الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا). وقيل: إنَّ النهي للكراهة؛ لأنَّها من مَراكِب أهل السَّرَف والخُيلاء. وقيل: لأنَّه غالباً يبقى فيها شَعْرٌ، والدِّباغ لا يؤثِّر فيه. وقيل: إنَّ النهي عن استعمالها قَبْل الدَّبْغ. وقد رجَّح بعضُ العُلماء جواز الانتفاع بها بعد الدَّبْغ، واختاره الشَّوكانيُّ؛ وذلك لورود الحديث الصحيح بلفظ:(أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ، فَقَدْ طَهُرَ)؛ فلفظه عامٌّ في المأكول وغيره. وذهب أكثر العُلماء إلى أنَّ الدِّباغ إنَّما يؤثِّر في جِلْد مَأْكول اللَّحم؛ لحديث: (دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا)؛ فالذَّكاة لا تُبيح غير المَأْكول، وهذا هو المشهور، ومع ذلك فالواقع أنَّ جُلود السِّباع أصبحت تُباع بأغلى الأثمان، ويُغالِي الكثيرون في اقتنائها واستعمالها، ولا يخرجها ذلك عن الكراهة، والله أعلم.
[الفتاوى الشرعية في المسائل الطبيَّة لابن جبرين (2/ 193) - (الموقع)]
* * *
التِّجَارَةُ بالجُلُودِ
(881) السؤال: إنَّ إخواننا المسلمين في سِبِرْيَا الرُّوسِيَّة غالبُهُم يتَّجِرون بالجُلود، وفيها جُلود مَيْتَةٍ غير مدبوغةٍ، وجُلود غير مذكَّاةٍ، وإنَّهم يسألون عنها ويَسْتَفْتون ما حُكْمُها الشَّرعيُّ
؟ وربَّما تكون المعاملة بين المسلمين بالطائفة القَرْغِزِيَّة، فما حُكْمُ ذلك شرعاً؟ هل تكون فيها توسعة إن قلنا: إنَّ دارنا دار حَرْب، ومذهبنا يوسِّعُ فيها في عِدَّة مسائل؛ كمسألة الرِّبا مثلاً؟ هذه المعاملة ممَّا تَعُمُّ به البَلْوَى في تلك الأَقْطار، والمرجو من الأستاذ حَلَّ هذه المسألة، بحيث يُخْرِجُها عن الشُّبهَة ولا يُوقِع حَرَجاً إن شاء الله تعالى.
الجواب: روى أحمد والشيخان وأصحاب السُّنن الثلاثة من حديث ابن عبَّاس أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الشَّاةِ المَيِّتَة: (هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا)، وهذا
اللَّفظ للبُخاريِّ، وفي رواية أخرى له:(هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)، والإهابُ ككتاب الجِلْد، أو ما لم يُدْبَغ منه؛ كما في (القاموس). ولفظ أحمد ومُسلِم وغيرهما:(هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ. فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا)، وذِكْر الدِّباغ بيانٌ لطريق الانتفاع، وليس فيه حَصْرٌ، وفي لفظٍ لأحمد: إِنَّ دَاجِناً لمَيْمُونَةَ مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا، أَلَا دَبَغْتُمُوهُ، فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ) أي: إنَّ الدِّباغ مُطهِّرٌ كالذَّكاة. ولا ينافي هذا جواز الانتفاع بالإهاب غير المدبوغ، كما تدلُّ عليه الرِّواية المُطلَقَة. وروى مالكٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وابن حِبَّان من حديث مَيمُونة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ رِجَالٌ يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الحِمَارِ، فَقَالَ: لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا! فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: يُطَهِّرُهَا المَاءُ وَالقَرَظُ) صحَّحه ابن السَّكَن والحافظ. ولعَلَّ هؤلاء لو اكتفوا بأمره إيَّاهم بأَخْذِ إهاب المَيْتَة والانتفاع به لَكَفاهم، ولم يذكر لهم غيره، وحَسْبُك بعبارة الحَصْر في قوله:(إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا) أي: لا الانتفاع بها، وحديث:(لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ)؛ قد أُعلَّ بالاضطراب والإرسال؛ فلا يُعارِض هذه الأحاديث الصحيحة، ولا يَنْسَخها.
ولا يُعارِضُها ما ورد في النَّهي عن شحوم المَيْتَةِ؛ فإنَّها ممَّا يُؤكَلُ، فَسُدَّتْ الذريعة إليه.
وأَمْثَل ما قيل في النهي عن استعمال جُلود السِّباع: أنَّها مَدْعاة القَسْوة والكِبْر.
هذا وإنَّ المراد بالتَّنَزُّه عن النجاسة هو أن يكون المؤمن طاهراً نظيفاً بعيداً عن الأقذار، وما فيها من المهانة والمضارِّ، ولذلك كان الدِّباغ مُطهِّراً؛ لأنَّه يُزيل العُفونة والرُّطوبة التي يَنتُنُ بها الجِلْد، فكلُّ ما يُزيل ذلك فهو دباغٌ مُطَهِّرٌ، والذين يشترون جُلود