إزَالَةِ حَيَاةِ شَخْصٍ وَإِزَالَتِهَا قَتْلًا بَاطِلَةٌ إذْ الْمُرَادُ) بِالْإِحْيَاءِ (إيجَادُهَا) أَيْ الْحَيَاةِ (فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ وَ) بِالْإِمَاتَةِ (إزَالَتُهَا) أَيْ الْحَيَاةِ (بِلَا مُبَاشَرَةٍ مَحْسُوسَةٍ) أَيْ بِنَزْعِ الرُّوحِ الْحَيَوَانِيِّ مِنْ الْجَسَدِ بِغَيْرِ عِلَاجٍ مَحْسُوسٍ وَلَا اسْتِبْقَاءِ الْحَيَاةِ فِي الْأَحْيَاءِ وَتَفْوِيتِهَا بِالْعِلَاجِ الْمَحْسُوسِ فِي الْإِمَاتَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الشُّلُوحُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَأَيُّ مَزِيَّةٍ لِلْعَيْنِ فِيهِ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ (وَحَاضِرُهُ ضَلَالٌ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ إلْزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَا يَحْتَمِلُ التَّلْبِيسَ) وَلَا الْمُغَالَطَةَ وَلَا الْمُكَابَرَةَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَحْمِلُهُ وَقَاحَتُهُ وَمُكَابَرَتُهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ هَذَا لَقَالَ لَهُ أَنَا آتِي بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ ثُمَّ يَصْبِرُ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْهُ فَيَقُولَ هَا قَدْ أَطْلَعْتُهَا مِنْهُ فَيَحْتَاجَ إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام إلَى إبْطَالِ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَيْضًا وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلُ الْبَحْثِ وَانْتِشَارُهُ فَاسْتَرَاحَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ إفْضَاحُهُ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَهُوَ انْتِقَالٌ إلَى دَلِيلٍ أَوْضَحَ وَحُجَّةٍ أَبْهَرَ لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَإِضَاءَةً غِبَّ إضَاءَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ أَنْ لَا انْتِقَالَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ قَوْلَهُ {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258](الدَّعْوَى وَاسْتِدْلَالُهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ} [البقرة: 258] إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءِ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ فَالشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ الْعَالَمِ لِإِضَاءَتِهِ بِهَا وَإِظْلَامِهِ بِغُرُوبِهَا فَإِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَأَعِدْ رُوحَ الْعَالَمِ إلَيْهِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِالشَّمْسِ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ.

وَعَلَى هَذَا مَشَى نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ مِنْ حُجَّةٍ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُنَاظَرَةِ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام ادَّعَى انْفِرَادَ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَلَمَّا أَرَادَ النُّمْرُودُ التَّلْبِيسَ أَظْهَرَ كَمَالَ الْقُدْرَةِ بِحَدِيثِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ وَاحِدٌ وَالصُّورَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ انْتَهَى. وَهَذَا مَا قِيلَ الِانْتِقَالُ فِي الْمِثَالِ كَأَنَّهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُوجِدُ الْمُمْكِنَاتِ وَيُعْدِمُهَا وَأَتَى بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ مِثَالًا فَلَمَّا اعْتَرَضَ جَاءَ بِمِثَالٍ أَجْلَى لِدَفْعِ الشَّغَبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أَيْ انْقَطَعَ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كَذَلِكَ عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ ظَهَرَ نَقْصُهُ وَبُطْلَانُ دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ.

(وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْبُطْلَانُ) لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ (الْأَوَّلِ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ) أَيْ انْتِقَالَهُ (انْقِطَاعٌ فِي عُرْفِهِمْ) أَيْ النُّظَّارِ (اسْتَحْسَنُوهُ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْمَجْلِسُ) لِلْمُنَاظَرَةِ (عَنْ الْمَقْصُودِ) وَهِيَ إظْهَارُ الْحَقِّ (وَإِلَّا فَفِي الْعَقْلِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ وَآخَرَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا عَيَّنَهُ) مِنْ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ (حَتَّى يُعْجِزَهُ عَنْ إثْبَاتِهِ وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي مَجَالِسَ) وَكَيْفَ لَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّلِ الِانْتِقَالُ مِنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ لَا إلَى نِهَايَةٍ بَلْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ

ص: 254

مِنْ بَيِّنَةٍ إلَى أُخْرَى

لِإِثْبَاتِ حُقُوقِ النَّاسِ

وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لَهَا فَكَذَا هَذَا (فَالِانْقِطَاعُ) لِلسَّائِلِ أَوْ الْمُعَلِّلِ إنَّمَا يَكُونُ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْقِيقِ مَطْلُوبِهِ (سُكُوتٌ) كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الِانْقِطَاعِ (أَوْ إنْكَارٌ ضَرُورِيٌّ) أَيْ مَعْلُومٌ ضَرَرُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ دَفْعِ حُجَّةِ الْخَصْمِ (أَوْ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ وَفِي الْكَشْفِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ عَنْ سَهْوٍ أَوْ عَنْ غَفْلَةٍ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ وَجْهَ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكَ مَا سَهَا فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَنْعِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَجْزِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَلِّلُ وَالسَّائِلُ وَبَقِيَ رَابِعٌ يَخُصُّ الْمُعَلِّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعُ السَّالِفُ.

(وَفِي) انْتِقَالِ الْمُعَلِّلِ مِنْ (مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ إلَى مَا لَا يُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ أَصْلًا دَفْعًا لِظُهُورِ إفْحَامِهِ انْقِطَاعٌ فَاحِشٌ) لِلْمُعَلِّلِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا انْتِقَالُ السَّائِلِ مِنْ دَفْعٍ إلَى آخَرَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِكَلَامِ الْمُجِيبِ فَمَا دَامَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِدَفْعٍ يَصْلُحُ اعْتِرَاضًا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْأُولَى مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إثْبَاتِ أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَا لَيْسَ بِرَقِيقٍ (تَسْلِيطٌ) لِلصَّبِيِّ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ (عِنْدَ تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ (بِهِ) أَيْ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ (لِنَفْيِ ضَمَانِهِ) إذَا أَتْلَفَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَعَ التَّسْلِيطِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبَاحَ لَهُ طَعَامًا فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ إيدَاعُهُ تَسْلِيطًا عِلَّةً لِلْقِيَاسِ فَإِذَا مَنَعَهُ الْخَصْمُ فَانْتَقَلَ الْمُعَلِّلِ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ تَسْلِيطًا بِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَا يَنَالُ بِالْأَيْدِي وَقَدْ وُجِدَ هُنَا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي إثْبَاتِهَا.

(وَالثَّانِي) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ يَثْبُتُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ مِثَالُهُ (لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِالْإِقَالَةِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (فَلَا يُمْنَعُ التَّكْفِيرُ بِمَنْ تَعَلَّقَتْ) الْكِتَابَةُ (بِهِ) فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا لِبَائِعِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ وَمُؤَجِّرِهِ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَكَوْنُهَا عَقْدًا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ أَنَا أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي (بَلْ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (مِنْ نُقْصَانِ الرِّقِّ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلْمُكَاتَبِ مُسْتَحَقٌّ بِهِ فَصَارَ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) أَيْ كَاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِالْوِلَادَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ وَأَوْلَادِهِ دُونَهَا (فَيُجَابُ بِإِثْبَاتِ عَدَمِ نُقْصَانِهِ) أَيْ الرِّقِّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ حُكْمٌ آخَرُ (بِالْأُولَى) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَيُقَالُ (احْتِمَالُ الْفَسْخِ) لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ (دَلِيلُ عَدَمِ إيجَابِهِ) أَيْ عَقْدِهَا (نُقْصَانَهُ) أَيْ رِقِّهِ (لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نُقْصَانُ رِقِّهِ (لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِوَجْهٍ (إذْ هُوَ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ (بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ) وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَذَا ثُبُوتُهَا مِنْ وَجْهٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ كَوْنِ قَبُولِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ انْتِقَالٌ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ إيجَابِهِ نَقْصًا فِي الرِّقِّ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ قَبُولُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ ثُمَّ مِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَمَكُّنَ نُقْصَانٍ فِي رِقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَا هَذَا الشَّرْطُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى.

(وَالثَّالِثُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ

ص: 255

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَيَثْبُتُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى مِثَالُهُ (أَنْ يُجِيبَ) الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ (بِقَوْلِهِ الْكِتَابَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهِ) أَيْ الرِّقِّ (كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ) فَيَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِ الْبَائِعِ عَبْدَهُ الَّذِي بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّتِهِ فَعَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عِلَّةٌ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ النُّقْصَانِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَجَمِيعُ هَذِهِ الِانْتِقَالَاتِ الثَّلَاثَةِ (جَائِزٌ) إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمُخْرِجَ إلَى الِانْتِقَالِ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ إلَى حُكْمٍ آخَرَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفْ الْمُعَلِّلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ تَعْلِيلِهِ حَتَّى عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ اُفْتُقِرَ فِيهِ إلَى الِانْتِقَالِ.

(هَذَا وَيُشْبِهُ الِاسْتِفْسَارَ فِي عُمُومِهِ) لِلْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ (وَفَسَادَ الِاعْتِبَارِ فِي عَدَمِ الْقِيَاسِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا انْتِفَاءَ وُجُودِ الْقِيَاسِ فِي الْوَاقِعِ (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ (دَعْوَى النَّصْبِ) لِلدَّلِيلِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَ) غَيْرِ (لَازِمِهِ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (إذْ هُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ (تَسْلِيمُ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ هَذَا الْمَعْنَى (بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ) أَيْ النَّصْبِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَلَازِمِهِ (مُنْتَفٍ فَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (أَنْ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ) أَيْ الْمُخَصَّصِ (الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بِالطَّرْدِيَّةِ) كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ.

(وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ (ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَاسْتِنَادِهِ) أَيْ الْمُعْتَرَضِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (إلَى لَفْظِ الْمُعَلِّلِ كَقَوْلِهِ) أَيْ الْمُعَلِّلِ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ (فِي الْمُثْقَلِ) أَيْ فِي أَنَّ الْقَتْلَ بِهِ يُوجِبُ الْقِصَاصَ (قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ كَالْحَرْقِ) أَيْ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ فَإِنَّ الْحَرْقَ يَقْتُلُ غَالِبًا (فَيُسَلِّمُ) الْمُعْتَرِضُ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ (عَدَمَ مُنَافَاتِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ (مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُهُ (الْمُتَنَازَعُ فِيهِ) وَكَمَا أَنَّ عَدَمَ مُنَافَاتِهِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لَا يَقْتَضِي مَحَلَّ النِّزَاعِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْوُجُوبَ أَنْ يَجِبَ (أَوْ) اسْتِنَادُهُ فِيهِ إلَى (حَمْلِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ كَالْمَسْحِ) بِالرَّأْسِ (رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ) كَالْغُسْلِ لِلْوَجْهِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (بِمُوجِبِهِ) وَهُوَ اسْتِنَانُ تَثْلِيثِ الْمَسْحِ (إذْ سَنَنَّا الِاسْتِيعَابَ) فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ (ضَمُّ مِثْلَيْ الْوَاجِبِ) فِيهِ أَيْ (الرُّبْعِ وَزِيَادَةٍ إلَيْهِ) أَيْ الْوَاجِبِ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ إذْ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ ثَلَاثَ أَمْثَالِهِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَحَلِّ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ ثَلَاثَةَ دُورٍ يَكُونُ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارًا وَاحِدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَمَقْصُودُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّثْلِيثِ لَيْسَ هَذَا بَلْ (التَّكْرِيرُ فَإِذَا أَظْهَرَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ أَنَّ مُرَادَهُ التَّكْرِيرُ (انْتَفَى) الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرُّكْنَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ الْإِكْمَالُ دُونَ التَّكْرَارِ وَهُوَ بِالْإِطَالَةِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِكْمَالُ بِهَا لِاسْتِغْرَاقِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ كَمَا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّ تَكْمِيلَهُ بِالْإِطَالَةِ يَقَعُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيُصَارُ إلَى التَّكْرَارِ خَلْفًا عَنْهُ وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ الْأَصْلُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ الرَّأْسُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَهُوَ مُتَّسَعٌ يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ بِالْإِطَالَةِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيَبْطُلُ الْخَلْفُ.

(وَكَذَا) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ الشَّافِعِيِّ لِتَعْيِينِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ (صَوْمُ فَرْضٍ فَيُشْتَرَطُ) فِيهِ (التَّعْيِينُ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ (بِمُوجِبِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ أَيْ (لُزُومِ التَّعْيِينِ) فِي صَوْمِ رَمَضَانَ (وَالنِّزَاعُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ لُزُومِ التَّعْيِينِ أَيْ (كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ تَعْيِينِ لُزُومِ التَّعْيِينِ) لِنِيَّةِ الصَّوْمِ (بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الْوَقْتَ الْخَاصَّ) وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ (لَهُ) أَيْ لِلصَّوْمِ (تَعْيِينًا) لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ صَوْمَ غَيْرِهِ (حَمْلًا) لِلتَّعْيِينِ (عَلَى) التَّعْيِينِ (الْأَعَمِّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الصَّائِمِ أَوْ بِتَعْيِينِهِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ (وَمُرَادُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّعْيِينِ (تَعْيِينُ الْمُكَلَّفِ) فَإِذَا أَظْهَرَهُ انْتَفَى الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ.

قَالَ

ص: 256

الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لِلشَّارِطِ) فِي التَّعْيِينِ كَوْنُهُ بِقَصْدِ الْمُكَلَّفِ (لِأَنَّ كَوْنَ إطْلَاقِ النَّاوِي تَعْيِينَ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ) أَيْ الْأَعَمِّ كَالنَّقْلِ بِالْأَعَمِّ (يَصِيرُ الْأَعَمُّ عَيْنَ الْأَخَصِّ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ) أَيْ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ هَذَا قَلَّمَا يَقَعُ لِشُهْرَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ غَالِبًا (وَالثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (إبْطَالُ) الْمُسْتَدِلِّ بِدَلِيلِ الْخَصْمِ (مَا ظَنَّ مَأْخَذَ خَصْمِهِ) وَمَبْنَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَأْخَذًا لِمَذْهَبِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِهِ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ (كَفَى الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ) إذَا اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيُّ عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَوْلُهُ قَتْلٌ بِمُثْقَلٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ (لِلْمُعْتَرِضِ) الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقُولَ هُوَ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ الْآلَةُ ثُمَّ (التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ) كَالتَّفَاوُتِ فِي الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْوَاعُ الْجِرَاحَاتِ الْقَاتِلَةِ (فَيَقُولُ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَانِعُ) مِنْ الْقِصَاصِ (غَيْرُهُ) أَيْ التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ فَيَفْتَكُّ عَدَمُ التَّفَاوُتِ فِيهَا نَفْيَ مَانِعٍ خَاصٍّ (وَنَفْيُ مَانِعٍ) خَاصٍّ (لَيْسَ نَفْيَ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَوَانِعِ وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي (وَيُصَدَّقُ) الْمُعْتَرِضُ إذَا قَالَ هَذَا مَأْخَذِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مَأْخَذَ إمَامِي إنْ كَانَ مُقَلِّدًا عَلَى الصَّحِيحِ (لِعَدَالَتِهِ) وَكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مَأْخَذَهُ أَوْ مَأْخَذَ إمَامِهِ وَلَكِنَّهُ يُعَانِدُ ثُمَّ هَذَا أَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ.

(وَالثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (أَنْ يَسْكُتَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ مُقَدِّمَةٍ) غَيْرَ مَشْهُورَةٍ (لِظَنِّ الْعِلْمِ بِهَا فَيُسَلِّمُ) الْمُعْتَرِضُ الْمُقَدِّمَةَ (الْمَذْكُورَةَ وَبَقِيَ النِّزَاعُ فِي) الْمُقَدِّمَةِ (الْمَطْوِيَّةِ نَحْوَ) قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ (مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَطَوَى وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ (مُسَلَّمٌ وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطُهُ النِّيَّةُ) وَلَوْ لَمْ يَسْكُتْ عَنْ الصُّغْرَى لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهَا بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَثْبُتُ قُرْبَةً وَلَا يَكُونُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (قَالُوا) أَيْ الْجَدَلِيُّونَ (لَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (مِنْ انْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ (إذْ) فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (لَوْ بَيَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْمُثْبِتُ (مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومُهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (أَوْ) فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُبْطِلَ (مَأْخَذُهُ) أَيْ الْخَصْمِ (أَوْ) فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ (كَيْفِيَّةَ) الْمُقَدِّمَةِ (الْمَحْذُوفَةِ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُبِيحُ مَطْلُوبَهُ (انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ) إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ (الْمُسْتَدِلُّ) هَذِهِ الْأُمُورَ انْقَطَعَ الْمُسْتَدَلُّ إذْ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ إفْضَاءِ دَلِيلِهِ إلَى مَطْلُوبِهِ (وَاسْتَبْعَدَ) أَيْ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ انْقِطَاعَ أَحَدِهِمَا (فِي) الْقِسْمِ (الْأَخِيرِ إذْ مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْمَتْرُوكَ) لِظُهُورِهِ (كَالْمَذْكُورِ) فَالْمَتْرُوكُ لَفْظًا مَذْكُورٌ مَعْنًى وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ.

(وَ) مُرَادُ (الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ فَإِذَا ذَكَرَ) الْمُسْتَدِلُّ (أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْرُوكِ (لَا الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ) وَحَذَفَ الْمَتْرُوكَ لِلْعِلْمِ بِهِ (وَحَذْفُ الْمَعْلُومِ شَائِعٌ) كَانَ (لَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الْمَنْعُ وَاسْتَمَرَّ الْبَحْثُ) وَإِنْ سَلِمَ فَقَدْ انْقَطَعَ (وَكَذَا لَا يَخْفَى بُعْدُ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْجَدَلِيِّينَ (أَنَّهُ مَأْخَذُهُ بَلْ يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ مَأْخَذِي غَيْرُهُ أَوْ كَذَا انْقَطَعَ) بِهِ (الْمُسْتَدِلُّ وَإِلَّا الْمُعْتَرِضُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا عَنْهُمْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْمُرَادُ بِهِ لِأُوَافِقَ عَلَى بُعْدِهِ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ (أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ (يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَمَّا سَلَّمَ مُوجِبَ عِلَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ احْتَاجَ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ غَيْرِ وَاقِعٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْجَوَابُ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ بَيَانِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومِهِ أَوْ مَأْخَذِهِ أَوْ الْمَحْذُوفِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذَكَرْنَا (ذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّأْثِيرِ.

(وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقِيَاسِ) بِالْجَوَابِ عَنْ الِاسْتِفْسَارِ وَالتَّقْسِيمِ (وَتَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ (يَشْرَعُ) الْمُسْتَدِلُّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ (وَأَوَّلُ مُقَدِّمَاتِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ

ص: 257

ثُمَّ عِلَّتُهُ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ (ثُمَّ ثُبُوتُهَا) أَيْ عِلَّتُهُ (فِي الْفَرْعِ مَعَ الشُّرُوطِ الْأَوَّلُ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ يَرِدُ (عَلَيْهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ) أَيْ ثُبُوتِهِ فِيهِ قِيلَ وَالْمَنْعُ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُهُ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ قِيلَ نَعَمْ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ الْكَلَامُ فِيهِ بِقَدْرِ الْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرَامِهِ وَشُغِلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ لِلْمُعْتَرِضِ غَايَةُ مَرَامِهِ (وَالصَّحِيحُ لَيْسَ) مُجَرَّدُهُ (قَطْعًا) لِلْمُسْتَدِلِّ (وَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ (يُسْمَعُ إلَّا إنْ اصْطَلَحُوا) أَيْ أَهْلُ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَطْعٌ كَمَا عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ يَتْبَعُ عُرْفَ الْمَكَانِ وَاصْطِلَاحَ أَهْلِهِ فَإِنْ عَدُّوهُ قَطْعًا فَقَطْعٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَضْعِيٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ فِيهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ سَمَاعِهِ إذَا اصْطَلَحُوا عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا (مَحْمَلُ) قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُسْمَعُ هَذَا الْمَنْعُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي اسْتِبْعَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ إيَّاهُ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى خَصْمِهِ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ أَصْلِهِ مَمْنُوعًا وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا لِأَنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ جُزْءُ الدَّلِيلِ وَلَا يَثْبُتُ الدَّلِيلُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ.

قَالَ السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي كِتَابَيْ الْمُلَخَّصِ وَالْمَعُونَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ سَمَاعُ الْمَنْعِ قَالَ ثُمَّ الْمَانِعُ إمَّا أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مَذْهَبُهُ فِي الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِمَا يَسْلَمُ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْإِجَارَةِ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ فَيَمْنَعُ الْأَصْلُ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ فَيَقُولُ أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَبْطُلُ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَيَسْقُطُ الْمَنْعُ وَالثَّانِي أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا يَسْلَمُ فِيهِ كَقَوْلِنَا الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا الِاخْتِتَامُ بِالْيَسَارِ فَشَرَطَ فِيهَا التَّرْتِيبَ كَالصَّلَاةِ فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَتَى بِهِنَّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ فَيَقُولُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ وَهَذَا كَافٍ فِي التَّسْلِيمِ وَالثَّالِثِ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا الْخِنْزِيرُ حَيَوَانٌ نَجِسٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُغْسَلُ مِنْهُ سَبْعًا كَالْكَلْبِ فَيَمْنَعُونَ الْأَصْلَ فَيَدُلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ» وَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَذْهَبُ الْمَانِعِ فَإِنْ كَانَ لِإِمَامِهِ قَوْلَانِ أَوْ لِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ فَجَوَابُهُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ بِتَبْيِينِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ التَّسْلِيمُ كَمَا يَقُولُ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ فَانْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَيَمْنَعُ الْخَصْمُ مُسْتَنِدًا إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا فَيُجِيبُ بِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَإِمَّا أَنْ لَا يَعْرِفَ مَذْهَبَ إمَامِهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُحَرَّمٌ فِي نِكَاحٍ فَلَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ دَلِيلُهُ إذَا جَمَعَتْ الْمَرْأَةُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا لِأَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ وَتَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهِمَا وَقَدْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا مَعًا لَمْ تُقَرَّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوهُ وَجْهٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَارُ أَحَدَهُمَا وَإِنْ وَقَعَا مُرَتَّبَيْنِ فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْمَنْعَ لَيْسَ بِقَطْعٍ لِلْمُسْتَدِلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ (مَنْعُ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَكَمَا لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ غَيْرَ هَذِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ قَطْعًا لَهُ فَكَذَا هَذَا (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ هَذَا الْمَنْعِ قَطْعًا لَهُ (فَكُلُّ مَنْعٍ قَطْعٌ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (بِهِ) أَيْ بِمَنْعِ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ الْأَصْلِ (يَنْتَقِلُ إلَى) حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ (مِثْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ حُكْمُ الْفَرْعِ.

(لَا يَضُرُّ إذَا تَوَقَّفَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ (وَسِعَهُ مَجْلِسٌ أَوْ مَجَالِسُ) فَلَا يَنْعَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَنَعَ عِلِّيَّةَ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُهَا وَلَا يُعَدُّ الْمَنْعُ قَطْعًا لَهُ (وَلَوْ تَعَارَفَهُ) أَيْ كَوْنَ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ قَطْعًا (طَائِفَةٌ أُخْرَى) غَيْرُ أَهْلِ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ (لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَدِلَّ عُرْفُهُمْ) إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ (ثُمَّ لَا يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِقَامَةِ دَلِيلِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (مِنْ صُورَتِهِ) وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ

ص: 258

الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ صِحَّتِهِ وَذَلِكَ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَةِ مُقَدِّمَةٍ (فَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (الِاعْتِرَاضُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى دَلِيلِ مَحَلِّ الْمَنْعِ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْعَجْزِ عَمَّا تَصَدَّى لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِطُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَلَا بِوَحْدَةِ الْمَجْلِسِ وَتَعَدُّدِهِ (وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ السَّائِلِ دَلَالَةً مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَطْلُوبِهِ وَإِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَطْلُوبِهِ فَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ (فَقِيلَ لَا) يُسْمَعُ (لِأَنَّهُ غَصْبٌ لِنَصْبِ الِاسْتِدْلَالِ) لِصَيْرُورَةِ السَّائِلِ مُسْتَدِلًّا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذِكْرِ الْعِلَّةِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَيَنْقَلِبُ الْحَالُ إذْ وَظِيفَتُهُ الِاعْتِرَاضُ لَا الِاسْتِدْلَال.

وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى قَبُولِهَا لِأَنَّهَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ لِإِيجَابِهَا وُقُوفَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الْعَمَلِ إذْ الْعَمَلُ بِعِلَّتِهِ دُونَ عِلَّةِ السَّائِلِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى قِيَامِ دَلِيلِ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ مَعْنَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْعِلَّةِ إلَّا مَا يُوجِبُ تَوَقُّفُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَيَمْنَعُهَا مِنْهُ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ اعْتِرَاضٌ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ الْجَوَابُ عَنْهُ (وَلَيْسَ) بِغَصْبٍ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ غَصْبًا (مُنِعَتْ) الْمُعَارَضَةُ (مُطْلَقًا) وَلَيْسَتْ بِمَمْنُوعَةٍ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمَانِعِ لِقَبُولِهَا إسْمَاعُهَا (يَصِيرُ) الْمُعْتَرِضُ بِهِ (مُسْتَدِلًّا فِي نَفْسِ صُورَةِ الْمُنَاظَرَةِ إنْ أَرَادَ فِي عَيْنِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ فَمُنْتَفٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى خِلَافِهَا (أَوْ) أَرَادَ (فِي تِلْكَ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا بَأْسَ كَمُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ وَلَا تَتِمُّ الْمُنَاظَرَةُ إلَّا بِانْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَةَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ كَالْكَلْبِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ جِلْدِ الْكَلْبِ لَا يَقْبَلُهَا وَفِي الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ الْمَسْحُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيُمْنَعُ سُنِّيَّةُ تَكْرِيرِ الْغُسْلِ بَلْ) السُّنَّةُ (إكْمَالُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْغُسْلَ (اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ فَكَانَ) إكْمَالُهُ (بِتَكْرِيرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ) الْمَفْرُوضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ مَحَلَّهُ (فَتَكْمِيلُهُ) أَيْ الْمَسْحَ (بِاسْتِيعَابِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ صَوْمُ رَمَضَانَ (صَوْمُ فَرْضٍ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ) بِالنِّيَّةِ (كَالْقَضَاءِ فَيُقَالُ إنْ) كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ (بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ) الزَّمَانَ (لَهُ فَ) هُوَ (مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُضَيِّقْهُ بِزَمَانٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الزَّمَانَ لَهُ (فَفِي الْفَرْعِ) أَيْ فَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ فِيهِ.

(الثَّانِي) أَيْ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ يَرِدُ (عَلَيْهِ مُنَوَّعٌ أَوَّلُهَا مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ مِثَالُهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ) الْإِنَاءُ (مِنْ وُلُوغِهِ) فِيمَا فِيهِ (سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ) جِلْدُهُ (بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الْخِنْزِيرِ يُغْسَلُ) الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ فِيمَا فِيهِ (سَبْعًا وَ) مِثَالُهُ لَهُمْ أَيْضًا (فِي) الْعِلَلِ (الطَّرْدِيَّةِ) أَيْ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الِاسْتِنْجَاءِ طَهَارَةَ مَسْحٍ بَلْ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ (عَنْ) النَّجَاسَةِ (الْحَقِيقِيَّةِ) أَيْ إزَالَتِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ غُسْلُهَا بِالْمَاءِ أَفْضَلَ وَلَا اسْتِنْجَاءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَلَوَّثْ شَيْءٌ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَوَّغُ لِلْمُعْتَرِضِ تَقْرِيرُ الْمَنْعِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ لَهُ الْمَنْعُ إلَّا إذَا اعْتَزَى إلَى ذِي مَذْهَبٍ يَرَى الْمَنْعَ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ الْمَنْعُ خَفِيًّا بِحَيْثُ يُخْشَى نِسْبَةُ الْمَانِعِ إلَى الْمُكَابَرَةِ مُكِّنَ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (بِإِثْبَاتِ وُجُودِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ مِثْلِهِ (حِسًّا) إنْ كَانَ حِسِّيًّا (أَوْ عَقْلًا) إنْ كَانَ عَقْلِيًّا (أَوْ شَرْعًا) إنْ كَانَ شَرْعِيًّا.

(ثَانِيهَا مَنْعُ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ (عِلَّةً وَهُوَ) أَيْ هَذَا (قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَنْعُ نِسْبَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهِ) أَيْ الْوَصْفِ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ (وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُورَدَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَنْعُ (مُسَاوَاةٌ فِي) وَصْفٍ (مُشْتَرَكٍ) مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (تَظُنُّ الْإِنَاطَةُ) لِلْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ (وَأَمَّا مُسَاوَاةُ فَرْعِ الْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ فَالْقِيَاسُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) وَهَذَا لَيْسَ بِالْمُورَدِ عَلَيْهِ لِيُقَالَ قَدْ أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ فَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ

ص: 259

ثَانِيًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ (عُدُولُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ) أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ عِلَّةً لَهُ (أَيْ نَقْضُهُ لِأَنَّ مَرْجِعُهُ) أَيْ النَّقْضِ (إلَى مَنْعٍ بِسَنَدِهِ أَوْ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَصْفًا (طَرْدِيًّا) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْضِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ إبْطَالِهِ دَلِيلُ صِحَّتِهِ فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ وَلَا يُشْتَغَلُ بِجَوَابِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبُطْلَانِ (أَمَّا) الْمَنْعُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْضِ وَالطَّرْدِيَّةِ (فَغَصْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِمَنْصِبِ الْمُسْتَدِلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (لَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.

(وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُسْمَعْ النَّقْضُ (لَمْ يُسْمَعْ الْمَنْعُ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ يَسْتَدِلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (بَعْدَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ) عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (طَلَبُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (وَقَدْ حَصَلَ) الدَّلِيلُ (بَلْ) الْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ (فِي مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّقْضُ غَصْبًا لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِسَنَدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْعٌ قُبِلَ وَمِنْ حَيْثُ السَّنَدُ الَّذِي هُوَ التَّخَلُّفُ كَانَ إبْطَالًا (قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُمْ عُدُولُهُ إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ (مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ سَلِمَتْ) الْمُلَازَمَةُ (لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ (لِانْتِقَاضِهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (بِكَثِيرٍ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ (إذْ يَلْزَمُ صِحَّتُهُ كُلَّمَا عَجَزَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إبْطَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ (حَتَّى دَلِيلُ الْحُدُوثِ) وَهَذَا آخِرُ مَا فِي الْكِتَابِ نُسْخَةً يَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتَ الصَّانِعِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَصِحُّ دَلِيلُهُمَا بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ إبْطَالِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَجْهِ دَلَالَةٍ وَصِحَّةِ تَرْتِيبٍ حَتَّى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى دَفْعِهِ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بَلْ حَتَّى دَلِيلَا النَّقِيضَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَعَجَزَ كُلٌّ عَنْ إبْطَالِ الْآخَرِ.

وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَسَائِرِ الصُّوَرِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ طُرُقَ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَحْصُورَةٌ مَضْبُوطَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْمُنَاظِرِ فَلَمَّا لَمْ يُظْهِرْ الْمُنَاظِرُ طَرِيقًا مِنْهَا وَهَرَبَ إلَى مُجَرَّدِ الْمَنْعِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقُ نَفْيِهَا فَلَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَلْبَتَّةَ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ وَكَيْفَ وَالسَّبْرُ دَلِيلٌ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرٌ لِلنَّاظِرِ عَامٌّ لِكُلِّ عِلَّةٍ لِكُلِّ حُكْمٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْمُسْتَدِلُّ فَإِذَا اقْتَصَرَ الْمَانِعُ عَلَى مُجَرَّدِ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى السَّبْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مَعَ سَبْرِ الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَعْدِلَ الْمَانِعُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَنْعِ إلَى إبْطَالِ الْوَصْفِ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ بِمُعَارَضَتِهِ بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ لِلْعِلِّيَّةِ فَلْيَفْعَلْ الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِيَاسِ وَيَطْرَحْ مُؤْنَةَ الْمَنْعِ وَقَبُولَهُ وَلَا قَبُولَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَدْ يُعَارَضُ أَيْضًا بِأَنَّ عَجْزَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ إثْبَاتِهِ دَلِيلُ فَسَادِهِ إذْ طُرُقُ الْعِلِّيَّةِ مِمَّا لَا تَخْفَى فَالْفِرَارُ إلَى مُجَرَّدِ صُورَةِ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهِ (وَإِذَا بَيَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِنَصٍّ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (الِاعْتِرَاضُ بِمَا يُمْكِنُ) الِاعْتِرَاضُ بِهِ (عَلَى ذَلِكَ السَّمْعِيِّ) مِنْ مَنْعِ ظُهُورِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلِهِ وَطَعْنٍ فِي السَّنَدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَمُعَارَضَتُهُ) بِنَصٍّ آخَرَ مُقَاوِمٌ لَهُ (وَكَذَا الْإِجْمَاعُ) أَيْ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهِ لِلْمُعْتَرِضِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَنْعِ وُجُودِهِ (وَيَزِيدُ) بَيَانُهُ بِالْإِجْمَاعِ (بِنَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (دَلِيلًا بِنَحْوِ كَوْنِ السُّكُوتِ يُفِيدُهُ) أَيْ الظَّنَّ (إنْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ الْمُثْبَتُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (أَوْ) بَيَّنَهُ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (مِنْ) مَسْلَكٍ (مُخْتَلَفٍ) فِيهِ (كَالدَّوَرَانِ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (مَنْعُ صِحَّتِهِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (إثْبَاتُهَا) أَيْ صِحَّتِهِ (وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْمَنَارِ هَذَا الْمَنْعُ (يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ فَيَضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِهِ لِيُمْكِنَهُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْخَصْمِ (يُفِيدُهُ نَفْيُ تَمْكِينِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ.

(وَمُقْتَضَى مَا فِي الِانْتِقَالِ يُخَالِفُهُ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ حَمَلَ) غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ (عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ) عِلَّةً (لِأَوْجُهِ الْبُطْلَانِ) لِمَا سِوَى التَّأْثِيرِ (فَيَرْجِعُ) الْمُسْتَدِلُّ حِينَئِذٍ (إلَى التَّأْثِيرِ لَكِنَّهُ) أَيْ رُجُوعَهُ إلَيْهِ (انْتِقَالٌ) مِنْ عِلَّةٍ (إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ هُنَا وَعَلِمْت) فِي الِانْتِقَالِ (مَا فِيهِ) أَيْ أَنَّهُ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ فِي عُرْفِ الْمُنَاظِرِينَ

ص: 260

اسْتِحْسَانًا كَيْ لَا يَخْلُوَ مَجْلِسُ الْمُنَاظَرَةِ عَنْ الْمَقْصُودِ (مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ) السَّابِقِ لِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ (مَنْعُ كَوْنِ الْغَسْلِ سَبْعًا عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِهِ) أَيْ جِلْدِ الْكَلْبِ (الدِّبَاغَةَ شَرْعًا وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ) الْأَخُ (لَا يَعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ) بِمِلْكِهِ إيَّاهُ (إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْأَخَوَيْنِ (كَابْنِ الْعَمِّ) فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا (مَنْعُ أَنَّهَا) أَيْ الْبَعْضِيَّةَ (الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ لِيَنْتَفِيَ الْحُكْمُ) الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ (بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُتَّحِدَةِ) بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْبَعْضِيَّةُ (بَلْ) الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ (الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَخَوَيْنِ دُونَ ابْنَيْ الْعَمِّ.

(ثَالِثُهَا عَدَمُ تَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّأْثِيرِ (لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْ) عَدَمُ (اعْتِبَارُهُ) شَرْعًا (وَقَسَّمُوهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ (أَرْبَعَةً) مِنْ الْأَقْسَامِ (أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا أَوْ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ (فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِ (قَيْدٍ مِنْهُ) أَيْ الْوَصْفِ (مُطْلَقًا أَوْ لَا) يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ (بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَرَدُّوا الْأَوَّلَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فِي الْأَصْلِ (إلَى الْمُطَالَبَةِ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَجَوَابِهِ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِلِّيَّةِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا (جَوَابُهُ) أَيْ جَوَابُ هَذَا إذْ هُوَ هُوَ (وَ) رَدُّوا (الثَّانِيَ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِ قَيْدٍ مِنْهُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعَ) أَيْ أَنْ لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (إلَى الْمُعَارَضَةِ) فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى (عَلَى خِلَافٍ فِي الرَّابِعِ) يَأْتِي قَرِيبًا وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِمَا حَاصِلُهُ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ حَاصِلُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ وَطَلَبِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا بَلْ إثْبَاتُ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا أَوْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِهَا وَلَيْسَ حَاصِلُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ مُجَرَّدَ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلَّةَ بَلْ إثْبَاتُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ إبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِبْدَاءِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ قَطْعًا.

(مِثَالُ الْأَوَّلِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ) أَنْ يُقَالَ (فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) صَلَاةٌ (لَا تُقْصَرُ فَلَا يُقَدِّمُ أَذَانَهُ) أَيْ أَذَانَ أَدَائِهَا عَلَى وَقْتِهَا (كَالْمَغْرِبِ فَيُرَدُّ عَدَمُ الْقَصْرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ وَلَا شَبَهَ) بَيْنَ وَصْفِ عَدَمِ الْقَصْرِ وَحُكْمِ عَدَمِ التَّقْدِيمِ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ وَلِذَا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مَنْعُ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ مَوْجُودًا فِيمَا قُصِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا (وَ) مِثَالُ (الثَّانِي فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَلَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ (كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَيُرَدُّ هَذَا) الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ (وَإِنْ نَاسَبَ) نَفْيَ الصِّحَّةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مَسْأَلَةُ الطَّيْرِ (فَفِي الْأَصْلِ مَا يَسْتَقِلُّ) بِمَنْعِ الصِّحَّةِ (وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا) أَيْ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ (رَجَعَ) هَذَا الْقِسْمُ (إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ) بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا بَنَاهُ بَانُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا (يَنْكَشِفُ أَنَّ اعْتِبَارَ جِنْسِهِ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (ظُهُورَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ غَيْرُ وَاقِعٍ إذْ لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ مُنَاسَبَةٍ فِي غَيْرِ مَرْئِيٍّ بِمَا أَبْدَاهُ) مِنْ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ (بَلْ جَوَّزَهُ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ (مَعَهُ) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ.

(وَ) مِثَالُ (الثَّالِثِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُرْتَدِّينَ) إذَا أَتْلَفُوا أَمْوَالَنَا (مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَضْمَنُونَ) أَمْوَالَنَا إذَا أَسْلَمُوا كَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ (فَيُرَدُّ لَا تَأْثِيرَ لِدَارِ الْحَرْبِ) فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عِنْدَكُمْ (لِلِانْتِفَاءِ) لِلضَّمَانِ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ (عِنْدَكُمْ فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (كَالْأَوَّلِ) فِي كَوْنِ مَرْجِعِهِمَا إلَى الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) مِثَالُ (الرَّابِعِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيُرَدُّ كَتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (لَا أَثَرَ لِغَيْرِ كُفْءٍ) فِي الرَّدِّ (لِتَحَقُّقِ النِّزَاعِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ (أَيْضًا فَرَجَعَ) هَذَا (إلَى الْمُعَارَضَةِ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَقَطْ) وَقَدْ سَمِعْت قَوْلَهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى كَالثَّانِي قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى رُجُوعُهُ إلَى الثَّالِثِ) وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ قَيْدٍ ذُكِرَ

ص: 261

فِيهِ فَيَرْجِعُ لِلْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضَ (لَيْسَ سُؤَالًا مُسْتَقِلًّا) بَلْ هُوَ إمَّا مُطَالَبَةٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ بِعِلَّةٍ أُخْرَى (فَتَرَكَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا وَلِمَا نَذْكُرُ ثُمَّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الثَّالِثَ) عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّابِعَ عَلَى قَوْلِهِمْ (مَرْدُودٌ إذَا اعْتَرَفَ الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جُزْءَ الْعِلَّةِ كَاذِبٌ بِاعْتِرَافِهِ وَأَنَّهُ لَقَبِيحٌ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْفَرْضَ اسْتِلْزَامُ الْحُكْمِ وَالْجُزْءُ إذَا اسْتَلْزَمَ فَالْكُلُّ مُسْتَلْزِمٌ قَطْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَغَيْرُ مَرْدُودٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ) الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ (لِجَوَازِ غَرَضٍ صَحِيحٍ) لِلْمُسْتَدِلِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ (أَنْ يَدْفَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (النَّقْضَ الْمَكْسُورَ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ نَقْضُ بَعْضِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ بِالْحِكْمَةِ أَيْ إيرَادِهِ عَلَيْهِ.

(وَهُوَ) أَيْ إيرَادُهُ (أَصْعُبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ) مِنْ إيرَادِ النَّقْضِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ عَدَمِ تَأْثِيرِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَصْفِ وَبَيَانَ نَقْضِ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَفِي النَّقْضِ الصَّرِيحِ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْوَصْفِ أَعْنِي ثُبُوتَهُ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا فَرُبَّمَا يَعْجِزُ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إيرَادِهِ الْأَصْعَبَ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إيرَادِهِ غَيْرَهُ وَقِيلَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ضَمَّهُ إلَى الْعِلَّةِ لَغْوٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِطَرْدِيَّتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَرَفَ فَافْتَرَقَا (وَلِلشَّافِعِيَّةِ بَعْدَهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (أَرْبَعَةٌ) مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُنَاسَبَةِ (الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِإِبْدَاءِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ) عَلَى

الْمَصْلَحَةِ

الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قَضَى عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُنَاسَبَةِ (أَوْ مُسَاوِيَةٍ) لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ (تَرْجِيحُ

الْمَصْلَحَةِ

إجْمَالًا) عَلَى الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُهَا لَزِمَ التَّعَبُّدُ الْبَاطِلُ (وَتَقَدَّمَ) ذِكْرُهُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ (وَتَفْصِيلًا بِمَا فِي الْخُصُوصِيَّاتِ) أَيْ خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ مِنْ الرُّجْحَانِ كَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَذَاكَ حَاجِيٌّ وَإِفْضَاءُ هَذَا قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ وَذَاكَ ظَنِّيٌّ أَوْ أَقَلِّيٌّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (مِثْلُ) أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ) أَيْ سَبَبُهُ (دَفْعُ الضَّرَرِ) عَنْ الْفَاسِخِ (فَيَثْبُتُ) الْفَسْخُ (فَيُعَارَضُ بِضَرَرِ الْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَفْسَخْ (مَفْسَدَةً مُسَاوِيَةً فَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا) الْآخَرَ (يُجْلَبُ) بِاسْتِبْقَاءِ الْعَقْدِ (نَفْعًا وَذَاكَ) الْفَاسِخُ (يَدْفَعُ ضَرَرًا) عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِمْضَاءِ (وَهُوَ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ (أَهَمُّ) لِلْعُقَلَاءِ وَلِذَلِكَ يَدْفَعُ كُلَّ ضَرَرٍ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ.

(وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا (التَّخَلِّي) أَيْ تَفْرِيغُ النَّفْسِ (لِلْعِبَادَةِ) النَّافِلَةِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّزَوُّجِ لِمَا فِيهِ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ (مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فَيُعَارَضُ بِفَوَاتِ أَضْعَافِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ (فِيهِ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ مِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَإِعْفَافُ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَإِيجَادُ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتُهُ وَتَوْسِعَةُ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَيَرْجَحُ) التَّزَوُّجُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَالتَّسَبُّبُ لِعِبَادَةِ شَخْصٍ آخَرَ وَتَرْكُ الْمَعَاصِي عَلَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ (فَيُرَجِّحُهَا) أَيْ مَصْلَحَةَ الْعِبَادَةِ (الْآخَرُ بِأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ وَتِلْكَ) الْمَصَالِحُ الَّتِي فِي التَّزَوُّجِ (لِحِفْظِ النَّسْلِ) وَحِفْظُ الدِّينِ أَرْجَحُ مِنْ حِفْظِ النَّسْلِ (غَيْرَ) أَنَّهُ يَطْرُقُهُ (أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ وَعَدَمَ الْخَشْيَةِ) لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَلَا يَتِمُّ هَذَا التَّرْجِيحُ فَهَذَا أَوَّلُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَالْقَدْحُ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ (فِي شَرْعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ (كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ) لِلْمَحَارِمِ عَلَى التَّأْبِيدِ (لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ) لِضَرُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَتَعَذُّرِ الْمَعَاشِ أَوْ تَعَسُّرِهِ إلَّا بِالتَّلَاقِي (إذْ يُفْضِي) التَّحْرِيمُ عَلَى التَّأْبِيدِ (إلَى دَفْعِ الْفُجُورِ) لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الطَّمَعَ الْمُفْضِيَ إلَى الْهَمِّ وَالنَّظَرَ الْمُفْضِيَ إلَى الْفُجُورِ (فَيُمْنَعُ) كَوْنُ التَّحْرِيمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْفُجُورِ (بَلْ سَدُّ بَابِ الْعَقْدِ أَفْضَى) إلَى الْفُجُورِ (لِحِرْصِ النَّفْسِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَيُدْفَعُ) هَذَا الْمَنْعُ (بِأَنَّ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ يَمْنَعُ عَادَةً) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ (إذْ يَصِيرُ) ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ بِهَذَا السَّبَبِ (كَالطَّبِيعِيِّ) لِلْإِنْسَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى (أَصْلُهُ الْأُمَّهَاتُ) فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ صِرْنَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهَذَا ثَانِي

ص: 262

الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ.

(وَكَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا كَالرِّضَا) فِي الْعُقُودِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى (وَيُجَابُ بِضَبْطِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (بِظَاهِرٍ كَالصِّيغَةِ) أَيْ بِضَبْطِ الرِّضَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ وَهَذَا ثَالِثُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (غَيْرَ مُنْضَبِطٍ كَالْحِكَمِ) جَمْعُ حِكْمَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الْبَاعِثُ مِنْ الْمَقَاصِدِ (وَالْمَصَالِحِ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَى لَذَّةٍ (كَالْحَرَجِ وَالزَّجْرِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْحِكَمَ وَالْمَصَالِحَ (مَرَاتِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَجَوَابُهُ بِإِبْدَاءِ الضَّابِطِ بِنَفْسِهِ) كَمَا يُقَالُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ إنَّهُمَا مُنْضَبِطَانِ عُرْفًا (أَوْ) أَنَّ الْوَصْفَ (نِيطَ بِمُنْضَبِطٍ كَالسَّفَرِ) نِيطَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِهِ (وَالْحَدِّ) نِيطَ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الزَّجْرِ بِهِ وَهَذَا رَابِعُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ (وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْحَنَفِيَّةُ لَا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ هَذَا) أَيْ انْتِفَاءَهَا (اتِّفَاقٌ بَلْ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (انْتِفَاءُ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِأَيِّ مَسْلَكٍ كَانَ (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ.

(وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ (يَتَّجِهُ إيرَادُهُ) أَيْ انْتِفَائِهَا (إذْ يُوجِبُ) انْتِفَاءُ لَازِمِهَا (انْتِفَاءَهَا) لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ (فَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (مَعْلُومٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهَا (وَمَنْعُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بَعْضَهَا) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ (وَهُوَ مَرْجِعُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ) مِنْ مَنْعِ التَّأْثِيرِ (لِمَنْعِهِمْ الْمُعَارَضَةَ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) إذَا أَفْضَتْ النَّوْبَةُ إلَى الْكَلَامِ فِيهَا (وَذَكَرُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (مَنْعَ الشُّرُوطِ) لِلتَّعْلِيلِ وَصَحَّ فِيهَا لِأَنَّ شَرْطَ دَلِيلِ وُجُوبِ الْعَمَلِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ (وَقَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ) أَيْ مَنْعِ الشَّرْطِ (بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ) فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ شَرْطٌ مِنْهَا وَهُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُدِمَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ (فَيَتَّجِهُ) الْمَنْعُ (عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَيُفِيدُ مَنْعُهُ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَأَمَّا إذَا مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهُ فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ مَانِعَهُ شَرْطٌ أَمْ لَا فَيُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا إثْبَاتُ شَرْطِ الْقِيَاسِ قُلْت وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ شَرَطَ أَنْ يَمْنَعَ الشَّارِطُ وُجُوبَ شَرْطٍ هُوَ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمُجِيبِ فَأَشَارَ إلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعَ الْمُطْلَقَ هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

وَمَعَ هَذَا لَوْ مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ إلْزَامِ الْمُعَلِّلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ اهـ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَلَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ فَإِنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْمَنْعِ الشَّرْطُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُ وَهُمَا لَمْ يَنْفِيَاهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْمَنْعِ عِنْدَهُمَا الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ لَمْ يَنْفِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِمَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجِيبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى السَّائِلِ فَيُثْبِتُ الْمُجِيبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُهُ السَّائِلُ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ إنْكَارِهِ يُوهِمُ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَقَدْ مَثَّلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شُرُوطَ التَّعْلِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ حُكْمُ النَّصِّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ وَقَدْ تَغَيَّرَ هُنَا لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَالشَّرْعُ نَقَلَ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي الْبَيْعِ إلَى الْقُدْرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فِي السَّلَمِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فَصَارَ ذَلِكَ رُخْصَةَ نَقْلٍ إلَى خَلَفٍ فَلَوْ جَازَ السَّلَمُ حَالًّا لَصَارَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ لَا إلَى خَلَفٍ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ النَّصِّ وَالسَّلَمُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ.

(رَابِعُهَا) أَيْ الْمُنُوعِ الْوَارِدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (النَّقْضُ وَتُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ الْمُنَاقَضَةُ وَهِيَ لِلْجَدَلِيِّينَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ لَا وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ السَّنَدَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلِلسَّنَدِ صِيَغٌ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا لِمَ

ص: 263

لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا ثَانِيَتُهَا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ كَذَا ثَالِثَتُهَا لَا نُسَلِّمُ كَيْفَ هَذَا وَالْحَالُ كَذَا (وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ وَمَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ (بِأَنْ يَلْزَمَ الدَّلِيلُ مَا يُفْسِدُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ (فَيُفِيدُ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ (بُطْلَانَ مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الدَّلِيلِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (النَّقْضُ الْإِجْمَالِيُّ وَرَدُّوا) أَيْ الْأُصُولِيُّونَ (النَّقْضَ) الْكَائِنَ عِنْدَهُمْ (إلَى مَنْعِ مُسْنَدٍ) وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّنَدِ لَهُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ (كَانَ) النَّقْضُ (مُعَارَضَةً قَبْلَ الدَّلِيلِ) وَهِيَ لَا تَكُونُ قَبْلَهُ (وَعَلَى هَذَا يَجِبُ) أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ (مُعَارَضَةً لَوْ) كَانَ (بَعْدَهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِالتَّخَلُّفِ) أَيْ بِوُجُودِهِ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا (وَيُجِيبُ الْآخَرُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (بِمَنْعِ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَيَسْتَدِلُّ الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (بَعْدَهُ) أَيْ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ وُجُودَهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ (أَوْ ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ إيَّاهُ (فَانْقَلَبَ) الْمُعْتَرِضُ مُعَلِّلًا وَالْمُعَلِّلُ مُعْتَرِضًا.

(وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الْوَصْفِ إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهُ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ (وَقِيلَ) لَا يُقْبَلُ (إنْ كَانَ) ذَلِكَ الْوَصْفُ (حُكْمًا شَرْعِيًّا) لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ وَإِلَّا فَنَعَمْ لِظُهُورِ تَتْمِيمِ الْمُعْتَرِضِ لِدَلِيلِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلَّةِ وَعَلَى بُطْلَانِ قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ (وَقِيلَ) يُقْبَلُ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى) مِنْ النَّقْضِ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْصِبِ وَالِانْتِقَالِ إنَّمَا يَنْفَعَانِ اسْتِحْسَانًا فَإِذَا وُجِدَ الْأَحْسَنُ لَمْ يَرْتَكِبْهُمَا وَإِلَّا فَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ (وَلَيْسَتْ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ (بِشَيْءٍ) قَوِيٍّ (فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْأَصْلِ بِمَوْجُودٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ (فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فَنَقَضَهَا) أَيْ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ (فَمَنَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (وُجُودَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ (فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ فَيَلْزَمُ إمَّا انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ) انْتِقَاضُ (دَلِيلِهَا وَكَيْفَ كَانَ) اللَّازِمُ أَيْ انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ دَلِيلِهَا (لَا تَثْبُتُ) الْعِلِّيَّةُ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ مِنْ مِلْكٍ صَحِيحٍ (قُبِلَ) بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَ نَقْضِ الْعِلَّةِ.

(وَلَوْ نَقَضَ) الْمُعْتَرِضُ (دَلِيلَهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (عَيْنًا فَالْجَدَلِيُّونَ لَا يُسْمَعُ) هَذَا مِنْ الْمُعْتَرِضِ (لِسَلَامَةِ الْعِلَّةِ إذْ نَقَضُهُ) أَيْ دَلِيلِهَا الْمُعَيَّن (لَيْسَ نَقْضَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ فَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ نَقْضِهَا إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا (وَنَظَرَ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ سَمَاعِهِ وَالنَّاظِرُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِأَنَّ بُطْلَانَهُ) أَيْ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ (بُطْلَانُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِهَا إذْ لَا بُدَّ لَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مِنْ مَسْلَكٍ صَحِيحٍ وَهُوَ) أَيْ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ (مَطْلُوبُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِهَا عَدَمَ ثُبُوتِهَا (فَبُطْلَانُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ) أَيْ بُطْلَانُهَا (لَكِنَّهُ) أَيْ بُطْلَانَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ (يُحْوِجُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (إلَى الِانْتِقَالِ إلَى) دَلِيلٍ (آخَرَ لِإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ (وَيُجِيبُ) الْمُسْتَدِلُّ (أَيْضًا) عِوَضًا عَنْ مَنْعِ وُجُودِهَا (بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اتِّفَاقًا (وَلِلْمُعْتَرِضِ الدَّلَالَةُ) أَيْ إقَامَةُ الدَّلِيلِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ (فِي الْمُخْتَارِ) إذْ بِهِ يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُ وَهُوَ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى مِنْ النَّقْضِ بِالْقَدْحِ وَإِلَّا سُمِعَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ (وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ عَنْ النَّقْضِ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ (فِي الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ يَجِبُ) الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَيَذْكُرُ قَيْدًا يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ لِئَلَّا تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي.

(وَقِيلَ) يَجِبُ (إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ) وَهِيَ الصُّوَرُ الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْحُكْمُ وَتُوجَدُ الْعِلَّةُ أَيَّةَ كَانَتْ مِنْ الْعِلَلِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ وُرُودَ النَّقْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ كَانَ مُجَامِعًا لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا قِيَاسَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاقِضُ بِهِ (كَالْعَرَايَا

ص: 264

عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إذَا وَرَدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ لِأَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ الْعَرَايَا بِمَا يَقْتَضِي وُرُودَهَا عَلَى كُلِّ الْمَذَاهِبِ سَوَاءٌ عُلِّلَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ أَوْ الْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ بِقَدْرِ كَيْلِهِ مِنْ التَّمْرِ خَرْصًا لَوْ جَفَّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْعَطِيَّةَ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُعْرِي وَالْمُعْرَى بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَهُمْ (لَنَا أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (أَتَمَّ الدَّلِيلَ إذْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ) لَهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلِ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الِاحْتِرَاسَ عَنْهُ بِذِكْرِ قَيْدٍ يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ (لَا يُفِيدُ) دَفْعَ الِاعْتِرَاضِ بِالنَّقْضِ (إذْ يَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْقَيْدُ طَرْدٌ وَالْبَاقِي) بَعْدَهُ (مُنْتَقَضٌ وَهَذَانِ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ (دَفْعَانِ) لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ (وَالْجَوَابُ الْحَقِيقِيُّ بَعْدَ الْوُرُودِ) أَيْ تَحَقُّقِهِ (بِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ (مُعَارَضٌ اقْتَضَى نَقِيضَ الْحُكْمِ) الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ (فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ كَنَفْيِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ (أَوْ) اقْتَضَى (خِلَافَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُغَايِرُ الْوُجُودِيُّ غَيْرُ الْمُسَاوِي فَيَتَنَاوَلُ الضِّدَّ وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ (

لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ

كَالْعَرَايَا لَوْ أُورِدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ لَهُمْ وَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ ثَمَنٌ آخَرُ.

(وَكَذَا الدِّيَةُ) أَيْ كَضَرْبِهَا (عَلَى الْعَاقِلَةِ) إذَا أُورِدَ (عَلَى الزَّجْرِ) لِلْقَاتِلِ بِسَبَبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا (

لِمَصْلَحَةِ أَوْلِيَائِهِ

) أَيْ الْمَقْتُولِ (مَعَ عَدَمِ تَحْمِيلِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ شَيْئًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَتْلَ (لِلشَّافِعِيَّةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِمْ لِأَنَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُؤَدِّي الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ (أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ كَالِاضْطِرَارِ لَوْ وَرَدَ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ فَإِنَّهُ) أَيْ الِاضْطِرَارَ (اقْتَضَى خِلَافَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ (مِنْ الْإِبَاحَةِ) فَإِنَّ دَفْعَ هَلَاكِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ الْقَاذُورَاتِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ (فَلَوْ كَانَتْ) الْعِلَّةُ (مَنْصُوصَةً بِ) ظَاهِرٍ (عَامٍّ) لَا يَجِبُ إبْدَاءُ الْمَانِعِ بِعَيْنِهِ بَلْ (وَجَبَ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الظَّاهِرِ الْعَامِّ (بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَهَذَا) أَيْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ (إذَا كَانَ النَّصُّ عَلَى اسْتِلْزَامِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ (فِي الْمَحَالِّ لَا عَلَى عِلِّيَّتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِيهَا) أَيْ الْمَحَالِّ (إذْ لَا تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهَا بِالْمَانِعِ أَوْ) كَانَتْ مَنْصُوصَةً (بِخَاصٍّ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (وَجَبَ تَقْدِيرُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (فَقَطْ وَالْحُكْمُ بِعِلِّيَّتِهَا فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ (أَمَّا مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَبِعَدَمِ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ أَيْ يُجِيبُونَ بِهَذَا بَدَلَ إبْدَاءِ الْمَانِعِ (إذْ هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (الْبَاعِثَةُ) عَلَى الْحُكْمِ (مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الْمَانِعِ (فَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ (شَرْطُ عِلِّيَّتِهَا وَغَيْرُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِتَخْصِيصِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ عَدَمُ الْمَانِعِ (شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (مَا فِيهِ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْهُ.

(وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) قَالُوا (لَا يُمْكِنُ دَفْعُ النَّقْضِ عَنْ الطَّرْدِيَّةِ) لِأَنَّهُ يُبْطِلُهَا حَقِيقَةً (إذْ الِاطِّرَادُ لَا يَبْقَى بَعْدَ النَّقْضِ) كَمَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْكَشْفِ وَهِيَ أَيْ الْمُنَاقَضَةُ تُلْجِئُ أَصْحَابَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ لِأَنَّ الطَّرْدَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجِيبُ لَمَّا انْتَقَضَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّقْضِ لَا يَجِدُ الْمُجِيبُ بُدًّا مِنْ الْمَخْلَصِ عَنْهُ إلَّا بِبَيَانِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ وُرُودِهِ نَقْضًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الطَّرْدِ إلَى بَيَانِ الْمَعْنَى وَهَذَا إنْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ انْقِطَاعًا أَوْ سَامَحَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ فِي الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ وَالتَّأْثِيرِ فَأَمَّا إذَا جُعِلَ انْقِطَاعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَلَمْ يُسَامِحْهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ احْتَجَجْت عَلَيَّ بِاطِّرَادِ هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِمَا أَوْرَدْته فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً فَلَا يَنْفَعُهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَرْقِ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِقَالٌ عَنْ حُجَّةٍ هِيَ الطَّرْدُ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّأْثِيرُ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ فَيَضْطَرُّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّأْثِيرِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الطَّرْدِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْمَجَالِسِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ إمْكَانِ دَفْعِ النَّقْضِ عَنْهَا (بَعْدَ كَوْنِهِ عَلَى) تَقْدِيرِ (النَّقْضِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعُرِفَ مَا فِيهِ) حَيْثُ قَالَ سَالِفًا وَعَلَى الطَّرْدِيَّةِ تَرِدُ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ الْعِلِّيَّةَ لِإِنْكَارِ

ص: 265

ظَنِّهِ لَا عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَخْ (بِنَاءً عَلَى قَصْرِ الطَّرْدِيَّةِ عَلَى مَا) يُكْتَفَى فِيهَا (بِالدَّوَرَانِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَقَطْ أَوْ عَدَمًا (وَلَا وَجْهَ لَهُ) أَيْ لِقَصْرِهَا عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ (بَلْ) الطَّرْدِيَّةُ هِيَ (غَيْرُ الْمُؤَثِّرَةِ) فَتَعُمُّ الْمُنَاسِبَ وَالْمُلَائِمَ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ.

(وَعَلَى) تَقْدِيرِ (الْوُرُودِ) لِلنَّقْضِ عَلَى الطَّرْدِيَّةِ لِجَوَازِهِ كَمَا سَلَفَ (يُحْوِجُ) وُرُودُهُ (إلَى التَّأْثِيرِ كَطَهَارَةٍ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ (فَيَشْتَرِطُ لَهَا النِّيَّةَ كَالتَّيَمُّمِ فَيُنْقَضُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ) مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ النِّيَّةَ (فَيُفَرَّقُ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّهَا) أَيْ الطَّهَارَةَ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ (غَيْرُ مَعْقُولَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي مَحَلِّهَا نَجَاسَةٌ (فَكَانَتْ مُتَعَبَّدًا بِهَا فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ الْعِبَادَةُ لَا تُنَالُ بِدُونِ النِّيَّةِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ غَسْلِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ (لِعَقْلِيَّةِ قَصْدِ الْإِزَالَةِ) لِلنَّجَاسَةِ بِهِ لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ (وَبِالِاسْتِعْمَالِ) لِلْمَائِعِ الْقَالِعِ الطَّاهِرِ فِيهِ (تَحْصُلُ) الْإِزَالَةُ (فَلَمْ يَفْتَقِرْ) غَسْلُهُ إلَى النِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ مَا يَدْفَعُ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيِّ (وَأَمَّا) الْعِلَلُ (الْمُؤَثِّرَةُ فَتَقَدَّمَ صِحَّةُ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَيْهَا) بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُجِيبِ كَوْنَهَا عِلَّةً مُؤَثِّرَةً لَا عَلَى كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَحَيْثُ وَرَدَ) النَّقْضُ صُورَةً عَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ مُفْسِدَاتِهَا كَمَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْحُكْمِ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ أَوْ زَوَالِ شَرْطٍ فَقَدْ (دُفِعَ بِأَرْبَعٍ إبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ) فِي صُورَةِ النَّقْضِ (كَخَارِجٍ نَجِسٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ (مِنْ الْبَدَنِ فَحَدَثٌ كَمَا فِي السَّبِيلَيْنِ فَيُنْقَضُ بِمَا لَمْ يَسِلْ) مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ مِنْ الْبَدَنِ (فَيُدْفَعُ) النَّقْضُ بِهِ (بِعَدَمِ الْخُرُوجِ) فِي الْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخُرُوجَ (بِالِانْتِقَالِ) مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِ السَّائِلِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ (وَمِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ) لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (عِلَّةُ مِلْكِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (فَيُنْقَضُ بِالْمُدَبَّرِ) فَإِنَّ غَصْبَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ بَدَّلَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ وَلَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (فَيُمْنَعُ مِلْكُ بَدَلِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بَلْ) هُوَ (بَدَلُ الْيَدِ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ بَلْ عَنْ الْيَدِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ مِلْكِ الْبَدَلِ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ لِلْغَاصِبِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ وَهِيَ كَوْنُ الْغَصْبِ سَبَبَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ التَّمْثِيلِ لَهُ (وَيُمْنَعُ وُجُودُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ صَارَ) الْوَصْفُ (عِلَّةً) وَذَلِكَ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ (فَيَنْتَفِي) وُجُودُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعْنًى.

(وَإِنْ وُجِدَ) الْمَعْنَى (صُورَةً كَمَسْحٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحٌ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ فَيَنْتَقِضُ بِالِاسْتِنْجَاءِ) بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَالْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْنُونًا فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَقَعُ تَثْلِيثُهُ سُنَّةً بِالْإِجْمَاعِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ (فَيُمْنَعُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِنْجَاءِ (الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ) الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ (التَّطْهِيرُ الْحُكْمِيُّ) لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ تَطْهِيرٌ حَقِيقِيٌّ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَسْحَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ (لَمْ يُسَنَّ) التَّكْرَارُ فِيهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْرَارَ (لِتَأْكِيدِ التَّطْهِيرِ الْمَعْقُولِ) الْمَعْنَى وَهُوَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ (لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ) وَتَأَكُّدِهَا بِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّطْهِيرُ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى ثَابِتٌ (فِي الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ (دُونَهُ) أَيْ مَسْحِ الرَّأْسِ (كَمَا فِي التَّيَمُّمِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا كَانَ الْغَسْلُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَفْضَلَ بِخِلَافِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَوْ أَحْدَثَ بِالرِّيحِ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً ثُمَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلْمَسْحِ مِمَّا يُشِيرُ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ

ص: 266

الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ.

هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهَتَهُ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلَ وَهَذَا ثَانِي الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ (وَيُمْنَعُ التَّخَلُّفُ) لِلْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالْقَوْلُ بِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ فِيهَا (كَمَا إذَا نُقِضَ) الْمِثَالُ (الْأَوَّلُ) لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ (بِالْجُرْحِ السَّائِلِ) فَإِنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِيهِ بِدُونِ الْحَدَثِ (فَيُمْنَعُ كَوْنُهُ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِيهِ (لَيْسَ حَدَثًا بَلْ هُوَ) حَدَثٌ (وَتَأَخَّرَ حُكْمُهُ) الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ (إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِهِ (أَوْ الْفَرَاغِ) مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ (ضَرُورَةَ الْأَدَاءِ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَائِهَا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا وَلَا قُدْرَةَ إلَّا بِسُقُوطِ حُكْمِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَلِذَا) أَيْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (لَمْ يَجُزْ مَسْحُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ (خُفَّهُ إذَا لَبِسَهُ فِي الْوَقْتِ مَعَ السَّيَلَانِ) أَوْ كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ اللُّبْسِ (بَعْدَ خُرُوجِهِ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ خُرُوجُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ إجْمَاعًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَانِعٍ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ وَاللُّبْسُ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ بَعْدَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ثَالِثُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ.

قُلْت وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِمَعْنَى هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الدَّفْعِ فَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشْفِ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَخَلَّفْ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ وَلَا تَخْصِيصَ لِلْعِلَّةِ بِدُونِ وُجُودِهَا وَانْتِفَاءِ حُكْمِهَا لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَبِالْغَرَضِ) الْمَطْلُوبِ بِالتَّعْلِيلِ (فَيَقُولُ) الْمُسْتَدِلُّ (فِي الْمِثَالِ) الْأَوَّلِ لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ (غَرَضِي بِهَذَا التَّعْلِيلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِ فِي كَوْنِهِمَا) أَيْ الْخَارِجِ مِنْهُ وَالْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ (حَدَثًا وَإِذَا لَزِمَا) أَيْ اسْتَمَرَّا (صَارَ عَفْوًا) بِأَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ضَرُورَةَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فَإِنَّ الْبَوْلَ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (كَذَلِكَ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى (فَوَجَبَ فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْجُرْحِ السَّائِلِ (مِثْلُهُ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِلَّا لَكَانَ الْفَرْعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا الْحُكْمُ وَكَمَا أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِي الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْأَصْلِ فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا رَابِعُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ (وَحَاصِلُ الثَّانِي الِاسْتِدْلَال عَلَى انْتِفَائِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (إذْ هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (بِمَعْنَاهَا لَا بِمُجَرَّدِ صُورَتِهَا) وَالرَّابِعُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ رَاجِعٌ إلَى مَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ يَدَّعِي أَمْرَيْنِ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ الدَّفْعُ لِلنَّقْضِ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ فَقَدْ بَطَلَتْ.

(وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ نَقْضَ الْحِكْمَةِ وَيُسَمُّونَهُ كَسْرًا وَتَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (الْخِلَافُ فِي قَبُولِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (قَبُولُهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِرُجْحَانِ) الْحِكْمَةِ (الْمَنْقُوضَةِ) فِي مَحَلِّ النَّقْضِ عَلَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ (أَوْ مُسَاوَاتِهَا) أَيْ الْمَنْقُوضَةِ لَهَا إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ آخَرَ أَلْيَقُ بِهَا فَيُسْمَعُ حِينَئِذٍ (وَحَقَّقْنَا ثَمَّةَ خِلَافَهُ) أَيْ هُوَ الْمُخْتَارُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ وَإِنْ عَلِمَ رُجْحَانَ الْمَنْقُوضَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ بِكْرٍ زَانِيَةٍ اُشْتُهِرَ زِنَاهَا وَإِنْ كَانَ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ حَيَاءِ بِكْرٍ لَمْ تَزْنِ (ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ هُنَا) أَيْ فِي الْكَسْرِ (عَلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ) أَيْ الْكَسْرِ (أَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَنْعِ وُجُودِهَا (فِي النَّقْضِ) لِأَنَّ قَدْرَ الْحِكْمَةِ مُتَفَاوِتٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ مَا هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ نَفْسِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ هُنَا قَدْ يُدْفَعُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ هُوَ أَوْلَى بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ حَيْثُ يُسْمَعُ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النَّقْضِ مِنْ أَنَّهُ يُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ ثَلَاثَةٍ مِمَّا مَضَى بِمَنْعِ وُجُودِ الْمَعْنَى فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوَّلًا وَبِمَنْعِ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْ لَا يَتَحَقَّقَ ثَانِيًا

ص: 267

وَبِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ ثَالِثًا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ الْمَاضِيَةُ وَعَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ فِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَهَلْ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكَسْرِ فِي مَتْنِ الِاسْتِدْلَالِ؟ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا وَقَدَّمْنَا مُرَادَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ بِالْكَسْرِ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.

(خَامِسُهَا) أَيْ الْمُنُوعِ الْمُورَدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (فَسَادُ الْوَضْعِ) وَهُوَ (أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَجْهٍ إذْ قَدْ يَجْتَمِعُ ثُبُوتُ اعْتِبَارِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْوَضْعِ (مَعَ مُعَارَضَةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) لِذَلِكَ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ (وَلَا يَخْفَى الْآخَرَانِ) أَيْ انْفِرَادُ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهَا فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ عَنْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَبِالْعَكْسِ وَقِيلَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا لِفَسَادٍ فِي وَضْعِهِ وَتَرْكِيبِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ فَقَطْ فَعَلَى هَذَا كُلُّ فَاسِدِ الْوَضْعِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَيَكُونُ فَاسِدُ الْوَضْعِ أَخَصَّ مُطْلَقًا مِنْ فَاسِدِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَيُفَارِقُ) فَسَادُ الْوَضْعِ (النَّقْضَ بِتَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ (فِي النَّقِيضِ) فَإِنَّ الْوَصْفَ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ النَّقِيضَ بِخِلَافِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِثُبُوتِهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّقِيضُ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَ) يُفَارِقُ (الْقَلْبَ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ (بِأَصْلٍ آخَرَ) وَفِي الْقَلْبِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ.

(وَ) يُفَارِقُ (الْقَدْحَ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِمُنَاسَبَتِهِ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ (نَقِيضَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) إمَّا مُنَاسِبٌ لِنَقِيضِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَصْلَحَةِ (إذَا كَانَ) التَّنَاسُبُ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ فَتَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (بِخِلَافِهِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ التَّنَاسُبُ لِلنَّقِيضِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ (إذَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْوَصْفِ (جِهَتَانِ) يُنَاسِبُ بِإِحْدَاهُمَا الْحُكْمَ وَبِالْأُخْرَى نَقِيضَهُ (كَكَوْنِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ (مُشْتَهًى) لِلنُّفُوسِ (يُنَاسِبُ الْإِبَاحَةَ) لِنِكَاحِهِ (لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالتَّحْرِيمَ لِقَطْعِ الطَّمَعِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُنَاسَبَةِ حِينَئِذٍ لِجَوَازِ تَعْلِيلِ الضِّدَّيْنِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ إذْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ عِلَّةُ هَذَا غَيْرُ عِلَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ نَقْضٌ فَإِنْ زِيدَ ثُبُوتُ النَّقِيضِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَفَسَادُ الْوَضْعِ وَإِنْ زِيدَ عَلَى الْفَسَادِ كَوْنُهُ بِهِ فِي أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ فَقَلْبٌ وَأَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ فِي أَصْلٍ فَالْمُنَاسَبَةُ فَإِنْ نَاسَبَتْ الْحُكْمَ وَنَقِيضَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ قَدْحًا فِيهَا وَمِنْ جِهَتَيْنِ لَا (مِثَالُهُ) أَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي التَّيَمُّمِ (مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُرَدُّ) أَنْ يُقَالَ الْمَسْحُ لِإِثْبَاتِ التَّكْرَارِ فَاسِدُ الْوَضْعِ إذْ الْمَسْحُ (مُعْتَبَرٌ فِي كَرَاهَتِهِ) أَيْ التَّكْرَارِ (كَالْخُفِّ) فَإِنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (بِالْمَانِعِ) أَيْ بِبَيَانِ وُجُودِ الْمَانِعِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْخُفِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمُعْتَرِضِ أَيْ بِذِكْرِ (فَسَادِهِ) أَيْ إنَّمَا كُرِهَ التَّكْرَارُ فِي الْخُفِّ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ (وَ) مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ إضَافَةُ الشَّافِعِيِّ الْفُرْقَةَ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى (إلَى إسْلَامِ الزَّوْجَةِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (اُعْتُبِرَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ) كَمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ السَّالِفِ فِي بَحْثِ التَّأْثِيرِ قُلْت وَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(فَالْوَجْهُ) إضَافَةُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا (إلَى إبَائِهِ) أَيْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِإِضَافَةِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَهُوَ رَأْسُ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَيْضًا (وَكَقَوْلِهِ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَنَّهَا الطُّعْمُ إذْ (الْمَطْعُومُ ذُو خَطَرٍ) أَيْ عِزَّةٍ وَشَرَفٍ لِتَعَلُّقِ قِوَامِ النَّفْسِ وَبَقَاءِ الشَّخْصِ بِهِ وَالْحُرْمَةُ لِلشَّيْءِ تُشْعِرُ بِتَضْيِيقِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُوَ أَمَارَةُ الْخَطَرِ لِأَنَّ مَا ضَاقَ إلَيْهِ الْوُصُولُ عَزَّ فِي الْأَعْيُنِ إذَا أُصِيبَ وَإِذَا اتَّسَعَ

ص: 268

الْوُصُولُ إلَيْهِ هَانَ فِي الْأَعْيُنِ (فَيُزَادُ فِيهِ) أَيْ فِي تَمَلُّكِهِ (شَرْطُ التَّقَابُضِ) إظْهَارًا لِلْخَطَرِ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِيلَاءً عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النَّوْعِ بِهِ شُرِطَ لِجَوَازِهِ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَهُوَ حُضُورُ الشُّهُودِ (فَيُرَدُّ اعْتِبَارُ مِسَاسِ الْحَاجَةِ) إلَى الشَّيْءِ إنَّمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا (فِي التَّوْسِعَةِ) وَالْإِطْلَاقِ لَا فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّضْيِيقِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَجَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِتَسْهِيلِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَى كُلِّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسَّ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْحُرِّ وَالْحُرِّيَّةُ تُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَالْخُلُوصُ يَمْنَعُ وُرُودَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ نَوْعُ رِقٍّ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَكِنْ ثَبَتَ الْحِلُّ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ وَمَا ثَبَتَ بِالْعَارِضِ يَجُوزُ تَوَقُّفُهُ عَلَى أَشْيَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي تَمَلُّكِ الْمَطْعُومِ عَلَى كَوْنِهِ ذَا خَطَرٍ فَسَادَ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ نَقِيضُ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالتَّيْسِيرِ ثُمَّ هَذَا الْمَنْعُ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ بِكُلِّيَّتِهَا وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ فَهُوَ فَوْقَ النَّقْضِ.

(سَادِسُهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ) وَهِيَ (أَنْ يُبْدِيَ) الْمُعْتَرِضُ (فِيهِ وَصْفًا آخَرَ صَالِحًا) لِلْعِلِّيَّةِ (يَحْتَمِلُ أَنَّهُ) وَحْدَهُ (الْعِلَّةُ) وَأَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِقَسِيمِهِ أَعْنِي (أَوْ) أَنَّهُ (مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) الْعِلَّةَ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنَّهُ الْعِلَّةُ أَوْ أَنَّهُ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةُ (مُعَارَضَةُ الطُّعْمِ بِالْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ بِأَحَدِهِمَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ هُوَ الْعِلَّةُ وَحْدَهُ أَوْ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْقُوتِ أَوْ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْكَيْلِ (وَالثَّانِي) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةَ (الْجَارِحُ لِلْقَتْلِ) الْعَمْدِ (الْعُدْوَانِ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ الْقِصَاصَ فِي الْمُحَدَّدِ بِكَوْنِهِ قَتْلًا عَمْدًا عُدْوَانًا بِكَوْنِهِ بِالْجَارِحِ (لِنَفْيِ الْمُثَقَّلِ) أَيْ الْقِصَاصَ بِالْقَتْلِ بِهِ كَالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الْجُرْحِ مِنْ الْقَتْلِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِلَّةً لِلْقِصَاصِ وَالْجَارِحُ لَا يَصْلُحُ سِوَى أَنْ يَكُونَ هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ.

(وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ (فِي الْمَذْهَبَيْنِ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (وَالْمُخْتَارُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَبُولُهُ لِتَحَكُّمِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ الْمُبْدِي (مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْمُبْدَى لَهُ) أَيْ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْعِلِّيَّةِ (وَلِلْجُزْئِيَّةِ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ جُزْءَ الْعِلَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنْ قِيلَ لَا تَحَكُّمَ مَعَ الرُّجْحَانِ وَوَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ رَاجِحٌ إذْ فِي اعْتِبَارِهِ دُونَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ تَوْسِعَةٌ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْفَرْعِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ لَمْ يَتَعَدَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّجْحَانَ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ مَمْنُوعٌ (وَلَا يُرَجَّحُ) لِكَوْنِهِ عِلَّةً (بِالتَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ حُصُولَ التَّوْسِعَةِ (مُرَجِّحٌ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ هُنَا (وَلَوْ سَلِمَ) أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ (فَمُعَارَضٌ بِمَا يُرَجِّحُ وَصْفَ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ) أَيْ الْمُعَارِضُ (مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ) وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ (بِالِانْتِفَاءِ) لِلْحُكْمِ (فِي الْفَرْعِ وَ) الْمُخْتَارُ (لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ (وَيُسَمُّونَهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ (الْمُفَارَقَةَ فَإِنْ كَانَ) الْفَرْقُ (صَحِيحًا فَلْيُجْعَلْ مُمَانَعَةً لِيُقْبَلَ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمُمَانَعَةَ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ فِقْهُ الرَّجُلِ (فَفِي إعْتَاقِ عَبْدِ الرَّهْنِ) أَيْ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ (تَصَرُّفٌ لَاقَى حَقَّ الْمُرْتَهِنِ) بِالْإِبْطَالِ بِدُونِ رِضَاهُ (فَيَبْطُلُ كَبَيْعِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا إذْنِهِ (لَوْ قَالَ) الْحَنَفِيُّ (هِيَ) أَيْ الْعِلَّةُ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْبَيْعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ) بَعْدَ وُقُوعِهِ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ فَسْخِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ لَكَانَ فِقْهًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إذَا (لَمْ يُقْبَلْ) لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْفَرْقِ وَهُوَ السَّائِلُ (فَلْيُقَلْ إنْ ادَّعَيْت حُكْمَ الْأَصْلِ) أَيْ بَيْعَ الْعَبْدِ الرَّهْنَ (الْبُطْلَانَ مَنَعْنَاهُ) أَيْ كَوْنَ

ص: 269

حُكْمِهِ الْبُطْلَانَ.

(أَوْ) ادَّعَيْت حُكْمَهُ (التَّوَقُّفَ) عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ (فَغَيْرُ حُكْمِك فِي الْفَرْعِ) بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ ابْتِدَاءُ حُكْمِ الْأَصْلِ التَّوَقُّفُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ لَكَفَى (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمُخْتَارِ نَفْيَ قَبُولِهِ (لِأَنَّهُ غَصْبٌ) لِمَنْصِبِ التَّعْلِيلِ وَالسَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُعَلِّلًا مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً (وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُبْدِي وَحْدَهُ (الْعِلَّةَ أَوْ مَعَ مَا ذَكَرَ) الْمُسْتَدِلُّ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (مَنْعُ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ (وَتَسْمِيَتُهُ مُعَارَضَةً تَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (إذَا أُطْلِقَتْ) الْمُعَارَضَةُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ (فَمَا فِي الْفَرْعِ) أَيْ فَالْمَعْنَى بِهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ (وَهَذِهِ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ تُذْكَرُ (بِقَيْدٍ) هُوَ فِي الْأَصْلِ (وَإِذَا رَدَّ النَّقْضَ إلَى الْمَنْعِ) كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِهِ (فَهَذَا) أَيْ رَدُّ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ إلَى الْمَنْعِ (أَوْلَى) مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي النَّقْضِ مُسْتَدِلٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ بِالتَّخَلُّفِ وَهُنَا يُجَوِّزُ الْمُبْدِي تَجْوِيزًا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ سَاعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ.

(قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (وَلِجَوَازِ عِلَّتَيْنِ فِي الْأَصْلِ تَعَدَّى بِكُلٍّ) مِنْهُمَا (إلَى مَحَلِّهَا) الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْأُخْرَى فِيهِ (فَعَدَمُ إحْدَاهُمَا) بِعَيْنِهَا (فِي مَحَلٍّ لَا يَنْفِي) كَوْنَ (الْأُخْرَى) عِلَّةً لِحُكْمِهَا الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ وُجِدَتْ فِيهِ (وَهَذَا) الْوَجْهُ (يَقْتَصِرُ) أَيْ يُفِيدُ اقْتِصَارَ نَفْيِ الْقَبُولِ (عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ) مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ (دُونَ تَجْوِيزِ جُزْئِيَّتِهِ) أَيْ الْمُبْدِي لِلْعِلَّةِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ (فَالْحَقُّ إنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْمَذْكُورَتَيْنِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ بِالِاسْتِقْلَالِ (كَعِلَّةِ الرِّبَا) أَهِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ أَوْ الطُّعْمُ أَوْ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ (قُبِلَ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ لِلتَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ (لَا) يُقْبَلُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْلَالِ لِإِحْدَاهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ الْمُخْتَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ الثَّابِتُ (بِالِاسْتِقْرَاءِ مَبَاحِثُ الصَّحَابَةِ جَمْعٌ) أَيْ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا (وَفَرْقٌ) أَيْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْأَصْلِ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُخْتَصٍّ بِالْأَصْلِ وَالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْمُخْتَصُّ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ إبْدَاءِ وَصْفٍ فَارِقٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ فِي مُعَارَضَةِ وَصْفٍ جَامِعٍ اعْتَبَرَهُ الْمُعَلِّلُ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ وَيُتْرَكُ بِهِ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَبُولِ الْمُعَارَضَةِ سِوَى هَذَا (لَا يَمَسُّهُ) أَيْ الْقَبُولَ عَلَى الْعُمُومِ (إلَّا إنْ انْفَلَّتْ) مَبَاحِثُهُمْ جَمْعًا وَفَرْقًا (عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يُمْكِنُ) نَقْلُهَا كَذَلِكَ.

(وَعَلَى قَبُولِهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ أَنَّ وَصْفَهُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضًا مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ فَأَحَدُهَا يَلْزَمُهُ لِيَنْفَعَهُ دَعْوَى التَّعْلِيلِ بِهِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ تَنْتَفِ الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ وَيَحْصُلُ مَطْلُوبُ الْمُسْتَدِلِّ فَثَانِيهَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ عَدَمُ اسْتِقْلَالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَهُ وَهَذَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إبْدَائِهِ (فَثَالِثُهَا) الَّذِي هُوَ (الْمُخْتَارُ لَا يَلْزَمُ) الْمُعْتَرِضَ (بَيَانُ انْتِفَائِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي فِي الْأَصْلِ مُعَارِضًا (عَنْ الْفَرْعِ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءَهُ فِي الْفَرْعِ (لِأَنَّ مَقْصُودَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ضِدِّهِ) أَيْ صَرْفِ الْمُسْتَدِلِّ (عَنْ التَّعْلِيلِ) بِذَلِكَ (لِيَنْتَفِيَ لُزُومُهُ) أَيْ بَيَانُ انْتِفَائِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (وَلَا نَفَى حُكْمَهُ) أَيْ وَلَمْ يَنْحَصِرْ فِي نَفْيِ حُكْمِهِ (فِي الْفَرْعِ لِيَلْزَمَ) بَيَانُ انْتِفَائِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي (بَلْ قَدْ) يَكُونُ مَقْصُودُ الْمُعْتَرِضِ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ.

(وَقَدْ) يَكُونُ مَقْصُودُهُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ (فَإِذَا ادَّعَاهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءً كَأَنْ قَالَ هَذَا الْوَصْفُ الْآخَرُ الصَّالِحُ فِي الْأَصْلِ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (إثْبَاتُهُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا

ص: 270

فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ ذِكْرُ أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ حَتَّى يُقْبَلَ مِنْهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِدُونِ الِاقْتِرَانِ لَا تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ (وَ) الْمُخْتَارُ (لَا) يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ (ذِكْرُهُ أَصْلًا لَوَصْفِهِ) الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ (كَمُعَارَضَةِ الِاقْتِيَاتِ بِالطُّعْمِ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ الطُّعْمُ لَا الْقُوتُ (كَمَا فِي الْمِلْحِ) فَإِنَّهُ طُعْمٌ وَلَيْسَ بِقُوتٍ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَمْ يَدَعْهُ) أَيْ كَوْنَ وَصْفِهِ عِلَّةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ (إنَّمَا جَوَّزَ مَا ذَكَرَ) مِنْ كَوْنِ وَصْفِهِ عِلَّةً أَوْ جُزْأَهَا (لِيَلْزَمَ) الْمُسْتَدِلَّ (التَّحَكُّمُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً دُونَ وَصْفِهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ (وَأَيْضًا يَكْفِيهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ فِي وَصْفِهِ الْمُبْدِي (أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ) إذْ أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ وَصْفِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُعَارَضْ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (جَازَ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ هُمَا) عِلَّةً (كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ وَجَوَابُهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ (عَلَى الْقَبُولِ بِمَنْعِ وُجُودِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمْ أَنَّهُ مَكِيلٌ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ.

(أَوْ) مَنْعِ (تَأْثِيرِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ (إنْ كَانَ) وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ عِلِّيَّتُهُ (لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُسْتَدِلُّ أَوْ أَثْبَتَهُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِمَا) أَيْ بِأَيِّ طَرِيقٍ (كَانَ وَتَقْيِيدُ سَمَاعِهِ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَرِضِ بِتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ (مِنْ الْمُسْتَدِلِّ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ أَثْبَتَ وَصْفَهُ) أَيْ عِلِّيَّتَهُ (بِالْمُنَاسَبَةِ وَنَحْوِهَا) أَيْ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا لَمْ تُعَارَضْ بِمُنَاسَبَةٍ أُخْرَى (لَا) إذَا أَثْبَتَ وَصْفَهُ (بِالسَّبْرِ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُنَاسِبًا وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْمُنَاسَبَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْخَارِجِ عَلَى مَا يَعُمُّ الشَّبَهَ فَتَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ مُحْتَمِلٌ لِلْعِلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ مُنَاسَبَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (تَحَكُّمٌ لِأَنَّ ذَاكَ) الْمُثْبَتَ بِمَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ (وَصْفُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (وَهَذَا) الْمُبْدِي وَصْفٌ (آخَرُ مُجَوَّزٌ) أَيْ جَوَّزَهُ الْمُعْتَرِضُ وَقَدْ (دَفَعَهُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ (عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ) عَلَى الْمُعْتَرِضِ بِمَا شَاءَ (فَبِالْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ وَكَذَا بِالسَّبْرِ لِأَنَّ مَا أَفَادَ الْعِلِّيَّةَ أَفَادَ الْمُنَاسَبَةَ إذْ هِيَ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ (لَازِمُ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ) فَمَا أَفَادَهَا أَفَادَهَا (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إبْدَاؤُهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (فِي السَّبْرِ وَنَحْوِهِ وَلِذَا) أَيْ عَدَمِ لُزُومِ إبْدَائِهَا فِيهِ (عُورِضَ الْمُسْتَبْقَى فِيهِ) أَيْ السَّبْرُ (لِعَدَمِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (وَقِيلَ الْمَعْنَى) لِلْمُسْتَدِلِّ مُطَالَبَةُ الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ وَصْفِهِ مُؤَثِّرًا (إذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ) كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَهُوَ خَبْطٌ إذْ بِفَرْضِ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِهَا) أَيْ بِالْمُنَاسَبَةِ (كَيْفَ يَمْنَعُ) الْمُسْتَدِلُّ (التَّأْثِيرَ وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ (هِيَ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ (إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ) أَيْ التَّأْثِيرِ (عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فِيهِ) أَيْ فِي التَّأْثِيرِ (وَهُوَ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ) إثْبَاتُ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهَذَا (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (بَعْدَ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بِالْفَرْضِ نَعَمْ) يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ بِالتَّأْثِيرِ (لَوْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ حَنَفِيًّا فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَالتَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ (إنْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمُنَاسَبَةِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ) الْمَاضِيَةِ فِي بَحْثِ التَّأْثِيرِ.

(وَلَا يَصِحُّ) مِمَّنْ أَثْبَتَ وَصْفَهُ بِالسَّبْرِ مُسْتَدِلًّا كَانَ أَوْ مُعْتَرِضًا التَّرْجِيحُ (بِتَرْجِيحِ السَّبْرِ) عَلَى الْمُنَاسَبَةِ (لِتَعَرُّضِهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَعَرُّضِ السَّبْرِ (لِنَفْيِ غَيْرِهِ وَ) لَا (بِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ) وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ تَعَرُّضَهُ لِنَفْيٍ غَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ مُرَجَّحًا (بَعْدَ ظُهُورِ شَرْطِهِ) أَيْ السَّبْرِ وَهُوَ مُنَاسَبَةُ الْمُسْتَبْقَى لِأَنَّ شَرْطَ كُلِّ عِلَّةٍ مُنَاسَبَتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُهَا عَلَى الْمُعَلِّلِ فِي كُلِّ إثْبَاتٍ لِأَنَّ بَعْضَ طُرُقِ الْعِلَّةِ لَا تَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ كَالسَّبْرِ (أَوْ عَدَمِ ظُهُورِ عَدَمِهِ) أَيْ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (أَمَّا مَعَ ظُهُورِهِ) أَيْ عَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ الْمُسْتَبْقَى أَيْضًا غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِيمَا إذَا أَبْدَى وَصْفًا آخَرَ

ص: 271

لِيُبْطِلَ الْحَصْرَ فَقَالَ الْمُعَلِّلُ هَذَا لَمْ أُدْخِلْهُ فِي سَبْرِي لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ (فَلَا) يَتَرَجَّحُ السَّبْرُ (إذْ لَا يُفِيدُ) السَّبْرُ (مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الشَّرْطِ هُوَ (الْمُعْتَرَضُ بِهِ) لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ ظُهُورَ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ بِظُهُورِ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ (أَوْ بَيَانِ خَفَائِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فَهُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَنْعِ وُجُودِهِ أَوْ تَأْثِيرِهِ.

وَكَذَا (أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ أَوْ) مَنْعِ (انْضِبَاطِهِ) أَوْ كُلٍّ مِنْهَا عُطِفَ عَلَى مَا يَلِيهِ إذْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ لِمَا عُلِمَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ اشْتِرَاطُ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ فِي الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَلَا بُدَّ فِي دَعْوَى صُلُوحِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ بَيَانِهِمَا وَالصَّادِرُ عَنْهُمَا إنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهَا وَأَنْ يُطَالِبَ بِبَيَانِ وُجُودِهِمَا (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْمُعَارَضَ بِهِ لَيْسَ وَصْفًا وُجُودِيًّا بَلْ هُوَ (عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ) وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَلَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ (كَالْمُكْرَهِ) أَيْ كَقِيَاسِ الْقَاتِلِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْقَتْلِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ الْقَاتِلِ بِاخْتِيَارِهِ (فِي) وُجُوبِ (الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ فَيُعَارَضُ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (هُوَ) أَيْ الْقَتْلُ (مَعَ الطَّوَاعِيَةِ) فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ فَقَطْ بَلْ بِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ (فَيُجِيبُ) الْمُسْتَدِلُّ (بِأَنَّهَا) أَيْ الطَّوَاعِيَةَ (عَدَمُ الْإِكْرَاهِ لَا الْإِكْرَاهُ الْمُنَاسِبُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ) أَيْ عَدَمُ الْقِصَاصِ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَدَمُ الْمَانِعِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا يُسْنَدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ كَقَوْلِهِ (أَوْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ مُلْغًى إمَّا مُطْلَقًا فِي جِنْسِ الْأَحْكَامِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ أَوْ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ كَالذُّكُورَةِ فِي الْعِتْقِ (بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ (بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» وَقَدَّمْنَا فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ (فِي مُعَارَضَةِ الطُّعْمِ) أَيْ كَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ (بِالْكَيْلِ) بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْحُكْمِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ «وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

(عِنْدَ مُعَارَضَةِ مُطْلِقِهِ) أَيْ التَّبْدِيلِ (بِتَبْدِيلِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ) أَيْ وَكَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى قَتْلِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا تَهَوَّدَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالْمُرْتَدِّ لِتَبْدِيلِهِ دِينَهُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ لِوَصْفِهِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ التَّبْدِيلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ تَبْدِيلُ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَلَوْ قَالَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَمَّ) الْحَدِيثُ (فِي كُلِّ تَبْدِيلٍ) سَوَاءٌ كَانَ تَبْدِيلَ دِينِ حَقٍّ بِبَاطِلٍ أَوْ بَاطِلٍ بِبَاطِلٍ (كَانَ) هَذَا الْقَوْلُ (شَيْئًا آخَرَ) أَيْ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ بِهِ بَلْ وَيَكُونُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ ضَائِعًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ هَذَا نَعَمْ لَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْإِلْغَاءِ الْمَقْبُولِ (انْفِرَادُ الْحُكْمِ عَنْهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي لِلْمُعْتَرِضِ (لِعَدَمِ) اشْتِرَاطِ (الْعَكْسِ) فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ (لَكِنْ يَتِمُّ اسْتِقْلَالُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ) لِكَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَكَوْنُهُ لَغْوًا (وَلِكَوْنِهِ) أَيْ انْفِرَادِ الْحُكْمِ عَنْهُ (لَيْسَ إلْغَاءً لَا يُفِيدُ) الْمُسْتَدِلَّ فِي تَمَامِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِهِ (إبْدَاءُ الْخَلَفِ) أَيْ وَصْفٍ آخَرَ يَخْلُفُ الْوَصْفَ الْمُبْدَيْ أَوَّلًا الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ (مِنْ الْمُعْتَرِضِ) لِئَلَّا يَكُونَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هَذَا تَمَامَ إلْغَائِهِ لِابْتِنَاءِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ اسْتِقْلَالُهُ بِإِبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ قَيْدًا آخَرَ يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَيَبْطُلُ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ.

(وَهُوَ) أَيْ فَسَادُ الْإِلْغَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (تَعَدُّدُ الْوَضْعِ) لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْمُعْتَرِضُ وَصَيْرُورَتِهِ مُعَلَّلًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَضْعٍ أَيْ مَعَ قَيْدٍ (نَحْوُ) أَنْ يُقَالَ فِي صِحَّةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لِلْحَرْبِيِّ (أَمَانٌ) صَادِرٌ (مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ فَيُقْبَلُ كَالْحُرِّ) أَيْ كَأَمَانِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لَهُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ (مَظِنَّتَانِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْأَمَانِ) أَيْ لِإِظْهَارِ مَصْلَحَةٍ بَدَلَ الْأَمَانِ (فَيَعْتَرِضُ بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ مَعَهُمَا) أَيْ الْإِسْلَامِ

ص: 272

وَالْعَقْلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْحُرِّيَّةَ (مَظِنَّةُ التَّفَرُّغِ)

لِلنَّظَرِ فِي مَصْلَحَةِ الْأَمَانِ

لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى (فَنَظَرَهُ) أَيْ الْحُرِّ (أَكْمَلُ) مِنْ نَظَرِ الْعَبْدِ (فَيُلْغِيهَا) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْحُرِّيَّةَ (بِالْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ) أَيْ بِاسْتِقْلَالِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ بِالْأَمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَذِنَ سَيِّدُهُ لَهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ لَهُ الْأَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْإِذْنُ) أَيْ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ (خَلَفَهَا) أَيْ الْحُرِّيَّةَ (لِدَلَالَتِهِ) أَيْ إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ (عَلَى عِلْمِ السَّيِّدِ بِصَلَاحِهِ) لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْأَمَانِ أَوْ قَامَ الْإِذْنُ مَقَامَ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ (فَالْبَاقِي) أَيْ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ (عِلَّةٌ عَلَى وَضْعٍ أَيْ قَيْدِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ هُمَا مَعَهَا (وَآخَرَ) أَيْ وَالْبَاقِي عِلَّةٌ أَيْضًا عَلَى وَضْعٍ آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ مَعَ (الْإِذْنِ وَجَوَابُهُ) أَيْ تَعَدُّدِ الْوَضْعِ (أَنْ يُلْغِيَ) الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ (الْخَلْفَ بِصُورَةٍ لَيْسَ) ذَلِكَ الْخَلْفُ (فِيهَا فَإِنْ أَبْدَى) الْمُعْتَرِضُ (فِيهَا) أَيْ الصُّورَةِ الْمُبْدَاةِ (خَلَفًا) آخَرَ (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ بِإِبْدَائِهِ صُورَةً أُخْرَى لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ الْخَلَفُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا (إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا) إمَّا الْمُسْتَدِلُّ لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ أَوْ الْمُعْتَرِضُ لِعَجْزِهِ عَنْ ثُبُوتِ عِوَضٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَظْهَرُ الرِّجَالُ وَيَتَبَيَّنُ فُرْسَانُ الْجِدَالِ.

(وَلَا يُلْغِي) أَيْ وَلَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ إلْغَاءَ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ (بِضَعْفِ الْحِكْمَةِ إنْ سَلَّمَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَظِنَّةَ) أَيْ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ (كَالرِّدَّةِ عِلَّةُ الْقَتْلِ) فِي قِيَاسِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ بَلْ (مَعَ الرُّجُولِيَّةِ لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا (الْمَظِنَّةُ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ) إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ (فَيُلْغِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ (بِمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ) لِضَعْفِ الرُّجُولِيَّةِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُقْتَلُ اتِّفَاقًا إذَا ارْتَدَّ فَهَذَا (لَا يُقْبَلُ) مِنْ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ لَا يَنْفَعُهُ (بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الرُّجُولِيَّةِ مَظِنَّةً) اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى حِكْمَتِهَا كَسَفَرِ الْمَلِكِ الْمُرَفَّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّخْصَ (وَلَا يُفِيدُ تَرْجِيحُ الْمُسْتَدِلِّ وَصْفَهُ) عَلَى وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ (بِشَيْءٍ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ (لِأَنَّ الْمُفِيدَ) فِي ذَلِكَ (تَرْجِيحُ أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ إذْ لَا تَعْلِيلَ بِالْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ (وَهُوَ) أَيْ تَرْجِيحُهَا (مُنْتَفٍ مَعَ احْتِمَالِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ جُزْئِيَّةِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ بَاقٍ إذْ لَا يَمْتَنِعُ تَرْجِيحُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّ الْقَتْلَ أَقْوَى فِي الْعِلِّيَّةِ مِنْ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَلَوْ قِيلَ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ كَانَ تَحَكُّمًا (أَوْ يَدَّعِي) أَيْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ (الْمُعْتَرِضُ اسْتِقْلَالَ وَصْفِهِ) أَيْ وَصْفِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ تَرْجِيحَ وَصْفِ نَفْسِهِ.

(وَأَمَّا أَنَّ) الْعِلَّةَ (الْمُتَعَدِّيَةَ لَا تُرَجَّحُ) عَلَى الْقَاصِرَةِ (لِمُعَارَضَةِ مُوَافَقَةِ الْأَصْلِ) أَيْ لِكَوْنِ الْقَاصِرَةِ مُعَارِضَةً لَهَا بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْأَحْكَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (فَلَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّنَزُّلُ مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ بَلْ يَكُونُ الْوَصْفُ الْمُسْتَقِلُّ الْمُتَعَدِّي مُرَجَّحًا عَلَى الْمُسْتَقِلِّ الْقَاصِرِ.

(وَاخْتُلِفَ فِي) جَوَازِ (تَعَدُّدِ الْأُصُولِ) أَيْ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (فَقِيلَ لَا) يَجُوزُ (لِأَنَّ) الْأَصْلَ (الزَّائِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الظَّنُّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ (وَيُدْفَعُ) هَذَا (بِثُبُوتِ الْحَاجَةِ) إلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ (لِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ) فِي الظَّنِّ فَإِنَّ قُوَّتَهُ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) لِهَذَا الْقَوْلِ (وَهُوَ تَأَدِّيهِ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ (إلَى الِانْتِشَارِ وَزِيَادَةِ الْخَبْطِ يَدْفَعُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ (لِأَنَّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ تَأَدِّيهِ إلَى هَذَا (يَبْعُدُ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ زِيَادَتِهِ) أَيْ الظَّنِّ (فَاخْتِيَارُ جَوَازِهِ) أَيْ التَّعَدُّدِ (مُطْلَقًا) كَمَا هُوَ صَنِيعُ ابْنِ الْحَاجِبِ (لَيْسَ بِذَاكَ) الْقَوِيِّ (بَلْ) الْوَجْهُ جَوَازُهُ (فِي نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ) لِانْتِفَاءِ الِانْتِشَارِ (لَا) فِي (الْمُنَاظَرَةِ) لِتَأَدِّيهِ إلَى النَّشْرِ (وَعَلَى الْجَوَازِ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا (اُخْتُلِفَ فِي اقْتِصَارِ الْمُعَارِضِ عَلَى أَحَدِهَا فَالْمُجِيزُ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى أَحَدِهَا.

قَالَ (إبْطَالُ جُزْءٍ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (إبْطَالُهُ) أَيْ كَلَامِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ (وَمُلْزِمُ إبْطَالِ الْكُلِّ) قَالَ (إذَا سَلِمَ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (أَصْلٌ كَفَاهُ) فِي مَطْلُوبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ

ص: 273

(اتِّحَادُ الْوَصْفِ) الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا أَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ حَذَرًا مِنْ انْتِشَارِ الْكَلَامِ (دُونَ تَعَدُّدِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَيْ جَوَازِ الْمُعَارَضَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مَا عَارَضَ بِهِ فِي الْأَصْلِ الْآخَرِ لِجَوَازِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْكُلِّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَتَلَاقَيَانِ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (فَنَظَرَ الْأَوَّلُ إلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (الْتَزَمَ صِحَّةَ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ) مِنْ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ (وَعَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ (فَبَطَلَ) الْإِلْحَاقُ (وَالْآخَرُ) قَائِلٌ (الْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فِي الْفَرْعِ وَيَكْفِيهِ) أَيْ إثْبَاتِهِ فِي الْفَرْعِ (مَا سَلِمَ) لَهُ مِنْ الْأُصُولِ (وَفِي مُعَارَضَةِ الْكُلِّ) أَيْ جَمِيعِ الْأُصُولِ (لَوْ أَجَابَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَنْ أَحَدِهَا) أَيْ دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ عَنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ (فَالْقَوْلَانِ) مُجْتَمِعَانِ عَلَى أَنَّهُ (لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ) الْمُسْتَدِلُّ (عَمَّا الْتَزَمَهُ) وَهُوَ الْكُلُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ ضِمْنًا (يَكْفِيهِ وَاحِدٌ)(وَأَمَّا سُؤَالُ التَّرْكِيبِ فَتَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْهَا فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ إلَخْ وَأَنَّ حَاصِلَهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْعِلِّيَّةُ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ لِوُجُودِهَا أَوْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذِهِ الْمُنُوعِ وَلَيْسَ سُؤَالًا بِرَأْسِهِ وَالْأَمْثِلَةُ مَذْكُورَةٌ ثَمَّةَ (وَسُؤَالُ التَّرْجِيحِ بِالتَّعَدِّيَةِ) أَيْ وَأَمَّا سُؤَالُ التَّعَدِّيَةِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي إجْبَارِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ عَلَى النِّكَاحِ بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ (فَيُعَارِضُ الْبَكَارَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ إلَى الْبَالِغَةِ) وَغَيْرِهَا (بِالصِّغَرِ الْمُتَعَدِّي إلَى الثَّيِّبِ) الصَّغِيرَةِ وَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْإِجْبَارِ (لِيَتَسَاوَيَا) فِي التَّعْدِيَةِ.

(وَمَرْجِعُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَا يُسَاوِي) الْعِلَّةَ (الْأُخْرَى فِي التَّعَدِّيَةِ) دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالتَّعْدِيَةِ (وَلَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ أَصْلِهَا) أَيْ التَّعَدِّيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرَجَّحًا فَلَا يَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ عِبَارَةُ الْآمِدِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى وَيُعَارِضَ بِهِ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمُسْتَدِلِّ مَا عَلَّلْت بِهِ وَإِنْ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَكَذَا مَا عَلَّلْت بِهِ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (وَإِذْ لَمْ يَقْبَلُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَذْكُرُوا سُؤَالَ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ) فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَعْدَ اتِّحَادِ الضَّابِطِ فِيهِمَا (كَإِيلَاجِ مُحَرَّمٍ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ لِلْحَدِّ بِاللِّوَاطِ هُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا (فَيُحَدُّ بِهِ كَالزِّنَا فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ (الْمَصْلَحَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي تَحْرِيمِهِمَا) أَيْ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا (فَفِي الزِّنَا اخْتِلَاطُ النَّسَبِ الْمُفْضِي إلَى عَدَمِ تَعَهُّدِ الْوَلَدِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ تَعَهُّدِهِ (قَتْلٌ مَعْنًى وَفِي اللِّوَاطِ دَفْعُ رَذِيلَتِهِ) وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بِحَيْثُ لَا تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى فَيُنَاطُ الْحُكْمُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا السُّؤَالَ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِمْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (هِيَ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ مُفْرَدًا.

وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ هِيَ (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ (الْعِلَّةُ) فِي الْأَصْلِ (شَيْءٌ آخَرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ (مَعَ مَا ذَكَرْت وَلِذَا) أَيْ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي (كَانَ جَوَابُهُ جَوَابُهَا بِإِلْغَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ) أَيْ مَعَ إلْغَائِهَا (بِطَرِيقِهِ) أَيْ الْإِلْغَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَمْرَيْنِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (يَنْدَرِجُ فِي مَعْنَى الشُّرُوطِ) لِلْفَرْعِ إذْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِيمَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ، إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمُسَاوَاةُ هُنَا فِي الْفَرْعِ مُنْتَفِيَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ.

(الثَّالِثُ) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ (عَلَيْهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ مَنْعُ وُجُودِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ (بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِثِنْتَيْنِ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَصِحُّ كَصُبْرَةٍ بِصُبْرَتَيْنِ) وَمَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (يَمْنَعُ وُجُودَهُ) أَيْ الْوَصْفِ (فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ بِاعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَهُوَ) أَيْ الْكَيْلُ (مُنْتَفٍ فِيهِ) أَيْ التُّفَّاحِ (وَيَرِدُ) عَلَى هَذَا الْمَنْعِ (أَنَّهَا) أَيْ الْمُجَازَفَةَ (بِاعْتِبَارِ الْمُقَدَّرِ) لِذَلِكَ شَرْعًا (كَيْلًا وَوَزْنًا فَالْإِلْحَاقُ) لِلْفَرْعِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورَيْنِ (بِاعْتِبَارِ) الْمُقَدَّمِ (الْأَعَمِّ) مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ (فَإِنَّمَا يُدْفَعُ هَذَا) الْإِيرَادُ (بِانْتِفَائِهِمَا) أَيْ الْكَيْلِ

ص: 274

الْوَزْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التُّفَّاحَ (عَدَدِيٌّ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ عَدَدِيًّا (مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التُّفَّاحَ (كَذَلِكَ) عَدَدِيٌّ (فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم عَدَدِيًّا (فَالْعَادَةُ) أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِمَا هُوَ الْعُرْفُ فِي بَيْعِهِ مِنْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَادَةُ (مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ) أَيْ التُّفَّاحِ مِنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا وَغَيْرَهُ (وَلِمُحَمَّدٍ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لِمُحَمَّدٍ (فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَالًا غَيْرَ الرَّقِيقِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَهُ لِأَنَّ مَالِكَهُ (سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (فَيَمْنَعَانِ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ (أَنَّهُ) أَيْ إيدَاعَهُ (تَسْلِيطٌ) لَهُ عَلَى إتْلَافِهِ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ كَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُضَمِّنُهُ كَمُحَمَّدٍ (وَلِلشَّافِعِيَّةِ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لَهُمْ (فِي) صِحَّةِ (أَمَانِ الْعَبْدِ أَمَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ فَيَمْنَعُ أَهْلِيَّتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ الْأَمَانِ (وَجَوَابُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (بِبَيَانِ وُجُودِهِ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ (بِعَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ شَرْعٍ) أَيْ بِمَا هُوَ طَرِيقُ مِثْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ (وَيَزِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَرْعِ (بَيَانَ مُرَادِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ مُرَادِهِ بِهَا (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ الْأَمَانِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ (بِإِسْلَامِهِ وَبُلُوغِهِ وَلَوْ زَادَ الْمُعْتَرِضُ بَيَانَ الْأَهْلِيَّةِ لِيَظْهَرَ انْتِفَاؤُهَا) فِي الْفَرْعِ (فَالْمُخْتَارُ لَا يُمْكِنُ) مِنْهُ (إذْ هُوَ) أَيْ بَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا (وَظِيفَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمُرَادِهِ فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ (دَفْعًا لِنَشْرِ الْجِدَالِ) بِالِانْتِقَالِ وَالِاشْتِغَالِ.

السُّؤَالُ (الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ بِأَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْوَصْفِ وَإِنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك (وَهِيَ) أَيْ وَهَذِهِ هِيَ (الْمُعَارَضَةُ إذَا أُطْلِقَتْ) فِي بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ لِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ فِيهِ (مِنْ أَصْلٍ) بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ (مُعَارَضَةُ قِيَاسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ كَوْنِهَا مُعَارَضَةَ قِيَاسَيْنِ (كَانَتْ) هِيَ الْمُعَارَضَةُ (الْحَقِيقَةُ) أَيْ حَقِيقَةُ الْمُعَارَضَةِ الْمُطْلَقَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إثْبَاتُ وَصْفِهِ) أَيْ عِلِّيَّتِهِ (بِمَسْلَكِهِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (اعْتِرَاضُهُ بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ فَيَنْقَلِبَانِ) أَيْ فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا لِانْقِلَابِ وَظِيفَتِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ انْقِلَابُهُمَا لِانْقِلَابِ التَّنَاظُرِ (وَجْهُ مَنْعِ مَانِعِهَا) أَيْ الْقَائِلِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِمَّا قَصَدَاهُ مِنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَالْمُسْتَدِلُّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَتَمَّ نَظَرُ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ أَمْ لَا (وَدُفِعَ بِأَنَّ) الِانْقِلَابَ (الْمُمْتَنِعَ أَنْ يُثْبِتَ) الْمُعْتَرِضُ (مُقْتَضَى دَلِيلِهِ) نَفْسِهِ (وَهَذَا) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَصْدُهُ (لِهَدْمِهِ) أَيْ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ (بِنَقِيضِهِ بَعْدَ تَمَامِهِ) أَيْ نَقِيضِهِ (فَالْمَعْنَى تَمَامُ دَلِيلِك) أَيُّهَا الْمُسْتَدِلُّ (مَوْقُوفٌ عَلَى هَدْمِ هَذَا) أَيْ دَلِيلِي لِمُعَارَضَتِهِ لِدَلِيلِك وَقَدْ يُجَابُ عَنْ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَدْحِ فِيهَا وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ بِمَا تَقَدَّمَ) فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ (وَلَا خِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ فِيهِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ) بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ (بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ (لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِي الظَّنَّيْنِ) إذْ لَا مِيزَانَ يُوزَنُ بِهِ الظُّنُونُ وَلَا مِعْيَارَ يُعْرَفُ بِهِ مَرَاتِبُهَا (وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُهُ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (وَهَذَا) مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ (يُبْطِلُ التَّرْجِيحَ مُطْلَقًا وَدَلَالَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ (يُبْطِلُهُ) أَيْ إبْطَالُ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا.

(وَعَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ قَبُولِ التَّرْجِيحِ هَلْ يَجِبُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي مَتْنِ الدَّلِيلِ كَأَنْ يَقُولَ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُوَافِقًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (لَا تَجِبُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (عَلَى الْمُسْتَدِلِّ) قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْجِيحَ (لَيْسَ) جُزْءًا (مِنْهُ) أَيْ الدَّلِيلِ لِلتَّوَصُّلِ بِالدَّلِيلِ إلَى الْمَدْلُولِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْهُ نَعَمْ يُوقَفُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ عِنْدَ حُصُولِ الْمُعَارِضِ (وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ (عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعَارَضَةِ شَرْطٌ) لَهُ (مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ) وَهُوَ ظُهُورُ الْمُعَارَضَةِ فَهُوَ مِنْ

ص: 275

تَوَابِعِ ظُهُورِهَا لِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدَّلِيلِ فَلَا يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لُزُومُهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ إلَى التَّرْجِيحِ فِي الدَّلِيلِ (فِي الْعَمَلِ) أَيْ عَمَلِ الْمُنَاظِرِ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ دَلِيلًا مُوجِبًا لِلْعَمَلِ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ أَوْ مَرْجُوحِيَّتِهِ فَيَلْزَمُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي دَلِيلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَارِضِ لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ (لَا) فِي (الْمُنَاظَرَةِ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ قَبْلَ إبْدَاءِ الْمُعَارَضَةِ.

(وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ سُؤَالِ اخْتِلَافِ الضَّابِطِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ (أَنْ يَجْمَعَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ عِلَّتَيْنِ كَشُهُودِ الزُّورِ) إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِرُجُوعِهِمْ فَيُقَالُ يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ (تَسَبَّبُوا فِي الْقَتْلِ فَيُقْتَصُّ) مِنْهُمْ (كَالْمُكْرِهِ) لِغَيْرِهِ عَلَى قَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ (فَيُقَالُ الضَّابِطُ) فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ (فِي الْأَصْلِ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ تُسَاوِيهِمَا) أَيْ الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ (

مَصْلَحَةً

) وَهِيَ الزَّجْرُ عَنْ التَّسَبُّبِ لِلْقَتْلِ الظُّلْمِ (شَرْعًا لِيُقْتَلَ) الشَّاهِدُ (بِالشَّهَادَةِ) فَقَدْ يَكُونُ مَا وُجِدَ مِنْ التَّسَبُّبِ فِي ضَابِطِ الْأَصْلِ رَاجِحًا عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ فِي ضَابِطِ الْفَرْعِ فَلَا يُمْكِنُ تَعَدِّيَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ.

(وَجَوَابُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ لِهَذَا السُّؤَالِ (إمَّا بِأَنَّ الضَّابِطَ) بَيْنَ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ الْخَاصَّيْنِ (التَّسَبُّبُ) الْمُطْلَقُ وَهُوَ (مُنْضَبِطٌ عُرْفًا) وَهَذَا الْجَوَابُ (عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ) فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ فِي الْفُرُوعِ (مِنْ الْقِيَاسِ لِلْعِلَّةِ) أَيْ لَا يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِهَا (لِمَنْ مَنَعَهُ) أَيْ الْقِيَاسَ بِهَا (وَجَعَلَ) الْمَنَاطَ (الْمُشْتَرَكَ) بَيْنَ الْأَمْرِ الَّذِي ثَبَتَ عِلِّيَّتُهُ لِحُكْمٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ كَذَلِكَ (عِلَّتَهُ) أَيْ عِلَّةَ ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ إنْ انْضَبَطَ وَكَانَ ظَاهِرًا وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ وَمَا يُخَالُ أَصْلًا وَفَرْعًا إنَّمَا هُمَا فَرْدَا ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ (أَوْ بِأَنَّ إفْضَاءَهُ) أَيْ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْفَرْعِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ إفْضَاءِ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْأَصْلِ (أَوْ أَرْجَحُ) مِنْهُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَبِطَرِيقٍ أَوْلَى عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي كَمَا (فِيمَا لَوْ جَعَلَ أَصْلَهُ) أَيْ أَصْلَ هَذَا الْفَرْعِ (إغْرَاءُ الْحَيَوَانِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشَّاهِدِ زُورًا بِإِغْرَائِهِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ لِشَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقَتْلِ (فَإِنَّ الشَّهَادَةَ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ انْبِعَاثَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِ مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي وَالْأَخْذِ بِثَأْرِ الْمَقْتُولِ أَرْجَحُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ عَلَى قَتْلِ مَنْ يُغْرِي هُوَ عَلَيْهِ لِسَبَبِ نُفْرَتِهِ عَنْ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْإِغْرَاءِ.

(وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ (التَّسَبُّبَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ بِالْإِغْرَاءِ) كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ عَضُدُ الدِّينِ قِيَاسٌ (بِلَا جَامِعٍ بَلْ) الْوَجْهُ فِيهِمَا (الشَّهَادَةُ) أَيْ قِيَاسُهَا (عَلَى الْإِكْرَاهِ أَوْ الْإِغْرَاءِ أَوْ الشَّاهِدِ) أَيْ قِيَاسِهِ (عَلَى الْمُكْرَهِ بِالتَّسَبُّبِ أَوْ بِإِلْغَاءِ التَّفَاوُتِ) بَيْنَ ضَابِطَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَصْلَحَةِ (إذَا أَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّفَاوُتَ (فِي خُصُوصِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا قَالَ التَّفَاوُتُ الْمَذْكُورُ مُلْغًى فِي الْقِصَاصِ

لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ

إذْ لَا فَرْقَ فِي الْقِصَاصِ بِالْمَوْتِ بِقَطْعِ الْأُنْمُلَةِ وَبِالْمَوْتِ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الرَّقَبَةِ أَشَدَّ إفْضَاءً إلَى الْمَوْتِ مِنْ قَطْعِ الْأُنْمُلَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُثْبِتْهُ فِي خُصُوصِهِ (لَمْ يَفْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ فَارِقٍ مُعَيَّنٍ إلْغَاءُ كُلِّ فَارِقٍ (فَلَمْ تَذْكُرْهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَسُؤَالُ الْقَلْبِ مُنْدَرِجٌ فِي الْمُعَارَضَةِ) لِأَنَّهَا دَلِيلٌ يَثْبُتُ بِهِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْقَلْبُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا مَخْصُوصٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالْجَامِعَ فِيهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ قِيَاسَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعَارِضِ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ اشْتَرَكَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْجَامِعُ لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْخِلَافِيِّينَ وَهِيَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ مَا أَقَامَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُغَايِرًا لِدَلِيلِهِ أَوْ عَيْنَهُ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِاشْتِرَاطِ مُغَايَرَةِ الْوَصْفَيْنِ أَعْنِي وَصْفَيْ الْمُعَلِّلِ وَالْمُعَارِضِ فِيهَا اهـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَضُدِ الدِّينِ.

وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِيءُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي قَبُولِهِ وَيَكُونُ الْمُخْتَارُ قَبُولَهُ إلَّا أَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِانْتِقَالِ فَإِنَّ قَصْدَ هَدْمِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَدَائِهِ إلَى التَّنَاقُضِ ظَاهِرٌ فِي الْقَلْبِ

ص: 276

وَلِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْمُسْتَدِلِّ مِنْ تَرْجِيحِ دَلِيلِهِ عَلَى دَلِيلِ الْمُعْتَرِضِ بِالتَّوْسِعَةِ وَالتَّعَدِّيَةِ إذْ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهُنَا دَلِيلٌ وَاحِدٌ اهـ مُوَضَّحًا فِيهِ تَأَمَّلْ.

(وَكَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُعَارَضَةُ) وَأَسْلَفْنَا بَيَانَهَا (نَوْعَانِ) النَّوْعُ الْأَوَّلُ (مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ) وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالتَّعْلِيلِ الْمُبْطِلِ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ (وَهِيَ الْقَلْبُ) وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَالْمُنَاقَضَةُ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ بِدُونِ إبْدَاءِ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ وَلَمَّا كَانَ الْقَلْبُ مُرَكَّبًا مِنْ أَحَدِ جُزْأَيْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ إبْدَاءُ عِلَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَأَحَدُ جُزْأَيْ الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ إبْطَالُ الدَّلِيلِ سَمَّيْنَاهُ بِاسْمٍ آخَرَ مُنْبِئٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَلَمْ يُسَمِّ مُنَاقَضَةً فِيهَا مُعَارَضَةٌ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْعِلَّةِ بِمُقَابَلَةِ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ سَابِقٌ وَمَقْصُودٌ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ أَصْلًا (وَيُقَالُ) الْقَلْبُ (لِجَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ) وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى كَقَلْبِ الْإِنَاءِ (وَمِنْهُ) أَيْ جَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى (جَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ) أَيْ جَعْلِ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا فَجَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً جَعْلُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا جَعْلُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ (فَإِنَّ الْعِلَّةَ أَعْلَى لِلْأَصْلِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَالْمَعْلُولُ فَرْعٌ وَهُوَ أَسْفَلُ فَتَبْدِيلُهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْإِنَاءِ مَنْكُوسًا.

(وَإِنَّمَا يُمْكِنُ) هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ (فِي التَّعْلِيلِ بِحُكْمٍ) أَيْ فِيمَا إذَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فِيهِ عَدَّاهُ إلَى الْفَرْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا اسْتَقَامَ عِلَّةً اسْتَقَامَ حُكْمًا لَا فِي التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ حُكْمًا بِوَجْهٍ وَلَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ عِلَّةً لَهُ أَصْلًا (كَالْكُفَّارِ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الَّذِي وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً إذَا كَانَ حُرًّا (فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءَ الْوَاطِئِينَ لِامْرَأَةٍ فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُونَ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَجَعَلَ جَلْدَ الْبِكْرِ مِائَةً عِلَّةً لِوُجُوبِ رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَاسَ الْكُفَّارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْجَامِعِ وَهُوَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ بَلْ (إنَّمَا جُلِدَ بِكْرُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ) فَلَا يَلْزَمُ رَجْمُ الذِّمِّيِّ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الثَّيِّبِ الزَّانِي (فَحَيْثُ جَعَلَ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ مَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْمُسْتَدِلُّ (الْعِلَّةَ) فِي الْأَصْلِ وَهُوَ جَلْدُ الْمِائَةِ (حُكْمًا) فِيهِ وَمَا جَعَلَهُ حُكْمًا فِيهِ وَهُوَ رَجْمُ الثَّيِّبِ الْعِلَّةَ فِيهِ كَانَ هَذَا الْقَلْبُ مُعَارَضَةً صُورَةً لِتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَكَانَ الْحُكْمُ عِلَّةً (لَزِمَهَا النَّقْضُ) لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ حُكْمًا فَهِيَ تُوجَدُ وَلَا يُوجَدُ مَعَهَا الْحُكْمُ وَلَيْسَ النَّقْضُ إلَّا وُجُودَ الْمُدَّعِي عِلَّةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ وَهَذَا (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مُعَارَضَةً (فِيهَا مُنَاقَضَةٌ) أَيْ إبْطَالٌ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ.

هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي هَذَا الْقَلْبِ وَجَعَلُوهُ إبْطَالًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُعَلِّلِ فِي مَحَلِّ اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا هُنَا فِي الْقَلْبِ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ لَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَكَانَ إبْطَالًا لَا مُعَارَضَةً وَفِي الْكَشْفِ لَكِنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ اعْتَبَرَ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغَالِبَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُعَلِّلِ بِتَعْلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ فِي الْأَصْلِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ تَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ عَدَمُ الْمَعْلُولِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَنَّ دَلِيلَهُ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَهَذَا عَدَمِيٌّ وَقَدْ عُرِفَ الْخِلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ جَوَازِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَلَعَمْرِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَانَعَةِ مِنْهُ إلَى الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَمْنَعُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَصَلَاحِيَّتَهُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَقَطَعَ بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ.

(وَالِاحْتِرَاسُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الْقَلْبِ حَتَّى لَا يَتَأَتَّى إيرَادُهُ عَلَى الْمُعَلِّلِ (جَعَلَهُ) أَيْ الْكَلَامَ (اسْتِدْلَالًا) أَيْ لَا يُورَدُ الْحُكْمَانِ بِطَرِيقِ

ص: 277

تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُقَيِّدَ الثُّبُوتَ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ قَدْ مَسَّتْهَا النَّارُ لِأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ وَهَذَا الْإِنْسَانُ مُتَعَفِّنُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّهُ مَحْمُومٌ (وَهُوَ) أَيْ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إنَّمَا يَتِمُّ (إذَا ثَبَتَ التَّلَازُمُ شَرْعًا) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلَ الْآخَرِ وَمَدْلُولَهُ (كَالتَّوْأَمَيْنِ) أَيْ الْمَوْلُودَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ (فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالنَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَالرِّقُّ فِي أَيِّهِمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَنَسَبُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ: الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَلَوْ قِيلَ قَلْبًا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْوِلَايَةِ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحُرِّ اكْتِفَاءً بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا يُقَامُ رَأْيُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ إذَا عُدِمَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ لَهُ مَشْرُوطَةً بِالْغِبْطَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَلِيِّ ظَاهِرًا وَعَلَيْهِ مَعْنًى وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا وَيَأْثَمُ بِتَقْصِيرِهِ فِي رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ.

وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِي الْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَأَمْكَنَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأُخْرَى لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْمَخْلَصُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لِأَنَّ الرَّجْمَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ لِإِتْيَانِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْجَلْدَ نَائِبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ لِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْطُ الرَّجْمِ دُونَ الْجَلْدِ فَجَازَ أَنْ يُفَرَّقَا فِي شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الِانْقِطَاعُ صُورَةً هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَصِيرُ مُنْقَطِعًا بِالْقَلْبِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِذَاكَ أَوْ لَا بِأَنْ يَقُولَ الْكُفَّارُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ وَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ التَّدَارُكُ مُمْكِنٌ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُعَرِّفِ وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّنَا الْقَلْبُ لِأَنَّ الشَّيْءَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِشَيْءٍ وَذَلِكَ الشَّيْءُ مُعَرِّفًا لَهُ كَالنَّارِ مَعَ الدُّخَانِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عِلَّةً لِصَاحِبِهِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَرِّفًا لِصَاحِبِهِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ غَرَضِي الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمَا ذَكَرْت مِنْ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي غَرَضِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْقَلْبِ وَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَ) يُقَالُ (لِجَعْلِ الظَّهْرِ بَطْنًا) وَالْبَطْنَ ظَهْرًا كَقَلْبِ الْجِرَابِ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (جَعْلُ وَصْفِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا) أَيْ حُجَّةً (لَك) أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْك فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ فَوَجْهُ الْوَصْفِ كَانَ إلَى الْمُعَلِّلِ أَيْ مُقْبِلًا عَلَيْهِ وَظَهْرُهُ إلَى السَّائِلِ أَيْ مُعْرِضًا عَنْهُ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى السَّائِلِ وَظَهْرُهُ إلَى الْمُعَلِّلِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ لَمَّا شَهِدَ لِلْمُعْتَرِضِ بَعْدَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ صَارَ مُتَنَاقِضًا فِي شَهَادَتِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ.

(وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (مِنْ زِيَادَةٍ) فِي الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ (تُورِدُ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ الْمُسْتَدِلُّ) مِنْ الْوَصْفِ وَتَقْرِيرًا لَهُ لَا تَغْيِيرًا فَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا بِغَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَلْبًا بَلْ يَكُونُ مُعَارَضَةً مَحْضَةً غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ لِلْإِبْطَالِ وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ أَنَّهُ رَبْطُ خِلَافِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ إلْحَاقًا بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ (كَصَوْمِ فَرْضٍ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ (فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا تَعْيِينٍ) لِلنِّيَّةِ (كَالْقَضَاءِ) أَيْ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ فَعَلَّقَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ (صَوْمُ فَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَائِرِ الصِّيَامَاتِ عَنْ الْوَقْتِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ (كَالْقَضَاءِ)

ص: 278

أَيْ كَصَوْمِهِ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ) فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا عَيَّنَ مَرَّةً لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ ثَانِيًا فَالْمُسْتَدِلُّ قَالَ صَوْمُ فَرْضٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَيِّنًا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرْوِيجًا لِمَطْلُوبِهِ وَذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ الْمُتَعَيَّنُ فِي وَقْتِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ لَهُ صَوْمَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَعْيِينُ الشَّارِعِ أَدْنَى مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ.

(وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ الْوُضُوءِ (أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ) وَهُوَ اسْتِيعَابُ بَاقِيهِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالْغُسْلِ فَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ (تَفْسِيرٌ) لِحُصُولِ مَحَلِّ النِّزَاعِ (لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَذَلِكَ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ (وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ وَلَمْ يَصِحَّ إيرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا) الْمِثَالِ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقْرِيرٌ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا جَعَلَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ فَيَلْزَمُ إبْطَالُهُ (وَإِذَا عَلِمْت) فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ (أَنَّ الْإِيرَادَ) أَيْ إيرَادَ الْمُعْتَرِضِ لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ (عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (التَّأْثِيرَ لَا) عَلَى (حَقِيقَتِهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (صَحَّ إيرَادُ الْقَلْبِ عَلَى) الْعِلَلِ (الْمُؤَثِّرَةِ كَفَسَادِ الْوَضْعِ) إذْ الْمُنَافَاةُ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَمَامُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ (وَيُخَالِفُهُ) أَيْ الْقَلْبَ فَسَادُ الْوَضْعِ (بِالزِّيَادَةِ) فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَلْبِ (وَبِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ (أَعَمَّ مِنْ مُدَّعَاهُ) فَلَا يَكُونُ مَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ صَحِيحًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْقَالِبَ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ.

وَإِنْ تَعَرَّضَ لِنَقِيضِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا إثْبَاتِهِ بِعِلَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَاسْتِحَالَةِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لِتَعَذُّرِ مُنَاسَبَتِهِمَا لَهُمَا وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا تَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قَادِحًا فِي الدَّلِيلِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ شَرْطَ الْقَلْبِ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى حُكْمَيْنِ غَيْرِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا قَدْ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَنَقِيضِهِ حَقِيقَةً فَلَمْ يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي أَصْلِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ فِي نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ وَلِنَقِيضِهِ فِي نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْفَرْعِ ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الْقَلْبَ صَحِيحٌ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقْدَحَ فِي تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهِ إذَا أَمْكَنَهُ بِبَيَانِ أَنَّ اللَّازِمَ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ وَأَنْ يَقْلِبَ قَلْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْقَلْبِ مُنَاقِضًا لِحُكْمِهِ لِأَنَّ قَلْبَ الْقَلْبِ إذَا فَسَدَ بِالْقَلْبِ الثَّانِي سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ كَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ الْقَلْبُ وَالنَّقْضُ عَلَى الْقَلْبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْسَادِ لِكَلَامِ الْخَصْمِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يُخْرِجُ دَلَالَةَ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

(قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (وَيَقْلِبُ الْعِلَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدٍ كَعِبَادَةٍ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلشَّارِعِ فِيهِ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ عِبَادَةٌ وَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَاحْتُرِزَ بِلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بِالشُّرُوعِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدَةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ

ص: 279

مَا كَانَ عِبَادَةً لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا (فَيَسْتَوِي عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَمَا اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ (فَتَلْزَمُ) الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ (بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الشُّرُوعُ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالشَّارِعُ عَزَمَ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَحَيْثُ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا وَجَبَتْ بِالشُّرُوعِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا قَلْبُ التَّسْوِيَةِ (وَسَمَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَكْسًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَكْسُ خُصُوصِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (عَدَمُ اللُّزُومِ بِالنَّذْرِ وَلِشُرُوعٍ فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْعِبَادَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ لُزُومُهَا بِهِمَا.

(وَهَذَا) النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ هُوَ (الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوَّلُ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِقِيَاسِ الْعَكْسِ) وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ (وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِاعْتِرَاضٍ) هُوَ رَدُّ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ سُنَنِ الْأَصْلِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ نَعَمْ) يُقْبَلُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (إذْ جَعَلَ) الْمُعْتَرِضُ (وَصْفَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا لِمَا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ مَطْلُوبِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِنَقِيضِ مَطْلُوبِ الْمُسْتَدِلِّ (الِاسْتِوَاءُ) لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ الشُّرُوعُ وَالنَّذْرُ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشُّرُوعِ مُلْزِمًا كَالنَّذْرِ وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَالْخَبَّازِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّهُ (لَا) يُقْبَلُ (لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ يُوجِبُ شَبَهًا فِي شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الشَّبَهِ) بَيْنَ الْمُتَشَابِهَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (لِيَلْزَمَ الِاسْتِوَاءُ مُطْلَقًا) لَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ لِانْتِفَاءِ اتِّحَادِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِوَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ اسْتِوَاءَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ سُقُوطُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ثُبُوتُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلْزِمًا وَالثُّبُوتُ وَالسُّقُوطُ مَعْنَيَانِ مُتَنَافِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَظَاهِرُ امْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ اسْتِوَاءِ السُّقُوطِ فِي الْوُضُوءِ لِإِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ.

(وَمَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ) النَّوْعِ (الثَّانِي) مِنْ الْقَلْبِ (وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيزِ ثُبُوتِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْفَرْعِ بِوَصْفِهِ) أَيْ وَصْفِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَصْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ وُجُودَ الْجَامِعِ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوُجُودُ الْجَامِعِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِيهِمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ لَهُ وَإِلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِحُلُولِهِمَا فِيهِمَا (وَهُوَ قَلْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ (لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِيُبْطِلَ الْمُسْتَدِلَّ) أَيْ مَذْهَبَهُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَنَافِيهِمَا (كَلُبْثٍ) أَيْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ الِاعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لُبْثٌ مَخْصُوصٌ (وَمُجَرَّدُهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَإِنَّ مُجَرَّدَهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِانْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ مَعَهُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً (فَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاعْتِكَافِ (الصَّوْمُ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً قَالَ هِيَ الصَّوْمُ لَا غَيْرُ (فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ الصَّوْمُ (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَعَرَّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَرِضَ أَشَارَ إلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهِ صَرِيحًا (وَ) قَلْبٌ (لِإِبْطَالِ) مَذْهَبِ (الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (كَالْحَنَفِيِّ فِي الرَّأْسِ) أَيْ كَقَوْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ (مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي أَقَلُّهُ) أَيْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ (كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ كَبَقِيَّتِهَا) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَوُرُودُهُ) أَيْ هَذَا الْقَلْبِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اتَّفَقْنَا) مَعَاشِرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى (أَنَّ الثَّابِتَ

ص: 280

أَحَدُهُمَا) أَيْ أَقَلُّ الرَّأْسِ أَوْ الرُّبْعُ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ ثَمَّ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ هُنَا الِاسْتِيعَابُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ.

(أَوْ) لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ (الْتِزَامًا كَقَوْلِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ (فِي بَيْعِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ (فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) كَالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ فَالْمُعْتَرِضُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ صَرِيحًا بَلْ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهَا قَالَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَلَا يَصِحُّ) إذْ يُقَالُ لَهُ لَكِنَّك قُلْت إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَازِمٌ لِلصِّحَّةِ عِنْدَك وَقَدْ انْتَفَى اللَّازِمُ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ ثُمَّ فِي الْكَشْفِ قُلْت هَذِهِ أَقْيِسَةٌ لَيْسَتْ بِمُنَاسِبَةٍ فَضْلًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً بَلْ بَعْضُهَا طَرْدِيَّةٌ وَبَعْضُهَا شَبَهِيَّةٌ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّارِطُونَ لِلتَّأْثِيرِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الطَّرْدِ وَالشَّبَهِ كَيْفَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ وَكَيْفَ يُعَلِّلُونَ بِهَا وَالِالْتِفَاتُ إلَى مِثْلِهَا لَيْسَ مِمَّنْ دَأْبُهُمْ وَهِجِّيرَاهُمْ لَكِنَّ الْمُخَالِفِينَ وَضَعُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَنَسَبُوهَا إلَى أَصْحَابِنَا وَأَوْرَدُوهَا أَمْثِلَةً فِي كُتُبِهِمْ لِيَصِحَّ لَهُمْ أَقْسَامُ الْقَلْبِ الَّتِي ذَكَرُوهَا.

النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ نَوْعَيْ الْمُعَارَضَةِ (الْمُعَارَضَةُ الْخَالِصَةُ) مِنْ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ (فِي) حُكْمِ (الْفَرْعِ) وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً أُخْرَى تُوجِبُ خِلَافَ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُسْتَدِلِّ (بِلَا تَغْيِيرٍ) وَلَا زِيَادَةٍ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ فَيَقَعُ بِهِ مَحْضُ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإِبْطَالِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا لِمُدَافَعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُقَابِلُهَا مَا لَمْ تَتَرَجَّحْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَإِذَا تَرَجَّحَتْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَسْتَدْعِي أَصْلًا آخَرَ وَعِلَّةً) أُخْرَى (كَالْمَسْحِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ مَسْحُ الرَّأْسِ (مَسْحٌ فَلَا يُكَرَّرُ كَمَسْحِ الْخُفِّ) فَهَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ الصَّحِيحَةِ مُثْبِتًا حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا تَغْيِيرٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ أَصْلُ الْأَوَّلِ الْغُسْلُ وَعِلَّتُهُ الرُّكْنِيَّةُ وَأَصْلُ الثَّانِي مَسْحُ الْخُفِّ وَعِلَّتُهُ كَوْنُهُ مَسْحًا (وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ أَصْلَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِتَيَمُّمٍ) فَيُقَالُ كَالتَّيَمُّمِ (فَيَنْدَفِعُ) عَلَى هَذَا (الْمُتَوَهَّمِ مِنْ مَانِعِ فَسَادِ الْخُفِّ) أَيْ إنَّمَا لَمْ يُكَرِّرْ مَسْحَ الْخُفِّ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا بِعَطْفِهِ عَلَى بِلَا تَغْيِيرٍ قَوْلَهُ (أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَا) فِي الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي إثْبَاتِهِ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ (فِي صَغِيرَةٍ بِلَا أَبٍ وَجَدِّ صَغِيرَةٍ فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي الْإِنْكَاحِ كَذَاتِ الْأَبِ) أَيْ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَهَا أَبٌ بِجَامِعِ الصِّغَرِ الْمُوجِبِ لِلْعَجْزِ عَنْ مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِ (فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ (الْأَخُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا كَالْمَالِ) فَإِنَّ الْأَخَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَالِ إجْمَاعًا، وَهَذَا مُعَارَضَةٌ صَحِيحَةٌ خَالِصَةٌ صَحِيحَةٌ مُثْبِتَةٌ حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ لَكِنْ مَعَ تَغْيِيرٍ مَا فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذْ الْعِلَّةُ فِي الْأَوَّلِ الصِّغَرُ وَفِي الثَّانِي قُصُورُ الشَّفَقَةِ وَفِي الْحُكْمِ تَغْيِيرٌ مِنْ إطْلَاقٍ يَشْمَلُ الْأَخَ وَغَيْرَهُ إلَى تَقْيِيدٍ بِالْأَخِ.

(وَأَمَّا نَظْمُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ الْمُعَارَضَةَ (صَغِيرَةً فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا قَرَابَةُ الْإِخْوَةِ كَالْمَالِ) كَمَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا بِوِلَايَةِ الْإِخْوَةِ (فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ بَلْ مِنْ الْقَلْبِ فَالْمُعْتَرِضُ (عَارَضَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ) الَّتِي أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ (بِنَفْيِهَا) أَيْ الْوِلَايَةِ (عَنْ خُصُوصٍ) وَهُوَ الْأَخُ فَهَذَا الْقَدْرُ مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِعَدَمِ قَدْحِهِ فِي كَلَامِ الْمُعَلِّلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ نَفْيُهَا عَنْهُ (نَفْيُ) حُكْمِ (الْمُعَلِّلِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُ) أَيْ الْأَخِ (أَقْرَبُ) إلَيْهَا (بَعْدَ الْوِلَادِ) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَلَدِ (فَنَفْيُهَا) أَيْ وِلَايَةُ الْأَخِ (نَفْيُ مَا بَعْدَهَا) مِنْ وِلَايَةِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ عَمٍّ وَغَيْرِهِ (مُطْلَقًا) ظَهَرَ مَعْنَى الصِّحَّةِ فِيهِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ إثْبَاتُ) الْمُعْتَرِضِ حُكْمًا (آخَرَ) يُخَالِفُ فِي الصُّورَةِ حُكْمًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ

ص: 281

الْآخَرِ لَكِنَّهُ (يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ نَفْيَ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ (كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَحَقِّيَّةِ الْمَنْعِيِّ) أَيْ الَّذِي نُعِيَ إلَى زَوْجَتِهِ أَيْ أُخْبِرَتْ بِمَوْتِهِ فَتَرَبَّصَتْ مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ (بِوَلَدِهَا) الَّذِي وَلَدَتْهُ (فِي نِكَاحِ مَنْ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْمَنْعِيِّ إذَا جَاءَ مِنْ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ الْمَنْعِيُّ (صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ) لِقِيَامِ نِكَاحِهِ (فَهُوَ أَحَقُّ) بِالْوَلَدِ (مِنْ) صَاحِبِ الْفِرَاشِ (الْفَاسِدِ) وَهُوَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مَعَ قِيَامِ نِكَاحِ الْمَنْعِيِّ (كَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ عِنْدَ التَّعَارُضِ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ كَالصَّاحِبَيْنِ الزَّوْجُ (الثَّانِي صَاحِبُ فِرَاشٍ فَاسِدٍ فَيَلْحَقُهُ) الْوَلَدُ (كَالْمُتَزَوِّجِ بِلَا شُهُودٍ) إذَا وَلَدَتْ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ.

وَإِنْ كَانَ الْفِرَاشُ فَاسِدًا (فَإِثْبَاتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْ الثَّانِي) مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ آخَرُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُعَلِّلُ فِيهِ حُكْمَهُ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الْأَوَّلِ بِفِرَاشٍ صَحِيحٍ وَالْمُعْتَرِضَ أَثْبَتَهُ مِنْ الثَّانِي بِفِرَاشٍ فَاسِدٍ وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ هَذَا الْإِثْبَاتَ (نَفْيُهُ) أَيْ لِوَلَدٍ (عَنْ الْأَوَّلِ لِلْإِجْمَاعِ أَنْ لَا يَثْبُتَ مِنْهُمَا) وَقَدْ وَجَدَ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْفِرَاشُ الْفَاسِدُ صَحَّتْ وَاحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ (فَرَجَّحَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْمِلْكَ وَالصِّحَّةَ) الْكَائِنَيْنِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ فِرَاشَهُ صَحِيحٌ وَمِلْكَهُ قَائِمٌ (عَلَى الْحُضُورِ وَالْمَاءِ) أَيْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا وَالْمَاءِ لَهُ (كَالزِّنَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ (تَرَجَّحَ) الْأَوَّلُ (بِالصِّحَّةِ عَلَى) الثَّانِي بِمُجَرَّدِ (الْحُضُورِ) مَعَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفِرَاشِ تُوجِبُ حَقِيقَةَ النَّسَبِ وَالْفَاسِدُ شُبْهَتُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ شُبْهَتِهِ (أَمَّا الْمَاءُ فَمُقَدَّرٌ فِيهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ مِنْ الثَّانِي قُلْت فَانْدَفَعَ مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُقَالُ فِي الْحُضُورِ حَقِيقَةُ النَّسَبِ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ مَائِهِ.

(وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ) إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قِيَاسٌ إذْ مِنْ شَرْطِهِ اتِّحَادُ الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ (كَقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَكْسِهِ) أَيْ النِّكَاحِ عَلَى الْبَيْعِ (فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ) بِجَامِعٍ فِي صُورَةٍ (فَيَقُولُ) الْمُعْتَرِضُ الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً (عَدَمُهَا) أَيْ الصِّحَّةِ (فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ) بِالْبَيْعِ (وَ) عَدَمُهَا (فِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْجَوَابُ الْبُطْلَانُ) الَّذِي هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ (وَاحِدٌ عَدَمُ) تَرَتُّبِ (الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ) عَلَيْهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوَرُهُ) أَيْ مَحَالِّهِ مِنْ كَوْنِهِ بَيْعًا وَنِكَاحًا إذْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحَالِّ بَلْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ ضَرُورَةً فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ مَانِعًا مِنْهُ إذْ يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ أَبَدًا ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ بِبَيَانِ الِاتِّحَادِ عَيْنًا كَالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَوْ جِنْسًا كَمَا فِي قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ كَالْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ جِنْسًا وَنَوْعًا كَوُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ وَنَفْيٍ عَلَى إثْبَاتٍ وَبِالْعَكْسِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَاخْتِلَافُهُ مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِفْضَاءِ (وَهَذَا) السُّؤَالُ (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَسْئِلَةِ (كَكَوْنِ الْأَصْلِ مَعْدُولًا) عَنْ الْقِيَاسِ (دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الشَّرْطِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ.

(وَأَمَّا سُؤَالُ الْفَرْقِ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ هِيَ) أَيْ الْخُصُوصِيَّةُ (شَرْطٌ) لِلْوَصْفِ (مَعَ بَيَانِ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ بَيَانُ مَانِعٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى إبْدَاءُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ مِنْ الْحُكْمِ (وَ) بَيَانُ (انْتِفَائِهِ) أَيْ الْمَانِعِ (فِي الْأَصْلِ فَمَجْمُوعُ مُعَارَضَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ) أَيْ فَالْفَرْقُ مَجْمُوعُهُمَا إذَا تَعَرَّضَ لِانْتِقَاءِ الشَّرْطِ فِي الْفَرْعِ أَوْ عَدَمٍ لِمَانِعٍ فِي الْأَصْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ وَبَيَانُ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةٌ فِيهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا قَالَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ مَجْمُوعُهُمَا (فِي الثَّانِي) أَيْ بَيَانِ مَانِعٍ فِي الْفَرْعِ وَانْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَصْفُ مَعَ عَدَمِ هَذَا الْمَانِعِ) لَا الْوَصْفِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ بَيَانُ وُجُودِ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةً فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الْمُقْتَضَى لِنَقِيضِهِ فَيَكُونُ فِي الْفَرْعِ وَصْفٌ

ص: 282

يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيَسْتَنِدُ إلَى أَصْلٍ لَا مَحَالَةَ وَبَيَانُ انْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَبْدَى عِلَّةً أُخْرَى لَا تُوجَدُ فِي الْفَرْعِ.

(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (بَيَانُ كَوْنِهِ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ شَرْطًا (أَوْ) مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ (مَانِعًا عَلَى طَرِيقِ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ) الْمُعَلَّلِ بِهِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَرْقَ مُعَارَضَتَانِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (عَلَى ادِّعَاءِ الشَّرْطِ وَ) مُعَارَضَةٌ (فِي الْفَرْعِ فَقَطْ عَلَى الْمَانِعِ لِمَا تَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (مِنْ الْحَقِّ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ) زَادَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (بِخِلَافِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ (خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْوَصْفِ) الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُعَلِّلُ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْهُ.

(وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ) الْمُعْتَرِضُ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (مِنْ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ) إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ (الْفَرْقُ بَلْ) هُوَ (مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ الْمُسَمَّى مُفَارَقَةً) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَقُولُ الْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِ الِاقْتِصَارِ عَلَى إبْدَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ فَرْقًا وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِمَا، هَذَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ لَوْ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْهَا كَفَى فِي الْقَدْحِ فِيهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُ جَمْعَهَا الْمَقْصُودَ وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا وَقِيلَ يَكْفِي إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِكُلٍّ مِنْهَا وَهُوَ حَسَنٌ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ مَنْعُ كَوْنِ الْمَبْدَأِ فِي الْأَصْلِ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ وَفِي اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى جَوَابِ أَصْلٍ وَاحِدٍ عَلَى تَقْدِيرِهِ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ حَيْثُ جَازَ تَعَدُّدُهَا قَوْلَانِ يَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالدَّفْعِ عَنْ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمِيعَ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَاقَيَا ثُمَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ لَا مَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَرْقِ وَرَاءَ الْمُعَارَضَةِ وَإِنْ خَاصَّهُ وَسَرَّهُ فَقَدْ يُنَاقِضُهُ قَصْدُ الْجَمِيعِ ثُمَّ هُوَ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فِي أَمْرِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَمْعِهَا) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَنَاقُضٌ وَلَا انْتِقَالٌ مِنْ سُؤَالٍ إلَى آخَرَ (وَبَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ) يَذْكُرُ فِي كَلَامِهِمْ (النَّوْعَ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسَ لِلنَّوْعِ) عَكْسُ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ وَوَافَقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَيْهِ (وَأُصُولُ الْحَنَفِيَّةِ) وَفُرُوعُهُمْ أَيْضًا يَذْكُرُ فِيهِمَا (الْجِنْسُ لِلنَّوْعِ) كَالْحِنْطَةِ (وَالنَّوْعُ) وَالْجِنْسُ أَيْضًا (لِلصِّنْفِ كَرَجُلٍ) وَلَا مُنَاقَشَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَذَلِكَ) أَيْ جَمْعُهَا مِنْ جِنْسٍ (كَالِاسْتِفْسَارَاتِ وَالْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ) فَإِنَّ الِاسْتِفْسَارَاتِ يَجْمَعُهَا الِاسْتِفْسَارُ وَالْمُنَوَّعَ يَجْمَعُهَا الْمَنْعُ وَالْمُعَارَضَاتِ تَجْمَعُهَا الْمُعَارَضَةُ (وَفِي الْأَجْنَاسِ مَنَعَهُ) أَيْ جَمْعَهَا (السَّمَرْقَنْدِيُّونَ لِلْخَبْطِ) اللَّازِمِ مِنْ ذَلِكَ (لِلِانْتِشَارِ) وَأَوْجَبُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى سُؤَالٍ وَاحِدٍ حِرْصًا عَلَى الضَّبْطِ قَالُوا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ كَمَا أَلْزَمَهُمْ بِهِ الْآمِدِيُّ فَإِنَّا جَوَّزْنَا تَعَدُّدَهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى النَّشْرِ لِأَنَّ النَّشْرَ فِي الْمُخْتَلِفَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمُتَّفِقَةِ وَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوا الْجَمْعَ بَيْنَهَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ (ثُمَّ) إذَا جَازَ الْجَمْعُ (مَنَعَ أَكْثَرُ النُّظَّارِ) الِاعْتِرَاضَاتِ (الْمُرَتَّبَةَ طَبْعًا) مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (كَمَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعِ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِذَلِكَ) إذْ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ طَبْعًا (إذْ يُفِيدُ) الْأَخِيرُ (تَسْلِيمَ الْأَوَّلِ) فَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ سُؤَالًا فَيُجَابُ عَنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ فَيَضِيعُ الْأَوَّلُ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (جَوَازُهُ) أَيْ جَمْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (لِأَنَّ التَّسْلِيمَ) لِلْمُتَقَدِّمِ (فَرْضِيٌّ أَيْ لَوْ سَلِمَ) الْأَوَّلُ (وَرَدَ الثَّانِي) وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْلِيمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

(وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ الْمُخْتَارُ جَوَازَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّسْلِيمِ إذْ كَانَ التَّسْلِيمُ فَرْضِيًّا (الْوَاجِبُ تَرْتِيبُهَا) أَيْ

ص: 283

الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا (فَمَنَعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ) إذَا عَكَسَ التَّرْتِيبَ (إذْ) قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ (لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّلٌ بِكَذَا يَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (فَقَوْلُهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِمَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ رُجُوعٌ) عَنْ تَسْلِيمِهِ (لَا يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ إنْكَارٌ بَعْدَ إقْرَارٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُسَلَّمًا غَيْرَ مُسَلَّمٍ وَحِينَئِذٍ فَيَرِدُ هَذَا إشْكَالًا عَلَى أَكْثَرِ النُّظَّارِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَنَعُوهَا مُرَتَّبَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَبْطُلُ مَا يَلْزَمُ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ وُجُوبِهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَقْبَحُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ (وَإِلَّا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى) جَوَازِ (التَّعَدُّدِ مِنْ نَوْعٍ وَلَا مَخْلَصَ لَهُمْ) أَيْ لِلْأَكْثَرِ (إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّ مَنْعَ الْعِلِّيَّةِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ) إلَّا أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ تَسْلِيمَ حُكْمِ الْأَصْلِ إنَّمَا يُوجِبُهُ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ اسْتِلْزَامًا ظَاهِرًا فَإِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَنْعِهِ حُمِلَ عَلَى إرَادَتِهِ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ كَمَا أَجَبْنَا بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ عِلِّيَّةَ هَذَا الْوَصْفِ لِهَذَا الْحُكْمِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا وَنَحْنُ نَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُمْ مِثْلُهُ فِي مَنْعِهِمْ الْمُتَرَتِّبَةَ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَمَا قِيلَ) أَيْ وَقَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ (كُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ) اعْتِرَاضًا الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَاضِيَةِ (جِنْسٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَ نَوْعٍ) عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْأُصُولِ مِنْ انْدِرَاجِ الْأَجْنَاسِ تَحْتَ الْأَنْوَاعِ (غَلَطٌ يُبْطِلُ حِكَايَةَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ مِنْ جِنْسٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدُّدُ مَثَلًا مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِهَا (أَحَدُهَا) أَيْ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرِينَ بَلْ الْمَنْعُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ وَمَنْعُ عِلِّيَّتِهِ وَمَنْعُ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ وَالْمُعَارَضَةُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَجْنَاسٌ لِأَنَّ تَحْتَهَا أَشْخَاصُ الْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْجِنْسَ هُوَ النَّوْعُ الْمَنْطِقِيُّ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ فَالنَّقْضُ حِينَئِذٍ جِنْسٌ انْحَصَرَ فِيهِ نَوْعُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَكَلَامُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا (فِي الْمِثْلِ وَذِكْرِ الْأَجْنَاسِ خِلَافُهُ) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ إذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فَتَرَتَّبَ التَّرْتِيبَ الطَّبِيعِيَّ لِيُوَافِقَ الْوَضْعِيُّ الطَّبِيعِيَّ.

وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالِاسْتِفْسَارِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الْوَضْعِ قَالَ الْآمِدِيُّ لِكَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ يَعْنِي مُطْلَقًا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (فَتَقَدَّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَصْلِ) فَتَقَدَّمَ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ (ثُمَّ) الْمُتَعَلِّقُ (بِالْعِلَّةِ) لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَتَقَدَّمَ مَنْعُ وُجُودِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَالتَّقْسِيمِ وَكَوْنِ الْوَصْفِ غَيْرِ ظَاهِرٍ وَلَا مُنْضَبِطٍ وَكَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرِ مُفْضٍ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ صِفَةَ وُجُودِ الْعِلَّةِ ثُمَّ النَّقْضُ وَالْكَسْرُ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَالتَّعَدِّيَةُ وَالتَّرْكِيبُ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْعِلَّةِ (ثُمَّ) الْمُتَعَلِّقُ (بِالْفَرْعِ) لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعِلَّةِ وَحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَذْكُرُ مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَمُخَالَفَةَ حُكْمِهِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وَمُخَالَفَتَهُ لِلْأَصْلِ فِي الضَّابِطِ أَوْ الْحِكْمَةِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَسُؤَالِ الْقَلْبِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّلِيلِ الْمُثْمِرِ لَهُ.

(وَتَقَدَّمَ النَّقْضُ عَلَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ عِنْدَ مُعْتَبِرِهَا) أَيْ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ (إذْ هِيَ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ (لِإِبْطَالِ اسْتِقْلَالِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ بِالتَّأْثِيرِ وَالنَّقْضُ لِإِبْطَالِ أَصْلِ الْعِلَّةِ فَقُدِّمَ عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ وَلَوْ سَلِمَ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ (وَمَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ مَنْعِهَا وَالْقَلْبَ قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ) بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ فَيَذْكُرُ الْقَلْبَ أَوَّلًا (ثُمَّ يُقَالُ) إذَا ذُكِرَتْ هِيَ ثَانِيًا (وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ) أَيْ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ (يُفِيدُ مَطْلُوبَهُ عِنْدَنَا دَلِيلٌ آخَرُ يَنْفِيهِ) أَيْ مَطْلُوبَهُ وَأَوْجَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ ثُمَّ الِاعْتِبَارَ ثُمَّ الِاسْتِفْسَارَ ثُمَّ الْمَنْعَ ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ الْفَرْقَ ثُمَّ النَّقْضَ ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ الْقَلْبَ وَرَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الِاسْتِفْسَارِ أَوْ الْفَرْقِ وَأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَعَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى وَقَدْ اعْتَرَفُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَسْئِلَةِ

ص: 284