الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقصودةً وإنَّما إزالة النجاسة هو التخلِّي من عَيْنٍ خبيثةٍ نَجِسَةٍ؛ فبأيِّ شيءٍ أزال النجاسة وزال أثرها، فإنَّه يكون ذلك الشيءُ مُطهِّراً لها، سواء كان بالماء، أو بالبنزين، أو بأيِّ مُزيل يكون، متى زالت عَيْنُ النجاسة بأيِّ شيء يكون فإنَّ ذلك يُعتبر تطهيراً لها.
وهو على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لو زالت النجاسة بالشمس والرِّيح فإنَّه يَطْهُر المَحلُّ؛ لأنَّها كما قلت: هي عَيْنٌ نَجِسَةٌ خبيثةٌ، متى وُجِدَت صار المَحلُّ مُتنجِّساً بها، ومتى زالت عاد المكان إلى أصله؛ أي: إلى طهارته، فكُلُّ ما تزول به عَيْنُ النجاسة وأثرُها فإنَّه يكون مُطهِّراً لها، إلَّا أنَّه يُعفَى عن اللَّون المَعْجوز عنه.
وبناءً على ذلك نقول: إنَّ البُخار الذي تُغسل به الأَكْوات
(1)
وثياب الصوف، وما أشبهها إذا زالت به النجاسة فإنَّه يكون مُطهِّراً.
[فتاوى نور على الدرب - ابن عثيمين (3/ 282)]
* * *
اسْتِعْمَالُ مَاءِ آبَارِ ثَمُودَ
(722) السؤال: استعمالُ آبارِ ثَمودَ غير بئر النَّاقة، هل النَّهيُ عنه نَهيُ تَنْزيهٍ أم تَحريمٍ؟ وهل فيه خِلافٌ أم لا
؟
الجواب: ثبت في الصَّحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ العَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ)، فهذا اللَّفظ مُتَّفقٌ عليه.
وفي روايةٍ أخرى عند البخاريِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَّما نَزَلَ الحِجْرَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ، أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا،
(1)
الأكوات: المعاطف التي تُلْبَس فوق الثياب.
وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ العَجِينَ، وَيُهْرِيقُوا ذَلِكَ المَاءَ).
وهذه المسألة خَلَتْ عنها أكثر كُتُب الأصحاب فيما وَقَفْتُ عليه، وذَكَرها الشيخ محيي الدِّين النَّوويُّ رحمه الله تعالى في (شرح المُهَذَّب) فقال: استعمال ماء هذه الآبار المذكورة مكروهٌ أو حَرامٌ إلَّا لضرورةٍ؛ لأنَّ هذه سُنَّةٌ صحيحةٌ لا مُعارِض لها، وقد قال الشافعيُّ رحمه الله تعالى: إذا صَحَّ الحديث فهو مَذْهَبي؛ فيمتنع استعمال آبار الحِجْر إلَّا بئر النَّاقة، ولا يُحكَم بنَجاسَتها؛ لأنَّ الحديث لم يَتَعَرَّض للنَّجاسة، والماء طهورٌ بالأصالة. هذا لفظُه.
والذي اختاره غيره ممَّن تكلَّم على هذا الحديث -وهو الإمام أبو العبَّاس القرطبيُّ-: أنَّ هذا حُكْمٌ على هذا الماء بالنَّجاسة؛ لأنَّ هذا حُكْمُ ما خالَطَتْه النَّجاسة أو كان نَجِساً، ولأنَّه لولا نجاسَتُه لما أُتلِفَ الطعامُ المحترم شَرْعاً مِنْ حيث إنَّه ماليَّة، وأنَّه غذاء الأبدان وقَوامُها.
وهذا هو الذي يظهر في هذه المسألة، فقد استدلَّ أصحابنا بمِثْلِ هذا الحكم على نجاسة سُؤْر الكَلْب لمَّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيُرِقْهُ
…
) الحديث. أخرجه مسلم؛ فقالوا: قد نَهَى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فلو لم يكن هذا نَجِساً لما أَمَرَنا بإراقته.
وكذلك قالوا في أَمْرِه صلى الله عليه وسلم بكَسْر القُدور يوم خَيْبَر أوَّلاً، ثُمَّ بغَسْلِها ثانياً لمَّا طُبِخَ فيها لحمُ الحُمُر الأهليَّة، أنَّ ذلك يدلُّ على نجاستها، وأنَّ الذَّكاة لا تُطَهِّر ما لا يُؤكَل لحمُه.
وأيضاً فالمَنْع من استعمال هذا الماء، والأَمْرُ بإتلاف ما خالَطَه من الطَّعام المحترم دائرٌ بين أن يكون تَعبُّداً، أو لمعنًى معقولٍ، وحَمْلُه على الثاني أَوْلَى؛