الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كفَّاراً مرتدِّين، هذا فيه صعوبة إلَّا بعد معرفة الحقيقة وإقامة الحُجَّة والبرهان والعِلْم عند الله.
[ثمر الغصون من فتاوى ابن غصون (12/ 320)]
* * *
رابعاً: آدابُ وسُنَن الذَّبْح
الرِّفْق وَالإِحْسَانُ إِلَى الحَيْوَانِ
(585) السؤال: الدكتور/ .... من أستراليا، وجَّه سؤالاً حول نقل الحيوان من أستراليا إلى الشرق الأوسط، وما يتعرَّض له من ظروف الشحن السيِّئة، طالباً من فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن يجيبه على سؤاله
.
الجواب: من عبد العزيز بن عبد الله ابن باز إلى جناب الأخ المُكرَّم
…
-وفقنا الله وإيَّاه- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد اطَّلعتُ على رسالتكم بخصوص ما رغبتم في كتابته منَّا، في موضوع نقل الحيوان من بلادكم بأستراليا إلى الشرق الأوسط، وما يتعرَّض له من ظروف الشَّحْن السيِّئة، وأحوال السفن التي يُنقل عليها، وما
ينتج من الزحام، وما إلى ذلك.
وإذ ندعو الله أن يسلك بنا وبكم وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، لنشكركم على اهتمامكم بهذا الجانب المهمِّ، كما تسرُّنا إجابتكم على ضوء نصوص الكتاب الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، الواردة بالحث على الإحسان الشامل للحيوان -مأكول اللحم وغير مأكوله- مع طائفة من الأحاديث ممَّا صحَّ في الوعيد لمُعذِّبه، سواء كان ذلك نتيجة تجويع، أو إهمال في حالة نقل أو سواها.
فممَّا جاء في الحثِّ على الإحسان الشامل للحيوان: قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90]، وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأصحاب السُّنن:(إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) وفي رواية: (فَأَحْسِنُوا الذَّبْحةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).
وفي إغاثة الملهوف: منه صحَّ الخبر بعظيم الأجر لمغيثه، وغفران ذنبه، وشكر صنيعه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ).
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ،
فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ) رواه مسلم في صحيحه.
وكما حثَّ الإسلام على الإحسان، وأوجبه لمن يستحقُّه، نهى عن خلافه من الظُّلْم والتَّعدِّي، فقال تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19].
وفي (صحيح مسلم) أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما مرَّ بنَفَرٍ قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلمَّا رأوا ابن عمر تفرَّقوا عنها، فقال ابن عمر:(مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا).
وفيه عن أنس رضي الله عنه: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ)، أي أن تُحبَس حتَّى تموت.
وفي رواية عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا).
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّحْلَةِ، والنَّمْلَةِ، وَالهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وفي (صحيح مسلم) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ).
وفي (سنن أبي دواد) عن أبي واقد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ)، وأخرج الترمذي (مَا قُطِعَ مِنَ الحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ).
وعن أبي مسعود قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ بِجَنَاحَيْهَا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا. وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ
هَذِهِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عز وجل عَنْهَا، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيَرْمِي بِهَا) رواه النسائي والحاكم وصحَّحه. وهذا موجب لترك ذلك، وهو عين الرحمة بهذه الأنعام وغيرها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمار قد وُسِمَ وجهه، فقال:(لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ) رواه مسلم، وفي رواية له:(نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) وهذا شامل للإنسان والحيوان.
فهذه النصوص وما جاء في معناها، دالَّة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه، حتَّى ما ورد الشرع بقتله؛ كالخمس الفواسق (الْغُرَابِ، وَالعَقْربِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحَدَأَةِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ)، وعند البخاري:(وَالحَيَّةِ).
ومنطوق هذا ومفهومه: عناية الإسلام بالحيوان؛ سواء ما يجلب له النفع، أو يدرأ عنه الأذى.
فالواجب جعل ما ورد من ترغيب في العناية به، وما ورد من ترهيب في تعذيبه في أيِّ جانب يتَّصل به أن يكون نصب الأعين وموضع الاهتمام، ولا سيَّما النوع المشار إليه من الأنعام؛ لكونه محترماً في حدِّ ذاته أَكْلاً وماليَّة، ويتعلَّق به أحكام شرعيَّة في وجوه الطَّاعات والقُرُبات من جهة، ومن أخرى لكونه عُرْضَة لأنواع كثيرة من المتاعب عند شحنه ونقله بكمِّيَّات كبيرة خلال مسافات طويلة، ربَّما ينتج عنها تزاحم مُهْلِكٌ لضعيفها، وجُوعٌ وعطشٌ، وتفشِّي أمراض فيما بينها، وحالات أخرى مُضرَّة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادَّة من أولياء
الأمور، بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل، والإعاشة من الطعام والسَّقْي، وغير ذلك من تهوية وعلاج، وفصل الضعيف عن القويِّ الخَطِر، السقيم عن الصحيح في كُلِّ المراحل حتَّى تسويقها قَدْر المستطاع، وهو اليوم شيء ممكن للمؤسَّسات المُستثمِرَة، والأفراد والشركات المُصدِّرة والمُستوْرِدة، وهو من واجب نفقتها على مُلَّاكها، ومن هي تحت يده بالمعروف.
وممَّا يؤسف منه، ويستوجب الإنكار، وجاء البيان والتحذير منه، الطُّرُق المُستخدَمة اليوم في ذَبْح الحيوان مأكول اللحم في أكثر بلدان العالم الأجنبي، وما يُمهَّد له عند الذَّبْح منه بأنواع من التعذيب؛ كالصَّدْمات الكهربائيَّة في مركز الدِّماغ لتخديره، ثمَّ مروره بكلاليب تخطفه وتُعلِّقه مُنَكَّساً وهو حيٌّ، مارًّا بسَيْر كهربائيٍّ حتَّى موضع من يتولَّى ذَبْحَه لدى بعض مصانع الذَّبْح والتعليب، ومنها نَتْفُ ريش الدَّجاج والطيور وهي حيَّة، أو تغطيسها في ماءٍ شديد الحرارة وهي حيَّة، أو تسليط بخارٍ حارٍّ عليها لإزالة الرِّيش، زاعمين أنَّه أرفق بما يُراد ذَبْحُه من الحيوان، حسبما هو معلوم عن بعض تلك الطُّرُق للذَّبْح.
وهذا فيه من التعذيب ما لا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه، والحثِّ على ذلك في الشريعة الإسلاميَّة السَّمْحاء، وكُلُّ عمل مخالف لها يعتبر تعدِّياً وظُلْماً، يُحاسَبُ عليه قاصِدُه؛ لما سَلَفَ ذِكْرُه، ولما صحَّ في الحديث:(إِنَّ اللهَ لَيَقْتَصُّ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ)، فكيف بمن يعقل الظُّلْم ونتائجه السيِّئة؟
وبناء على النصوص الشرعيَّة ومقتضياتها، بوَّب فقهاء التشريع الإسلامي ما يجب وما يُستحبُّ، أو يَحْرُم ويُكْرَه بخصوص الحيوان بوجهٍ عامٍّ.
وممَّا يتعلَّق بالذَّكاة لمباح الأَكْل بوجهٍ تفصيليٍّ خاصٍّ، نسوق طائفة ممَّا يتعلَّق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته، ومنه المستحبَّات الآتية:
1 -
عَرْضُ الماء على ما يُراد ذَبْحُه؛ للحديث السابق: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
…
) الحديث.
2 -
أن تكون آلة الذَّبْح حادَّة وجيِّدة، وأن يُمِرَّها الذَّابح على محلِّ الذَّكاة بقوَّة وسرعة، ومَحلُّه اللَّبَّة من الإبل، والحَلْق من غيرها من المقدور على تذكيته.
3 -
أن تُنْحَر الإبل قائمةً معقولةً يدُها اليُسْرى -إن تيسَّر- موجَّهة إلى القِبْلَة.
4 -
ذَبْح غير الإبل مضطجعةً على جَنْبِها الأيسر -إن كان أيسر للذَّابح- ويضع رِجْلَه على صفحة عُنُقها، غير مشدودة الأيدي أو الأَرْجُل، وبدون ليِّ شيءٍ منها أو كَسْره قبل زهوق روحها وسكون حركتها، ويُكْرَه خلع رَقَبَتِها كذلك، أو أن تُذْبَح وأخرى تنظر.
هذه المذكورات ممَّا يُستحبُّ عند التَّذْكية للحيوان؛ رحمةً به، وإحساناً إليه.
ويُكْرَه خِلافُها ممَّا لا إحسان فيه؛ كجَرِّه برِجْله؛ فقد روى عبد الرَّزَّاق موقوفاً: أنَّ ابنَ عُمَر رأى رَجُلًا يَجُرُّ شاةً برِجْلِها ليَذْبَحَها، فقال له:(وَيْلَكَ، قُدْهَا إِلَى المَوْتِ قَوْدًا جَمِيلًا).
أو أن يَحدَّ الشَّفْرة والحيوانُ يُبْصِرُه وقت الذَّبْح؛ لما ثبت في (مسند الإمام أحمد) عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ)، وما ثبت في (معجمي الطبراني الكبير والأوسط)، ورجاله رجال الصحيح، عن عبد الله ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِىَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهَا، قَالَ: أَفَلَا