الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: لُعابُ الحيوان يأخذُ حُكم لحمه؛ لأنَّه مُتولِّد منه، ولحم الكَلْب نَجِسٌ؛ فلُعابُه نَجِسٌ، فإذا كانت الحشائش التي كان الكَلْب عليها يَلْحَسُها مُبتَلَّة حين جَلَسْتَ عليها فقد تَنَجَّسَت ثيابُك، وإذا كانت جافَّةً ثيابُك طاهرةٌ.
أمَّا الوُلوغ في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)، معناه: شَرِبَ بطَرَفِ لِسانِه في الإناء فحرَّكه. وقيل: هو أن يُدْخِل لِسانَه في الماء وغيره من كُلِّ مائع فيُحرِّكه -شَرِبَ أم لم يَشْرَب- فإن كان غير مائع يقال: لَعَقَه.
والتَّطْهير من لُعاب الكَلْب إن كان المُتنَجِّس ثياباً ونحوه، يكون بغَسْل الثوب ثلاث مرَّات، والعَصْر بعد كُلِّ مرَّة، كما هو الحال في التَّطْهير من المائعات النَّجِسة، وإن كان المنتج من لُعاب الكَلْب إناءٌ وَجَب تَطْهيرُه بغَسْلِه سَبْع مَرَّاتٍ عند جمهور العُلماء الفُقهاء، وروى بعضُ الفُقهاء أنَّ إحدى الغَسْلات يجب أن تكون بالتُّراب؛ أخذاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
-فيما يرويه أحمد ومسلم-: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)، وفي رواية:(أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ).
ويرى الحنفيَّة أنَّ الواجب هو الغَسْل ثلاث مَرَّات؛ كما هو الشأن في التطهير من باقي النجاسات، والغَسْل سَبْع مَرَّات من لُعاب الكَلْب إنَّما هو على سبيل النَّدْب لا الوجوب.
[فتاوى عبد الحليم محمود (2/ 232)]
* * *
إِلْحَاقُ الخَنْزِيرِ بِالْكَلْبِ
(749) السؤال: سُئِلَ القاضي أبو حَفْص عمر القلشاني عن قول ابن الحاجب: «وفي إلحاق الخنزير به روايتان» ؛ ما معنى رواية الإلحاق
؟ وهل يُلْحَق به في مُطْلَق الغسل خاصَّة، أو
فيه وفي تَعدُّده؟ فإن كان فيه وفي تعدُّده فيُشْكِل؛ لأنَّ الانتهاء في الكَلْب إلى السَّبْع إمَّا تَعبُّداً، وإمَّا لتشديد المنع، وإمَّا لعدم انتهائهم بعد أن نُهُوا. والانتهاء في الخنزير إن كان تعبُّداً؛ قياساً على التعبُّد في الكَلْب، فالتعبُّدات لا يُقاس عليها، وإن كان لتشديد المنع لعدم الانتهاء، فلم يوجد ذلك في الخنزير.
الجواب: أن تعلم أوَّلًا أنَّ الرواية بإلحاقه به في العدد ثابتة، وهي رواية مُطَرِّف عن مالك، نقلها ابن القَطَّان وغيره، والرواية بإلحاقه في مُطْلَق الغسل ثابتة نَقَلَها اللّخْمي بعد نَقْلِه لرواية مُطَرِّف، ووقع في آخر مسألةٍ من سماع أبي زَيدٍ أنَّ الخنزير أشدُّ من الكَلْب، فأجاز الوضوء من سُؤْر الكَلْب، ولم يُجزْه من سؤر الخنزير. وضعَّفه ابن رُشْدٍ وسَوَّى بينهما، واحتجَّ بما يُوقَفُ عليه من كلامه. وإذا عَلِمْتَ ذلك؛ فاعْلَم أنَّ الأشياخ في توجيه رواية الإلحاق كالمُطْبِقِين على التعليل بالاستقذار وشدَّة التنفير، ومنهم المازِرِيُّ؛ فإنَّه قال ما حاصله: أَلْحَقَهُ به مرَّةً؛ لأنَّه أغلظ في التحريم من الكَلْب، وأشدُّ استقذاراً، فكان أحقَّ بتكرير الغسل من الكَلْب. ونفاه مرَّة أخرى؛ لأنَّ سائر النجاسات المُجْمَع عليها لم يَرِد الشَّرْع باشتراط عددٍ فيها، فعدم اشتراطها في الخنزير أَوْلى، وقياسه على الكَلْب لا يصحُّ إلَّا بعد اشتراكهما في عِلَّة الحكم، ولم يقم الدليل على اشتراكهما في ذلك، انتهى. وفي توجيهه الرواية الثانية إشارةٌ إلى ما ذكره السائل في توجيهه الأَوَّل، تصريحٌ بالجواب عنه. وقد قَوِيَ عند ابن عبد السَّلام مَدْرَك الرواية الثانية؛ فقال مستشكلاً للرواية الأُولَى ما حاصله: لأنَّ الإلحاق إنَّما يصحُّ على بحثٍ فيه إذا قلنا إنَّه حكمٌ مُعَلَّل، وإلَّا فلا قياس في الأحكام التعبديَّة.
لا يُقال: نختار القول بالتعليل ثمَّ ندَّعي أنَّ العِلَّة في الأصل هي الاستقذار لا النجاسة، وحينئذٍ يصحُّ القياس ويندفع ما أورده الشيخ الإمام المازِريُّ من النقض بنجاسة المُجْمَع عليها، إذ مُطْلَق النجاسة لا مدخل له في التعليل، وإنَّما المعتبر الاستقذار، وقد وُجِدَ في الخنزير كوجوده في الكَلْب أو أشدَّ؛ لأنَّا نقول: لو كان المعتبر في الأصل مجرَّد الاستقذار لاطَّرَد ولم يُطْرح؛ لأنَّا نجد من أنواع الخَشاش ما هو أقذر من الخنزير والكَلْب، ومع ذلك لم يوجد الحكم، فدلَّ على بُطْلان كون العِلَّة مُجرَّد الاستقذار.
هذا بسط ما أشار إليه، وهو كلام جيِّد، ويمكن فيه البحث. وقد صرَّح ابن رُشْدٍ أيضاً بضَعْف رواية الإلحاق، مُسْنِداً دعواه إلى أنَّ الحكم في الكَلْب تعبُّد فلا يقاس، وهو مبنيُّ على طريقة الباجِيِّ من كون ظاهر المذهب في المسألة التعبُّد، وهو الذي ذكر أبو بكر ابن المُنْذِر في (إشرافه). وأمَّا على طريقة ابن بشير من كون مشهور المذهب التعليل بالاستقذار؛ فالقياس يمكن، ولا يُسَلَّم البحث على ما مرَّ. والله أعلم، وبه التوفيق.
وأجاب سيدي أحمد بن زَاغ: أمَّا مسألة إلحاق الخنزير بالكَلْب؛ فقال عياض في (الإكمال): وقد اختُلِف في غسل الإناء من سؤر الخنزير، هل يُقاس على الكَلْب لنجاسته -وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي-، أو لتقذُّره وأكْلِه الأنجاس -وهو أحد قولي مالك- ولا يُغْسَل؛ لأنَّه لا يُستعمَل ولا يُقْتَنى، فلا توجد فيه عِلَّة الكَلْب من أذى الناس -وهو أحد قولي مالك-. انتهى.
فظاهره أنَّ الإلحاق وإن كان، فإنَّما هو في مُطْلَق الغَسْل لا في العدد معه؛ لأنَّ الإلحاق لا بُدَّ فيه من العِلَّة. فإن قلنا بالتعبُّد في السَّبْع فلا عِلَّة، وإن قلنا بالتعليل بما ذكر ابن الحاجب فيه من