الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَوْنَ الْحَقِّ مَعَهُمْ دُونَهُ وَلَا خُرُوجَهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِلْكُلِّ (وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا) الْمُخْتَارِ (بِأَنَّ الصَّحَابَةَ سَوَّغُوا لَهُمْ) أَيْ لِلتَّابِعِينَ الِاجْتِهَادَ (مَعَ وُجُودِهِمْ) فَقَدْ مَلَأَ شُرَيْحٌ الْكُوفَةَ أَقْضِيَةً وَعَلِيٌّ رضي الله عنه بِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ بِالْمَدِينَةِ فَتَاوًى وَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا عَطَاءٌ بِمَكَّةَ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَوْلَا اعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ أَنْفُسِهِمْ لَمَا سَوَّغُوا لَهُمْ.
(قُلْنَا إنَّمَا يَتِمُّ) الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ (لَوْ نُقِلَ تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ) أَيْ التَّابِعِينَ (مَعَ إجْمَاعِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (وَلَمْ يَثْبُتْ) تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ إلَّا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ (كَالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهم فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (تَذَاكَرْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَقُلْت أَنَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ لَوْ مَنَعَهُمْ الِاجْتِهَادَ لَسَأَلُوا عَنْهُ قَبْلَ إقْدَامِهِمْ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ قَطْعًا اهـ وَلَيْسَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ السُّؤَالِ بِسَهْلٍ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالتَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي تَابِعِ التَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ (بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ) وَهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنَانِ رضي الله عنهم لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] أَلْقَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» (وَحْدَهُمْ) مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (خِلَافًا لِلشِّيعَةِ) وَاقْتَصَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ فَإِنَّ إجْمَاعَهُمْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ، وَإِنَّمَا الرِّجْسُ الْعَذَابُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَمُسْتَنْكَرٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ هُمْ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا وَهُوَ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] إلَخْ وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهُمْ حُجَّةٌ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالْأَرْبَعَةِ) الْخُلَفَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ (حَتَّى رَدَّ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا) فِي خِلَافَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى ذَلِكَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ (لِبَيْتِ الْمَالِ لِنَفَاذِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ بِرَدِّهَا وَقَبِلَ الْمُعْتَضِدُ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَأَخَذَ عَنْ هِلَالٍ الرَّاوِي وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَغَيْرُهُمَا. وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ بَغْدَادَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يَنْعَقِدُ (بِالشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (تُوجِبُ وَقْفَهُ) أَيْ تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (وَقَوْلُهُ عليه السلام «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا هُوَ حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمَا الْخَطَأُ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا حَالَ اخْتِلَافِهِمَا وَجَبَ حَالَ اتِّفَاقِهِمَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» ) الْمَهْدِيِّينَ عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَأَنَّهُ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيَّنَّا دَلِيلَهُ ثَمَّةَ كَمَا هَذَا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فَيَنْتَفِي عَنْهُمْ الْخَطَأُ.
(أُجِيبُ: يُفِيدَانِ) أَيْ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ (أَهْلِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ) أَيْ أَهْلِيَّةَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ لِاتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ (لَا مَنْعَ الِاجْتِهَادِ) لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الِاقْتِدَاءَ فِيهِمَا (مَعَ إيجَابِهِ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مُفِيدٌ حُجِّيَّةَ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ سِوَاهُمْ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ (إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (آحَادٌ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ بِكَوْنِ إجْمَاعِهِمَا أَوْ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ (وَبِمُعَارَضَتِهِ) أَيْ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِمُعَارَضَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا «بِأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» «وَخُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» ) أَيْ عَائِشَةَ. رضي الله عنها فَإِنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَقَوْلِ عَائِشَةَ، وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» (لَمْ يُعْرَفْ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى مَكْذُوبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ أَقْرَبُهَا إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّهِمْ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِهِ اهْتَدَيْتُمْ» .
وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ النُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» نَعَمْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَالْبَزَّارُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعُ «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُونَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالثَّانِي) أَيْ «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ» مَعْنَاهُ (إنَّكُمْ سَتَأْخُذُونَ) فَلَا يُعَارِضَانِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا وَلَا رَأَيْته فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ " ح م ر " وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ وَرَأَيْته أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِهِ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ «خُذُوا ثُلُثَ دِينِكُمْ مِنْ بَيْتِ الْحُمَيْرَاءِ» وَنَصَّ لَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ إسْنَادًا وَذَكَرَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَافِظَيْنِ الْمِزِّيَّ وَالذَّهَبِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ وَقَالَ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ إلَى الْآنَ،.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا إسْنَادٌ بَلْ قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ يَقُولُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ لَفْظُ الْحُمَيْرَاءِ لَا أَصْلَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي النَّسَائِيّ
فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ (وَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ) أَيْ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِحُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَالشَّيْخَيْنِ (الْحُجِّيَّةُ الظَّنِّيَّةُ) أَمَّا الْحُجِّيَّةُ فَلِلطَّلَبِ الْجَازِمِ لِلِاتِّبَاعِ لَهُمْ وَلَهُمَا، وَأَمَّا الظَّنِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ (وَرَدُّ أَبِي خَازِمٍ) عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا تَرَكَهَا أَقْرِبَاؤُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ كَافَّةُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ (رَدَّهُ أَبُو سَعِيدٍ) أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرْذَعِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ وَقَالَ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْجَصَّاصُ عَنْ أَبِي خَازِمٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعُدُّ زَيْدًا خِلَافًا عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا لَمْ أَعُدَّهُ خِلَافًا وَقَدْ حَكَمْتُ بِرَدِّ هَذَا الْمَالِ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ نَفَذَ قَضَائِي بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِالنَّسْخِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو خَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَوَافَقَهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ فِي زَمَانِهِ.