الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغُورِي شهاب الدين (1)(602 هـ)
أبو المظفر محمد بن سام أخو السلطان الكبير أبي الفتح. كان بطلا شجاعا مهيبا جيد السيرة، يحكم بالشرع. وينصف الضعيف والمظلوم، وكان يحضر عنده العلماء.
قال الذهبي: بلغنا أن فخر الدين الرازي وعظ مرة عنده، فقال: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَن الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)} (2) قال: فانتحب السلطان بالبكاء. عظم شأنه وعلا محله وأحبه أمراء الغورية. قتلته الباطنية في شعبان سنة اثنتين وستمائة، رحمه الله تعالى.
موقفه من المشركين:
قال ابن كثير: ثم دخلت سنة ثنتين وستمائة فيها وقعت حرب عظيمة بين شهاب الدين محمد بن سام الغوري صاحب غزنة وبين بني بوكر أصحاب الجبل الجودي، وكانوا قد ارتدوا عن الإسلام فقاتلهم وكسرهم وغنم منهم شيئا كثيرا لا يعد ولا يوصف، فاتبعه بعضهم حتى قتله غيلة في ليلة مستهل شعبان منها بعد العشاء، وكان رحمه الله من أجود الملوك سيرة وأعقلهم وأثبتهم في الحرب. (3)
(1) السير (21/ 322 - 323) وتاريخ الإسلام (حوادث 601 - 610/ص.88 - 90) والكامل في التاريخ (12/ 189) والبداية والنهاية (13/ 47) والشذرات (5/ 7).
(2)
غافر الآية (43).
(3)
البداية (13/ 47).
فخر الدين الرازي (1)(606 هـ)
العلامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة. اشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري، ثم الزين قصد الكمال السمياني فاشتغل عليه مدة، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقا وغربا، وكان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: حدثني القطب الطوغاني مرتين أنه سمع الفخر الرازي يقول: ليتني لم أشتغل بالكلام، وبكى. وقال رحمه الله في وصيته لما احتضر: ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن.
توفي سنة ست وستمائة.
توبته من الكلام وبراءته منه:
هذا الرجل معروف بعداوته لعقيدة السلف الصالح، وألف الكتب في ذلك، وألف التفسير وبسط فيه المذهب الأشعري بسطا، وقد تكلمت عليه في كتابي 'المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات'. (2)
وله كذلك 'تأسيس التقديس' وهو عبارة عن جمع لحجج الجهمية والدفاع عنها، وقد قيض الله له من ألقمه حجرا فرد عليه في تلبيس الجهمية،
(1) سير أعلام النبلاء (21/ 500 - 501) والكامل في التاريخ (12/ 120) ووفيات الأعيان (4/ 248 - 252) والوافي بالوفيات (4/ 248 - 259) والبداية والنهاية (13/ 60 - 61) واللسان (4/ 426) وشذرات الذهب (5/ 21) وميزان الاعتدال (3/ 340).
(2)
(2/ 911 - 959).
وكتبه في هذا كثيرة، ولكن قد يمن الله على المرء بالهداية فيتوب ويرجع عما كان عليه من الخطأ، ولعل هذا هو الذي حصل للرازي.
قال شيخ الإسلام: وأنشد أبو عبد الله الرازي في غير موضع من كتبه مثل كتاب أقسام اللذات لما ذكر أن هذا العلم أشرف العلوم، وأنه ثلاث مقامات: العلم بالذات، والصفات، والأفعال، وعلى كل مقام عقدة، فعلم الذات عليه عقدة: هل الوجود هو الماهية أو زائد على الماهية؟ وعلم الصفات عليه عقدة: هل الصفات زائدة على الذات أم لا؟ وعلم الأفعال عليه عقدة: هل الفعل مقارن للذات أو متأخر عنها؟ ثم قال: ومن الذي وصل إلى هذا الباب، أو ذاق من هذا الشراب؟ ثم أنشد:
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (1)، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2) وأقرأ في النفي:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (3)
(1) طه الآية (5).
(2)
فاطر الآية (10).
(3)
الشورى الآية (11).
{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} (1)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} (2)، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي. (3)
ونقل عنه ابن القيم في اجتماع الجيوش من كتابه أقسام اللذات كلاما يدل على رجوعه، وقال ابن القيم إنه آخر ما ألف. قال: واعلم أن بعد التوغل في هذه المضايق والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق، رأيت الأصوب الأصلح في هذا الباب طريقة القرآن العظيم والفرقان الكريم، وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام أجسام السماوات والأرضين على وجود رب العالمين، ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل، فأقرأ في التنزيل قوله تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (4) وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5) وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (6) وأقرأ في الإثبات قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (7) وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (8) وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (9)
(1) طه الآية (110).
(2)
مريم الآية (65).
(3)
درء التعارض (1/ 159 - 160).
(4)
محمد الآية (38).
(5)
الشورى الآية (11).
(6)
الإخلاص الآية (1).
(7)
طه الآية (5).
(8)
النحل الآية (50).
(9)
فاطر الآية (10).
وقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1) وفي تنزيهه عما لا ينبغي قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (2) الآية. وعلى هذا القانون فقس. (3)
التعليق:
كان الرازي إذا سمع مثل هذه الآيات كأنك أشعلت فيه نارا، فيحترق لإثبات الفوقية والاستواء، ويأتي بكل ما أوتي لإبطال الفوقية والاستواء، ويأتي بكل تأويلاته الباردة ويصورها كأنها جبال من الحجج، فيفرعها ويجزئها، لكنه تاب ورجع عفا الله عنه وغفر له. وله وصية كذلك تثبت توبته ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام (4) والسبكي في طبقات الشافعية (5) وغيرهما. وإثباتي للرازي في هذا البحث حتى يتعرف القراء عليه وعلى رجوعه.
قال الحافظ في الفتح: وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال: إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره، هو أصح الأقوال نقلا وعقلا. (6)
(1) النساء الآية (78).
(2)
النساء الآية (79).
(3)
اجتماع الجيوش (ص.274 - 275).
(4)
في حوادث (601 - 610هـ)(ص.220 - 222).
(5)
(5/ 37 - 38).
(6)
الفتح (13/ 455).