الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلسفي وخيال صوفي. (1)
موقفه من الجهمية والقدرية:
قال السهيلي في نتائج الفكر: اعلم أن (ما) إذا كانت موصولة بالفعل الذي لفظه عمل أو صنع أو فعل وذلك الفعل مضاف إلى فاعل غير الباري سبحانه وتعالى فلا يصح وقوعها إلا على مصدر، لإجماع العقلاء من الأنام، في الجاهلية والإسلام، على أن أفعال الآدميين لا تتعلق بالجواهر والأجسام، لا تقول: عملت جبلا، ولا: صنعت جملا ولا حديدا، ولا حجرا، ولا ترابا ولا شجرا، فإذا ثبت ذلك وقلت: أعجبني ما عملت وما فعلت زيد، فإنما تعني الحدث. فعلى هذا لا يصح في تأويل قوله سبحانه:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (2) إلا قول أهل السنة: إن المعنى: والله خلقكم وأعمالكم. ولا يصح قول المعتزلة من جهة المنقول ولا من جهة المعقول، لأنهم زعموا أن (ما) واقعة على الأصنام والحجارة التي كانوا ينحتونها، وقالوا: تقدير الكلام: خلقكم والأصنام التي تعملون، إنكارا منهم بأن تكون أعمالنا مخلوقة لله سبحانه. واحتجوا بأن نظم الكلام يقتضي ما قالوه، لأنه قد تقدم:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)} (3)، فما واقعة على الحجارة المنحوتة، ولا يصح غير هذا من جهة النحو ولا من جهة المعنى، أما النحو فقد تقدم أن ما لا تكون مع الفعل الخاص مصدرا.
(1) درء التعارض (5/ 357).
(2)
الصافات الآية (96).
(3)
الصافات الآية (95).
وأما المعنى فإنهم لم يكونوا يعبدون النحت، وإنما كانوا يعبدون المنحوت. فلما ثبت هذا وجب أن تكون الآية التي هي رد عليهم وتقييد لهم كذلك ما فيها واقعة على الحجارة المنحوتة والأصنام المعبودة، فيكون التقدير: أتعبدون حجارة تنحتونها، والله خلقكم وتلك الحجارة التي تعملون؟ هذا كله، معنى قول المعتزلة، وشرح ما شبهوا به، والنظم على تأويل أهل الحق أبدع والحجة أقطع والمعنى لا يصح غيره.
والذي ذهبوا إليه فاسد لا يصح بحال، لأنهم مجمعون معنا على أن أفعال العباد لا تقع على الجواهر والأجسام.
فإن قيل: فقد تقول: عملت الصحفة، وصنعت الجفنة، وكذلك الأصنام معمولة على هذا؟
قلنا: لا يتعلق الفعل فيما ذكرتم إلا بالصورة التي هي التأليف والتركيب، وهي نفس العمل، وأما الجوهر المؤلف المركب فليس بمعمول لنا، فقد رجع العمل والفعل إلى الأحداث دون الجوهر. وهذا إجماع منا ومنهم، فلا يصح حملهم على غير ذلك، وأما ما زعموا من حسن النظم وإعجاز الكلام فهو ظاهر، وتأويلنا معدوم في تأويلهم، لأن الآية وردت في بيان استحقاق الخالق للعبادة لانفراده بالخلق، وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون، فقال: أتعبدون ما تنحتون، أي: ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون، وتدعون عبادة من خلقكم وأعمالكم التي تعملون، ولو لم يضف خلق الأعمال إليه في الآية، وقد نسبها بالمجاز إليهم، لما قامت له حجة عليهم من نفس الكلام، لأنه كان يجعلهم خالقين لأعمالهم، وهو خالق
لأجناس أخر، فيشركهم معه في الخلق -تعالى الله عن قول الزائغين، ولا ولعا لعثرات المبطلين- فما أدحض حجتهم وما أوهى قواعد مذهبهم، وما أبين الحق لمن اتبعه .. نسأل الله الكريم أن يجعلنا من أتباع الحق وحزبه، وأن يعصمنا من شبه الباطل وريبه. (1)
عبد المغيث بن زهير (2)(583 هـ)
الشيخ الإمام عبد المغيث بن زهير بن زهير بن علوي، أبو العز بن أبي حرب البغدادي الحربي. ولد سنة خمسمائة. سمع أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش وأبا غالب بن البناء وهبة الله بن الطبر.
وروى عنه الشيخ الموفق والحافظ عبد الغني والبهاء المقدسي وأبو عبد الله الدبيثي وغيرهم.
قال ابن رجب: كان صالحا متدينا، صدوقا أمينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، حميد الأخلاق، مجتهدا في اتباع السنة والآثار، منظورا إليه بعين الديانة والأمانة. وقال الحافظ المنذري: اجتهد في طلب الحديث، وجمعه وصنف وأفاد، وحدث بالكثير. صنف كتابا في فضائل يزيد، أتى فيه بالعجائب، ورد عليه أبو الفرج بن الجوزي. قال الذهبي: ولو لم يصنفه لكان خيرا له. ثم إن الخليفة الناصر لما بلغه نهي الشيخ عبد المغيث عن لعنة يزيد قصده متنكرا،
(1) نتائج الفكر (147 - 149).
(2)
الكامل لابن الأثير (11/ 562 - 563) وسير أعلام النبلاء (21/ 159 - 161) وتاريخ الإسلام (حوادث 581 - 590/ص.155 - 157) والبداية والنهاية (12/ 350) وذيل طبقات الحنابلة (1/ 354 - 358) وشذرات الذهب (4/ 275 - 276).