الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلا أحيينا ابن الصلاح من قبره وتجولنا به في العالم الإسلامي، وأوقفناه على جامعة انتدبت نفسها للقيام بهذه المهمة التي سل سيفه من أجلها، ولعقدنا له لقاءات مع آلاف الناس الذين يتبنون هذا الفكر الشاذ المحير والمتحير، ولمررنا به على أكبر المدارس غير التي تقدم ذكرها، والتي نصبت نفسها حامية للعلوم الشرعية، لكن جعلت من أهم مناهجها المنطق والفلسفة بل لا تدرس العقيدة، على هذا السبيل الأزهر والزيتونة والقرويين ولأوقفناه على آلاف المكتبات الخاصة والعامة، ولرأى ما يسوؤه من الحال والاعتناء بهذه العلوم الكافرة، وما أدري ماذا سيفعل الشيخ بشهادة الدكتوراه وما دونها من الشواهد في هذا الباب، التي تخول لصاحبها التدريس في الجامعات لنشر كفره وإلحاده بين أبناء الأمة الإسلامية حتى يعم الإلحاد في أرباع المعمورة.
موقفه من الجهمية:
قال شيخ الإسلام: إن من الحكايات المشهورة التي بلغتنا أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا. مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية والفلسفية منه، وكان من أحسنهم إسلاما وأمثلهم اعتقادا. (1)
موقفه من المرجئة:
جاء في مجموع الفتاوى: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله» إلى آخره؛ «والإيمان أن تؤمن بالله
(1) الفتاوى (9/ 7).
وملائكته وكتبه ورسله» إلى آخره (1). قال: هذا بيان لأصل الإيمان، وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الأربع لكونها أظهر شعائر الإسلام ومعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بحل قيد انقياده أو انحلاله. ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث. وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، مقومات ومتممات وحافظات له، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس (2) بالشهادتين، والصلاة والزكاة، والصوم، وإعطاء الخمس من المغنم؛ ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة، لأن اسم الشيء الكامل يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (3) واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق، ويتناول أصل الطاعات، فإن ذلك كله استسلام.
قال: فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان؛ وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، قال: فهذا تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات النصوص الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون؛ وما
(1) تقدم تخريجه في مواقف محمد بن أسلم الطوسي سنة (242هـ).
(2)
أحمد (1/ 228) والبخاري (1/ 172/53) ومسلم (1/ 46/17) وأبو داود (4/ 94/3692) والترمذي (5/ 9 - 10/ 2611) والنسائي (8/ 495/5046) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
تقدم تخريجه في مواقف الحسن البصري سنة (110هـ).