الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} (1)، فسماهم بالكفر وهم أطفال، فكيف جاز ذلك في قوم نوح، ولا يجوز ذلك في قومنا، وما بيننا وبينهم إلا السيف، وأما استحلال الأمانات ممن خالفنا، فإن الله تعالى أحل لنا ذمة أموالهم، كما أحل لنا دماءهم، فاتقوا الله يا نجدة، وراجع نفسك لا عذر لك إلا بالتوبة، ولا يسعك خذلاننا والقعود عنا والسلام على من أقر بالحق وعمل به. (2)
- وقال أبو محمد أيضا: فاعلم أيدك الله وأرشدك للصواب أن الناس افترقوا في الإمامة على فرق شتى، قالت الخوارج ومن لف لفيفها بإمامة أبي بكر رضي الله عنه ابتداء، وعمر بعده، وعثمان إلى وقت الحدث، وعلي إلى وقت التحكيم، وتولوهم وأثنوا عليهم خيرا، وقبلوا أقوالهم وأعمالهم بأحسن قبول، وذكروهم بأحمد ذكر، وأمسكوا عن عثمان من وقت الحدث، ورفضوا إمامة علي من وقت التحكيم، وقالوا: حكمتم الرجال في دين الله تعالى، وتبرؤوا منه، وذكروه بأقبح ذكر، وقالوا: شك في دينه، وهو الحيران الذي ذكره الله تعالى في كتابه، وحملوا قوله وحكمه على البطلان والعصيان. (3)
موقفه من المرجئة:
- قال رحمه الله: الإيمان إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل
(1) نوح الآيتان (26و27).
(2)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 20 - 23).
(3)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 81).
بالجوارح، وكل خصلة من خصال الطاعات المفروضة إيمان. فعلى هذا الإيمان عندهم التصديق، وموضعه القلب والمعبر عنه باللسان، وظاهر الدليل عليه بعد الإقرار شهادة الأركان وهي ثلاثة أشياء: شهادة، واعتقاد، وعمل، فالشهادة تحقن الدم وتمنع المال وتوجب أحكام الله، والعمل يوجب الديانة والعدالة، وهذان ظاهران يوجبان الظاهرة الشريعة، فأما العقيدة فإنها تظهرها الآخرة، لأنها خفية لا يعلمها إلا الله، فمن ترك العقيدة بالقلب وأظهر الشهادة فهو منافق، ومن اعتقدها بقلبه وعبر عنها لسانه وترك العمل بالفرائض عصيانا منه فهو فاسق غير خارج بذلك عن إيمانه، لكنه يكون ناقصا، وتجري عليه أحكام المسلمين، اللهم إلا إن تركها وهو جاحد بوجوبها: فهو كافر حلال الدم ويجب قتله. وأما من اعتقد بقلبه أن الله وحده لا شريك له وأثبته معرفة ووجودا، كما قال أبو جعفر بن محمد رضي الله عنه للأعرابي الذي قال له: رأيت الله حين عبدته؟ قال: ما كنت لأعبد ما لم أره، قال له الأعرابي: فكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار بمشاهدة الأعيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجور في القضيات، ذلك الله الذي لا اله إلا هو. قال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
فعلى هذا لئن عبر عنه لسانه بما تقدم ذكره، وعمل بجوارحه ما فرض عليه، وصدق بما جاء من عند ربه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه صواب وحكمة وعدل، وأن الطاعة له فيها لازمة، واجتنب الكبائر الموبقة: فهو مؤمن حقا، يزيد إيمانه بالطاعات وينقص بالمعاصي، فيستحق بالطاعات الثواب، ويأمن
بترك المعاصي العذاب والعقاب، لكنه يكون بين حالين: خائفا لربه بما أوعد من العقوبات، راجيا له بما وعد من العفو، فيكون بين مخافة ورجا. (1)
وذكر رحمه الله الأدلة على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد.
- وقال أيضا: وأما كسر ما ذهبوا إليه من أن الإيمان لا ينقص بالمعاصي ولا يزداد بالطاعات فغير مسلم لهم، بل يكسره قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} (2) فذكر الله تعالى الزيادة في الإيمان بأفعال الخير، وذكر نقص الإيمان بالمعاصي بقوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} (3)، فمنع من المساواة بينهم لأن عملهم السيئات نقص في إيمانهم.
وقال أيضا عز من قائل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} (4)، حاشا الله ما هم سواء كما قالت المرجئة، وقال: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا
(1) عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 313 - 314).
(2)
الأنفال الآية (2).
(3)
الجاثية الآية (21).
(4)
ص الآية (28).
لَا يَسْتَوُونَ (18)} (1)، فمنع المساواة بينهم. وقالت المرجئة: بل هم سواء. معاذ الله أن نقول بهذا، وأن نجعل إيمان المطهرين الأبرار كإيمان الفجار الفاسقين، ولهذا حكي أن المرجئة يهود هذه الأمة، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} (2) أفليس هذا نقصا؟
وقال أيضا عز من قائل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (3)، أفليس قد أخرجهم عن إيمانهم إذا لم يرضوا بقضيته صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر إيمانهم بقوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} .
والمرجئة ترد على الله قضيته وحكمه الذي حكم به، فيزعمون أن إيمانهم كإيمان جبرائيل عليه السلام، كذبوا وأفكوا، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (4) أفليس إذا أكلوها بينهم بالباطل نقصهم إيمانهم؟ ثم تواعدهم على إثر ذلك فقال: {وَمَنْ
(1) السجدة الآية (18).
(2)
النساء الآية (10).
(3)
النساء الآية (65).
(4)
النساء الآية (29).
يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} (1).
وقال عز من قائل في قاعدة اليتامى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)} (2) أفليس الحوب نقصا في الإيمان؟ وقال: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} (3)، أفليس هذا إن فعله فاعله نقصا في إيمانه، والمرجئة تقول بخلاف هذا، وأن عندهم من قتل أو سرق أو زنا أو نكح ابنته أو أخته أو بعض جميع ما ذكر الله تعالى تحريمهن، [وعدت من مضى عليها، وتوعد من عملها في هذه الآية بعذابها ونارها](4)، مؤمن كإيمان الملائكة والنبيين صلى الله تعالى عليهم أجمعين. هل هذا إلا كفر عظيم؟!!.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (5) أفليس قد سماهم مسلمين مؤمنين؟ وأمرهم أن يتركوا ما بقي
(1) النساء الآية (30).
(2)
النساء الآية (2).
(3)
النساء الآية (22).
(4)
قال محققه: هكذا النص في الأصل وفي النسخة (ر)، والكلام مستقيم بدونه فلعله ورد خطأ، أو أن في الكلام نقصا.
(5)
البقرة الآيتان (278و279).