الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاح الدين الأيّوبي (1)(589 هـ)
السلطان صلاح الدين يوسف بن الأمير نجم الدين، أبو المظفر الملك الناصر. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. سمع من أبي طاهر السلفي والفقيه علي بن بنت أبي سعد وأبي الطاهر بن عوف وغيرهم. وروى عنه يونس ابن محمد الفارقي والعماد الكاتب. أمره نور الدين وبعثه مع عمه إلى مصر فقهر بني عبيد ومحا دولتهم. قال الذهبي: وكان خليقا للإمارة مهيبا شجاعا حازما مجاهدا كثير الغزو عالي الهمة، كانت دولته نيفا وعشرين سنة. تملك بعد نور الدين واتسعت بلاده وفتح اليمن وغيرها وسار إلى دمشق، فأخذها من ابن نور الدين وكثيرا من النواحي والأقطار. ثم حاصر القدس وجد في ذلك فأخذها بالأمان، فقامت قيامة الفرنج وأقبلوا كقطع الليل المظلم برا وبحرا، فحاصرهم ودام عليهم نيفا وعشرين شهرا وما فكوا حتى أخذوها. ومحاسن صلاح الدين جمة لا سيما الجهاد ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الأحاديث بالأسانيد، حليما مقيلا للعثرة تقيا نقيا وفيا صفيا. توفي بقلعة دمشق بعد الصبح من يوم الأربعاء في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
موقفه من المشركين:
- قال الذهبي: وفيها -أي سنة 585 هـ - وفي المقبلة: كان الحصار الذي لم يسمع بمثله أبدا على عكا، كان السلطان قد افتتحها وأسكنها
(1) السير (21/ 278 - 291) ووفيات الأعيان (7/ 139 - 205) والبداية والنهاية (13/ 3 - 8) والنجوم الزاهرة (6/ 20 - 61) وتاريخ الإسلام (حوادث 581 - 590/ص.351 - 367) والعبر (2/ 154) وشذرات الذهب (4/ 298 - 300).
المسلمين، فأقبلت الفرنج برا وبحرا من كل فج عميق، فأحاطوا بها، وسار صلاح الدين فيدفعهم، فما تزعزعوا ولا فكروا بل أنشأوا سورا وخندقا على معسكرهم، وجرت غير وقعة، وقتل خلق كثير يحتاج بسط ذلك إلى جزء، وامتدت المنازلة والمطاولة والمقاتلة نيفا وعشرين شهرا، وكانت الأمداد تأتي العدو من أقصى البحار، واستنجد صلاح الدين بالخليفة وغيره، حتى إنه نفذ رسولا إلى صاحب المغرب يعقوب المؤمني يستجيشه فما نفع، وكل بلاء النصارى ذهاب بيت المقدس منهم. قال ابن الأثير: لبس القسوس السواد حزنا على القدس، وأخذهم بترك القدس وركب بهم البحر يستنفرون الفرنج، وصوروا المسيح وقد ضربه النبي صلى الله عليه وسلم وجرحه، فعظم هذا المنظر على النصارى، وحشدوا وجمعوا من الرجال والأموال ما لا يحصى، فحدثني كردي كان يغير مع الفرنج بحصن الأكراد أنهم أخذوه معهم في البحر، قال: فانتهى بنا الطواف إلى رومية، فخرجنا منها وقد ملأنا الشواني الأربعة فضة. قال ابن الأثير: فخرجوا على الصعب والذلول برا وبحرا، ولولا لطف الله بإهلاك ملك الألمان وإلا لكان يقال: إن الشام ومصر كانتا للمسلمين. قلت: كانت عساكر العدو فوق المئتي ألف، ولكن هلكوا جوعا ووباء وهلكت دوابهم، وجافت الأرض بهم، وكانوا قد ساروا فمروا علىجهة القسطنطينية ثم على ممالك الروم تقتل وتسبي، والتقاه سلطان الروم فكسره ملك الألمان، وهجم قونية فاستباحها، ثم هادنه ابن قلج رسلان ومروا على بلاد سيس ووقع فيهم الفناء فمات الملك وقام ابنه.
قلت: قتل من العدو في بعض المصافات الكبيرة التي جرت في حصار عكا في يوم اثنا عشر ألفا وخمس مئة،
والتقوا مرة أخرى فقتل منهم ستة آلاف، وعمروا على عكا برجين من أخشاب عاتية، البرج سبع طبقات فيها مسامير كبار يكون المسمار نصف قنطار، وصفحوا البرج بالحديد، فبقي منظرا مهولا، ودفعوا البرج ببكر تحته حتى ألصقوه بسور عكا وبقي أعلى منها بكثير فسلط عليه أهل عكا المجانيق حتى خلخلوه، ثم رموه بقدرة نفط فاشتعل مع أنه كان عليه لبود منقوعة بالخل تمنع عمل النفط، فأوقد وجعل الملاعين يرمون نفوسهم منه وكان يوما مشهودا، ثم عملوا كبشا عظيما رأسه قناطير مقنطرة من حديد ليدفعوه على السور فيخرقه فلما دحرجوه وقارب السور ساخ في الرمل لعظمه، وهد الكلاب بدنة وبرجا فسد المسلمون ذلك وأحكموه في ليلة، وكان السلطان يكون أول راكب وآخر نازل في هذين العامين، ومرض وأشرف على التلف ثم عوفي. قال العماد: حزر ما قتل من العدو فكان أكثر من مئة ألف.
ومن إنشاء الفاضل إلى الديوان وهم على عكا: يمدهم البحر بمراكب أكثر من أمواجه، ويخرج لنا أمر من أجاجه، وقد زر هذا العدو عليه من الخنادق دروعا، واستجن من الجنونات بحصون، فصار مصحرا ممتنعا حاسرا مدرعا، وأصحابنا قد أثرت فيهم المدة الطويلة في استطاعتهم لا في طاعتهم، وفي أجوالهم لا في شجاعتهم فنقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة، ونرجو على يد أمير المؤمنين الإجابة، وقد حرم باباهم لعنه الله كل مباح واستخرج منهم كل مذخور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبسوا الحداد، وحكم أن لا يزالوا كذلك أو يستخلصوا المقبرة، فيا عصبة نبينا صلى الله عليه وسلم اخلفه في أمته بما تطمئن به مضاجعه، ووفه الحق فينا، فها نحن عندك ودائعه، ولولا أن في التصريح ما
يعود على العدالة بالتجريح لقال الخادم ما يبكي العيون وينكي القلوب، ولكنه صابر محتسب وللنصر مرتقب، رب لا أملك إلا نفسي وهاهي في سبيلك مبذولة، وأخي وقد هاجر هجرة نرجوها مقبولة، وولدي وقد بذلت للعدو صفحات وجوههم، ونقف عند هذا الحد ولله الأمر من قبل ومن بعد. ومن كتاب إلى الديوان: قد بلي الإسلام منهم بقوم استطابوا الموت، وفارقوا الأهل طاعة لقسيسهم، وغيرة لمعبدهم، وتهالكا على قمامتهم، حتى لسارت ملكة منهم بخمس مئة مقاتل التزمت بنفقاتهم، فأخذها المسلمون برجالها بقرب الإسكندرية، فذوات المقانع مقنعات دارعات تحمل الطوارق والقبطاريات، ووجدنا منهم عدة بين القتلى، وبابا رومية حكم بأن من لا يتوجه إلى القدس فهو محرم لا منكح له ولا مطعم، فلهذا يتهافتون على الورود ويتهالكون على يومهم الموعود، وقال لهم إنني واصل في الربيع جامع على استنفار الجميع، وإذا نهض فلا يقعد عنه أحد، ويقبل معه كل من قال: لله ولد.
ومن كتاب: ومعاذ الله أن يفتح الله علينا البلاد ثم يغلقها، وأن يسلم على يدينا القدس ثم ننصره، ثم معاذ الله أن نغلب عن النصر أو أن نغلب عن الصبر {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} (1).
ولست بقرم هازم لنظيره
…
ولكنه الإسلام للشرك هازم
إلى أن قال: والمشهور الآن أن ملك الألمان خرج في مئتي ألف وأنه
(1) محمد الآية (35).
الآن في دون خمسة آلاف. (1)
- وقال الذهبي أيضا: وكان نور الدين قد أَمَّره، وبعثه في عسكره مع عمه أسد الدين شيركوه، فحكم شيركوه على مصر، فما لبث أن توفي، فقام بعده صلاح الدين، ودانت له العساكر، وقهر بني عبيد، ومحا دولتهم، واستولى على قصر القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس، منها الجبل الياقوت الذي وزنه سبعة عشر درهما؛ قال مؤلف الكامل ابن الأثير: أنا رأيته ووزنته. (2)
- وقال: قال ابن واصل في حصار عزاز: كانت لجاويلي خيمة كان السلطان يحضر فيها، ويحض الرجال، فحضر باطنية في زي الأجناد، فقفز عليه واحد ضربه بسكين، لولا المغفر الزرد الذي تحت القلنسوة، لقتله فأمسك السلطان يد الباطني بيديه، فبقي يضرب في عنق السلطان ضربا ضعيفا، والزرد تمنع، وبادر الأمير بازكوج، فأمسك السكين، فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه، ووثب آخر، فوثب عليه ابن منكلان، فجرحه الباطني في جنبه، فمات، وقتل الباطني، وقفز ثالث، فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس، فضمه تحت إبطه، فطعنه صاحب حمص، فقتله، وركب السلطان إلى مخيمه، ودمه يسيل على خده، واحتجب في بيت خشب، وعرض جنده، فمن أنكره أبعده. (3)
(1) السير (22/ 209 - 212).
(2)
السير (21/ 279).
(3)
السير (21/ 281 - 282).