الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته، وسنة أصحابه رضي الله عنهم، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته، ويراجع الحق. والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا. (1)
- وقال عقب إيراده لقصة الثلاثة الذين خلفوا (2): وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه، فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم. (3)
•
موقفه من المشركين:
- أورد رحمه الله في (باب قتل المرتد)(4) حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» . وحديث عكرمة قال: لما بلغ ابن عباس أن عليا حرق المرتدين أو الزنادقة، قال: لو كنت أنا، لم أحرقهم
(1) شرح السنة (1/ 224).
(2)
تقدم تخريجه في مواقف ابن عبد البر سنة (463هـ).
(3)
شرح السنة (1/ 226 - 227).
(4)
شرح السنة (10/ 237 - 241).
ولقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه» ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله» . (1)
ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن المسلم إذا ارتد عن دينه يقتل، واختلفوا في استتابته، فذهب بعضهم إلى أنه لا يستتاب، يروى ذلك عن الحسن وطاووس، وإليه ذهب عبيد بن عمير، وقال عطاء: إن كان أصله مسلما، فارتد لا يستتاب، وإن كان مشركا فأسلم، ثم ارتد، فإنه يستتاب. وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقتل حتى يستتاب، إلا أنهم اختلفوا في مدة الاستتابة، فذهب قوم -وهو القياس- أنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مكانه، وهو أظهر قولي الشافعي، ويروى ذلك عن معاذ وأبي موسى، وقال الزهري: يستتاب ثلاث مرات، فإن تاب، وإلا ضرب عنقه، وقال أصحاب الرأي: ثلاث مرات في ثلاثة أيام. وذهب بعضهم إلى أنه يتأنى به ثلاثا لعله يرجع، وإليه ذهب عمر رضي الله عنه، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال مالك: أرى الثلاث حسنا.
واختلفوا في المرأة إذا ارتدت عن الإسلام، فذهبت طائفة إلى أنها تقتل كالرجل، وهو قول الأوزاعي والشافعي، وأحمد وإسحاق، وذهبت طائفة إلى أنها تحبس ولا تقتل، وهو قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي.
واختلف أهل العلم في قتل الساحر، روي عن عمرو بن دينار أنه سمع
(1) تقدم تخريجه في مواقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سنة (40هـ).
بجالة يقول: كتب عمر أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر (1). وروي عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن جارية لها سحرتها، فأمرت بها فقتلت (2). وإلى هذا ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من أهل العلم، وهو قول مالك، وسئل الزهري أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع به ذلك، فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب.
وعند الشافعي يقتل الساحر إن كان ما يسحر به كفرا إن لم يتب، فإن لم يبلغ عمله الكفر، فلا يقتل، وتعلم السحر لا يكون كفرا عنده إلا أن يعتقد قلب الأعيان منه، وذهب قوم إلا أن تعلمه كفر، وهو قول أصحاب الرأي.
ولو قتل الساحر رجلا بسحره وأقر: أني سحرته، وسحري يقتل غالبا، فيجب عليه القود عند الشافعي، وعند أصحاب الرأي: لا يجب به القود، ولو قال: سحري قد يقتل، وقد لا يقتل، فهو شبه عمد، وإن قال: أخطأت إليه من غيره، فهو خطأ تجب به الدية مخففة، وتكون في ماله، لأنه ثبت باعترافه إلا أن تصدقه العاقلة، فتكون عليهم. ولو قاتل أهل الإسلام أهل الردة، فلا يجب على المسلمين ضمان ما أتلفوا على أهل الردة من نفس ومال. واختلفوا في أهل الردة هل يجب عليهم ضمان ما أتلفوا على المسلمين في حال القتال من نفس ومال؟ فقد روي عن أبي بكر أنه قال لقوم جاؤوه تائبين: تدون
(1) أحمد (1/ 190 - 191) وأبو داود (3/ 431 - 432/ 3043) وأخرجه مختصرا: البخاري (6/ 316/3156 - 3157) والترمذي (4/ 124 - 125/ 1586) وحسنه. والنسائي في الكبرى (5/ 234 - 235/ 8768).
(2)
رواه مالك بلاغا في كتاب العقول (2/ 871/14) ووصله عبد الرزاق في مصنفه (10/ 180 - 181/ 18747) وابن أبي شيبة (10/ 135 - 136/ 9029) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 136).