الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمعناه يقول: حيرني الهمذاني. (1)
محمد بن عبد الملك الكَرَجِي (2)(532 هـ)
محمد بن عبد الملك بن محمد أبو الحسن الكرجي، فقيه، محدث، مفسر أديب، شاعر، ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بالكرج، وسمع بها، وبهمذان وأصبهان وبغداد، ومن شيوخه في الحديث مكي بن علان الكرجي وأبو القاسم علي بن أحمد الرزازة، وأبو علي محمد بن سعيد بن نبهان وغيرهم. وروى عنه ابن السمعاني وأبو موسى المدني وجماعة، وصنف تصانيف كثيرة، منها: الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، وتفسير ومؤلف في الفقه الشافعي، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم يصح في ذلك حديث، وقد كان إمامنا الشافعي، يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي الحائط. وقد كان حسن الصورة، جميل المعاشرة، قال ابن السمعاني: رأيته بالكرج، إمام، ورع، فقيه، مفت، محدث، خير، أديب شاعر. أفنى عمره في جمع العلم ونشره. توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
موقفه من المبتدعة:
- قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: ومن ذلك: ما ذكره شيخ الحرمين: أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه
(1) مختصر العلو (ص.276 - 277).
(2)
المنتظم (17/ 331 - 332) وطبقات الشافعية (4/ 81 - 86) والبداية والنهاية (12/ 229) وشذرات الذهب (4/ 100) ومعجم المؤلفين (10/ 258) وتاريخ الإسلام (حوادث 531 - 540/ص.294 - 296).
'الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفضول' وكان من أئمة الشافعية -ذكر فيه من كلام الشافعي، ومالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري -صاحب الصحيح- وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحق بن راهويه في أصول السنة ما يعرف به اعتقادهم. وذكر في تراجمهم ما فيه تنبيه على مراتبهم ومكانتهم في الإسلام، وذكر أنه اقتصر في النقل عنهم -دون غيرهم- لأنهم هم المقتدى بهم والمرجوع شرقا وغربا إلى مذاهبهم، ولأنهم أجمع لشرائط القدوة والإمامة من غيرهم، وأكثر لتحصيل أسبابها وأدواتها: من جودة الحفظ والبصيرة، والفطنة والمعرفة بالكتاب والسنة، والإجماع والسند والرجال، والأحوال، ولغات العرب، ومواضعها، والتاريخ، والناسخ والمنسوخ، والمنقول والمعقول، والصحيح، والمدخول في الصدق، والصلابة، وظهور الأمانة، والديانة ممن سواهم.
قال: وإن قصر واحد منهم في سبب منها جبر تقصيره قرب عصره من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، باينوا هؤلاء بهذا المعنى من سواهم، فإن غيرهم من الأئمة -وإن كانوا في منصب الإمامة- لكن أخلوا ببعض ما أشرت إليه مجملا من شرائطها، إذ ليس هذا موضعا لبيانها. قال: ووجه ثالث لا بد من أن نبين فيه، فنقول: إن في النقل عن هؤلاء إلزاما للحجة على كل من ينتحل مذهب إمام يخالفه في العقيدة، فإن أحدهما لا محالة يضلل صاحبه، أو يبدعه، أو يكفره، فانتحال مذهبه -مع مخالفته له في العقيدة- مستنكر، والله شرعا وطبعا، فمن قال: أنا شافعي الشرع، أشعري الاعتقاد،
قلنا له: هذا من الأضداد، لا بل من الارتداد، إذ لم يكن الشافعي أشعري الاعتقاد. ومن قال: أنا حنبلي في الفروع، معتزلي في الأصول، قلنا: قد ضللت إذا عن سواء السبيل فيما تزعمه، إذ لم يكن أحمد معتزلي الدين والاجتهاد.
قال: وقد افتتن أيضا خلق من المالكية بمذاهب الأشعرية، وهذه والله سبة وعار، وفلتة تعود بالوبال والنكال وسوء الدار، على منتحل مذاهب هؤلاء الأئمة الكبار، فإن مذهبهم ما رويناه من تكفيرهم: الجهمية، والمعتزلة والقدرية والواقفية، وتكفيرهم اللفظية. وبسط الكلام في مسألة اللفظ، إلى أن قال: فأما غير ما ذكرناه من الأئمة: فلم ينتحل أحد مذهبهم، فلذلك لم نتعرض للنقل عنهم. قال: فإن قيل: فهلا اقتصرتم إذا على النقل عمن شاع مذهبه وانتحل اختياره من أصحاب الحديث، وهم الأئمة: الشافعي، ومالك، والثوري، وأحمد، إذ لا نرى أحدا ينتحل مذهب الأوزاعي والليث وسائرهم؟
قلنا: لأن من ذكرناه من الأئمة -سوى هؤلاء- أرباب المذاهب في الجملة، إذ كانوا قدوة في عصرهم، ثم اندرجت مذاهبهم الآخرة تحت مذاهب الأئمة المعتبرة. وذلك أن ابن عيينة كان قدوة، ولكن لم يصنف في الذي كان يختاره من الأحكام، وإنما صنف أصحابه، وهم الشافعي، وأحمد وإسحق، فاندرج مذهبه تحت مذاهبهم. وأما الليث بن سعد فلم يقم أصحابه بمذهبه، قال الشافعي: لم يرزق الأصحاب إلا أن قوله يوافق قول مالك أو قول الثوري لا يخطئهما، فاندرج مذهبه تحت مذهبهما. وأما الأوزاعي فلا نرى له في أعم المسائل قولا إلا ويوافق قول مالك أو قول
الثوري، أو قول الشافعي: فاندرج اختياره أيضا تحت اختيار هؤلاء، وكذلك اختيار إسحق يندرج تحت مذهب أحمد لتوافقهما.
قال: فإن قيل: فمن أين وقعت على هذا التفصيل والبيان في اندراج مذاهب هؤلاء تحت مذاهب الأئمة؟ قلت: من التعليقة للشيخ أبي حامد الاسفرائيني، التي هي ديوان الشرائع، وأم البدائع: في بيان الأحكام، ومذاهب العلماء الأعلام، وأصول الحجج العظام، في المختلف والمؤتلف.
قال: وأما اختيار أبي زرعة، وأبي حاتم في الصلاة والأحكام -مما قرأته وسمعته من مجموعيهما- فهو موافق لقول أحمد ومندرج تحته وذلك مشهور. وأما البخاري فلم أر له اختيارا، ولكن سمعت محمد بن طاهر الحافظ يقول: استنبط البخاري في الاختيارات مسائل موافقة لمذهب أحمد وإسحاق. فلهذه المعاني نقلنا عن الجماعة الذين سميناهم دون غيرهم، إذ هم أرباب المذاهب في الجملة، ولهم أهلية الاقتداء بهم لحيازتهم شرائط الإمامة، وليس من سواهم في درجتهم، وإن كانوا أئمة كبراء قد ساروا بسيرهم.
ثم ذكر بعد ذلك الفصل الثاني عشر: في ذكر خلاصة تحوي مناصيص الأئمة بعد أن أفرد لكل منهم فصلا- قال: لما تتبعت أصول ما صح لي روايته، فعثرت فيها بما قد ذكرت من عقائد الأئمة، فرتبتها عند ذلك على ترتيب الفصول التي أثبتها، وافتتحت كل فصل بنيف من المحامد، يكون لإمامتهم إحدى الشواهد، داعية إلى اتباعهم، ووجوب وفاقهم، وتحريم خلافهم وشقاقهم، فإن اتباع من ذكرناه من الأئمة في الأصول في زماننا بمنزلة اتباع الإجماع الذي يبلغنا عن الصحابة والتابعين، إذ لا يسع مسلما
خلافه، ولا يعذر فيه فإن الحق لا يخرج عنهم، لأنهم الأدلاء، وأرباب مذاهب هذه الأمة، والصدور والسادة، والعلماء القادة، أولوا الدين والديانة، والصدق والأمانة، والعلم الوافر، والاجتهاد الظاهر، ولهذا المعنى اقتدوا بهم في الفروع، فجعلوهم فيها وسائل بينهم وبين الله، حتى صاروا أرباب المذاهب في المشارق والمغارب، فليرضوا كذلك بهم في الأصول فيما بينهم وبين ربهم وبما نصوا عليه ودعوا إليه.
قال: فإنا نعلم قطعا أنهم أعرف قطعا بما صح من معتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، لجودة معارفهم وحيازتهم شرائط الإمامة ولقرب عصرهم من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما بيناه في أول الكتاب.
قال: ثم أردت -ووافق مرادي سؤال بعض الإخوان- أن أذكر خلاصة مناصيصهم متضمنة بعض ألفاظهم. فإنها أقرب إلى الحفظ، وهي اللباب لما ينطوي عليه الكتاب، فاستعنت بمن عليه التكلان، وقلت: إن الذي آثرناه من مناصيصهم يجمعه فصلان:
أحدهما: في بيان السنة وفضلها.
والثاني: في هجران البدعة وأهلها.
أما الفصل الأول: فاعلم أن السنة طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسنن بسلوكها وإصابتها، وهي أقسام ثلاثة: أقوال، وأعمال، وعقائد. فالأقوال: نحو الأذكار والتسبيحات المأثورة. والأفعال: مثل سنن الصلاة والصيام والصدقات المذكورة، ونحو السير المرضية، والآداب المحكية، فهذان القسمان في عداد التأكيد والاستحباب، واكتساب الأجر والثواب. والقسم الثالث:
سنة العقائد، وهي من الإيمان إحدى القواعد.
قال: وهاأنذا أذكر بعون الله خلاصة ما نقلته عنهم مفرقا، وأضيف إليه ما دون في كتب الأصول مما لم يبلغني عنهم مطلقا، وأرتبها مرشحة، وببعض مناصيصهم موشحة، بأوجز لفظ على قدر وسعي، ليسهل حفظه على من يريد أن يعي، فأقول: ليعلم المستن أن سنة العقائد على ثلاثة أضرب: ضرب يتعلق بأسماء الله، وذاته، وصفاته. وضرب يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه ومعجزاته، وضرب يتعلق بأهل الإسلام في أولاهم وأخراهم.
أما الضرب الأول: فلنعتقد أن لله أسماء وصفات قديمة غير مخلوقة، جاء بها كتابه، وأخبر بها الرسول أصحابه، فيما رواه الثقات، وصححه النقاد الأثبات، ودل القرآن المبين والحديث الصحيح المتين على ثبوتها. قال رحمه الله تعالى: وهي أن الله تعالى أول لم يزل، وآخر لا يزال، أحد قديم وصمد كريم، عليم حليم علي عظيم، رفيع مجيد، وله بطش شديد، وهو يبدئ ويعيد، فعال لما يريد، قوي قدير، منيع نصير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (1) إلى سائر أسمائه وصفاته من النفس، والوجه، والعين، والقدم، واليدين، والعلم، والنظر، والسمع، والبصر، والإرادة، والمشيئة، والرضى، والغضب، والمحبة، والضحك، والعجب، والاستحياء، والغيرة، والكراهة، والسخط، والقبض، والبسط، والقرب، والدنو، والفوقية والعلو والكلام، والسلام، والقول، والنداء والتجلي واللقاء والنزول،
(1) الشورى الآية (11).
والصعود والاستواء، وأنه تعالى في السماء، وأنه على عرشه بائن من خلقه. قال مالك: إن الله في السماء وعلمه في كل مكان، وقال عبد الله بن المبارك: نعرف ربنا فوق سبع سمواته على العرش بائنا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه ههنا- وأشار إلى الأرض وقال سفيان الثوري: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1) قال: علمه. قال الشافعي: إنه على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، قال أحمد: إنه مستو على العرش عالم بكل مكان، وإنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وإنه يأتي يوم القيامة كيف شاء، وإنه يعلو على كرسيه، والإيمان بالعرش والكرسي وما ورد فيهما من الآيات والأخبار.
ثم ذكر الأدلة من السنة على ذلك ثم قال: إلى غيرها من الأحاديث، هالتنا أو لم تهلنا، بلغتنا أو لم تبلغنا، اعتقادنا فيها وفي الآي الواردة في الصفات: أنا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها، ولا نعطلها ولا نتأولها، وعلى العقول لا نحملها، وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نعمل رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها بل نؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها، كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم. روينا عن إسحاق أنه قال: لا نزيل صفة مما وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها الرسول عن جهتها، لا بكلام ولا بإرادة، إنما يلزم المسلم الأداء ويوقن بقلبه أن ما وصف الله به نفسه في القرآن إنما هي صفاته، ولا يعقل نبي مرسل، ولا ملك مقرب تلك
(1) الحديد الآية (4).