الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك. وفَّق الله الجميع لإصابة الحقِّ.
[مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (23/ 82 - 8
4)]
* * *
(492)
السؤال: ما تعليقكم على الفتوى التي نُشرت في جريدة المسلمون العدد (24) في 21/ 8/ 1405 هـ
. لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، وقد جاء فيها ما نصُّه:«اللحوم المُستورَدة من عند أهل الكتاب؛ كالدَّجاج، ولحوم البقر المحفوظ، ممَّا قد تكون تذكيته بالصَّعْق الكهربائي ونحوه، حِلٌّ لنا ما داموا يعتبرون هذا حَلالًا مُذَكًّى .. الخ» ا. هـ.
الجواب: هذه الفتوى فيها تفصيل، مع العِلْم بأنَّ الكتاب والسُّنَّة قد دلَّا على حِلِّ ذبيحة أهل الكتاب، وعلى تحريم ذبائح غيرهم من الكفَّار، قال تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] فهذه الآية نصٌّ صريحٌ في حلِّ طعام أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وطعامهم ذبائحهم، وهي دالَّة بمفهومها على تحريم ذبائح غيرهم من الكفار، ويستثنى من ذلك عند أهل العلم ما علم أنه أُهلَّ به لغير الله؛ لأنَّ ما أُهلَّ به لغير الله منصوص على تحريمه مطلقاً؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} الآية [المائدة: 3].
وأمَّا ما ذُبِح على غير الوجه الشرعي؛ كالحيوان الذي علمنا أنَّه مات بالصَّعْق أو بالخَنْق ونحوهما، فهو يعتبر من المَوْقوذَة أو المُنْخَنِقة حسب الواقع، سواء كان ذلك من عمل أهل الكتاب أو عمل المسلمين، وما لم تُعْلَم كيفيَّة ذَبْحِه، فالأصل حِلُّه إذا كان من ذبائح المسلمين أو أهل الكتاب، وما صُعِق أو ضُرِب وأُدْرِك حيًّا، وذكِّي على الكيفيَّة الشرعيَّة، فهو حلال؛ قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} [المائدة: 3]، فدلَّت الآية على تحريم المَوْقوذَة والمُنْخَنِقة، وفي حُكْمهما المَصْعوقة إذا ماتت قبل إدراك ذَبْحها، وهكذا التي تُضْرَب في رأسها أو غيره فتموت قبل إدراك ذَبْحِها، يَحْرُم أَكْلُها؛ للآية الكريمة المذكورة. وبما ذكرنا يتَّضح ما في جواب الشيخ يوسف -وفَّقه الله- من الإجمال.
أمَّا كون اليهود أو النصارى يستجيزون المقتولة بالخَنْق أو الصَّعْق، فليس ذلك ممَّا يجيز لنا أَكْلَهما، كما لو استجازه بعض المسلمين، وإنَّما الاعتبار بما أحَلَّه الشَّرْع المطهَّر أو حَرَّمه، وكون الآية الكريمة قد أجملت حِلَّ طعامهم لا يجوز أن يُؤخَذ من ذلك حِلُّ ما نصَّت الآية على تحريمه من المُنْخَنِقة والمَوْقوذَة ونحوهما، بل (يجب حَمْلُ المُجْمَل عَلَى المُبَيَّن)، كما هي القاعدة الشرعيَّة المقرَّرة في الأصول.
أمَّا حديث عائشة الذي أشار إليه الشيخ يوسف فهو في أُناسٍ مسلمين حُدَثاء عهد بالإسلام وليسوا كفَّاراً، فلا يجوز أن يُحتَجَّ به على حِلِّ ذبائح الكفَّار التي دلَّ الشرع على تحريمها، وهذا نصُّه: عن عائشة رضي الله عنها (أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ. قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ.) رواه البخاري.
والواجب النُّصْح والبيان، والتعاون على البِرِّ والتقوى.
جرى تحريره، وأسأل الله أن يوفِّقنا وفضيلة الشيخ يوسف وسائر المسلمين لإصابة الحقِّ في القول والعمل، إنَّه خير مسؤول، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وآله وصحبه.
[مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (8/ 428 - 430)]