الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالت الكرامية: إنه مماس للعرش.
وقالت المعتزلة: إن ذات الله بكل مكان حتى بالحشوش وأجواف الحيوان.
قيل لبشر المريسي فهو في جوف حمارك هذا؟ قال: نعم، وهذا قول الحلولية وهو كفر صريح لا إشكال فيه.
وقالت الأشعرية: لا يجوز وصفه بأنه على العرش ولا في السماء. (1)
موقفه من الخوارج:
قال في الانتصار: ومذهب أهل السنة أن الموحدين لا يكفرون بفعل شيء من المعاصي الصغائر والكبائر، وإذا عملوا الكبائر وتابوا لم تضرهم، وإن ماتوا قبل التوبة منها فأمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم عليها وإن شاء غفرها لهم، وإن عذب العباد على الصغائر لم يكن ظالما لهم بذلك.
وقالت المرجئة: لا يوصف الله بأنه يعذب عباده على ذنب غير الكفر.
وقالت الخوارج: من أذنب متعمدا كفر بالله سواء فعل صغيرة أو كبيرة. (2)
موقفه من المرجئة:
- قال رحمه الله في كتابه الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: وعند أهل السنة والحديث أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية،
(1) الانتصار في الرد على المعتزلة (2/ 607 - 609).
(2)
الانتصار في الرد على المعتزلة (3/ 666 - 668).
وأهل الإيمان على مراتب. (1)
- وقال: وقالت المرجئة والكرامية وأهل الزيغ من القدرية وغيرهم: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإن إيمان الأنبياء كإيمان سائر العصاة من الخلق. (2)
- وقال: ويلزم المرجئة الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل أن إبليس مؤمن لأن الله أخبر أنه قال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} (3) وقال: {رب فَأَنْظِرْنِي} (4) فأخبر الله أنه قال بلسانه أن له ربا، ويلزم الجهمية الذين يقولون: إن الإيمان معرفة بلا قول ولا عمل أن اليهود مؤمنون لأن الله تعالى أخبر عنهم بقوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (5) وقد علمنا أن الكفار عرفوا بعقولهم أن الله خلقهم وأنه خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (6) ويعرفون أيضا أنه لا ينجيهم من ظلمات البر والبحر إلا الله، ويدعون إلى الله أن ينجيهم وبذلك أخبر الله عنهم. (7)
- وقال: واحتجت الأشعرية ومن قال إن الإيمان هو التصديق
(1)(3/ 762).
(2)
(3/ 763).
(3)
الحجر الآية (39).
(4)
الحجر الآية (36).
(5)
البقرة الآية (146).
(6)
لقمان الآية (25).
(7)
(3/ 795).
بالقلب لا غير بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (1) أي بمصدق لنا، وبقول الناس: فلا يؤمن بعذاب القبر وبالشفاعة وما أشبهها، وأراد به التصديق.
والجواب: أنا لا ننكر أن هذا حد الإيمان في اللغة. وأما في الشرع فهو أشرف خصال الإيمان، ولا يمتنع أن يكون للشيء اسم في اللغة واسم في الشرع، وإذا ورد الشرع به فإنه يجب حمله على ما تقرر اسمه في الشرع كالصلاة فإنها في اللغة المراد بها الدعاء، وهي في الشرع عبارة عن هذه الأفعال المشروعة في الصلاة، وكذلك الصيام فهو في اللغة اسم للإمساك عن جميع الأشياء، وهو في الشرع اسم للإمساك عن أشياء مخصوصة، والزكاة في اللغة اسم للزيادة، وهي في الشرع اسم لأخذ شيء من المال، والحج في اللغة القصد، وهو في الشرع اسم لهذه الأفعال المشروعة، والغائط في اللغة اسم للموضع المطمئن، وفي الشرع اسم لما يخرج من الإنسان، وإذا ورد الشرع بشيء من هذه الأشياء، فإنما يحمل على ما تقرر في الشرع لا على مقتضاه في اللغة.
واحتجت المرجئة ومن قال إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب دون الأعمال بالأخبار المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة» . (2)
وبما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا
(1) يوسف الآية (17).
(2)
أخرجه من حديث معاذ رضي الله عنه: أحمد (5/ 247) وأبو داود (3/ 486/3116) والحاكم (1/ 351) وصححه ووافقه الذهبي. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه: ابن حبان (الإحسان 7/ 272/3004). وليس في شيء من الروايات محمد رسول الله.
الله وأن محمدا رسول الله حرم على النار». (1)
والجواب عن هذه الأخبار من وجهين: أحدهما: أن نقول كما قال الزهري: (الأخبار كانت قبل نزول الفرائض والأمر والنهي). والثاني: أن نقول هذا خبر عما يؤول إليه أمر الموحدين بأن الله سيدخل الموحدين الجنة، وإن عذبهم فبذنوبهم، ولا يخلدون في النار كما قالت الخوارج والمعتزلة والقدرية. وقد أخبر الله سبحانه في القرآن أنه إنما يدخل العباد الجنة بالإيمان والعمل في آيات كثيرة منها في البقرة، قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (2) وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3)، وقوله تعالى في آل عمران:{وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} (4)، وفي النساء قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (5) وقوله تعالى: {فَأَمَّا
(1) أحمد (5/ 318) ومسلم (1/ 57 - 58/ 29) والترمذي (5/ 23 - 24/ 2638) والنسائي في الكبرى (6/ 277/10967).
(2)
البقرة الآية (25).
(3)
البقرة الآية (277).
(4)
آل عمران الآية (57).
(5)
النساء الآية (122).
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} (1)، وفي المائدة قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)} (2)، وفي الأنعام قوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)} (3)،
وفي الأعراف قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)} إلى قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} (4)، وهذا كثير في القرآن وآخره قوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} (5)، ولم يذكر الله في القرآن دخول الجنة بغير عمل، بل أخبر أنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وأخبر أنه لا يغفر الشرك، فالقرآن لا يتناقض وإنما يؤيد بعضه بعضا. (6)
(1) النساء الآية (173).
(2)
المائدة الآية (9).
(3)
الأنعام الآية (48) ..
(4)
الأعراف الآيتان (42و43).
(5)
العصر الآيتان (2و3).
(6)
(3/ 756 - 759).