الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخلى دارا من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، وقال الحافظ يحيى بن منده: كان أبو القاسم حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام، ليس في وقته مثله. توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.
موقفه من المبتدعة:
- قال رحمه الله: وحين رأيت قوام الإسلام بالتمسك بالسنة، ورأيت البدعة قد كثرت، والوقيعة في أهل السنة قد فشت، ورأيت اتباع السنة عند قوم نقيصة، والخوض في الكلام درجة رفيعة، رأيت أن أملي كتابا في السنة يعتمد عليه من قصد الاتباع وجانب الابتداع، وأبين فيه اعتقاد أئمة السلف وأهل السنة في الأمصار، والراسخين في العلم في الأقطار، ليلزم المرء اتباع الأئمة الماضين، ويجانب طريقة المبتدعين، ويكون من صالحي الخلف لصالحي السلف، وسميته كتاب 'الحجة في بيان المحجة وشرح التوحيد ومذهب أهل السنة'. أعاذنا الله من مخالفة السنة ولزوم الابتداع، وجعلنا ممن يلزم طريق الاتباع وصلى الله على محمد أفضل صلاة وأزكاها وأطيبها وأنماها، وأحيانا على ملته، وأماتنا على سنته، وحشرنا في زمرته، إنه المنعم الوهاب. (1)
- وقال رحمه الله: قوله: ما أنا عليه وأصحابي (2) الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما مضى عليه أئمة الدين المشهورون في الآفاق. (3)
(1) الحجة في بيان المحجة (1/ 83 - 84).
(2)
تقدم تخريجه ضمن مواقف الآجري سنة (360هـ).
(3)
الحجة في بيان المحجة 1/ 109).
- وقال: ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين، وترك الجدال والخصومات، وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة، وهي مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تبارك وتعالى قال الله عز وجل:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1) وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2)، وقال:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3). فأمر الله عز وجل رسوله بالبلاغ فقال: {* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (4) فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة، ودعا إلى الله عز وجل بالكتاب والسنة، فأمر الناس باتباع الصحابة العالمين بالله، وأولي الأمر من العلماء من بعدهم لقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (5). فأفضل العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولي الأمر: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ثم الأكابر فالأكابر من العشرة وغيرهم من الصحابة الذين أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائلهم، وأمر
(1) التغابن الآية (12).
(2)
النساء الآية (80).
(3)
الحشر الآية (7).
(4)
المائدة الآية (67).
(5)
النساء الآية (59).
بالاقتداء بهم، فقال عليه السلام:«اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» . (1)
وقال عليه السلام: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» . (2)
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ التابعون عن الصحابة وهؤلاء الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين بعدهم. (3)
- وقال: فمن نظر بعين الإنصاف، علم أنه لا يكون أحد أسوأ مذهبا ممن يدع قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول الصحابة رضوان الله عليهم، وقول العلماء والفقهاء بعدهم، ممن يبني مذهبه ودينه على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتبع من ليس بعالم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف لا يأمن أن يكون متبعا للشيطان أعاذنا الله من متابعة الشيطان. (4)
- وقال: ولا يجوز مجالسة أهل المعاصي الذين ظهر فسقهم، ولا مجالسة أهل البدع الذين ظهرت بدعهم، ولا يجوز دخول الحمام إلا بمئزر، والحب في الله والبغض في الله من الإيمان. (5)
- وقال: ومن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله عز وجل، وبأحاديث
(1) أحمد (5/ 382و385و402) والترمذي (5/ 569/3662) وابن ماجه (1/ 37/97) وابن حبان (15/ 327 - 328/ 6902) والحاكم (3/ 75) من طرق عن ربعي بن حراش عن حذيفة مرفوعا. قال الترمذي: "حديث حسن، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه". وقال الحاكم بعد ذكره طرق هذا الحديث: "فثبت بما ذكرنا صحة هذا الحديث"، ووافقه الذهبي ..
(2)
تقدم تخريجه ضمن مواقف أبي عثمان الصابوني سنة (449هـ).
(3)
الحجة في بيان المحجة (1/ 235 - 237).
(4)
الحجة في بيان المحجة (1/ 311).
(5)
الحجة في بيان المحجة (2/ 267).
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الرأي والابتداع. (1)
- وقال: قال أهل اللغة: السنة: السيرة والطريقة. فقولهم فلان على السنة ومن أهل السنة، أي هو موافق للتنزيل والأثر في الفعل والقول، ولأن السنة لا تكون مع مخالفة الله ومخالفة رسوله. فإن قيل كل فرقة تنتحل اتباع السنة، وتنسب مخالفيها إلى خلاف الحق، فما الدليل على أنكم أهلها دون من خالفكم؟
قلنا: الدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2). فأمر باتباعه وطاعته فيما أمر ونهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي» (3)، و «من رغب عن سنتي فليس مني» . (4)
وعرفنا سنته بالآثار المروية بالأسانيد الصحيحة، وهذه الفرقة الذين هم أصحاب الحديث لها أطلب، وفيها أرغب ولصحاحها أتبع. فعلمنا بالكتاب والسنة أنهم أهلها دون سائر الفرق لأن مدعي كل صناعة إذا لم يكن معه دلالة من صناعته يكون مبطلا في دعواه، وإنما يستدل على صناعته كل صاحب صنعة بآلته فإذا رأيت الرجل فتح باب دكانه، وبين يديه الكير،
(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 269).
(2)
الحشر الآية (7).
(3)
تقدم تخريجه ضمن مواقف اللالكائي سنة (418هـ).
(4)
أحمد (3/ 241و259) والبخاري (9/ 129/5063) ومسلم (2/ 1020/1401) والنسائي (6/ 368 - 369/ 3217) من حديث أنس.
والمطرقة، والسندان، علمت أنه حداد، وإذا رأيت بين يديه الإبرة، والمقراض علمته أنه خياط، وكذلك ما أشبه هذا، ومتى قال صاحب التمر لصاحب العطر: أنا عطار. قال له: كذبت، أنا هو وشهد له بذلك كل من أبصره من العامة. وقد وجدنا أصحابنا دخلوا في طلب الآثار التي تدل على سنن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوها من معادنها وجمعوها من مظانها وحفظوها، ودعوا إلى اتباعها. وعابوا من خالفها وكثرت عندهم وفي أيديهم، حتى اشتهروا بها كما اشتهر البزاز ببزه، والتمار بتمره والعطار بعطره، ورأينا قوما تنكبوا معرفتها واتباعها، وطعنوا فيها وزهدوا الناس في جمعها ونشرها، وضربوا لها ولأهلها أسوأ الأمثال، فعلمنا بهذه الدلائل أن هؤلاء الراغبين فيها، وفي جمعها، وحفظها، واتباعها أولى بها من سائر الفرق الذين تنكبوها لأن الإتباع عند العلماء هو الأخذ بسنن النبي صلى الله عليه وسلم التي صحت عنه التي أمر بالأخذ بما أمر، والانتهاء عما نهى وهذه دلالة ظاهرة لأهل السنة باستحقاقهم هذا الاسم دون من اتبع الرأي والهوى.
فإن قيل: الأمر كما قلت، غير أن كل فرقة تحتج لمذهبها بحجة، قيل: من احتج بحديث ضعيف في معارضة حديث صحيح، أو حديث مرسل في معارضة حديث مسند، أو احتج بقول تابعي في معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يتساويان. فإن من اتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم فقد استمسك بما هو الحجة قطعا، ومن احتج بالثابت القوي أحسن حالا ممن احتج بالواهي الضعيف، وبهذا استبان الاتباع من غيره، لأن صاحب السنة لا يتبع إلا ما هو الأقوى،
وأصحاب الأهواء وصاحب الهوى يتبع ما يهوى. (1)
- وقال: قال بعض علماء السنة: كل من صح عنده شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه، صغيره وكبيره، بلا معارض له يعرفه من حديثه أو ناسخ له، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وأنا أقول بخلافه؛ فقد تكلم بعظيم، وإن كان ذلك الشيء مما لا يضل الرجل بتركه؛ لأن أدنى معاندة النبي صلى الله عليه وسلم في أدنى شيء من أمره ونهيه عظيم، فمن قبل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنما يقبل عن الله، ومن رد عليه؛ فإنما يرد على الله، قال الله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2).
وقول من قال: تعرض السنة على القرآن؛ فإن وافقت ظاهره وإلا استعملنا ظاهر القرآن وتركنا الحديث، فهذا جهل؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله عزوجل تقام مقام البيان عن الله عزوجل، ليس شيء من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف كتاب الله؛ لأن الله عزوجل أعلم خلقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم فقال:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} (3)؛ وليس لنا مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر شيء إلا الاتباع والتسليم، ولا يعرض على قياس، ولا غيره، وكل ما سواها من قول الآدميين تبع لها، ولا عذر لأحد يتعمد ترك السنة، ويذهب إلى غيرها؛ لأنه لا حجة لقول أحد مع قول
(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 384 - 386).
(2)
النساء الآية (80).
(3)
الشورى الآية (52).
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح.
فإذا لم يوجد في الحادثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ووجد فيها عن أصحابه رضي الله عنهم شيء فهم الأئمة بعده والحجة، اعتبارا بكتاب الله وبأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصفهم في كتابه من الخير والصدق والأمانة، وأنه رضي الله عنهم وعن من اتبعهم بإحسان وقال:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1) واختلف المفسرون في أولي الأمر فقال بعضهم: هم العلماء، وقال بعضهم: هم الأمراء، وكل هذا قد اجتمع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم الأمراء، والخلفاء، والعلماء والفقهاء. قال الله عز وجل:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (2) أخبر الله عزوجل أنه رضي الله عنهم ورضي أعمالهم ورضي عمن اتبعهم بإحسان، فهم القدوة في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصابة الحق وأقربهم إلى التوفيق لما يقرب إلى رضاه، وكذلك وصفهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (3).اهـ (4)
- وقال: وينبغي للمرء أن يحذر محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة،
(1) النساء الآية (59).
(2)
التوبة الآية (100).
(3)
أخرجه: أحمد (1/ 434) والبخاري (5/ 324/2652) ومسلم (4/ 1963/2533 [212]) والترمذي (5/ 652/3859) وابن ماجه (2/ 791/2362) عن ابن مسعود.
(4)
الحجة في بيان المحجة (2/ 397 - 399)
والسنة إنما هي التصديق لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك معارضتها بكيف، ولم، والكلام والخصومات في الدين، والجدال محدث وهو يوقع الشك في القلوب، ويمنع من معرفة الحق والصواب، وليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو الاتباع، والاستعمال. يقتدى بالصحابة، والتابعين وإن كان قليل العلم، ومن خالف الصحابة والتابعين فهو ضال وإن كان كثير العلم. (1)
- وقال: قال بعض علماء أهل السنة: نحن لا نرى الكلام، والخوض في الدين والمراء والخصومات، فمهما وقع الخلاف في مسألة رجعنا إلى كتاب الله عزوجل، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى قول الأئمة، فإن لم نجد ذلك في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقله الصحابة والتابعون، سكتنا عن ذلك ووكلنا علمه إلى الله تعالى، لأن الله تعالى أمرنا بذلك فقال عز من قائل:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2).اهـ (3)
- وقال: وعلى المرء محبة أهل السنة، أي موضع كانوا رجاء محبة الله له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وجبت محبتي للمتاحبين فيّ والمتجالسين فيّ والمتلاقين فيّ» (4)، وعليه بغض أهل البدع أي موضع كانوا حتى يكون ممن
(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 437 - 438).
(2)
النساء الآية (59).
(3)
الحجة في بيان المحجة (2/ 452).
(4)
أخرجه أحمد (5/ 247) ومالك في الموطأ (2/ 953 - 954) وابن حبان (2/ 335/575) والطبراني
…
(20/ 80 - 81/ 150،152،153) والحاكم (4/ 168،169،170) من طرق عن أبي ادريس الخولاني عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في والمتزاورين في» وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي.