الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالنجاسات وإن قَلَّت، فوجب أن يُراق ما بها إذا وقعت فيه نجاسة؛ أَخْذاً بالحَيْطَة، ودَرْءًا للشُّبْهة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(مَنِ اتَّقَى اَلشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ). والله وليُّ التوفيق.
[مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (10/ 15 - 17)]
* * *
المِقْدَارُ الذِي يَنْجُسُ بِهِ المَاءُ الطَّهُورُ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ
(719) السؤال: ما هو المِقْدارُ الذي إذا خالَطَ الماءَ الطَّهورَ وهو نَجِسٌ يُنجَّسُ به الماءُ الطَّهور
؟
الجواب: المقدار المتَّفَق عليه بين أهل العِلْم هو أنَّ ما غيَّر صفة الماء، أي ما غيَّر لونه أو طعمه أو ريحه من نجاسة، فهو نَجِسٌ. هذا بإجماع أهل العِلْم، وإن كان أقلَّ من قُلَّتين وخالطته نجاسة ولم يتغيَّر، فهذا موضع خلاف، فالأحوط اجتنابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إِذَا بَلَغَ المَاءُ القُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ)؛ فالاحتياط تَرْكُه إذا كان ينقص عن القُلَّتين ولم يتغيَّر بالنجاسة؛ خروجاً من الخلاف.
[المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (533) - (الموقع)]
* * *
إزالةُ النَّجاسَةِ بِغَيْرِ المَاءِ
(720) السؤال: [هل تَزولُ النَّجاسَة بغير الماء
؟]
الجواب: أمَّا إزالة النَّجاسة بغير الماء ففيها ثلاثةُ أقوالٍ في مذهب أحمد:
أحدُها: المنعُ؛ كقول الشَّافعيِّ، وهو أحد القولين في مذهب مالكٍ، وأحمد.
والثَّاني: الجوازُ؛ كقول أبي حنيفة، وهو القول الثَّاني في مذهب مالكٍ، وأحمد.
والقولُ الثَّالث في مذهب أحمد: أنَّ ذلك يجوز للحاجة؛ كما في طهارة فَمِ الهِرَّة بِريقِها، وطهارة أفواه الصِّبيان بأرْياقِهم، ونحو ذلك.
والسُّنَّة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء: (حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالمَاءِ)، وقوله في آنية المَجُوس:(ارْحَضُوهَا، ثُمَّ اغْسِلُوهَا بِالمَاءِ)، وقوله في حديث الأعرابيِّ الذي بال في المسجد:(صُبُّوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ)، فأمر بالإزالة بالماء في قضايا مُعيَّنةٍ، ولم يأمُر أمراً عامًّا بأن تُزال كُلُّ نجاسةٍ بالماء، وقد أَذِنَ في إزالتها بغير الماء في مواضع:
منها: الاستجمار بالأحجار، ومنها: قوله في النَّعلَيْن: (ثُمَّ لِيَدْلُكْهُمَا بِالتُّرَابِ، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُما طَهُورٌ)، ومنها: قوله في الذَّيْل: (يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ)، ومنها: أَنَّ الكِلَابَ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لم يكونوا يَغْسِلُون ذَلِكَ)، ومنها: قوله في الهِرِّ: (إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ)، مع أنَّ الهِرَّ في العادة يأكُل الفأر، ولم تكن هناك قناةٌ تَرِدُ عليها تُطهِّر بها أفواهها بالماء، بل طَهَّرها ريقها، ومنها: أَنَّ الخَمْر المُنقَلِبَة بنفسها تَطْهُر باتِّفاق المسلمين.
وإذا كان كذلك؛ فالرَّاجح في هذه المسألة أنَّ النَّجاسة متى زالت بأيِّ وجهٍ كان، زال حُكمُها، فإنَّ الحُكْم إذا ثبتَ بعِلَّةٍ زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النَّجاسة لغير حاجةٍ؛ لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها.
والذين قالوا: لا تزول إلَّا بالماء؛ منهم من قال: إنَّ هذا تعبُّدٌ.
وليس الأمر كذلك؛ فإنَّ صاحب الشَّرع أَمَرَ بالماء في قضايا مُعيَّنةٍ لتَعَيُّنه؛ لأنَّ إزالتها بالأشربة التي يَنْتَفِع بها المسلمون إفسادٌ لها، وإزالتُها بالجامدات كانت مُتَعذِّرةً؛ كغسل الثَّوب والإناء والأرض بالماء؛ فإنَّه من المعلوم أنَّه لو كان عندهم ماء وَرْدٍ وخَلٌّ وغير ذلك، لم يأمُرْهم بإفساده؛ فكيف إذا لم يكن عندهم؟
ومنهم من قال: إنَّ الماء له من اللُّطْف ما ليس لغيره من المائعات، فلا يُلْحَق غيره به.
وليس الأمر كذلك؛ بل الخَلُّ، وماء الوَرْد، وغيرهما يُزيلان ما في الآنية من النَّجاسة كالماء وأبلغ، والاستحالة له أبلغُ في الإزالة من الغَسْل بالماء؛ فإنَّ الإزالة بالماء قد يَبْقَى معها لون النَّجاسة فيُعْفَى عنه؛ كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:(يَكْفِيكِ المَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ). وغير الماء يُزيل الطَّعْم واللَّوْن والرِّيح.
ومنهم من قال: كان القياس أن لا يزول بالماء لتَنْجيسِه بالمُلاقاة، لكن رُخِّصَ في الماء للحاجة؛ فجَعَل الإزالة بالماء صُورةَ استحسانٍ، فلا يُقاسُ عليها.
وكلا المُقدِّمَتَين باطلةٌ؛ فليست إزالتُها به على خلاف القياس أَنَّ الحُكْم إذا ثَبَتَ بعِلَّةٍ زالَ بزوالها.
وقولهم: إنَّه يَنْجُس بالمُلاقاة ممنُوعٌ، ومَنْ سَلَّمَه فَرَّق بين الوارد والمَوْرود، وبين الجاري والواقف. ولو قيل: إنَّها على خلاف القياس؛ فالصَّواب أنَّ ما خالف القياس يُقاس عليه إذا عُرِفَت عِلَّتُه؛ إذ الاعتبار في القياس بالجامع والفارق، واعتبار طهارة الخَبَث بطهارة الحَدَث ضعيفٌ؛ فإنَّ طهارة الحَدَث من باب الأفعال المأمور به؛ ولهذا لم تَسْقُط بالنِّسيان والجهل، واشْتُرِط فيها النِّيَّةُ عند الجمهور.
وأمَّا طهارة الخَبَث فإنَّها من باب التُّرُوك؛ فمقصودها اجتناب الخَبَث؛ ولهذا لا يُشتَرَط فيها فِعْلُ العَبْد ولا قَصْدُه، بل لو زَالَت بالمَطَر النَّازل من السَّماء حصل المقصود، كما ذهب إليه أئمَّة المذاهب وغيرهم.
ومن قال من أصحاب الشَّافعيِّ، وأحمد: إنَّه يُعتبَر فيها النِّيَّة؛ فهو قولٌ شاذٌّ مُخالِفٌ للإجماع السَّابق، مع مُخالفَته لأئمَّة المذاهب، وإنَّما قيل مثل هذا مِنْ ضِيق المجال في المُناظرة؛ فإنَّ المُنازِعَ لهم في مسألة النِّيَّة قاسَ طهارةَ