الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الصحيح وغير ذلك.
وعلى هذا؛ فطعام أهل الكتاب غير الذبائح حلال ولا شيء فيه. أمَّا ذبائحهم فما تأكَّد أنَّه ذُكِر عليها اسم غير الله لا يَحِلُّ أَكْلُه، وعند عدم العِلْم بذلك فيَحِلُّ أَكْلُه؛ لحديث (سَمِّ وكُلْ)، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 3
558 - 3560)]
* * *
(532)
السؤال: بكتاب الهيئة العامَّة للرقابة على الصادرات والواردات
، وقد جاء به أنَّ الهيئة تلقت استفساراً من فرعها بالعريش عن مدى الاعتداد بشهادات الذَّبْح المرافقة لرسائل الدَّواجن المُجمَّدة الواردة من إسرائيل، والتي تفيد أنَّ الذَّبْح قد تمَّ حسب الشريعة اليهوديَّة والمقبولة في الشريعة الإسلاميَّة.
وأنَّ الهيئة ترجو الإفادة عن الرأي الشرعيِّ في الذَّبْح بصفة عامَّة على الشريعة اليهوديَّة، ومدى موافقتها للشريعة الإسلاميَّة، حتَّى يتسنَّى إذاعة هذا الرأي على فروع الهيئة.
الجواب: إنَّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]، وقال:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، وقد اتَّفق عُلماء الإسلام على أنَّه لا يَحِلُّ شيءٌ من الحيوان المأكول البرِّي المقدور عليه بدون ذكاةٍ (أي ذَبْح)؛ لقوله سبحانه في آية المُحرَّمات السابقة:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]؛ فقد استثنى الله سبحانه وتعالى الحيوان المذكَّى من المُحرَّم و (الاستثناء من التحريم إباحة)، والذَّكاة الشرعيَّة التي يَحِلُّ بها الحيوان البرِّي المقدور عليه هي: أن يُذْبَح الحيوان أو يُنْحَر
بآلةٍ حادَّة ممَّا يُنْهِر الدَّم ويَفْري الأوداج، أي: يُفجِّر دَمَ الحيوان ويقْطَع عُروقه من الرَّقبة بين الرأس والصَّدْر، فيموت الحيوان إثْرِها، وأكمل الذَّبْح أن يُقْطَع الحُلْقوم والمَريء -وهما مجرى الطعام والشراب والنَّفَس-، وأن يُقْطَع معهما الوَدَجان -وهما عِرْقان غَليظان بجانبي الحُلْقوم والمَريء-.
والذَّبْح معروف بالفِطْرة والعادة لكُلِّ الناس، وقد أقرَّ الإسلام بيُسْره وسماحته وبساطته ما جرت به عادة الناس وأعرافهم، وأقرَّته سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعليَّة في ذَبْح الأُضحية.
ومِنْ ثَمَّ فما أثاره بعض الفقهاء من أنَّه هل من الواجب في الذَّبْح قَطْع الأربعة (الحُلْقوم والمَريء والوَدَجَين)؟ وهل يجب في المقطوع قَطْع الكُلِّ أو الأكثر؟ وهل يُشترط في القَطْع ألَّا تُقْطَع الجَوْزَة إلى جهة البدن، بل إنَّما تُقْطَع إلى جهة الرأس؟ وهل إن قُطِعَت من جهة العُنُق حَلَّ أَكْلُها أم لا؟ وهل من شَرْط الذَّكاة ألَّا يرفع الذَّابح يده عن الذَّبيحة حتَّى تتمَّ الذَّكاة أم لا؟ كُلُّ هذه التساؤلات خاض فيها الفقهاء دون اعتماد على نصٍّ صريح باشتراطها، والذى ينبغي مراعاته، هو إنْهار دم الحيوان من موضع الذَّبْح المعروف عادةً وعُرْفاً بقَطْع تلك العُروق كُلِّها أو أكثرها؛ للحديث الشريف الصحيح:(مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْوا) رواه البخاري وغيره، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) رواه مسلم عن شداد بن أوس، وما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ) رواه ابن ماجه.
هذا وقد قال أهل اللُّغة: إنَّ كُلَّ ذَبْح ذكاةٌ، وإنَّ معنى التَّذْكية في قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أي:
ما أدركتم وفيها بقيَّة تَشْخُب معها الأَوْداج، وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أُدْرِكَت ذكاتُه.
ذَبائِحُ أَهْل الكِتَاب
اليهود والنصارى هم أهل الكتاب، لأنَّهم في الأصل أهل توحيد، وقد جاء حكم الله في الآية بإباحة طعامهم للمسلمين، وإباحة طعام المسلمين لهم في قوله سبحانه:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، ومعنى هذه الآية على وجه الإجمال -والله أعلم-: أنَّ طعام الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى حِلٌّ لكم بمقتضى الأصل، لم يُحرِّمه الله، وطعامكم كذلك حِلٌّ لهم؛ فلا بأس أن تأكلوا من اللحوم التي ذَكُّوا حيواناتها، أو التي صادوها، ولكم أن تُطعموهم ممَّا تُذكُّون وممَّا تصطادون.
وكلمة: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] عامَّة تشمل كُلَّ طعام لهم، فتَصْدُق على الذبائح والأطعمة المصنوعة من موادَّ مباحة، فكُلُّ ذلك حلالٌ لنا، ما لم يكن مُحرَّماً لذاته، كالمَيْتَة، والدَّم المسفوح، ولحم الخنزير؛ فهذه لا يجوز أَكْلُها بالإجماع، سواء كانت طعام مسلم أو كتابيٍّ.
هل يُشْترَطُ أن تكون ذَبائِحُهُم مُذَكَّاةً بآلَةٍ حَادَّةٍ، وفي الحَلْق؟
لقد اشترط أكثر فقهاء المسلمين لحِلِّ ذبائح أهل الكتاب أن يكون الذَّبْح على الوجه الذي ورد به الإسلام، وقال بعض فقهاء المالكيَّة: إن كانت ذبائحهم وسائر أطعمتهم، ممَّا يعتبرونه مُذَكًّى عندهم حَلَّ لنا أَكْلُه، وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة صحيحة، وما لا يرونه مُذكًّى عندهم لا يَحِلُّ لنا، ثمَّ استدرك هذا الفريق فقال: فإن قيل: فما أَكَلوه على غير وجه الذَّكاة؛ كالخَنْق وحَطْم الرأس؟ فالجواب أنَّ هذه مَيْتَة وحَرامٌ بالنصِّ، فلا نأْكُلُها
نحن كالخنزير؛ فإنَّه حلالٌ ومن طعامهم، وهو حَرامٌ علينا. فهذه أمثلة، والله أعلم (أحكام القرآن لابن العربي - المجلد الثاني ص 553 - 556، طبعة دار المعرفة).
وفي فقه الإمام أبي حنيفة: إنَّما تُؤكَل ذبيحة الكتابيِّ إذا لم يُشهَد ذبحه، ولم يُسمَع منه شيء، أو سُمِع وشُهِد منه تسمية الله تعالى وحده، وقد رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب حين سُئِلَ عن ذبائح أهل الكتاب قوله:«قَدْ أحلَّ اللهُ ذبائحَهم وهو يَعلمُ ما يقولون» (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج - 5 ص 45 و 46).
وفي فقه الإمام الشافعي (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج 8 ص 107، والإقناع بحاشية البيجرمي ج 4 ص 56): أنَّه لو أخبر فاسق أو كتابيٌّ أنَّه ذَكَّى هذه الشاة قَبِلْناه؛ لأنَّه من أهل الذَّكاة.
وما تشير إليه هذه النصوص الفقهيَّة يمكن تجميعه في القاعدة التي قرَّرها الفقهاء؛ وهي: أنَّ (ما غاب عنَّا لا نسأل عنه).
إذ أنَّه ليس على المسلم أن يسأل عمَّا غاب عنه، كيف كانت ذكاته؟ وهل استوفت شروطها أم لا؟ وهل ذُكِر اسمُ الله على الذَّبيحة أم لم يُذْكَر؟ بل إنَّ كُلَّ ما غاب عنَّا ممَّا ذَبَحَه مسلمٌ [-أيًّا كان جاهلاً أو فاسقاً-] أو كتابيٌّ، حَلَّ أَكْلُه.
والأصل في هذا الحديث الذي رواه البخاري، (أَنَّ قَوْماً سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ قَوْماً يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَروا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوا).
فقد قال الفقهاء: إنَّ في هذا الحديث دليلاً على أنَّ التصرُّفات والأفعال تُحمَل على حال الصحَّة والسَّلامة حتَّى يقوم دليل على الفساد والبُطلان.
لمَّا كان ذلك؛ كان الأصل العامُّ المقرَّر من الله في القرآن الكريم في
آيتي (3 و 5) سورة المائدة أنَّ هناك مُحرَّمات استُثْني فيها المُذكَّى، وأنَّ هناك إباحة لطعام أهل الكتاب، اليهود والنَّصارى، ومِنْ طعامهم الذَّبائح، والارتباط بين حكمي الآيتين قائم، فلا بُدَّ أن نُحرِّم من ذبائحهم ما يُعتبَر بحُكم القرآن مَيْتةً أو مُنْخَنِقةً، أو مَوْقوذَةً، أو مُتَردِّيةً، أو نَطيحَةً، أو انتهت حياتها بأحد هذه الأسباب ولم تُدْرَك بالذَّكاة، وكان مع هذا علينا أن نرعى وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ونعمل بها؛ فقد أخرج البزَّار والطَّبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن:(مَا أَحَلَّ اللهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئاً)، وما أخرجه الطَّبراني من حديث أبي ثَعْلَبة:(إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ، فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَّدَ حُدُودًا، فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا)، وفي لفظ:(وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا رَحْمَةً لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا).
وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث سَلْمان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَالفِرَاءِ الَّتي يصنَعُها غيرُ المسلمينَ، فقال:(الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ)(الأشباه والنظائر للسيوطي تحقيق المرحوم الشيخ حامد الفقي سنة 1356 هجريَّة - 1938 م ص 60 في باب الأصل في الأشياء الإباحة حتَّى يدلَّ الدليل على التحريم)؛ إذ أنَّ هذه الأحاديث تدلُّ صراحةً على أنَّه لا ينبغي أن نُسارع إلى تحريم شيء لم يُحرِّمه الله صراحةً، ولا بُدَّ أن نتثبَّت قبل التحريم، وأن نُرجع الأمر إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان الله ورسوله قد بيَّنا
للمسلمين الحلال والحرام على هذا النحو الذي لا شُبْهة فيه؛ كان الحكم الشرعيُّ العامُّ أنَّ ذبائح اليهود والنصارى حِلٌّ للمسلمين بنصِّ القرآن الكريم وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً؛ فقد ثبت في الصحيحين (أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ)، ولم يسألْها عن دِباغِها، ولا عن غسلِها. (المزادةُ وعاءٌ من جِلْدٍ من طبقةٍ أو طبقتين أو ثلاث يحمل فيه الماء. المصباح وتاج العروس في مادة زود).
وللخبر المشهور من حديث أنس رضي الله عنه: (أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا) أي: دون أن يسأل عن طريق ذَبْحِها، أو يتحقَّق من آلة الذَّبْح. (الروض النضير ج 3 ص 167 وما بعدها).
لمَّا كان ذلك، ونزولاً على ما صرَّح به الفقهاء من قبول خبر المسلم الفاسق أو الجاهل وخبر الكتابيِّ في حِلِّ الذَّبيحة، باعتبار أنَّ كُلًّا منهم أهلٌ للذَّكاة بنصِّ القرآن والسُّنَّة، على ما سلف بيان سنده؛ يجوز الاعتداد بشهادات الذَّبْح المرافقة لرسائل الدَّواجن واللحوم التي تُستورَد من بلادٍ يقوم بالذَّبْح فيها كتابيُّون (اليهود والنصارى).
وذلك ما لم يظهر من فحص رسائل الدَّواجن واللحوم المستوردة أنَّها لم تُذْبح، وإنَّما أُمِيتَت بالصَّعْق بالكهرباء، أو بالقَذْف بالماء المَغْلي، أو في البُخار، أو بالضرب على الرأس، أو بإفراغ محتوى المسدَّس المُميت في رأسها، أو متى ظهر أنَّها قد أُزهِقَت أرواحها بطريق من هذه الطُّرُق وأمثالها، أصبحت مَيْتةً مُحرَّمة؛ لأنَّها بهذا تدخل في نطاق آية المُحرَّمات (الآية الثالثة) في سورة المائدة.
ولمَّا كان الحلال والحرام من أمور الإسلام التي قَطَع فيها كُلُّ من القرآن