الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعالى أعلم.
[فتاوى دار الإفتاء المصرية (23/ 8802 - 8805)]
* * *
أَكْلُ اللُّحُوم وَالطُّيُور والدَّوَاجِن المُسْتَورَدَة
(340) السؤال: بناء على ما نشرته مجلَّة الاعتصام - العدد الأوَّل - السَّنة الرابعة والأربعون - المحرَّم 1401 هجريَّة - ديسمبر 1980
بعنوان: (حُكم الإسلام في الطُّيور واللُّحوم المستورَدة)، وقد جاء في المقال الذي حرَّره فضيلة الشيخ عبد اللَّطيف مشتهري - أنَّ المجلَّة أحالت إليه الاستفسارات الواردة إليها في هذا الشأن، وأنَّه رأى إثارته ليكون موضع بحث السادة العُلماء وبخاصَّة لجنة الفتوى بالأزهر، والمفتي. وقد ساق فضيلته في مستهلِّ المقال القواعد الشرعيَّة التالية المستقرَّة على السَّنَد الصحيح من القرآن والسُّنَّة:
1 -
الأصل في كلِّ الأشياء الإباحة؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، فلا يمكن رفع هذا الأصل إلَّا بيقين مثله حتَّى نُحَرِّم المباح، أي أنَّ اليقين لا يُرْفَع بالشكِّ، ويترتَّب على هذه القاعدة أنَّ:
أ- مجهول الأصل في المطعومات المباحة حلال، وفي السوائل المباحة طاهر.
ب - الضروراتُ تُبيحُ المحظورات أو إذا ضاقَ الأمرُ اتَّسع.
ج - ما خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا اختار أيسرَهما، ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم.
د- حِلُّ ذبائح أهل الكتاب ومصاهرتهم بنصِّ القرآن، إذا ذُبِحت على الطريقة الشرعيَّة؛ لأنَّ تحريم الميتة والدَّم وأخواتهما ثابت بالنصِّ الذي لم يُخصَّص.
هـ- ما روي أنَّ قوماً سألوه صلى الله عليه وسلم عن
لحمٍ يأتيهم من ناسٍ لا يَدْرون أَسَمُّوا عليه أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (سَمُّوا اللهَ أَنْتُمْ وَكُلُوا)، وإنْ قال القُرْطبيُّ: إنَّ هذا الحديث مُرْسلٌ عن هشام عن عُرْوَة عن أبيه، لم يختلف عليه في إرساله. أخرجه الدارقطني وغيره.
ثمَّ استطرد المقال إلى أنه إذا أَخْبَرَنا عُدولٌ ثقاتٌ ليس لهم هدفٌ إلَّا ما يُصلِح الناس، وتواطؤهم على الكذب بعيدٌ، فهم من العُلماء الحريصين على خير الأُمَّة، إذا أخبرونا عن شيء يُحرِّمه الإسلام شاهدوه بأعينهم على الطبيعة في موطنه، وصدَّقهم في هذا أفراد وجماعات وجمعيَّات دينيَّة، ومراكز ثقافيَّة إسلاميَّة في نفس الموطن، أعتقد أنَّ تحريم هذا الشيء يجب أن يكون محلَّ نظر واعتبار، يفيدُ الشُّبهة إنْ لم يُفِدِ الحرام.
ثمَّ ساق نُبَذاً من كتاب (الذَّكاة في الإسلام وذبائح أهل الكتاب والأوروبِّيِّين حديثاً) لمؤلِّفه الأستاذ صالح على العود التونسي، المقيم في فرنسا؛ وممَّا نقل عنه:
1 -
إنَّ إزهاق روح الحيوان تجري هناك كالآتي: تُضْرَبُ جبهةُ الحيوان بمحتوى مُسدَّسٍ، فيَهْوي إلى الأرض، ثُمَّ يُسلَخُ.
2 -
إنَّ المؤلِّف زار مَسْلَخَيْنِ بضواحي باريس، ورأى بعينيه ما يعملون؛ لم يكن هناك ذَبْحٌ أو نَحْرٌ، ولا إعمالُ سِكِّينٍ في حُلُقومٍ ولا غيره، وإنَّما تُخْذَف جبهة الحيوان بحديدة قَدْر الأنْمُلَة من مُسدَّسٍ فيموت ويتمُّ سَلْخُه.
أمَّا الدَّجاج فيصعقونه بالتيَّار الكهربائيِّ بمَسِّه في أعلى لسانه، فتزهق أرواحه، ثمَّ يَمُرُّ على آلةٍ تقوم بنَزْع رِيشِهِ. وآخر ما اخترعوه سنة 1970 تدويخ الدَّجاج والطُّيور بمُدَوِّخٍ كهربائيٍّ أوتوماتيكيٍّ.
3 -
جمعيَّة الشباب المسلم في الدَّانمرك وجَّهت نداءً قالت فيه: إنَّ
الدَّجاج في الدَّانمرك لا يُذبَحُ على الطريقة الإسلاميَّة المشروعة.
4 -
أصدر المجلس الأعلى العالمي للمساجد بمكَّة المكرَّمة في دورته الرابعة توصيةً بمنع استيراد اللُّحوم المذبوحة في الخارج، وإبلاغ الشركات المُصدِّرة بذلك، وطالب أيضاً بمنع استيراد المأكولات والمُعلَّبات والحلويَّات والمشروبات التي عُلِمَ أنَّ فيها شيئاً من دُهن الخنزير والخمور.
5 -
نقل عن مجلَّة النهضة الإسلاميَّة العدد (117) مثل ذلك. وأضاف أنَّ الدَّجاج والطُّيور التي تُقتَل بطريق التدويخ الكهربائيِّ توضع في مَغْطَسٍ ضخمٍ حارٍّ جدًّا مُحْرِقٍ يعمل بالبخار؛ حتَّى يلفظ الدَّجاج فيه آخر أنفاسه، ثُمَّ تُشْطَف بآلةٍ أخرى، وتُصَدَّرُ إلى دول الشرق الأوسط، يُكتَب على العبوات:(ذبح على الطريقة الإسلاميَّة).
وأضاف أنَّ بعض المسلمين الذين يدرسون أو يعملون في ألمانيا الغربيَّة والبرازيل أخبروا أنَّهم زاروا المصانع والمسالخ، وشاهدوا كيف تموت الأبقار والطُّيور، وأنَّها كلَّها تموت بالضرب على رؤوسها بقُضْبان من الحديد أو بالمُسدَّسات، وقد قُيِّدَ هذا الموضوع برقم 364 سنة 1980 بدار الإفتاء.
الجواب: إنَّه يَخْلُص من هذا المقال -على نحو ما جاء به- أنَّ اللُّحومَ والدَّواجن والطُّيور المستوردة لم تُذْبح بالطريقة المقرَّرة في الشريعة الإسلاميَّة، وإنَّما تُضْرَب على رأسها، أو يُفْرَغ في الرأس حَشْو مُسدَّسٍ مُميتٍ، أو تُصْعَق بالكهرباء، ثُمَّ تُلْقَى في ماءٍ يغلي، وأنَّها على هذا الوجه تكون ميتةً.
وإذ كانت الميتةُ المُحرَّمة بنصِّ القرآن الكريم هي: ما فارقته الروح من غير ذكاة ممَّا يُذبَح، أو ما مات حُكْماً من الحيوان حَتْفَ أنفه من غير قتلٍ بذكاةٍ، أو مقتولًا بغير ذكاة.
وإذ كانت المَوْقوذَة -وهي التي
تُرْمَى أو تُضْرَبُ بالخشب أو بالحديد أو بالحَجَر حتَّى تموت- محرَّمة بنصِّ القرآن الكريم في آية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]؛ حيث جاءت المَوْقوذَة من المُحرَّمات فيها، والوَقْذُ شِدَّةُ الضرب؛ قال قتادة: كان أهل الجاهليَّة يفعلون ذلك ويأكلونه.
وقال الضحَّاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتَّى يقتلوها فيأكلوها.
وفي (صحيح مسلم) عن عَديِّ بن حاتم قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَإِنِّي أَرْمِي بِالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؛ فقال: إِذَا رَمَيْتَ بِالمِعْرَاضِ فَخَزَقَه فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ)، وفي رواية:(فَإِنَّهُ وَقِيذٌ). (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6 ص 48).
وإذ كان الفقهاء قد اتَّفقوا على أنَّه تَصِحُّ تذكيةُ الحيوان الحيِّ غير الميؤوس من بقائه، فإنْ كان الحيوان قد أصابه ما يُوئِسَ من بقائه؛ مثل أنْ يكون مَوْقُوذاً أو مُنْخَنِقاً، فقد اختلفوا في استباحته بالذَّكاة.
ففي فقه الإمام أبي حنيفة: وإنْ عُلِمَتْ حياتُها، وإنْ قَلَّتْ وَقتَ الذَّبْح، أُكِلَتْ مُطلقاً بكلِّ حال.
وفي إحدى روايتين عن الإمام مالك، وأظهر الروايتين عن الإمام أحمد: متى عُلِمَ بمُستمِرِّ العادة أنه لا يعيش، حَرُمَ أَكْلُه ولا تصحُّ تذكيته. وفي الرواية الأخرى عن الإمام مالك: أنَّ الذَّكاة تُبيحُ منه ما وُجِدَ فيه حياةٌ مُستقرِّةٌ، وينافي الحياة عنده أنْ يندقَّ عُنُقُه أو دماغُه.
وفي فقه الإمام الشافعيِّ: أنه متى كانت فيه حياة مستقرِّة تصحُّ تذكيتُه، وبها يَحِلُّ أَكْلُه باتِّفاق فقهاء المذهب.
والذَّكاة في كلام العرب: الذَّبْح؛ فمعنى {ذَكَّيْتُمْ} في الآية الكريمة: أدركتم ذكاته على التَّمام، إذ يقال: ذَكَّيتُ الذَّبيحةَ أُذَكِّيها؛ مشتقَّة من التَّطَيُّب؛ فالحيوانُ إذا أُسيلَ دمُه فقد
طُيِّب.
والذَّكاة في الشرع: عبارة عن إِنْهارِ الدَّم، وفَرْي الأوْداجِ في المذبوح، والنَّحْر في المنحور، والعَقْر في غير المقدور عليه.
واختلف العُلماء فيما يقع به الذَّكاة، والذي جَرَى عليه جمهور العُلماء أنَّ كُلَّ ما أَنْهَرَ الدَّمَ وأَفْرَى الأوْداجَ فهو آلةٌ للذَّبْح، ما عدا الظُّفْر والسِّن إذا كانا غير منزوعين؛ لأنَّ الذَّبْح بهما قائمين في الجسد من باب الخَنْق.
كما اختلفوا في العُروق التي يتمُّ الذَّبْح بقَطْعِها، بعد الاتِّفاق على أنَّ كماله بقطع أربعة؛ هي: الحُلْقوم، والمَريء، والوَدَجان.
واتَّفقوا كذلك على أنَّ موضع الذَّبْح الاختياري: بين مبدأ الحَلْقِ إلى مبدأ الصَّدْر.
وإذ كان ذلك؛ كان الذَّبْح الاختياريُّ الذي يَحِلُّ به لحمُ الحيوان المباح أَكْلُه في شريعة الإسلام هو ما كان في رَقَبَةِ الحيوان فيما بين الحَلْق والصَّدْر، وأنْ يكون بآلةٍ ذات حَدٍّ تقطع أو تَخْزِق بحَدِّها لا بثِقَلِها، سواء كانت هذه الآلة من الحديد، أو الحَجَر على هيئة سِكِّين، أو سَيْفٍ، أو بَلْطَةٍ، أو كانت من الخشب بهذه الهيئة أيضاً؛ لقول النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام:(مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفْراً) متَّفق عليه.
لمَّا كان ذلك: فإذا ثبت قطعاً أنَّ اللُّحوم والدَّواجن والطُّيور المُستَوْرَدة لا تُذبح بهذه الطريقة التي قرَّرها الإسلام، وإنَّما تُضرَب على رأسها بحديدةٍ ثقيلةٍ، أو يُفرغ في رأسها محتوى مُسدَّس مُميتٍ، أو تُصْعَق بتيَّار الكهرباء ثمَّ تُلقَى في ماءٍ مغليٍّ تَلْفِظ فيه أنفاسها؛ -إذا ثبت هذا - دخلت في نطاق المُنْخَنِقة والمَوْقوذَة المُحرَّمة بنصِّ الآية الكريمة (الآية 3 من سورة المائدة). وما ساقه المقال نقلًا عن بعض
الكتب والنشرات عن طريقة الذَّبْح، لا يكفي بذاته لرفع الحِلِّ الثابت أصلًا بعموم نصِّ الآية الكريمة:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، فَضْلًا عن أنه ليس في المقال ما يدلُّ حتماً على أنَّ المطروح في أسواقنا من اللُّحوم والدَّواجن والطُّيور مستورداً من تلك البلاد التي وَصَف طُرُق الذَّبْح فيها من نَقَل عنهم، ولا بُدَّ أنْ يَثْبُت أنَّ الاستيراد من هذه البلاد التي لا تستعمل سوى هذه الطُّرُق. ومع هذا فإنَّ الطِّبَّ -فيما أعلم- يستطيع استجلاء هذا الأمر، وبيان ما إذا كانت هذه اللُّحوم والطُّيور والدَّواجن المستورَدة قد أُزهِقَت أرواحُها بالصَّعْق الكهربائيِّ والإلقاء في الماء المغلي أو البخار، أو بالضرب على رأسها حتَّى تهوي ميِّتةً، أو بإفراغ محتوى المُسدَّس المميت في رأسها كذلك.
فإذا كان الطبُّ البيطريُّ أو الشرعيُّ يستطيع عِلْمِيًّا بيان هذا على وجه الثبوت، كان على القائمين بأمر هذه السِّلَع استظهار حالها بهذا الطريق أو بغيرها من الطُّرق المُجْدِيَةِ؛ لأنَّ الحلال والحرام من أمور الإسلام التي قُطِعَ فيها بالنصوص الواضحة، فكما قال الله سبحانه:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، قال سبحانه قبل هذا:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]، وقد جاء في (أحكام القرآن ج 2 ص 555) لابن عربي -في تفسيره للآية الأُولى-: فإنْ قيل: فما أكلوه على غير وجه الذَّكاة؛ كالخَنْق، وحَطْم الرَّأس، فالجواب: أنَّ هذه مَيْتَةٌ، وهى حرامٌ بالنصِّ.
وهذا يدلُّ على أنه متى تأكَّدنا أنَّ الحيوان قد أُزهِقَت روحُه بالخَنْق، أو حَطْمُ الرأس، أو الوَقْذ، كان مَيْتَةً
ومحرَّماً بالنصِّ.
والصَّعْق بالكهرباء حتَّى الموت من باب الخَنْق، فلا يحِلُّ ما انتهت حياته بهذا الطريق.
أمَّا إذا كانت كَهْرَبَةُ الحيوان لا تؤثِّر على حياته؛ بمعنى أنه يبقى فيه حياةٌ مستقرَّةٌ ثمَّ يُذبَحُ، كان لَحمُه حلالًا في رأى جمهور الفقهاء، أو أيِّ حياةٍ -وإنْ قلَّت- في مذهب الإمام أبي حنيفة.
وعمليَّة الكهرباء في ذاتها إذا كان الغَرَضُ منها فقط إضعاف مقاومة الحيوان، والوصول إلى التغلُّب عليه وإمكان ذَبْحِه، جائزة ولا بأس بها، وإنْ لم يكن الغَرَض منها هذا، أصبحت نوعاً من تعذيب الحيوان قبل ذَبْحِه، وهو مكروهٌ، دون تأثير في حِلِّه إذا ذُبِح بالطريقة الشرعيَّة حال وجوده في حياة مستقرِّة، أمَّا إذا مات صَعْقاً بالكهرباء فهو ميتة غير مباحة، ومُحرَّمةٌ قطعاً.
وإذ كان ذلك؛ كان الفَيْصَل في هذا الأمر المُثار هو أنْ يَثْبُت على وجهٍ قاطعٍ أنَّ اللُّحوم والدَّواجن والطُّيور المُستورَدة المُتداوَلة في أسواقنا قد ذُبِحَت بواحدٍ من الطرق التي تُصَيِّرُها من المحرَّمات المعدودات في آية المائدة، لا سيَّما والمقال لم يقطع بأنَّ الاستيراد لهذه اللُّحوم من تلك البلاد التي نَقَل عن الكتب والنشرات اتِّباعها هذه الطُّرُق غير المشروعة في الإسلام لتذكية الحيوان، ومِنْ ثَمَّ كان على الجهات المَعْنِيَّة أنْ تتثبَّت فِعْلًا، بمعرفة الطبِّ الشرعيِّ أو البيطريِّ إذا كان هذا مُجْدِياً في استظهار الطريقة التي يتمُّ بها إنهاء حياة الحيوان في البلاد المورِّدة، وهل يتمُّ بطريق الذَّبْح بالشروط الإسلاميَّة، أو بطريقةٍ مُمِيتَةٍ تُخالِف أحكام الإسلام، أو التحقُّق من هذا بمعرفة بُعُوثٍ مَوثوقٍ بها إلى الجهات التي تُستورَد منها اللُّحوم والطُّيور والدَّجاج المعروضة في الأسواق، تتحرَّى هذه البُعُوثُ الأمرَ وتَسْتَوْثِقُ
منه.
أو بتكليف البعثات التجاريَّة المصريَّة في البلاد المُوَرِّدة لاستكشاف الأمر والتحقُّق من واقع الذَّبْح؛ إذ لا يكفي للفصل في هذا بالتحريم مُجرَّد الخبر.
وإلى أنْ يثبت الأمر قطعاً يكون الإعمال للقواعد الشرعيَّة؛ ومنها ما سبق في افتتاح المقال من أنَّ (الأصلَ في الأشياء الإباحة)، وأنَّ (اليقين لا يزول بالشَّكِّ)؛ امتثالًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البزَّار والطبرانيُّ من حديث أبي الدَّرداء بسندٍ حَسَنٍ:(مَا أَحَلَّ اللهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ؛ فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئاً).
وحديث أبي ثَعْلَبَة الذي رواه الطبرانيُّ: (إِنْ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ من غيرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا)، وفي لفظ:(وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا رَحْمَةً لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا).
وروى الترمذيُّ وابن ماجه من حديث سَلْمان: (أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَالْفِرَاءِ الَّتِي يَصْنَعُهَا غَيْرُ المُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ: الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ في كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ في كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ).
وثبت في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم (تَوَضَّأ مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ)، ولم يسألها عن دِباغِها، ولا عن غَسْلِها. (الأشباه والنظائر للسيوطي - تحقيق المرحوم فضيلة الشيخ محمَّد حامد الفِقِي سنة 1356 هجرية- 1938 م- ص 60، في باب الأصل في الأشباه الإباحة حتَّى يدلُّ الدليل على التحريم)، والله سبحانه وتعالى أعلم بالموضوع.
[فتاوى دار الإفتاء المصرية