الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من الجهمية:
- جاء في الحجة في بيان المحجة: قال بعض علماء أهل السنة: ويجب الإيمان بصفات الله تعالى كقوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (1)، وقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (2) وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (3)، وقوله:{أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ} (4)، وقوله:{رضي الله عنهم} (5). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا» (6) رواه ثلاثة وعشرون من الصحابة، سبعة عشر رجلا وست نساء. وكقوله صلى الله عليه وسلم:«ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن» . (7) فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية والتشبيه عنه، وقد نفى قوم الصفات فأبطلوا ما أثبته الله تعالى، وتأولها قوم على خلاف الظاهر، فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التعطيل والتشبيه، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين؛ لأن دين الله تعالى بين الغالي والمقصر عنه.
والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات،
(1) طه الآية (5).
(2)
ص الآية (75).
(3)
القمر الآية (14).
(4)
النور الآية (9).
(5)
البينة الآية (8).
(6)
تقدم من حديث أبي هريرة. انظر مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(7)
تقدم تخريجه. انظر مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ).
وإثبات الله تعالى إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فإذا قلنا يد، وسمع، وبصر، ونحوها؛ فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولم يقل: معنى اليد القوة، ولا معنى السمع والبصر: العلم والإدراك، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، ونقول إنما وجب إثباتها؛ لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (1)، كذلك قال علماء السلف في أخبار الصفات: أمروها كما جاءت. فإن قيل: فكيف يصح الإيمان بما لا يحيط علمنا بحقيقته؟ أو كيف يتعاطى وصف شيء لا درك له في عقولنا؟
فالجواب، أن إيماننا صحيح بحق ما كلفنا منها، وعلمنا محيط بالأمر الذي ألزمناه فيها وإن لم نعرف لما تحتها حقيقة كافية، كما قد أمرنا أن نؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة ونعيمها، والنار وأليم عذابها، ومعلوم أنا لا نحيط علما بكل شيء منها على التفصيل، وإنما كلفنا الإيمان بها جملة واحدة، ألا ترى أنا لا نعرف أسماء عدة من الأنبياء وكثير من الملائكة، ولا يمكننا أن نحصي عددهم، ولا أن نحيط بصفاتهم، ولا نعلم خواص معانيهم، ثم لم يكن ذلك قادحا في إيماننا بما أمرنا أن نؤمن به من أمرهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الجنة: يقول الله تعالى: «أعددت لعبادي
(1) الشورى الآية (11).
الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (1).اهـ (2)
- وفيها: قال بعض علماء أهل السنة: أما بعد فإني وجدت جماعة من مشائخ السلف وكثيرا ممن تبعهم من الخلف ممن عليهم المعتمد في أبواب الديانة، وبهم القدوة في استعمال السنة قد أظهروا
(1) أخرجه: أحمد (2/ 466) والبخاري (6/ 391 - 392/ 3244) ومسلم (4/ 2174/2824) والترمذي (5/ 323/3197) وابن ماجه (2/ 1447/4328) كلهم من حديث أبي هريرة.
(2)
الحجة في بيان المحجة (1/ 287 - 289).
اعتقادهم، وما انطوت عليه ضمائرهم في معاني السنن ليقتدي بهم المقتفي، وذلك حين فشت البدع في البلدان وكثرت دواعيها في الزمان، فحينئذ وقع الاضطرار إلى الكشف والبيان ليهتدي بها المسترشد في الخلف، كما فاز لها من مضى من السلف، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يعصمنا من اختراع المبتدعين، وأنا أذكر بتوفيق الله تعالى جماعة من أئمتنا من السلف ممن شرعوا في هذه المعاني فمنهم أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري فإنه قد أظهر اعتقاده، ومذهبه في السنة في غير موضع، وقد أملاه على شعيب بن حرب.
ومنهم أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي فإنه قد أجاب في اعتقاده حين سئل عنه كما رواه محمد بن إسحاق الثقفي، ومنهم أبو عمرو عبد الرحمن ابن عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام فإنه قد أظهر اعتقاده في زمانه، ورواه ابن إسحاق الفزاري. ومنهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك إمام خراسان، والفضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح، ويوسف بن أسباط، قد أظهروا اعتقادهم، ومذاهبهم بالسنن، ومنهم شريك بن عبد الله النخعي، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو إسحاق الفزاري، ومنهم أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي المديني إمام دار الهجرة وفقيه الحرمين فانه قد أظهر اعتقاده في باب الإيمان والقرآن، ومنهم أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي سيد الفقهاء في زمانه، ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام، والنضر بن شميل، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي من تلاميذ الشافعي، أظهر اعتقاده حين ظهرت المحنة في باب القرآن، ومنهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل سيد أهل الحديث في زمانه، وأفضل من تورع في عصره وأوانه، قد أظهر اعتقاده ودعا الناس إليه وثبت في المحنة، وبالغ فيه غاية المبالغة، ومنهم الشيخ الزاهد الفاضل زهير بن نعيم البابي السجستاني، له اعتقاد في رسالة كتبها إلى بعض إخوانه.
ثم ذكر طائفة من العلماء ممن ألف في الاعتقاد، إلى أن قال رحمه الله: وكان أبو أحمد بن أبي أسامة القرشي الهروي من أفاضل من بخراسان من العلماء والفقهاء أملى اعتقادا له قال: وينبغي لمن من الله بعلم الهداية والكرامة بالسنة ممن بقي من الخلف القدوة ممن مضى من السلف، وأن مذهبنا ومذهب أئمتنا من أهل الأثر: أن نقول أن الله عز وجل أحد لا شريك له، ولا ضد له ولا ند له ولا شبيه له، إلها واحدا أحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يشرك في حكمه أحدا.
قال: ونؤمن بصفاته أنه كما وصف نفسه في كتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ونؤمن بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفاته جل جلاله بنقل العدول، والأسانيد المتصلة التي
اجتمع عليها أهل المعرفة بالنقل أنها صحيحة ثابتة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ونطلقها بألفاظها كما أطلقها، وتعتقد عليها ضمائرنا بصدق وإخلاص أنها كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا نكيف صفات الله عز وجل، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه، ولا نضرب لها الأمثال، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقا، ونطلق ألفاظها تصريحا، كما قال الله عز وجل في كتابه، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة، ليس من كلامه وعلمه وصفاته شيء مخلوق، جل الله تعالى عن صفات المخلوقين. والكيف عن صفات الله مرفوع.
ونقول كما قال السلف من أهل العلم الزهري وغيره: على الله البيان، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، ونؤدي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعنا، ولا نقول في صفات الله كما قالت الجهمية والمعطلة، بل نثبت صفات الله تعالى بإيمان وتصديق.
قال الأوزاعي: أقروا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمروها كما جاءت.
وقال سفيان الثوري: إني لآخذ الحديث على ثلاثة أوجه: آخذ الحديث على وجه أتخذه دينا، ومن وجه آخر لا أتركه وأتحرج أن أتخذه دينا أو فقها، وآخذه من وجه لا أتخذه دينا، وإنما آخذه لأعرفه. (1)
- وقال رحمه الله أيضا: أجمع المسلمون أن القرآن كلام الله، وإذا صح أنه كلام الله صح أنه صفة لله تعالى، وأنه عز وجل موصوف به، وهذه الصفة لازمة لذاته. تقول العرب: زيد متكلم، فالمتكلم صفة له، إلا أن
(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 473 - 477).