الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الربا، فيكون ذلك لهم زيادة في إيمانهم إذا أطاعوا، ونقصا لهم إذا عصوا ولم يتركوه؟.
وقال أيضا: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (1) أفليس كسب الخير يزيد في الإيمان، وكسب المعصية ينقص منه؟
وقال أيضا عز من قائل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} (2). أفليس هذا دليلا على أنهم إذا فعلوا الفاحشة نقص ذلك من إيمانهم فلم يدخلهم الجنة؟ فإن استغفروا عنها وتابوا غفر لهم وأدخلهم الجنة لأنهم ازدادوا في إيمانهم بالتوبة عنها.
ثم سرد الأدلة من السنة على ذلك. (3)
موقفه من القدرية:
- قال رحمه الله في شأن فرقة القدرية: قالوا: قضاء الله وقدره في
(1) الأنعام الآية (158).
(2)
آل عمران الآيتان (135و136).
(3)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 306 - 310).
معاصي عباده منهم دونه، وأنه تعالى يريد منهم ما لا يكون، ويكون منهم ما لا يريد، وأنه لم يخلق أفعال العباد بل هم الخالقون لها دونه، وأن العبد مخير يفعل ما يشاء من خير وشر، ليس لله تعالى في فعله صنع، قالوا: ولأنه لو كان له صنع في فعل عبده لما سأله عنه، ولو أنه سأله عنه لكان جورا منه، قالوا: والعبد إذا تغذا بغذاء حرام ليس من رزق ربه، بل هو من رزق نفسه، قالوا: وقد يقتل الإنسان دون أجله، قالوا: وعلم الله تعالى سابق غير سابق، والعباد يشاؤون لأنفسهم ما لا يشاء ربهم لهم، وأنهم قادرون على الخروج من علمه، وأنهم يجعلون لأنفسهم قوة يفعلون بها ما أرادوا، وأن أمر الاستطاعة إليهم دون ربهم. (1)
- ثم قال: وغلا قوم منهم غلوا شديدا إلى أن قالوا: إن الله عزوجل لا يعلم الشيء قبل أن يكون، وكذبوا، بل هو سبحانه يعلم الشيء الذي يكون قبل أن يكون، ويعلم ما لا يكون أن كيف كان لو كان يكون (2)
ثم ذكر الأدلة على ذلك.
- وقد أطال النفس رحمه الله في الاحتجاج بينه وبين القدرية من الكتاب والسنة وأقوال السلف وكنموذج على ذلك قوله: فإن قال: فإنما عنى بالإرادة خلق الطاعة دون خلق المعصية.
قيل: قولك هذا كقول المجوس لأنهم أثبتوا خالقين: أحدهما يخلق الخير وهو الله تعالى، والثاني يخلق الشر وهو الشيطان لعنه الله، وهذا رد على
(1) عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 354 - 355).
(2)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 355).
القرآن لأنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} (1)، فذكر أنه خالق الشر لا خالق له سواه، وأنت تقول بخلافه من أنه خلق الخير وغيره خلق الشر، وليس في قوله تعالى نقص ولا تقصير ولا استثناء، فيكون خالق الشيء دون الشيء، بل هو خالق كل شيء كما قال سبحانه:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، وهذه آية عامة لا خاصة.
فإن قال: فيلزمكم على هذا أن إبليس اللعين وهو شيطان رجيم، وكل كافر ومشرك مستوجب للعذاب داخل في رحمة الله تعالى، لأنه يقول:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (3) فما تراهم إلا قد دخلوا في رحمته، لأنهم شيء، ونحن مجمعون وإياكم أنهم غير داخلين في رحمته.
قيل: هذا تمويه بين وتأويل فاسد، لأنه سبحانه استثنى من الآية من لا يدخل في رحمته بقوله سبحانه: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
(1) الفلق الآيات (1 - 5).
(2)
غافر الآية (62).
(3)
الأعراف الآية (156).
النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1)، وإبليس ومن ذكرت لا يعملون بهذا فخرجوا من الرحمة. والآية التي ذكرناها ما فيها استثناء ولا نقص ولا تقصير، فافهم هذا أرشدك الله، ففيه كفاية لكسر تمويهك والحمد لله.
فإن زاد واعترض ولم يقنع بما مضى، وقال: ألستم تقولون: إن الله رضي من عباده المعصية وأرادها منهم؟ فكيف يعذبهم على ما قد مضى منهم؟
قيل له: لسنا نقول: إنه أمر بها ولا رضي، لأنه يقول سبحانه:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (2)، بل نقول: أراد المعصية منهم إرادة كتب وعلم سابق، لا إرادة أمر ولا خير ورضى، لأن الخلق لا يقدرون أن يخرجوا من علمه الذي هو قد علم أنه سيكون منهم، ولا على اكتسابه إلا بمعونته، فالذي يوجد منهم من الطاعات بهداه وتوفيقه ولطفه، والذي تركوا من المعاصي بعصمته وتسديده، والذي كان منهم من فعل المعصية بخذلانه وإرادته ومشيئته، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء، لأنه لا يكون في سلطانه ما لا يريد وما لا يشاء، ألا ترى إلى قوله سبحانه: {وَمَا
(1) الأعراف الآيتان (156و157).
(2)
الزمر الآية (7).
تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} (1).اهـ (2)
وذكر غيرها من الأدلة.
عبد الغني المقدسي (3)(600 هـ)
الإمام العالم الحافظ الكبير الصادق القدوة العابد الأثري المتبع عالم الحفاظ، تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي. ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهو أكبر من أخيه الشيخ الموفق بن قدامة، ومن شيوخه: أبو طاهر السلفي، وأبو الفتح بن البطي، وهبة الله بن هلال الدقاق، وله مصنفات كثيرة، منها: الكمال في معرفة الرجال، والصفات، والتوحيد، والاقتصاد في الاعتقاد، ومناقب الصحابة وغيرها كثير.
قال ضياء الدين: كان شيخنا الحافظ لا يكاد يسأل عن حديث إلا ذكره وبينه، وذكر صحته أو سقمه، وقال إسماعيل بن ظفر: قال رجل للحافظ عبد الغني: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر لصدق.
وقال التاج الكندي: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني. وقال الموفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه. وقال الضياء: ما
(1) التكوير الآية (29).
(2)
عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 372 - 374).
(3)
السير (21/ 443 - 471) وتذكرة الحفاظ (4/ 1372 - 1380) والبداية والنهاية (13/ 42 - 43) وشذرات الذهب (4/ 345 - 346).