الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّبيِّ تُؤكَلُ إذا أَطاقَ الذَّبْح وعَرَفَه، فكذلك صَيدُه عندي بمنزلة الذَّبْح.
[المدوّنة الكبرى (1/ 535)]
* * *
صَيْدُ أَهْلِ الكِتَابِ
(628) السؤال: قلتُ: أرأيتَ النَّصرانيَّ واليهوديَّ أيُؤكَلُ صَيْدُهما في قول مالكٍ إذا قَتَلَت الكِلابُ الصَّيْد
؟
الجواب: قال: قال مالكٌ: تُؤكَلُ ذبائحهما، وأمَّا صَيْدُهما فلا يُؤكَل، وتلا هذه الآية:{تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]، ولم يذكر الله بهذا اليهود ولا النَّصارى، ولا يُؤكَل صَيدُهما.
[المدوّنة الكبرى (1/ 53
6)]
* * *
(629)
[المائدة: 94]؛ هل هذه الآية خطابٌ للمؤمنين فيما نُهِيَ المُحْرِم عنه من الصَّيْد، أو هي خطابٌ لهم في غير مناسك الحجِّ؟ وما الدليل على أنَّها في الحجِّ، أو غيره؟ فإنَّ عندنا رَجُلاً يقول: إنَّما يقول إنَّ هذه الآية في الحجِّ من لا يعرف القرآن ولا يفهمه. قال: وإنَّما في المُحْرِم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
قال: وليس للمُحْرِم عذابٌ أليمٌ، وإنَّما عليه الجزاء، وإنَّما العذابُ الأليمُ لمن تعدَّى فأَكَلَ المَيْتَة، أو وَجَدَ الصَّيدَ مَيِّتاً فأَكَلَه أو باعَهُ، وقال للناس: إنِّي صِدْتُه، فهذا معنى قوله:{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} عنده.
وذهب في هذا كُلِّه إلى أنَّ صيدَ أهل الكتاب حَرامٌ دون كراهته، كتحريم الخنزير والمَيْتَة. واحتج في ذلك بهذه الآية، وقال: لا فَرْق بينه وبين لحم الخنزير، والمَيْتَة، والدَّم.
فالرغبة إلى فضلك في بيان الحقِّ
والصواب إن شاء الله، ومن أجازه من العُلماء دون كراهته؟ وما الوجه الذي أجازوه من أجله؟ ومن كَرِهَه منهم؟ وما الوجه الذي كرهوه من أجله، ولم يُلْحِقوه بالحلال ولا بالحرام المَحْض؟ وهل قال أحدٌ من العُلماء: إنَّه حَرامٌ كالمَيْتَة، كما قال هذا الرَّجُل، أم لا؟ فإنِّي ما رأيت هذا الوجه قطُّ.
وهل يجوزُ صيد أهل الكتاب، إذا عُلِمَ أنَّهم لم يذكروا اسمَ الله عليه، عند من يقول بتحليل صيد أهل الكتاب مع قول الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، كما يجوز أَكْلُ طعامهم، وهم يَتَّجِرون بالرِّبا، مع قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] أم لا؟
وكذلك ما ذَكُّوه وذَبَحُوه من غير الصَّيد، وما الحُجَّة عند من أجازه، وعند من لم يُجِزْه منهم؟ مأجوراً مشكوراً، إن شاء الله تعالى.
الجواب: تصفَّحتُ السؤال ووقفتُ عليه، والصحيح في الآية أنَّ المراد بها المُحْرمون؛ لأنَّها نزلت فيهم، كذلك قال جماعة من العُلماء من أهل التفسير وغيرهم، وممَّن نصَّ على ذلك ابنُ حبيب في (الواضحة)، وروي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: نزلت هذه الآية بالحُدَيبية؛ ابتلاهم الله بالوحش، فكانت تغشى رِحَالَهم كَثْرةً. ومعنى الابتلاء: الاختبار، فأراد الله أن يختبرهم ليعلم من يخافه بالغيب منهم في ترك الصيد المُحرَّم عليهم، مع تمكُّنه لهم. ومعنى {لِيَعْلَمَ}: أي ليعلم وقوع الطاعة والمعصية منهم؛ فيجازي الطائع بطاعته، ويعاقب العاصي على معصيته، أو يتجاوز له عنها، إذ قد تقدَّم عِلْمُه في الأزل بمن يُطيعه ممَّن يَعْصيه، لا إله إلَّا هو.
ومعنى قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: من تجاوز فقتل الصيد، بعد عِلْمِه بالنَّهي. وقوله:
{فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} معناه عند من أوجب الجزاء على من قتل الصَّيد متعمِّداً: ضَرْبٌ وَجيعٌ. وعند من لم ير الجزاء إلَّا على المخطئ، أو الناسي لإحرامه المتعمِّد للصَّيد: عذابٌ أليمٌ في الآخرة. وقيل: الاعتداء المعاودة، ومن عاد فقتل الصَّيد ثانيةً، لم يكن عليه جزاءٌ، واستوجب النقمة بقوله عز وجل:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وهو العذاب في هذه الآية، ذهب إلى هذا جماعةٌ من العُلماء.
وأمَّا صيد أهل الكتاب فهو على مذهب مالك رحمه الله حَرامٌ لا يُؤكَلُ منه إلَّا ما أدركوا ذكاته، فذَكَّوه بما يُذَكَّى به الإنسي.
ودليله على ذلك: توجُّه الخِطاب في إباحة الصِّيد إلى المسلمين دون الكُفَّار، في جميع آي القرآن.
وذهب جماعة من أهل العِلْم إلى إباحة الصِّيد؛ لقول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وهو قول أَشْهَب وابن وَهْب وعلي بن زياد من أصحاب مالك، وإيَّاه اختار سُحْنون.
وكَرِهَه جماعةٌ من أهل العِلْم؛ منهم: ابن حَبيب. والكراهة من ذلك على مذهب من أجازه، بيِّنةٌ؛ لوجهين:
أحدهما: مراعاة الخلاف لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ؛ فَمَنِ اتَّقَى المُشْتَبِهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ
…
) الحديث.
والثاني: أنَّ الصَّيد له حدودٌ تَلْزَم معرفتُها، فإذا كان صيدُ الجاهل بها الذي لا يَرِعُ عن توقِّي ما يلزمه أنْ يتوقَّاه في صيده مكروهاً؛ فالذمِّيُّ أحرى أنْ يُكرَهَ صَيدُه.
ومن يُجيزُ صيدَ أهل الكتاب لا يَشترِط في جواز ذلك التَّسْمية؛ إذ لا تصحُّ التَّسْمية منهم.
وقول الله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]؛ قيل: المراد بذلك التَّذْكية لا التَّسْمية،