الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابنُ القاسم: لا بأس بذلك ما لم يتعمَّد ترك التَّسمية، فلا تُؤكَل.
وقال غيره: لا تُؤكَل إذا تَرَكَ التَّسمية؛ سواء تركها عمداً أو ناسياً؛ لظاهر قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].
والقول الثالث: مكروهٌ في النِّسيان، حَرامٌ في العَمْد.
وقولُ ابن القاسم أثبتُ وأصحُّ.
[فتاوى ابن سُحْنون (ص
351)]
* * *
(367)
السؤال: هل يجوزُ أَكْل الذبيحة إذا لم يُذْكَر اسمُ الله عليها؟
الجواب: قال بعض الفقهاء: لا يؤكل؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقال آخرون: إنَّه ما لم يذكر اسم غير الله فإنَّه يكون حلالاً؛ لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]، فكان هذا النصُّ مُعَيِّناً وضع التحريم، أو مخصِّصاً لعموم النصِّ الأوَّل، وهذا الذي نختاره؛ لكيلا يكون الناس في حرج.
[فتاوى الشيخ محمَّد أبو زهرة (ص 705)]
* * *
(368) السؤال: ما حُكمُ من تَرَك البَسْمَلة عند ذَبْح الذَّبيحة؟ وهل يجبُ أن تكون كاملةً
؟
الجواب: لا يخلو تارك التَّسمية عند الذَّبيحة من حالين؛ إمَّا أن يتركها لعذرٍ من جهلٍ أو نسيانٍ، وإمَّا أن يتركها لغير عذرٍ، فإن تركها لغير عذرٍ فإنَّ الذبيحة لا تَحِلُّ؛ وذلك لأنَّه تَرَك شرطاً من شروط حِلِّ الذبيحة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم-
قال: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ)، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذِكْر اسم الله شرطاً لحِلِّ الذَّبيحة، وقال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، وأمَّا إذا تَرَكها معذوراً بجهلٍ أو نسيانٍ فإنَّ جمهور أهل العِلْم على حِلِّ هذه الذبيحة؛ لأنَّه معذورٌ، وقد قال الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، فقال الله تعالى:(قَدْ فَعَلْتُ)، وذهب بعض أهل العِلْم من السلف والخلف إلى أنَّ الذبيحة لا تَحِلُّ ولو كان معذوراً بجهلٍ أو نسيانٍ، فإذا ذَبَح الذَّبيحة ونَسِيَ أن يُسمِّيَ الله فإنَّ الذَّبيحة لا تَحِلُّ، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الراجح؛ أنَّ ما لم يُذْكَر اسم الله عليه حَرامٌ أَكْلُه؛ وذلك لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} [الأنعام: 121]، فنهى الله تعالى أن نأكل من شيءٍ لم يُذْكَر اسمُ الله عليه، ولم يُقَيِّد ذلك بالعمد، لم يقل: ممَّا لم يُذْكَر اسمُ الله عليه عمداً، وهاهنا جهتان: جهة الذَّبْح، وجهة الأَكْل؛ فالذَّابح الذي نَسِيَ أن يُسمِّيَ الله على الذَّبيحة لا إثم عليه؛ لأنَّه معذور، وأمَّا بالنسبة للآكل فإنَّه لا يَحِلُّ له أن يأْكُل ممَّا لم يُذْكَر اسمُ الله عليه، ولو نَسِيَ فأَكَل فلا إثم عليه؛ لأنَّه معذور، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين هاتين الجهتين، وأن نقول: نحن نُسلِّم بأنَّ الله تعالى لا يؤاخِذُ بالجهل والنسيان، ولكن هاهنا فِعْلان؛ فعل الذَّابح لا يؤاخذ به بالجهل والنسيان، ولا يعاقب على ذلك، وفعل الآكل إذا تعمَّد أن يأْكُل من شيءٍ لم يُذْكَر اسمُ الله عليه وقد نهى الله عنه، فقد وقع في الإثم، ثمَّ إنَّ قول النبيِّ عليه الصلاة والسلام:(مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ) دليل على أنَّ ذِكْر اسم الله على الذبيحة كإنْهار الدَّم منها، وكلاهما شرط، والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، ولو أنَّ أحداً من الناس كان جاهلاً فذبح
الذَّبيحة على وجه لا ينهر به الدَّم فإنَّه من المعلوم أنَّ ذبيحته هذه لا تُؤكَل؛ لأنَّها داخلةٌ في المُنْخَنِقة ونحوها التي حَرَّمها الله عز وجل في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] إلخ، ولو أنَّه نسي أن يُذَكِّي بما يُنْهِر الدَّم فقتلها بشيءٍ لا ينهر به الدَّم فإنَّها لا تَحِلُّ، ولو كان هذا الرجل ناسياً، لكن هذا القاتل لا يأثم بنسيانه؛ لأنَّه معفوٌّ عنه، فكذلك إذا نَسِيَ أن يُسمِّي الله، أو جهل أن يسمِّي الله؛ لأنَّ الجميع في حديث واحدٍ ومخرجهما واحدٌ، فلا يَحِلُّ لأحدٍ أن يأكل ذبيحةً لم يُذْكَر اسمُ الله عليها، وإن تَرَك التَّسمية نسياناً، ولهذا لو أنَّ الإنسان صلَّى بغير وضوءٍ ناسياً لكانت صلاته هذه باطلةً، ووجب عليه إعادتها، مع أنَّه لا يؤاخذ بصلاته بغير وضوء؛ لأنَّه ناسٍ، لكن عدم مؤاخذته بصلاته بغير وضوء ناسياً لا يعني أنَّه لا تلزمه الإعادة.
وقد يقول قائل: إنَّ في تحريمها -أي تحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسياناً- إضاعة للمال.
فنقول: ليس في ذلك إضاعة للمال، بل في ذلك حماية للإنسان أن يأكل من غير ما ذُكِرَ اسمُ الله عليه؛ لأنَّنا إذا قلنا لهذا الرَّجُل الذي نَسِيَ أن يُسمِّي: إنَّ ذبيحتك الآن حَرامٌ، فإنَّ ذلك يؤدِّي إلى أن يذكر التَّسمية في المستقبل ولا ينساها أبداً، بخلاف ما لو قلنا: إنَّ ذلك معفوٌّ عنه، وأنَّه يَحِلُّ أَكْلُ هذه الذَّبيحة، فإنَّه إذا عَلِمَ أنَّ الأمر سهلٌ ربَّما يتهاون بذِكْر التَّسمية، وقد بُسط هذا الكلام في غير هذا الموضع.
وأمَّا قول السائل: هل تكمل التَّسمية أم لا؟ فإنَّ ظاهر النصوص أنَّها لا تكمل، وأنَّه يكفي أن نقول:«بسم الله» فقط.
[فتاوى نور على الدرب - ابن عثيمين (11/ 410 - 412)]